سنوات السينما: Lawrence of Arabia

بيتر أوتول وعمر الشريف في «لورنس العرب»
بيتر أوتول وعمر الشريف في «لورنس العرب»
TT

سنوات السينما: Lawrence of Arabia

بيتر أوتول وعمر الشريف في «لورنس العرب»
بيتر أوتول وعمر الشريف في «لورنس العرب»

Lawrence of Arabia
‪(‬1962‪)‬ (ممتاز)

‫ بعد «جسر نهر كواي» (1957) بحث ديفيد لين عن فيلم كبير آخر يقوم بتحقيقه. لم يشأ العودة إلى صنف أفلامه الصغيرة (قياساً) بل رغب في مواصلة ما برهن عليه «جسر نهر كواي» من قدرته على استخدام نظام السينما سكوب والمواد التاريخية والحجم الكبير من الإنتاجات التي تساعده على تحقيق نسيج عريض من الأحداث ومن التفاصيل على نحو ملحمي. ‬
وهو وجد في مذكّرات توماس إدوارد لورنس غايته. نشرت في كتاب سمّـاه لورنس «أعمدة الحكمة السبعة» The Seven Pillars of Wisdom وهو ما اعتمد على نصوصه المخرج لين عندما استعان بالكاتب روبرت بولت لوضع السيناريو. وكان ذلك أوّل سيناريو يكتبه بولت للسينما وبعده كتب للمخرج ذاته فيلمين آخرين هما «دكتور زيفاغو» (1965) وابنة رايان (1970).
مثل أفلام لين الكبيرة الأخرى، استغرق العمل على تحضيره بضع سنوات بالإضافة إلى نحو سنة من التصوير في كل من المملكة العربية السعودية وبريطانيا والمغرب وإسبانيا ثم المونتاج وإتمام عمليات ما بعد التصوير ليصبح جاهزاً للعرض في نهاية سنة 1962 مع لفيف من الممثلين البريطانيين يتقدمهم بيتر أوتول في دور لورنس وأليك غينس وجاك هوكينز وأنطوني كويل. كما استعان بعدد من الممثلين الأميركيين بينهم أنطوني كوِن وآرثر كندي وكلود راينز. كما ضم إلى فريقه من الممثلين (65 فرداً عدا الكومبارس) وهما ممثلان مصريان لافتان هما عمر الشريف (في دور الشريف علي) وجميل راتب (معاونه ماجد).
يبدأ الفيلم بشاشة سوداء لأكثر من أربع دقائق بقليل، تلازم العناوين إنما تنفصل عنها في أنها أكثر من مجرّد لوحة لاستعراضها إنها لقطة من وجهة نظر لورنس. ولم هي سوداء؟ لأنه ميّت. فالفيلم بذلك ينطلق من يوم دفنه بعد حادثة تعرّض لها بينما كان يقود دراجته النارية بسرعة كبيرة. من الحادثة ينتقل المخرج إلى مذكرات لورنس والأحداث التاريخية التي مرّ بها خلال مطلع القرن الماضي محاولاً حث العرب على فتح جبهة فعلية ضد العثمانيين‬ وتحرير بعضهم من تبعية الأتراك. مهمّة صعبة أوكلت إليه وتطلبت منه سنوات من العيش في الصحراء وبين القبائل العربية ومالكي القرار في أكثر من إقليم ومنطقة.
بالنسبة للمخرج، الحكاية وما يرد فيها هو نصف المهمّة الملقاة على عاتقه. النصف الثاني العناية بكل ما يتطلبه فيلم ضخم الإنتاج كهذا الفيلم و‫تحويل الصحراء إلى انعكاس لما يمر به لورنس من متاهات ومشاعر.‬
عكس بيتر أوتول شخصية لورنس على نحو واقعي من حيث إن لورنس، آنذاك وجد نفسه أمام ثقافة لم يكن مهيأً لها. استجاب لها هنا وامتنع هناك وانتقدها أكثر من مرّة ثم وجد نفسه في النهاية رجلاً بلا ملجأ يحميه.
‫لا يمكن إغفال أهميّة الفيلم الفنية والبصرية لا جمالياً فحسب بل ومن الناحية الدرامية. وكثير من الذين طرحوا الفيلم في مقالات ركّزوا على العنصر الجمالي وهو يستحق، لكن المخرج قصد به أن يشكّل مرجعاً للكلمات أيضاً. الصحراء التي تفتح عين لورنس على هذه البيئة المبهرة، ينقلها لين على نحو يفتح عين المشاهد (والمشاهد الغربي قبل العربي) على تلك البيئة كما لو أنه يكتب بالصور.‬ وتصوير فرديدي فرنسيس للصحراء لم يكن له سابقة توازيه جمالاً.


مقالات ذات صلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

يوميات الشرق «صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

تعود أحداث فيلم «صيفي» الذي عُرض ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الرابعة، إلى فترة أواخر التسعينات.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق المخرج محمد سامي في جلسة حوارية خلال خامس أيام «البحر الأحمر» (غيتي)

محمد سامي: السينما تحتاج إلى إبهار بصري يُنافس التلفزيون

تعلَّم محمد سامي من الأخطاء وعمل بوعي على تطوير جميع عناصر الإنتاج، من الصورة إلى الكتابة، ما أسهم في تقديم تجربة درامية تلفزيونية قريبة من الشكل السينمائي.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين رئيس في مشهد من فيلم «الفستان الأبيض» (الشركة المنتجة)

لماذا لا تصمد «أفلام المهرجانات» المصرية في دور العرض؟

رغم تباين ردود الفعل النقدية حول عدد من الأفلام التي تشارك في المهرجانات السينمائية، التي تُعلي الجانب الفني على التجاري، فإن غالبيتها لا تصمد في دور العرض.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق الفنانة الأردنية ركين سعد (الشرق الأوسط)

الفنانة الأردنية ركين سعد: السينما السعودية تكشف عن مواهب واعدة

أكدت الفنانة الأردنية ركين سعد أن سيناريو فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو»، الذي عُرض بمهرجان البحر الأحمر السينمائي، استحوذ عليها بمجرد قراءته.

انتصار دردير (جدة )
يوميات الشرق إيني إيدو ترى أنّ السينما توحّد الشعوب (البحر الأحمر)

نجمة «نوليوود» إيني إيدو لـ«الشرق الأوسط»: السينما توحّدنا وفخورة بالانفتاح السعودي

إيني إيدو التي تستعدّ حالياً لتصوير فيلمها الجديد مع طاقم نيجيري بالكامل، تبدو متفائلة حيال مستقبل السينما في بلادها، وهي صناعة تكاد تبلغ الأعوام الـ40.

إيمان الخطاف (جدة)

شاشة الناقد: أفلام على اختلافها لم تأتِ جيدة جداً

«معطراً بالنعناع» (ريزون 8)
«معطراً بالنعناع» (ريزون 8)
TT

شاشة الناقد: أفلام على اختلافها لم تأتِ جيدة جداً

«معطراً بالنعناع» (ريزون 8)
«معطراً بالنعناع» (ريزون 8)

معطراً بالنعناع ★★☆

رسائل شفهية في عتمة الأماكن

فيلم محمد حمدي الأول مختلف جداً عن أي فيلم مصري (أو عربي) حٌقّق في تاريخ السينما العربية. الاختلاف بحد ذاته لا يمنح الفيلم درجة التقييم. من الممكن أن يكون مختلفاً وبديعاً أو مختلفاً ورديئاً وهو أقرب إلى التصنيف الثاني. فيلم داكن في الصورة وفي الذوات البشرية التي تسكنه. يجد المخرج لها مبررات مناسبة. هذا لأن أبطاله يتقدمهم دكتور محبط (علاء الدين حمادة)، يعيشون حالات من الكآبة المطلقة تزداد عبثاً مع تناولهم الحشيشة طوال الوقت. أي نحو 90 دقيقة من مدة عرض الفيلم (التي تبلغ 113 دقيقة). وعوض استمتاعهم بهذه «السلطنة» تبقى أدمغتهم واعية وقادرة على الحديث في مسائل وجودية وسياسية (على الخفيف) مع قليل من الشّعر وكثير من الذكريات التي تتشابك بحيث لا تتضح لها زاوية فعلية تنطلق منها أو تعود إليها.

في دقائقه الـ10 الأولى يؤسّس أسلوب عمله من حالات شخصية وتصوير (قام به بنفسه) وإيقاع. هذا الإيقاع خافت باستمرار والمُشاهد عليه أن يفتح أذنيه جيداً ليتمكّن من التقاط الكلمات المتبادلة. هذا لأن الإيقاع الخافت يشمل كذلك الأداء والتلقين وتشخيص الحالات. الدكتور وأصحابه (من ثلاثة لأربعة حسب المشاهد) يركضون في الظلمة مثل جرذان هاربة من مطاردين (لا نعرفهم) ويأوون دوماً إلى خرابات تضمّهم بعتمتها أو إلى شِقق هي بدورها تبدو كخرابات كلّ شيء فيها قديم وباهت. حتى في ساعات النهار فإن النور مبتسر تأكيداً أو ترميزاً للحالة التي يمر بها أشخاص الفيلم.

الصورة، على الرغم من سوداويتها، هي أهم وأفضل من الموضوع المطروح. صحيح أن رجال الفيلم يتعاطون، لجانب الحشيش، مسائل تهمّهم، لكن ليس كل ما يهم شخصية ما في فيلم ما يهم المشاهدين. بالضرورة. لذا تنحصر الحسنات في الصورة. بينما تمرّ المَشاهد بإيقاع خافت ورتيب، مما يحدّ كثيراً من قدرة الفيلم على التواصل مع مشاهديه.

* عروض حالياً في مهرجان مراكش

Maria ★★★

العمق العاطفي لماريا كالاس

«ماريا» هو ثالث فيلم بيوغرافي ينجزه المخرج التشيلي بابلو لاراين (حسب اللفظ الأسباني) بعد (Jackie) «جاكي»، 2016 و(Spencer) «سبنسر»2021. مثل سابقيه هو فيلم عن امرأة ومثلهما هو عن شخصية حقيقية هي مغنية الأوبرا ماريا كالاس (هناك حفنة أفلام عنها أهمها «Maria By Callas» لتوم وولف، 2017) إلى جانب فيلم إيطالي آخر في التحضير بعنوان «Maria‪/‬Callas» لروبرت دورنهلم.

«ماريا» (ذِ أبارتمنت)

معالجة لاراين تختلف كونها متّصلة بالكيفية التي يحاول فيها تقديم رؤيته لشخصياته فهو يسعى دائماً إلى التقاط العمق العاطفي أكثر مما يهتم لسرد السيرة حكائياً. على ذلك، «ماريا» كما يقدّمه هنا يبقى على السطح أكثر من الدخول في عمق شخصيّته. ما يشغله في سرد الأيام الأخيرة من حياة بطلته هو التصاميم الفنية والديكوراتية وتحريك الكاميرا عبرها وهذا جيد لولا إنه يأتي على حساب تحديدٍ أفضل لمن هي ماريا كالاس.

يسرد الفيلم أحداثها الأخيرة وبعض مواقفها الشخصية والفنية لكن الحكاية يمكن لها أن تكون عن أي شخصية لمغنية وإن كانت خيالية. بطبيعة الحال، وكما بات مألوفاً، يعمد المخرج إلى مشاهد استرجاعية (الفلاشباك) بالأبيض والأسود لكن أهم عنصر في هذه الدراما هي محاولة ماريا التغلّب على ذكرياتها مع أرسطو أوناسيس (الذي تركها للزواج من جاكي كينيدي، شخصية فيلم لوراين السابق).

* عروض حالياً في مهرجان البحر الأحمر

TROIS AMIES ★⭐︎

حوارات ومشاهد تُراوح مكانها

لا يبتعد المخرج موريه في فيلمه «ثلاث صديقات» عن التيمة التي اختارها سابقاً لمعظم ما حقّقه من أفلام مثل «تغيير عنوان» (Changement d'adresse) 2007، و«هل نُقبّل» (Shall We Kiss) 2007، و«الأشياء التي نقولها، الأشياء التي نفعلها» (Les Choses qu'on dit, les Choses qu'on fait) 2020. التيمة المذكورة لا تخرج عن نطاق تداول وتناول العلاقات المتأرجحة ما بين الحب والجنس، أو الحب من دون جنس أو العكس.

«ثلاث صديقات» (موبي دَك فيلمز)

القصّة في عنوانها: 3 صديقات جوان (إنديا هير)، ريبيكا (سارا فورستييه) وأليس (كامل كوتان) والعديد من الحكايات السابقة (تشعر جوان إنها مسؤولة عن موت حبيبها السابق إريك لأنها تركته)، وفي الحكايات الحاضرة يتداولن التجارب التي مررن بها مع آخرين. لا الأحداث مهمّة ولا الحوار (يمتد بلا نهاية) يعني كثيراً. كل ذلك يَرِد مثل قراءة صفحة واحدة من مجلة إشاعات ومن دون لمسات فنية تذكر. بدورها كل لقطة تشبه، تأسيساً وإدارة. ما يسبقها وما يليها.

* عروض: حالياً في صالات فرنسية

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز