الإيطاليون يعيدون اكتشاف المتاحف مع غياب السيّاح

تدفق الزوار من الإيطاليين إلى ردهات وصالات متحف يوفيزي في فلورنسا للاستمتاع برؤية أشهر اللوحات لفناني عصر النهضة (أ.ب)
تدفق الزوار من الإيطاليين إلى ردهات وصالات متحف يوفيزي في فلورنسا للاستمتاع برؤية أشهر اللوحات لفناني عصر النهضة (أ.ب)
TT

الإيطاليون يعيدون اكتشاف المتاحف مع غياب السيّاح

تدفق الزوار من الإيطاليين إلى ردهات وصالات متحف يوفيزي في فلورنسا للاستمتاع برؤية أشهر اللوحات لفناني عصر النهضة (أ.ب)
تدفق الزوار من الإيطاليين إلى ردهات وصالات متحف يوفيزي في فلورنسا للاستمتاع برؤية أشهر اللوحات لفناني عصر النهضة (أ.ب)

لم تكن هناك سجادة حمراء، ولكن رغم ذلك، انطلقت حفنة من المصورين المتحمسين مع ظهور الأشياء الجاذبة لانتباههم تحت دائرة الضوء غير المتوقعة، فهم أول زوار متاحف الفاتيكان بعد إعادة افتتاحها يوم الاثنين الماضي إثر حالة الإغلاق العامة بسبب فيروس كورونا المستجد.
ومع فرض قيود السفر بين مختلف المناطق الإقليمية في إيطاليا حتى يوم الثلاثاء المقبل، كانت هناك مجموعة محلية على استعداد لتجربة ما يتوق إليه أغلب أهل روما اليوم: ألا وهي زيارة خالية من السياح إلى أحد أكبر المتاحف وأكثرها شعبية على مستوى العالم، والتي جذبت خلال العام الماضي وحده أكثر من 7 ملايين زائر.
ورغم أن سيمونا توتي خبيرة الإحصاء تعيش في العاصمة روما، فإنها لم تتمكن منذ سنوات من الاستمتاع برؤية «كنيسة سيستينا»، وذلك بسبب جموع السياح الذين كانوا يحتشدون لمشاهدتها.
وفي حين أن عمليات الحجز عبر الإنترنت قد قلصت من قائمة الانتظار الطويلة التي كانت تمتد بحذاء جدران مدينة الفاتيكان الشاهقة وحتى مدخل المتحف، لا يزال كثير من سكان العاصمة روما يستشعرون الرهبة من الدخول بسبب جموع الزائرين الكثيفة. وقالت السيدة توتي: «دائما ما تكون الكنيسة مزدحمة للغاية لدرجة أننا لا نستطيع الاستمتاع بمشاهدة أي شيء على الإطلاق»، وأضافت تقول: «لمرة واحد فقط نشعر أن الحياة في روما غير مثيرة للإحباط».
وفي جميع أرجاء المدينة، كانت مارغريتا بلاكونا وابنتها المراهقة آسيا، يستمتعان بجولة خالية من السياح في الكولوسيوم - الذي أعادت السلطات افتتاحه أيضا يوم الاثنين الماضي - وذلك في جزء من رحلة الزيارة التي بلغت مدتها 45 دقيقة إلى المدرج الروماني الشهير، والتي تسمح السلطات حاليا بالوجود فيه لعدد 14 شخصا فقط مرة كل 15 دقيقة.
وكانت الحشود نفسها التي تقصد زيارة الكولوسيوم - وهو أكثر المزارات السياحية الإيطالية شهرة - مع أكثر من 7.5 مليون زائر خلال العام الماضي، هي السبب في ابتعاد أغلب السكان المحليين عن زيارة المعلم السياحي الشهير. تقول السيدة بلاكونا عن ذلك، وهي التي لم تتمكن من زيارة الكولوسيوم منذ أن كانت تلميذة في المدرسة الابتدائية: «كانت الطوابير طويلة، والسياح كثرا، وكانت الزيارة بالنسبة لنا شبه مستحيلة. أما الآن، فنحن نستفيد من تراجع أعداد السياح خلال هذه الأيام، كما نستطيع الذهاب لزيارة أماكن سياحية أخرى».
لكن في الوقت الذي يحاول فيه السكان المحليون الحرص على الاستمتاع بالآثار الإيطالية الجميلة، يساور العديد من مديري المؤسسات الثقافية المختلفة القلق بشأن فقدان الإيرادات السياحية التي تشتد الحاجة الراهنة إليها من مبيعات تذاكر الزيارة للسياح الأجانب.
يقول ماسيمو أوسانا، مدير الموقع الأثري لمدينة بومبي التاريخية: «إنها كارثة محققة»، في إشارة إلى الموقع الأثري الذي كان يجلب ما يقرب من 4 ملايين زائر خلال العام الماضي، بما في ذلك 40 ألف سائح من الزوار في اليوم الواحد من شهر مايو (أيار) في العام الماضي.
هناك اليوم قيود مفروضة، وحتى يوم الثلاثاء المقبل، على دخول الموقع الأثري، ولا يُسمح إلا بزيارة 400 زائر في اليوم الواحد فقط. وقال السيد أوسانا: «كانت الأمر في الماضي أشبه بلوحة سريالية من السياح الزائرين».
وأردف السيد أوسانا قائلا: «لن نتمكن هذا العام من بلوغ مقدار الميزانية التي استطعنا الوصول إليها في العام الماضي، ولذلك فلن نتمكن من تنفيذ العديد من المشروعات التي كان مخطط لها. ونحاول التركيز الآن على الأمور التي يصعب تأجيلها مثل عمليات الصيانة العادية للموقع الأثري».
واستعانت السيدة آنا كوليفا، مديرة معرض بورغيزي الإيطالي، بلفظة «الكارثة» في توصيف الخسائر الراهنة في الإيرادات المالية لدى المعرض، والتي تسمح حاليا لعدد 400 زائر فقط بدخول المعرض في اليوم الواحد بدلا من 2000 زائر كانوا يرتادونه يوميا من قبل، وقالت عن ذلك، وهي التي تقترب من إحالتها للتقاعد خلال الشهر الحالي بعد مرور أكثر من ربع قرن من العمل في ذلك المعرض: «نفقد ما يقرب من نصف مليون يورو في الشهر الواحد من مبيعات تذاكر الدخول للمعرض، ولحضور الفعاليات وغير ذلك من الرسوم الأخرى».
وقالت السيدة جيوفانا ميلاندري، رئيسة متحف «ماكسي» الوطني للفنون الإيطالية المعاصرة، يوم الثلاثاء الماضي: «لسوف تكون الشهور القادمة من الفترات العصيبة على المتحف، والأضرار المالية كبيرة للغاية»، في إشارة إلى حالة الإغلاق العامة التي تعم أرجاء البلاد والتي حرمت المتحف الوطني والعديد من المواطنين الإيطاليين من موارد كسب رزقهم.
وفي متحف «يوفيزي» في فلورنسا، الذي أعاد افتتاح أبوابه للزوار أمس الأربعاء، جرى وضع نقاط سوداء ملتصقة على أرضيات المتحف أمام أكثر المعروضات كثافة من حيث الزيارة، ألا وهي أعمال الفنانين بوتيتشيللي، وبييرو ديلا فرانشيسكا، ومايكل أنغلو، ورافائيل، وكارافاجيو، وذلك بغرض ضمان احترام زوار المتحف للتباعد الاجتماعي المطلوب. كما قلص المعرض من عدد الأشخاص المسموح لهم بالزيارة في أي وقت من اليوم، من 900 زائر إلى 450 زائرا فقط، مع تحديد الحد الأقصى لجولات الزيارة بأن تضم 10 أشخاص لا غير.
وفي مؤتمر صحافي عُقد بالأمس الأربعاء، قال إريك شميدت، مدير متحف «يوفيزي»: «سوف يكون من الرائع إذا تحول نموذج السياحة الهادئة الذي نجربه حاليا في يوفيزي خلال اللحظات التاريخية الراهنة في البلاد إلى نموذج رائد يُحتذى به في مستقبل السياحة الإيطالية».
وقال السيد شميدت للصحافيين في فلورنسا إن «يوفيزي» «قد فقد ما يقرب من 12 مليون يورو (قرابة 13.5 مليون دولار) من الخسائر المالية خلال أيام الإغلاق التي بلغت 85 يوما منذ اندلاع الوباء الفتاك».
وفي ظل وجود أكثر من 20 ألف زائر بالحد الأقصى اليومي في الكولوسيوم في أوقات ما قبل جائحة كورونا، يصل الحد الأقصى الحالي للزيارة لى 650 زائرا ممن سُمح لهم بدخول الموقع الأثري يوم الاثنين الماضي. وقالت السيدة ألفونسينا روسو، المسؤولة الحكومية التي تشرف على الموقع الأثري وغيره من المعالم الأثرية الأخرى في وسط مدينة روما، إن مسؤولي موقع الكولوسيوم سعداء للغاية لأن السياحة الحالية تتسم بالهدوء والرزانة ومزيد من الوعي مما يشجع السلطات على إعادة افتتاح المواقع الأثرية واحدا تلو الآخر تباعا.
وأضافت روسو: «في المعتاد، كان الكولوسيوم، وهو رمز لإيطاليا ولعاصمتها روما، محاصرا بأعداد هائلة ويومية من السياح الذين لم يكونوا على الدوام على معرفة كاملة بالموقع الأثري الذي يحاولون زيارته».
وقالت فيديريكا رينالدي، المسؤولة الرسمية عن المدرج الأثري: «مع اعتبار إيرادات الموقع الأثري جزءا لا يتجزأ من تمويل العناية بالمواقع الأثرية المهمة الأخرى، فإن فقدان هذه الأموال هو من الخسائر الفادحة التي نعاني منها جميعا».
- خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

كيف يبدو مستقبل «كوفيد-19» في 2026؟

صحتك سجَّلت بريطانيا أحد أعلى معدلات الوفيات المرتبطة بجائحة «كورونا» في أوروبا إذ حصد «كوفيد-19» أرواح نحو 226 ألف شخص (رويترز)

كيف يبدو مستقبل «كوفيد-19» في 2026؟

يتوقع خبراء استمرار «كوفيد-19» في 2026، مع هيمنة متحوِّرات «أوميكرون» وأعراض مألوفة، محذِّرين من التهاون.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك فيروس «كورونا» تسبب في وفيات بالملايين حول العالم (رويترز)

دراسة مصرية تثبت قدرة أدوية الالتهاب الكبدي على الحد من وفيات «كوفيد - 19»

كشفت دراسة طبية مصرية عن نجاح دواء يستخدم في علاج مرضى فيروس (التهاب الكبدي الوبائي سي) في الحد من مضاعفات الإصابة بفيروس «كوفيد - 19» المعروف بـ«كورونا»

نصري عصمت (لندن)
أوروبا سجّلت بريطانيا أحد أعلى معدلات الوفيات المرتبطة بجائحة كورونا في أوروبا إذ حصد «كوفيد - 19» أرواح نحو 226 ألف شخص (رويترز)

أكثر من 14 مليار دولار تكلفة الاحتيال المتعلق بـ«كوفيد - 19» في بريطانيا

بلغت تكلفة الاحتيال المتعلق ببرامج الدعم الحكومي خلال جائحة كوفيد - 19 في بريطانيا 10.9 مليار جنيه إسترليني (14.42 مليار دولار).

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق امرأة ترتدي الكمامة خلال فترة انتشار الجائحة في كندا (رويترز)

كيف أثّر وباء «كوفيد» على مرحلة البلوغ لدى الفتيات؟

تسبب الإغلاق الذي فُرض بعد انتشار جائحة «كوفيد - 19» في توقف شبه تام للحياة، وشهد مئات الملايين من الأشخاص تغيُّرات جذرية في أنماط حياتهم.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك طفلة تتلقى جرعة من لقاح «موديرنا» لفيروس «كورونا» بصيدلية سكيباك في شوينكسفيل - بنسلفانيا (رويترز)

تقرير أميركي: وفاة 10 أطفال بسبب جرعات التطعيم ضد فيروس «كورونا»

قال مارتي ماكاري، مفوض إدارة الأغذية والعقاقير الأميركية، اليوم (السبت)، إن البيانات أظهرت وفاة 10 أطفال؛ بسبب جرعات التطعيم ضد فيروس «كورونا».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

«بين ثقافتين» يَعبر الحدود ويبرز تنوع الثقافتين السعودية والصينية تحت سقف واحد

ثقافتان تتشاركان التعبير عن الموروث وصور الإبداع في مكانٍ واحد (وزارة الثقافة)
ثقافتان تتشاركان التعبير عن الموروث وصور الإبداع في مكانٍ واحد (وزارة الثقافة)
TT

«بين ثقافتين» يَعبر الحدود ويبرز تنوع الثقافتين السعودية والصينية تحت سقف واحد

ثقافتان تتشاركان التعبير عن الموروث وصور الإبداع في مكانٍ واحد (وزارة الثقافة)
ثقافتان تتشاركان التعبير عن الموروث وصور الإبداع في مكانٍ واحد (وزارة الثقافة)

من جديد، يعود مهرجان «بين ثقافتين» ليعبر حدود الثقافة، ويحتفي بتجارب استثنائية تجمع بين الفنون والموسيقى ومذاقات المأكولات التقليدية وشتى العروض الحيّة، جامعاً في نسخته الثالثة بين الثقافتين السعودية والصينية، لإبراز التنوع الثقافي وحدود التلاقي بينهما في قلب الرياض.

وأطلقت وزارة الثقافة النسخة الثالثة من مهرجان «بين ثقافتين» التي تستضيف جمهورية الصين وثقافتها وتقاليدها المتنوعة، وذلك في قاعة «الملفى» بمدينة محمد بن سلمان غير الربحية «مدينة مسك» في العاصمة الرياض، ضمن حدث دولي يُقام بالتزامن مع العام الثقافي السعودي الصيني 2025؛ بهدف ترسيخ الحوار الحضاري، وتعزيز التبادل الثقافي بين السعودية والصين.

وتُقدم الفعالية تجربة فنية متكاملة تستعرض الإرث الحضاري والممارسات الثقافية لكلا البلدين، وتكشف عن أوجه التشابه والتكامل بينهما في مجالات الفنون والطهي والحرف اليدوية والموسيقى، ما يعكس عمق الروابط التي تجمع الشعبين.

ويضم المهرجان معرضاً فنياً يزخر بأعمال لفنانين سعوديين وصينيين بارزين، ومتاجر متنوعة تُقدم منتجات من كلتا الثقافتين، وفعاليات تفاعلية تشمل عروضاً أدائية حية، وتجارب طهي فريدة، وأنشطة ثقافية مصممة لإثراء تجربة الزوار.

‏أصالة الموروث السعودي والصيني تتجلّى في عروض ثقافية متنوّعة في ⁧‫المهرجان (وزارة الثقافة)

حينما تهب الرياح شرقاً

يحضر الفن في المهرجان بوصفه لغةً وجسراً يربط بين ثقافتين وشعبين اختارا، عبر العصور، التعبير عن مكنونات ثقافتيهما من خلال العطاء الفني والإبداعي الرصين. وفي معرض يحمل عنوان «حينما تهبّ الرياح شرقاً»، تلتقي الأعمال السعودية والصينية في حوار إبداعي يعكس التلاقي الثقافي المعاصر، من خلال لوحات ومنحوتات وأعمال تركيبية، تسعى إلى استكشاف نقاط الالتقاء بين الطبيعة والفكر، وبين الماضي والحاضر، ضمن رؤية فنية مشتركة.

‏تناغم ثقافي يتوهّج بألوان الفن في ⁧‫المهرجان (وزارة الثقافة)

وتتوزع أعمال المعرض في 3 أقسام؛ حيث تلتقي الصحراء ببحر الذاكرة في القسم الأول من المعرض الفني، ويتناول كيف تُشكِّل الصحراء والبحر ذاكرة الفنانين ورؤيتهم الفنية، إذ تتحول العناصر الطبيعية إلى لغة للتأمل تربط بين ثبات الأرض وسيولة الزمن.

وفي قسم «نسيج من نور وتراب»، وهو القسم الثاني من المعرض، يُسلط الضوء على العلاقة بين المادي واللامادي، إذ يذيب الفنانون الحدود بين الضوء والطين والنسيج ليكشفوا جوهر المادة واتحاد الروح بالبيئة.

وفي قسم «آثار المستقبل»، تُركز المعروضات على إعادة قراءة التقاليد برؤية معاصرة تمزج بين الذاكرة والابتكار، لتغدو الأعمال بمثابة خريطة زمنية تصل الماضي بالحاضر، وتستشرف ملامح المستقبل.

‏صور توثّق الالتقاء الثقافي البديع بين المملكة والصين (وزارة الثقافة)

14 يوماً من جسور الثقافة

يُقدم المهرجان الذي سيستمر حتى 6 يناير (كانون الثاني) 2026، تجربة ثقافية شاملة تُبرز عُمق الحضارة الصينية وتَنوُّعَ موروثها، كما يستعرض أوجه التلاقي والتباين بينها وبين الثقافة السعودية، وذلك في إطار جهود وزارة الثقافة لمدّ جسور التواصل الحضاري، وتعزيز حضور السعودية إقليمياً ودولياً، وترسيخ مكانتها بوصفها مركزاً فاعلاً للحوار الثقافي العالمي.

ويستهدف المهرجان العائلات والأفراد، والسياح والزوار الأجانب، والوفود الرسمية، والمهنيين في القطاعات الثقافية، من خلال برنامج متنوع يشمل معرضاً فنياً، وتجربة «الشارع الصيني» التي تجمع بين الثقافتين عبر الحِرف اليدوية، إلى جانب العروض الأدائية والموسيقية، وغيرها من الفعاليات التي تعكس القيم المشتركة في التراث والهوية، وتُسهم في تعزيز التقارب الإنساني عبر الثقافة بوصفها لغةً عالمية.

من الصين إلى المهرجان وجوه متعددة للمتعة واستكشاف الفن والتراث (وزارة الثقافة)

يُذكر أن النسخة الأولى من مهرجان «بين ثقافتين» استضافت الثقافة اليمنية، فيما استضافت النسخة الثانية الثقافة العراقية، إذ شهدت النسختان إقبالاً جماهيرياً واسعاً وتفاعلاً ملحوظاً من المهتمين والمثقفين؛ ما أسهم في ترسيخ مكانة الفعالية منصة ثقافية سنوية تحتفي بالتنوّع الحضاري الإنساني.

وتسعى وزارة الثقافة، من خلال مهرجان «بين ثقافتين»، إلى تقديم الثقافة السعودية في سياق تفاعلي مُقارَن، يُبرز أوجه التقارب والاختلاف مع ثقافات العالم، ويُعزز الوعي بالتنوّع الثقافي، ويدعم تمكين المبدعين والحرفيين والفنانين، ويوسّع آفاق فرص التعاون الثقافي الدولي، إلى جانب بناء شراكات استراتيجية تُسهم في تنمية الصناعات الإبداعية، بما ينسجم مع مستهدفات الاستراتيجية الوطنية للثقافة تحت مظلة «رؤية 2030».

أبعاد ثقافية رحبة يضمها المهرجان بين الثقافتين (وزارة الثقافة)


علي ناموس لـ«الشرق الأوسط»: فقداني للذاكرة أفادني في «رقية»

الممثل الجزائري علي ناموس (مهرجان البحر الأحمر)
الممثل الجزائري علي ناموس (مهرجان البحر الأحمر)
TT

علي ناموس لـ«الشرق الأوسط»: فقداني للذاكرة أفادني في «رقية»

الممثل الجزائري علي ناموس (مهرجان البحر الأحمر)
الممثل الجزائري علي ناموس (مهرجان البحر الأحمر)

يخوض الفنان الجزائري علي ناموس واحدة من أكثر تجاربه السينمائية تعقيداً، حسب وصفه، بدوره في فيلم «رقية» للمخرج يانيس كوسّيم، الذي شقّ طريقه من مهرجان «البندقية السينمائي»، مروراً بـ«البحر الأحمر»، ووصولاً إلى «أيام قرطاج السينمائية».

وخلال الفيلم، لا يواجه البطل رعباً تقليدياً، بل يغوص في طبقات الذاكرة والعنف والخوف من المجهول، مستعيداً مرحلة شديدة الحساسية من تاريخ الجزائر الحديث.

يقول علي ناموس لـ«الشرق الأوسط» إن شخصية «أحمد» التي يجسدها في الفيلم كانت من أكثر الشخصيات تركيباً التي صادفها، واصفاً النص بأنه «كتبه المخرج بدقة شديدة، مع التأكيد على أن الضمادات التي تغطي وجه الشخصية لم تكن مجرد عنصر بصري، بل أداة نفسية أساسية ساعدته على خلق فاصل واضح بين ما كان عليه أحمد في الماضي، وما يحاول أن يكونه في الحاضر، وما يجهله تماماً عن نفسه».

فالشخصية، كما يوضح، تبدأ في الظهور بالفيلم وهي لا تعرف موقعها ولا زمنها ولا حقيقتها، وتسعى طوال الأحداث إلى أن تصبح «شيئاً آخر»، حتى دون أن تدرك ماهية هذا الشيء.

وعن إحساسه الأول عند قراءة السيناريو، يؤكد ناموس أنه شعر منذ اللحظة الأولى بأن الفيلم يتناول موضوعاً بالغ الأهمية، لكن بلغة فنية مختلفة وجميلة، مضيفاً أن «العمل يقترب من قضايا ثقيلة مثل العنف والتطرف، لا بوصفها ظواهر مباشرة، بل بوصفها شراً كامناً، وروحاً مظلمة قد تسكن الإنسان».

هذا الطرح، رغم سوداويته، كان أكثر ما جذب الممثل الجزائري للفيلم، إلى جانب كونه يعود إلى فترة صعبة في تاريخ الجزائر، هي سنوات العنف التي لم يُفتح النقاش حولها سينمائياً بالشكل الكافي حتى اليوم، مؤكداً أن «رقية» منحه فرصة نادرة للتعبير عن تلك المرحلة بوصفه مواطناً وإنساناً قبل أن يكون ممثلاً.

وقال ناموس إن «مصدر الرعب الحقيقي يكمن في المجهول، فالشخصية تحمل تاريخاً غامضاً لا ينكشف إلا تدريجياً، وهذا الغموض المتراكم هو ما يجعلها مقلقة»، فالخوف هنا، حسب تعبيره، «ليس من شكل أو كيان واضح، بل من عدم الفهم، ومن الإحساس بأن هناك شيئاً مخفياً يتربص دون أن يُسمّى».

عرض الفيلم في مهرجانات سينمائية عدة (الشركة المنتجة)

وفيما يتعلق بتجسيد الصدمة النفسية دون الوقوع في المبالغة، يؤكد ناموس أنه لم يشعر يوماً بالحاجة إلى الأداء الصاخب، قائلاً: «فدراسة الشخصية بعمق، إلى جانب دقة المخرج يانيس كوسّيم في بناء عالم الفيلم، جعلت كل شيء يسير في اتجاه الاقتصاد في التعبير». لافتاً إلى أن العمل مع مخرج يعرف تماماً ما يريد ويحدد عالمه بدقة يمنح الممثل ثقة كبيرة، ويجعل التفاصيل الصغيرة أكثر صدقاً وتأثيراً.

ويكشف ناموس أن تجربته الشخصية لعبت دوراً غير مباشر في بناء الشخصية، إذ مرّ في حياته بحالة فقدان ذاكرة مؤقتة، ويستعيد تلك اللحظة قائلاً: «أكثر ما كان يؤرقني آنذاك هو السؤال: هل كنت شخصاً جيداً مع الآخرين؟ كنت أبحث عن صورتي في عيون من حولي، عن هويتي من خلال نظراتهم». هذا الإحساس نقل جزءاً كبيراً منه إلى شخصية «أحمد»، كما استحضر ذكريات طفولته خلال سنوات العنف، حين كان يرى الحيرة والخوف وعدم الفهم في عيون الكبار، محاولاً أن يستوعب عالماً مضطرباً لا يملك أدوات تفسيره.

وعن بناء الرعب الداخلي، يوضح ناموس أن الضمادات والظلام لعبا دوراً حاسماً، فأن تكون محاصراً في عتمة لا ترى فيها نفسك ولا المكان من حولك يولد خوفاً دائماً من المجهول. هذا الإحساس، كما يقول، كان المحرك الأساسي لأدائه، خاصة مع وجود ممثلين محترفين في مواقع التصوير، من بينهم عبد الكريم الدراجي، الذين ساهموا في خلق حالة تمثيلية طبيعية ومتوازنة.

وعن تقديم التطرف الديني بملامح شيطانية رمزية، يؤكد ناموس أنه تعمد الابتعاد عن أي أداء قد يُقرأ بشكل مباشر كخطاب ديني، وحاول أن يذهب إلى رد الفعل الجسدي الغريزي، إلى الجسد الذي يرفض شيئاً لا يفهمه، ليجعل التطرف يبدو عضوياً وغير متكلف، نابعاً من الداخل لا مفروضاً من الخارج.

ويتوقف ناموس عند مشاهد العنف والذبح، ويرى أنها تحمل ذاكرة ثقيلة على الجمهور الجزائري، ورغم أنه كان طفلاً خلال تلك الأحداث، فإن هذه الصور «حاضرة في الذاكرة الجمعية، مؤلمة وغير مقبولة، لكنها في الوقت نفسه تستوجب المواجهة والحديث».

صناع الفيلم خلال حضور العرض في «مهرجان البحر الأحمر» (إدارة المهرجان)

ويؤكد أن «الشخصية كانت منقسمة بين ماضٍ مظلم وحاضر ملتبس»، وهو ما دفعه تمثيلياً إلى خلق مستويين مختلفين للأداء، وفق قوله: «فالضمادات صنعت عالمين متوازيين، عالم الظلام حيث الحيرة وعدم الفهم، وعالم النور حيث تتضح المعالم ويصبح الشر أكثر وعياً بذاته».

ويرى ناموس أن «رقية» هو في الوقت نفسه فيلم عن الذاكرة وفيلم رعب، لأن تلك الذاكرة نفسها مرعبة، ولا يمكن فصل النوعين بعضهما عن بعض، فالحديث عن الماضي، مهما كان مؤلماً، ضرورة لا مفر منها.

وعن استقبال الفيلم في «مهرجان البحر الأحمر»، يقول إنه كان متشوقاً لرؤية تفاعل الجمهور العربي بعد جولة عروض أوروبية وكندية، مؤكداً أن ردود الفعل أسعدته كثيراً، ليس لأن الجميع أحب الفيلم بالضرورة، بل لأنه أثار الأسئلة والجدل، وهو ما يراه إحدى أهم وظائف السينما.

وفي ختام حديثه، أكّد الفنان الجزائري أنه يعمل حالياً على مسلسل تلفزيوني يُعرض في رمضان، إلى جانب التحضير لمشروع مسرحي في الجزائر العام المقبل.


ظهور تمساح جديد بدلتا مصر يثير الذعر بين السكان

فرق اصطياد التماسيح تعمل على تمشيط المصارف في الدلتا (محافظة الشرقية)
فرق اصطياد التماسيح تعمل على تمشيط المصارف في الدلتا (محافظة الشرقية)
TT

ظهور تمساح جديد بدلتا مصر يثير الذعر بين السكان

فرق اصطياد التماسيح تعمل على تمشيط المصارف في الدلتا (محافظة الشرقية)
فرق اصطياد التماسيح تعمل على تمشيط المصارف في الدلتا (محافظة الشرقية)

جدّدت أنباء عن ظهور تمساح في محافظة الشرقية (دلتا مصر)، مما أثار التساؤل حول كيفية وصوله إلى هذه المنطقة، وأثار الذعر بين السكان، خصوصاً أن التماسيح عادة تعيش في المياه العذبة، وتشتهر بوجودها في مصر ببحيرة ناصر خلف السد العالي، وفق خبراء.

وخلال اليومين الماضيين، توالت أخبار على «السوشيال ميديا» عن وجود تمساح في مكان آخر بأحد المصارف في محافظة الشرقية أيضاً، مما أثار ذعر الأهالي، في حين أكد مسؤولون اتخاذ إجراءات الرصد اللازمة للوقوف على حقيقة الأمر، حسب وسائل إعلام محلية.

وكانت وزارة البيئة المصرية قد أعلنت قبل أيام عن نجاح وحدة صيد التماسيح بالإدارة العامة للمحميات الطبيعية في الإمساك بالتمساح الذي أُبلغ عن ظهوره في مصرف بلبيس العمومي بمنطقة الزوامل في محافظة الشرقية.

وخلال الفحص، تبين أن التمساح يبلغ طوله نحو 25 سنتيمتراً، وعمره لا يتجاوز عامين، وينتمي للتماسيح النيلية، وفق بيان الوزارة الذي أضاف أنه ستُتّخذ إجراءات قانونية لإعادة التمساح إلى بيئته الطبيعية في بحيرة ناصر، حفاظاً على حياته والنظام البيئي.

تمساح صغير اصطيد في محافظة الشرقية (محافظة الشرقية)

ويقول الأستاذ في مركز البحوث الزراعية بمصر، الدكتور خالد عياد، إن التماسيح التي تظهر في الدلتا هي غالباً حالات نادرة وحديثة الولادة، لأن طولها لم يصل إلى متر، ويضيف لـ«الشرق الأوسط» أن «ظهورها لا يدعو للخوف أو الفزع، لأن الإنسان ليس على قائمة طعام التمساح، بل إن البعض يستأنسهم وحتى أن هناك من يبيع التماسيح في الأسواق الشعبية، مثل سوق الجمعة في منطقة السيدة عائشة».

وأوضح عياد أن هناك فارقاً بين نوعين من التماسيح: «الإليجيتور وله مواصفات جسدية معينة ويهرب من البشر، أما النوع الآخر الكروكودايل، فهو الذي يشكل خطراً بعض الشيء، لكنه لا يهاجم، بل يدافع عن نفسه وعن صغاره». وأضاف: «إذا وُجد تمساح كبير، فيمكن أن يكون جاء عن طريق المياه من نهر النيل خلال فترة الفيضانات الماضية، ولكن لو عاش هذا التمساح وحده يموت، فالتمساح يتطلب شروطاً خاصة ليضع بيضه ويعيش في مكان معين».

ووفق دراسة نشرتها وزارة البيئة في وقت سابق فإن عدد التماسيح حسب المسح والإحصاء الذي أُجري في بحيرة ناصر لا يتجاوز ألف تمساح، مع التأكيد على أنه حيوان معرض للانقراض، ويتم حمايته من الصيد الجائر وفق اتفاقيات دولية وقعت عليها مصر ودول عدّة، في حين قدرت دراسة حديثة أعداد التماسيح في بحيرة ناصر بين 6 آلاف إلى 30 ألف تمساح.

فيما يلفت نقيب الفلاحين في مصر والخبير الزراعي، حسين أبو صدام، إلى أن التمساح الذي ظهر أو الأخبار التي تتحدث عن وجود تماسيح في الدلتا لا ترتقي إلى الظاهرة ولا تدعو للخوف أو الذعر، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «الأرجح أن هذه التماسيح كانت بحوزة بعض الأفراد من هواة تربية الحيوانات الغريبة وعندما تكبر يتخلصون منها بإلقائها في المصارف القريبة منهم».

وأكد أن وزارتي البيئة والتنمية المحلية تقومان بتمشيط الترع والمصارف عن طريق فرق اصطياد التماسيح، واستبعد أن يكون ما ظهر قادماً من بحيرة ناصر، موضحاً أن «تماسيح بحيرة ناصر تعيش في المياه العذبة ولا تتحمل المعيشة في مياه الصرف الزراعي، ويستبعد مرورها من السد العالي، فلا يمكن انتقال التماسيح من مكان بيئتها الطبيعية في بحيرة ناصر إلى مصارف بالشرقية نظراً لوجود توربينات السد العالي والشِّباك التي تمنع مرورها».