منذ عدة أسابيع، تتواتر أخبار النجاحات التي تحققها قوة «برخان» الفرنسية العاملة في بلدان الساحل، خصوصاً في مالي. ويوم الأربعاء الماضي، أشارت وزيرة الدفاع فلورانس بارلي، أمام لجنة الدفاع في الجمعية الوطنية، إلى وجود «مؤشرات إيجابية» لحسن سير عمليات محاربة التنظيمات الإرهابية والمتشددة الموجودة في المنطقة. وجاء إعلان بارلي، ليل أول من أمس، عبر تغريدة على «تويتر»، عن تمكن القوات الفرنسية من قتل زعيم «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، الجزائري المعروف عبد المالك دروكدال في تل خندق، قرب مدينة تساليت الواقعة شمال شرقي مالي، غير بعيد عن الحدود الجزائرية، ليوفر مضموناً ملموساً لما يعد أحد أهم نجاحات «برخان» بما يحمله من دلالات رمزية. وما يضاعف من أهمية الإنجاز، شخصية هذا الرجل وتاريخه الطويل في العمل السري والإرهابي. ولاكتمال الصورة، تتعين الإشارة أيضاً إلى أن بارلي أعلنت أمرين إضافيين: الأول «تحييد العديد من المقربين» من دروكدال، في العملية نفسها. والثاني، أسر محمد المرابط الذي وصفته بأنه «القيادي المهم» في فرع تنظيم «داعش» في الصحراء الكبرى.
وتعتبر فرنسا «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» و«تنظيم الدولة (داعش) في الصحراء الكبرى» العدوين الإرهابيين الرئيسيين اللذين يتعين التركيز على محاربتهما بالتعاون مع القوات المحلية من جهة، ومع القوة الأفريقية المشتركة المسماة «جي 5» المشكلة من وحدات من موريتانيا ومالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد. وبالتوازي، أفادت مصادر وزارة الدفاع، في محصلة لعمليات «برخان» في الأشهر الأخيرة، بأن القوة الفرنسية نجحت في «تحييد» - أي «قتل أو أسر» - نحو 500 من المتشددين في منطقة الساحل، وأن من بين هؤلاء العديد من الشخصيات المهمّة من زعماء دينيين وقادة ومسؤولين عن التجنيد وخبراء في الشؤون اللوجستية.
بيد أن عنصراً مهماً غاب عن إعلان وزيرة الدفاع الفرنسية أو عن مصادر وزارتها، وهو الدور الذي لعبته القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا، المسماة «أفريكوم»، في تمكين «برخان» من القضاء على دروكدال. فقد أفاد الناطق باسمها، الكولونيل كريس كارنز، بأنها «كانت قادرة على تقديم مساعدتها، عبر معلومات استخبارية (...) ودعم لتثبيت الهدف». وبكلام أكثر وضوحاً، فإن ذلك يعني أن الطرف الأميركي قدم المعلومات الاستخبارية لتعيين مكان وجود دروكدال، وتمكين القضاء عليه. وحسب مصادر عسكرية فرنسية، فإن ذلك تم عبر «عملية مجوقلة» بواسطة طوافات.
وتعتبر أوساط مطلعة على سير العمليات في مالي أن المساهمة الأميركية لا تحصل للمرة الأولى، إذ إن لواشنطن قاعدة جوية للطائرات المسيرة في موقع أغاديز، شمال النيجر، وأن هذه الطائرات توفر الكثير من المعلومات والصور، علماً بأن بعضها مسلح. وحثت باريس «البنتاغون» على التخلي عن خطط إخلاء القاعدة التي عبرت عنها واشنطن، الخريف الماضي، لما للمعلومات التي توفرها «المسيّرات» من أهمية بالغة للعمليات في منطقة شاسعة غالبية أرضها صحراوية. وينتظر أن يكون ملف الحرب على الإرهاب في منطقة الصحراء الطبق الرئيسي في القمة السداسية الفرنسية - الأفريقية، المنتظر أن تستضيفها موريتانيا بداية الشهر المقبل، وهي امتداد لقمة مدينة بو (جنوب غربي فرنسا) التي عقدت في يناير (كانون الثاني) بدعوة من الرئيس إيمانويل ماكرون.
وتتحمل باريس الجزء الأكبر من مسؤولية محاربة التنظيمات الإرهابية في بلدان الساحل، حيث نشرت 5100 رجل مع ما يحتاجون إليه من دعم لوجستي وجوي واستخباري، وتحث شركاءها الأوروبيين على مساندتها. وفي هذا السياق، أعلنت وزيرة الدفاع، الأربعاء، أن قوة «تاكوبا» المشكلة من وحدات كوماندوز، تساهم فيها مبدئياً 6 بلدان أوروبية، ستباشر نشاطاتها الصيف المقبل.
وإذا كانت فرنسا، الضالعة في عمليات محاربة المتشددين في بلدان الساحل منذ عام 2013، تبحث عن إنجاز له وقع، فإنها حققته على الأرجح بالقضاء على دروكدال. ذلك أن هذا الأخير كان يلعب دوراً أساسياً في إطار الحركات الراديكالية، بدءاً بالجزائر، ثم في أفغانستان، وأخيراً في مالي ومنطقة الساحل، وكان يعد إلى حد كبير الزعيم التاريخي للحركات المتشددة في بلدان المغرب. وحسب وزيرة الدفاع الفرنسية، فإنه كان عضو اللجنة التوجيهية لتنظيم «القاعدة»، وكان يقود كل مجموعاتها في شمال أفريقيا وقطاع الساحل، بما في ذلك «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين». وتعد هذه المجموعة أحد التنظيمات الإرهابية الرئيسية الناشطة في الساحل، ويقودها المالي إياد أغ غالي، الذي ينتمي إلى الطوارق. ولعب دروكدال دوراً رئيسياً في توحيد الجماعات المسلحة التي انضوت، عام 2017، تحت لواء «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين».
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية، أمس، عن مصدر مقرب من الاستخبارات الفرنسية، أن دروكدال الذي كان معزولاً في الجزائر، كان يملك القدرة على تمويل شبكات الساحل والقيام بدور قيادي حقيقي، رغم الاعتراضات المتزايدة. وحسب هذا المصدر، فإن مقتل دروكدال، وكذلك مقتل أو تحييد قادة آخرين، يمكن أن يفضي إلى زعزعة فرع «القاعدة» في الساحل.
مقتل دروكدال «إنجاز فرنسي» في محاربة المتشددين بالساحل الأفريقي
مقتل دروكدال «إنجاز فرنسي» في محاربة المتشددين بالساحل الأفريقي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة