السيسي يعلن مبادرة لوقف الحرب في ليبيا... وحفتر يدعو إلى «حوار داخلي»

السعودية تدعو الأطراف الليبية إلى تغليب المصلحة الوطنية... البحرين والإمارات والأردن يرحبان... وصالح يشدد على «طي صفحة الماضي»

الرئيس المصري السيسي خلال مؤتمر صحافي مع خليفة حفتر وعقيلة صالح في القصر الرئاسي بالقاهرة أمس (أ.ف.ب)
الرئيس المصري السيسي خلال مؤتمر صحافي مع خليفة حفتر وعقيلة صالح في القصر الرئاسي بالقاهرة أمس (أ.ف.ب)
TT

السيسي يعلن مبادرة لوقف الحرب في ليبيا... وحفتر يدعو إلى «حوار داخلي»

الرئيس المصري السيسي خلال مؤتمر صحافي مع خليفة حفتر وعقيلة صالح في القصر الرئاسي بالقاهرة أمس (أ.ف.ب)
الرئيس المصري السيسي خلال مؤتمر صحافي مع خليفة حفتر وعقيلة صالح في القصر الرئاسي بالقاهرة أمس (أ.ف.ب)

أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أمس، مبادرة سياسية لإنهاء الصراع المحتدم في ليبيا، تمحورت حول ضرورة إنهاء القتال بداية من يوم غد الاثنين، وقطع الطريق على المقاتلين الأجانب، بالإضافة إلى تفكيك الميليشيات، وتسليم أسلحتهم، وانخراط جميع الأطراف في جهود تشكيل مجلس رئاسي جديد يمثل الأقاليم الليبية الثلاثة وبشروط يتفق عليها الجميع.
وقال السيسي في مؤتمر صحافي، عقده بالقصر الرئاسي أمس، بحضور المشير خليفة حفتر القائد العام لـ«الجيش الوطني» الليبي، والمستشار عقيلة صالح رئيس مجلس النواب، إن تداعيات «الوضع الراهن، ستمتد إلى المحيط الإقليمي والدولي»، وحذر من «إصرار أي طرف على البحث عن حل عسكري للأزمة الليبية». مشيراً إلى أن المبادرة التي اتفق عليها مع حفتر وصالح، «تدعو لوقف إطلاق النار في ليبيا بدايةً من الثامن من الشهر الجاري، وإخراج الميليشيات الأجنبية من ليبيا»، وأن تحركات مصر كانت تهدف دوماً إلى إرساء دعائم الأمن والاستقرار في أنحاء ليبيا كافة، من خلال السعي نحو تسوية سلمية للأزمة، تضمن وحدة المؤسسات الوطنية، والتوزيع العادل للثروات الليبية، ومنع التدخلات الخارجية.
وأوضح السيسي أنه انطلاقاً من حرص مصر على تحقيق الاستقرار السياسي والأمني للدولة الليبية، خصوصاً أن استقرارها جزء لا يتجزأ من استقرار مصر، تمت دعوة المشير حفتر، ورئيس البرلمان الليبي، للحضور إلى القاهرة، قصد التشاور حول تطورات الأوضاع الأخيرة في ليبيا، بعد ترحيبهما بالدعوة، حيث أسفر اللقاء عن توافق القادة الليبيين على إطلاق إعلان القاهرة، متضمناً مبادرة (ليبية - ليبية) كأساس لحل الأزمة، في إطار قرارات الأمم المتحدة، والجهود السابقة في باريس وروما وأبوظبي، وأخيراً في برلين.
وقال السيسي: «أوجه حديثي اليوم إلى العالم أجمع لأقول بكل صدق بأن هذين القائدين الليبيين برهنا خلال اللقاءات التي جمعتهما خلال الأيام الماضية في القاهرة على رغبتهما الأكيدة في إنفاذ إرادة الشعب الليبي، المتمثلة في أن يعرف الاستقرار طريقه مجدداً إلى ليبيا، وفي أن تكون سيادة ليبيا ووحدتها واستقلالها مصونة لا يتم الافتئات عليها من كائن من كان». مبرزاً أن هذه المبادرة «تدعو لاحترام كل الجهود والمبادرات الدولية والأممية من خلال إعلان وقف إطلاق النار، وإلزام كل الجهات الأجنبية بإخراج المرتزقة الأجانب من الأراضي الليبية كافة».
وشدد رئيس مجلس النواب الليبي، من جهته، على أن «الجيش الوطني» لم يتحرك لمحاربة الليبيين، ولكن ذهب إلى العاصمة طرابلس لـ«محاربة الإرهابيين والمرتزقة، وتطهير البلاد منهم». وأوضح أن تركيا دفعت بـ10 آلاف من «المرتزقة» إلى العاصمة لمحاربة الليبيين، لافتاً إلى أن الجيش الوطني قبل بهدنة إنسانية، لكن الطرف الآخر استمر في عناده، قبل أن يشير إلى أن المبادرة المطروحة «تتماشى مع أهداف الشعب والدستور الليبيين، حيث لا تهميش ولا إقصاء لأحد، وبالتالي فهي صحيحة حسب العرف الليبي والدستور الليبي، وكل المعاهدات». داعياً الليبيين أن «يطووا صفحة الماضي، ونحن الآن بصدد بناء الدولة وإعداد السلطة التنفيذية».
في السياق ذاته، أكد المشير حفتر دعمه لمبادرة لحل الأزمة، وقال: «إننا نؤكد دعمنا وقبولنا لها (المبادرة)، آملين الحصول على الدعم والتأييد الدولي للعبور بليبيا لبر الأمان».
وفيما شدد حفتر على ضرورة إنهاء الانقسام بين المؤسسات المختلفة في ليبيا، «بما يضمن التوزيع العادل للثروات على الليبيين»، أشار إلى أهمية دعوة جميع الليبيين للمشاركة في حوار داخلي «ينطلق فوراً»، ويضم مشايخ القبائل والأعيان والشباب، ويتم فيه تمثيل النساء، لكنه شدد على ضرورة استثناء الميليشيات المسلحة من أي حل سياسي للأزمة.
ولفت إلى أن «تدخل تركيا في الشأن الليبي يؤدي إلى تعزيز الانقسام في ليبيا، ذلك أن تقديم تركيا مزيداً من الأسلحة والمرتزقة يزيد من الاستقطاب الإقليمي والدولي حول ليبيا، وهو ما يطيل أمد الصراع، ويبعد أي حل من شأنه إعادة بناء الدولة الليبية».
وانتهى حفتر قائلاً: «تركيا تريد حصار ليبيا ومصر من خلال الاتفاق، الذي تم توقيعه أخيراً مع حكومة الوفاق، وقد حاصرت البلاد براً وبحراً وجواً، وهو ما أثّر سلباً على ليبيا».
كان الرئيس المصري قد استقبل صباح أمس، بقصر الاتحادية عقيلة صالح وخليفة حفتر، بحضور الفريق أول محمد زكي وزير الدفاع المصري، وعباس كامل رئيس جهاز المخابرات العامة، والدكتور علي عبد العال رئيس مجلس النواب، وسامح شكري وزير الخارجية.
وفي أول رد على طرح المبادرة، أبدى خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة، أمس، رفض «أي مبادرة لا تقوم على الاتفاق السياسي الليبي»، وقال لقناة «ليبيا بانوراما»، التابعة لحكومة «الوفاق»، إنه «لا مكان لحفتر في أي مفاوضات قادمة»، كما تمسك برفض التدخل المصري في كل ما يهم الليبيين، لأن «ليبيا دولة ذات سيادة». كما دخل المتحدث باسم قوات «الوفاق»، العقيد محمد قنونو، على خط رفض المبادرة، وقال في بيان مقتضب إن قواته هي من يحدد زمان ومكان نهاية الحرب في ليبيا.
وفي ردود الفعل، حثت السعودية جميع الأطراف الليبية وفي مقدمها حكومة الوفاق والجيش الوطني الليبي، على تغليب المصلحة الوطنية الليبية والوقف الفوري لإطلاق النار والبدء في مفاوضات سياسية عاجلة وشاملة برعاية الأمم المتحدة وبما يكفل عودة الأمن والاستقرار إلى ليبيا والمحافظة على وحدة وسلامة أراضيها وحمايتها من التدخلات الخارجية.
وأكدت المملكة ترحيبها بكل الجهود الدولية التي تدعو إلى وقف القتال في ليبيا والعودة للمسار السياسي على قاعدة المبادرات والقرارات الدولية ذات الصلة بما في ذلك ما تم التوافق عليه في مؤتمري برلين وجنيف.
كذلك أعلنت البحرين دعمها للجهود المصرية، مؤكدةً في بيان وقوفها مع كل الجهود الرامية إلى وقف فوري للاقتتال والعودة للمسار السياسي الذي تقوده الأمم المتحدة بما يضمن سيادة ليبيا بعيداً عن التدخلات الخارجية كافة.
كما رحبت دولة الإمارات العربية المتحدة والأردن بمبادرة السيسي، حيث أعلنت وزارة الخارجية والتعاون الدولي الإماراتية عن تأييدها لـ«الجهود المصرية الخيّرة»، الداعية إلى وقف فوري لإطلاق النار في ليبيا الشقيقة، والعودة إلى المسار السياسي، وثمّنت في هذا الإطار المساعي المخلصة التي تقودها الدبلوماسية المصرية «بحسٍّ عربي مسؤول وجهود مثابرة ومقدرة»، حسبما أفادت وكالة أنباء الإمارات (وامِ). وأكدت وقوف دولة الإمارات مع كل الجهود التي تسعى إلى الوقف الفوري للاقتتال في ليبيا، والعودة إلى المسار السياسي، الذي تقوده الأمم المتحدة بما يضمن سيادة ليبيا بعيداً عن التدخلات الخارجية كافة. داعيةً الجهات الليبية، وعلى رأسها حكومة الوفاق والجيش الوطني إلى التجاوب الفوري مع هذه المبادرة، وتغليب المصلحة الوطنية المشتركة، والتجاوب مع مبادرة القاهرة حقناً للدماء.
من جهته، ثمّن الأردن جهود مصر. وقال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، إن المملكة «تثمن الجهود المصرية التي أثمرت عن «إعلان القاهرة»، الذي يشكل إنجازاً مهماً». مؤكداً أن الإعلان «يمثل مبادرة منسجمة مع المبادرات الدولية، يجب دعمها للتوصل لحل سياسي للأزمة الليبية، يحمي ليبيا ووحدتها واستقرارها عبر حوار ليبي».
- أبرز بنود «إعلان القاهرة»
> وقف إطلاق النار في ليبيا بداية من غد (الاثنين)، وإلزام كل الجهات الأجنبية بإخراج المرتزقة الأجانب، وتفكيك الميليشيات وتسليم أسلحتها.
> استكمال أعمال مسار اللجنة العسكرية (5 +5) بـ«جنيف» برعاية الأمم المتحدة، وبما يترتب عليه من إنجاح باقي المسارات سياسية والأمنية والاقتصادية.
> قيام كل إقليم من الأقاليم الثلاثة (برقة وفزان وطرابلس) بتشكيل مجمع انتخابي، يتم اختيار أعضائه من مجلسي النواب والدولة الممثلين لكل إقليم، إلى جانب شيوخ القبائل والأعيان.
> دعوة الأمم المتحدة للإشراف على المجمعات الانتخابية بشكل عام لضمان نزاهة سير العملية الخاصة باختيار المرشحين للمجلس الرئاسي.
> حصول كل إقليم على عدد متناسب من الحقائب الوزارية، طبقا لعدد السكان بعد التوافق على أعضاء المجلس الرئاسي الجديد وتسمية رئيس الحكومة.
> إعادة سيطرة الدولة على جميع المؤسسات الأمنية، ودعم المؤسسة العسكرية الجيش، مع تحمل «الجيش الوطني» مسؤولياته في مكافحة الإرهاب.
> تحديد المدة الزمنية للفترة الانتقالية بـ18 شهرا قابلة للزيادة بحد أقصى هو ستة أشهر، يتم خلالها إعادة تنظيم جميع مؤسسات الدولة الليبية، خاصة المؤسسات الاقتصادية.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».