القضاء على زعيم فرع {القاعدة} المغاربي يفتح الباب أمام ظهور «قيادة محلية» للتنظيم في الساحل

القضاء على زعيم فرع {القاعدة} المغاربي يفتح الباب أمام ظهور «قيادة محلية» للتنظيم في الساحل
TT

القضاء على زعيم فرع {القاعدة} المغاربي يفتح الباب أمام ظهور «قيادة محلية» للتنظيم في الساحل

القضاء على زعيم فرع {القاعدة} المغاربي يفتح الباب أمام ظهور «قيادة محلية» للتنظيم في الساحل

فتح مقتل عبد المالك دروكدال، زعيم «تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي»، في عملية عسكرية نفذتها «القوات الخاصة» الفرنسية في شمال مالي، بدعم وإسناد من الأميركيين، الباب أمام حصول انشقاقات جديدة في صفوف المتشددين بمنطقة الساحل الأفريقي.
ورغم أن مقتل الجزائري دروكدال يشكل ضربة قوية لفرع «القاعدة» المغاربي، إلا أنه لن ينهي على الأرجح خطر الإرهاب في الساحل، خاصة أن التنظيم تتم قيادته من طرف «مجلس أعيان» يضم 14 من القادة البارزين للتنظيم وغير المعروفين سوى على نطاق ضيّق ويُعتقد أن بعضهم موجود في داخل الجزائر. وجرت تقاليد التنظيم أن يقرر هؤلاء اختيار الزعيم الجديد.
وتعد مجموعات فرع «القاعدة» التي تنشط في شمال مالي أكثر استقلالية وقدرة على التأقلم، وهي مرشحة أكثر لتولي القيادة بعد مقتل دروكدال. فبعد سنوات من تسيير هذه الكتائب من على بعد آلاف الكيلومترات من داخل الجزائر، تشير التوقعات إلى أن قيادة محلية ستبرز إلى الواجهة، لتقلّص سيطرة الجزائريين والموريتانيين على مقاليد الأمور في «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي». وهنا يبرز اسم الزعيم الطارقي المالي إياد أغ غالي، زعيم أكبر تحالف إرهابي في المنطقة وصاحب النفوذ القوي، ليكون الزعيم الجديد للتنظيم، وإن كانت زعامته قد تؤدي إلى انشقاقات جديدة في صفوف التنظيم المتهالك.
ولم تحدد وزيرة الدفاع الفرنسية فلورنس بارلي عند إعلانها مقتل دروكدال، مساء الجمعة، مكان قتله بالتحديد في مالي، لكن مصادر محلية قالت لـ«الشرق الأوسط» إن الفرنسيين شنوا هجوماً قوياً فجر الخميس الماضي على قرية «تالهنداك» (تل خندق)، وهي قرية صغيرة في أقصى شمال شرقي مالي وسط سلسلة جبال الإيفوغاس، على بعد كيلومترات قليلة من الحدود الجزائرية، واشتهرت بكونها ملتقى طرق المهربين، ونقطة عبور للمهاجرين السريين.
وأضافت المصادر المحلية أن الفرنسيين قصفوا سيارة في القرية، قبل أن تحلق فوقها عدة مروحيات عسكرية وإنزال قوات خاصة على الأرض. وأسفرت العملية، بحسب شاهد عيان تحدث لـ«الشرق الأوسط»، عن مقتل أربعة أشخاص جميعهم «عرب أجانب». وأضاف الشاهد أن الفرنسيين بعد نهاية العملية حملوا جثة أحد القتلى معهم، وتركوا ثلاث جثث أخرى في عين المكان.
في غضون ذلك، قال العقيد فريديرك باربري، المتحدث باسم قيادة الأركان الفرنسية، في تصريح نقلته صحيفة (لوموند) الفرنسية، إن العملية العسكرية جرت في أقصى شمال شرقي مالي في جبال الإيفوغاس، وتحديداً على بعد 80 كيلومتراً إلى الشرق من مدينة تساليت، وأضاف أن العملية استخدمت فيها «مروحيات عسكرية وقوات برية»، وأن دروكدال كان بصحبته مجموعة صغيرة من الرجال عندما تمت تصفيته من طرف القوات الخاصة الفرنسية، مشيراً إلى أنهم تأكدوا من أن إحدى الجثث تعود له. وأكدت مصادر استخباراتية وأمنية أن العملية «ثمرة تنسيق استخباراتي فرنسي - أميركي».
- صفحة طويت
وبمقتل الجزائري دروكدال تُطوى مرحلة مهمة من تاريخ الإرهاب في شمال وغربي أفريقيا، فالرجل الذي اختار لنفسه كنية «أبو مصعب عبد الودود»، كان هو المهندس الحقيقي لبسط سيطرة ونفوذ تنظيم «القاعدة» في منطقة الساحل الأفريقي، عندما بدأ قبل 15 عاماً في ربط علاقات مباشرة مع «القاعدة الأم» وكان دوماً محل إشادة من طرف زعيم التنظيم الحالي أيمن الظواهري.
ويعد دروكدال مهندس الاختراق الإرهابي لمنطقة الساحل وغرب أفريقيا، عندما غير اسم «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» عام 2007 ليصبح «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، وحول مركز ثقل النفوذ الإرهابي من الجزائر إلى عمق الصحراء الكبرى، قبل أن يبدأ التخطيط لدخول مناطق جديدة في غرب أفريقيا.
وكان دروكدال يتخذ لنفسه صفة «أمير الأمراء»، متصدراً شبكة معقدة من الكتائب والجماعات الإرهابية المنتشرة في الجزائر وتونس وليبيا ودول الساحل الأفريقي، ولكنه في بعض الفترات واجه مشاكل بسبب عزلته في الجزائر التي أدت لتوتر العلاقة بينه والقادة الفاعلين على الأرض، خاصة حين اتهمه بعض هؤلاء القادة بأنه فضل العزلة بدل العمل على الميدان.
لكنه نجح مؤخراً في استعادة النفوذ عندما راهن على التحالف مع السكان المحليين في الصحراء الكبرى، وخاصة مع قادة الطوارق البارزين، وفي مقدمتهم إياد أغ غالي زعيم جماعة «أنصار الدين»، والذي نصبه دروكدال قبل خمس سنوات أميراً لتحالف يضم جماعات إرهابية عديدة يحمل اسم «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين»، والذي تشير تقارير إلى أنه يضم قرابة ألفي مقاتل أغلبهم في شمال مالي.
ولكن مقتل دروكدال يوجه ضربة قوية لهذه الخطط، ويفتح الباب أمام الكثير من الاحتمالات حول مستقبل التنظيم الذي غير ملامح منطقة الساحل الأفريقي خلال السنوات العشر الأخيرة، واستطاع أن يهدد وجود عدة دول في المنطقة من أبرزها مالي التي سيطر عام 2012 على أكثر من ثلثي أراضيها، قبل أن ينسحب بعد تدخل عسكري دولية بقيادة فرنسا.
- الكيميائي الإرهابي
ولد عبد الملك دروكدال عام 1971 في حي زيان الفقير في بلدة مفتاح بضواحي الجزائر العاصمة، ومع منتصف الثمانينات تردد على مساجد تنشط فيها جماعات متطرفة، نصحه أحد شيوخها بدراسة الكيمياء في الجامعة، ليجد نفسه بعد سنوات خبير متفجرات يشق طريقه بقوة داخل الجماعات الإسلامية المسلحة التي ظهرت في الجزائر مطلع التسعينات.
في نهاية التسعينات، شارك في تأسيس «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» الجزائرية بزعامة أميرها آنذاك حسان حطاب، لكن دروكدال ومساعده نبيل الصحراوي اعتبرا حطاب غير فاعل بما يكفي، وكتب جان بيير فيليو في كتابه «الحيوات التسع للقاعدة» أنه «بعد وقت قصير من الغزو الأميركي للعراق، قاما بإقصاء حطاب باسم تبني التزام أممي أكثر وضوحا»، وعندما قُتل الصحراوي، صار دروكدال أمير «الجماعة السلفية للدعوة والقتال»، وبدأ التحرك نحو منطقة الساحل الأفريقي وتحديداً شمال مالي.
ومع تضاعف عدد هجمات دروكدال من عام 2006 إلى عام 2007. صار مدرجاً على أنه إرهابي مرتبط بـ«القاعدة» على قائمتي الولايات المتحدة والأمم المتحدة، وكتبت الأخيرة في سجله أنه «صنع عبوات ناسفة قتلت مئات المدنيين في هجمات نُفذت في أماكن عامة»، قبل سرد قائمة رهيبة من الهجمات وعمليات الخطف والقتل. وجاء في السجل كذلك أن دروكدال شجع تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» على خطف مواطنين جزائريين وأجانب كوسيلة لتمويل أنشطته الإرهابية، وحُكم عليه غيابياً بالسجن المؤبد في تيزي وزو بالجزائر عام 2007.


مقالات ذات صلة

آسيا مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مرة أخرى وقف علي غلام يتلقى التعازي، فبعد مقتل شقيقه عام 1987 في أعمال عنف بين السنة والشيعة، سقط ابن شقيقه بدوره في شمال باكستان الذي «لم يعرف يوماً السلام».

«الشرق الأوسط» (باراشينار (باكستان))
المشرق العربي إردوغان وإلى جانبه وزير الخارجية هاكان فيدان خلال المباحثات مع بيلنكن مساء الخميس (الرئاسة التركية)

إردوغان أبلغ بلينكن باستمرار العمليات ضد «الوحدات الكردية»

أكدت تركيا أنها ستتخذ إجراءات وقائية لحماية أمنها القومي ولن تسمح بالإضرار بعمليات التحالف الدولي ضد «داعش» في سوريا. وأعلنت تعيين قائم بالأعمال مؤقت في دمشق.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أفريقيا نيجيريا: نزع سلاح نحو 130 ألفاً من أعضاء جماعة «بوكو حرام»

نيجيريا: نزع سلاح نحو 130 ألفاً من أعضاء جماعة «بوكو حرام»

قال رئيس هيئة أركان وزارة الدفاع النيجيرية الجنرال كريستوفر موسى، في مؤتمر عسكري، الخميس، إن نحو 130 ألف عضو من جماعة «بوكو حرام» الإرهابية ألقوا أسلحتهم.

«الشرق الأوسط» (لاغوس)
المشرق العربي مئات السوريين حول كالين والوفد التركي لدى دخوله المسجد الأموي في دمشق الخميس (من البثّ الحرّ للقنوات التركية)

رئيس مخابرات تركيا استبق زيارة بلينكن لأنقرة بمباحثات في دمشق

قام رئيس المخابرات التركية، إبراهيم فيدان، على رأس وفد تركي، بأول زيارة لدمشق بعد تشكيل الحكومة السورية، برئاسة محمد البشير.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

انقلابيو اليمن ينزفون جراء تصعيدهم الميداني

سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
TT

انقلابيو اليمن ينزفون جراء تصعيدهم الميداني

سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)

شيّعت جماعة الحوثيين خلال الأسبوع الماضي 17 قتيلاً من عناصرها العسكريين، الذين سقطوا على خطوط التماس مع القوات الحكومية في جبهات الساحل الغربي ومأرب وتعز والضالع، منهم 8 عناصر سقطوا خلال 3 أيام، دون الكشف عن مكان وزمان مقتلهم.

وفقاً للنسخة الحوثية من وكالة «سبأ»، شيّعت الجماعة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء كلاً من: ملازم أول رشاد محمد الرشيدي، وملازم ثانٍ هاشم الهجوه، وملازم ثانٍ محمد الحاكم.

تشييع قتلى حوثيين في ضواحي صنعاء (إعلام حوثي)

وسبق ذلك تشييع الجماعة 5 من عناصرها، وهم العقيد صالح محمد مطر، والنقيب هيمان سعيد الدرين، والمساعد أحمد علي العدار، والرائد هلال الحداد، وملازم أول ناجي دورم.

تأتي هذه الخسائر متوازية مع إقرار الجماعة خلال الشهر الماضي بخسائر كبيرة في صفوف عناصرها، ينتحل أغلبهم رتباً عسكرية مختلفة، وذلك جراء خروقها الميدانية وهجماتها المتكررة ضد مواقع القوات الحكومية في عدة جبهات.

وطبقاً لإحصائية يمنية أعدّها ونشرها موقع «يمن فيوتشر»، فقد خسرت الجماعة خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، 31 من مقاتليها، أغلبهم ضباط، سقطوا في مواجهات مع القوات الحكومية.

وشيّع الانقلابيون الحوثيون جثامين هؤلاء المقاتلين في صنعاء ومحافظة حجة، دون تحديد مكان وزمان مصرعهم.

وأكدت الإحصائية أن قتلى الجماعة خلال نوفمبر يُمثل انخفاضاً بنسبة 6 في المائة، مقارنة بالشهر السابق الذي شهد سقوط 33 مقاتلاً، ولفتت إلى أن ما نسبته 94 في المائة من إجمالي قتلى الجماعة الذين سقطوا خلال الشهر ذاته هم من القيادات الميدانية، ويحملون رتباً رفيعة، بينهم ضابط برتبة عميد، وآخر برتبة مقدم، و6 برتبة رائد، و3 برتبة نقيب، و 13 برتبة ملازم، و5 مساعدين، واثنان بلا رتب.

وكشفت الإحصائية عن أن إجمالي عدد قتلى الجماعة في 11 شهراً ماضياً بلغ 539 مقاتلاً، بينهم 494 سقطوا في مواجهات مباشرة مع القوات الحكومية، بينما قضى 45 آخرون في غارات جوية غربية.

152 قتيلاً

وتقدر مصادر عسكرية يمنية أن أكثر من 152 مقاتلاً حوثياً لقوا مصرعهم على أيدي القوات الحكومية بمختلف الجبهات خلال سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول) الماضيين، منهم 85 قيادياً وعنصراً قُتلوا بضربات أميركية.

وشهد سبتمبر المنصرم تسجيل رابع أعلى معدل لقتلى الجماعة في الجبهات منذ بداية العام الحالي، إذ بلغ عددهم، وفق إحصائية محلية، نحو 46 عنصراً، معظمهم من حاملي الرتب العالية.

الحوثيون استغلوا الحرب في غزة لتجنيد عشرات الآلاف من المقاتلين (إكس)

وبحسب المصادر، تُحِيط الجماعة الحوثية خسائرها البشرية بمزيد من التكتم، خشية أن يؤدي إشاعة ذلك إلى إحجام المجندين الجدد عن الالتحاق بصفوفها.

ونتيجة سقوط مزيد من عناصر الجماعة، تشير المصادر إلى مواصلة الجماعة تعزيز جبهاتها بمقاتلين جُدد جرى استقطابهم عبر برامج التعبئة الأخيرة ذات المنحى الطائفي والدورات العسكرية، تحت مزاعم مناصرة «القضية الفلسطينية».

وكان زعيم الجماعة الحوثية أقرّ في وقت سابق بسقوط ما يزيد عن 73 قتيلاً، وإصابة 181 آخرين، بجروح منذ بدء الهجمات التي تزعم الجماعة أنها داعمة للشعب الفلسطيني.

وسبق أن رصدت تقارير يمنية مقتل نحو 917 عنصراً حوثياً في عدة جبهات خلال العام المنصرم، أغلبهم ينتحلون رتباً عسكرية متنوعة، في مواجهات مع القوات الحكومية.