غير فيروس كورونا المستجد حياة المصري محمد نبيل، ونقله من مقعد الممرض الذي يرعى المصابين، إلى سرير المريض الذي يطلب العلاج، ليقضي أكثر من 20 يوما في مستشفى العزل الصحي، وتلحق به زوجته وابناها.
يعمل نبيل، الحاصل على الدكتوراه من بريطانيا، مشرفا على التمريض في معهد الأورام، التابع لجامعة القاهرة، ولديه زوجتان. بدأت رحلته مع كورونا نهاية مارس (آذار) الماضي، عندما دخلت طفلة عمرها 4 سنوات، قسم الأطفال الذي كان مشرفاً عليه، تعاني من ارتفاع درجة الحرارة، وهو ما دفعه للشك باحتمال أن تكون مصابة بـ«كورونا».
اتخذ نبيل جميع الإجراءات الوقائية اللازمة، أثناء رعاية الطفلة، لحماية نفسه من الفيروس، وبعد انتهاء عمله، كان عليه أن يختار إلى أين يذهب، يقول: «كنت أشك في إصابة الطفلة بالفيروس، وأخشى أن تكون العدوى انتقلت إلي، فقررت الذهاب إلى منزل زوجتي الثانية، لأن والدي، البالغ من العمر 70 عاماً، يقيم معي في منزل زوجتي الأولى، وكنت أخشى أن أنقل له العدوى إن وجدت».
حرص نبيل لم يمنع نقل العدوى لزوجته الثانية وطفليها، فرغم تحذيره لها، ومطالبتها بمغادرة المنزل هي وأولادها، لكنها أبت، ورضخ محمد لرغبتها، واضعاً شروطاً للإقامة أهمها منع الاختلاط بالآخرين، ومنع الخروج من المنزل، بحسب نبيل، الذي طلب من أخته أن تحضر له ولأسرته الطعام، وتتركه على باب الشقة. يقول إنه وزوجته «استهانوا بالموضوع في البداية، وقالت زوجتي (مفيش حاجة)، فاقتنعت برأيها، لكني طبقت نوعا من الحجر المنزلي علينا».
ولأنه لم يكن متأكدا من إصابته بالفيروس، كما لا يوجد ما يؤكد إصابة الطفلة التي كان يرعاها في المستشفى، لم يمتنع نبيل عن العمل، وفي اليوم التالي ارتفعت حرارة زميل له في المعهد، وبعد محاولات فاشلة لتخفيض الحرارة، قرر هو وعدد من زملائه الممرضين، نقله لمستشفى الحميات بسيارته الخاصة، حيث لم يتمكنوا من طلب سيارة إسعاف، وهناك تأكدت إصابته بالفيروس، يقول «من السهل أن نأخذ إجراءات للوقاية عندما نتعامل مرضى نشك في إصابتهم بالفيروس، لكن كيف نتعامل مع زملاء لم تظهر عليهم أعراض».
كانت هذه الحالة هي الحالة زيرو في معهد الأورام، والتي تسببت بحسب البيانات الرسمية في إصابة 17 من الطاقم الطبي في المعهد، بين أطباء وممرضين، كان نبيل واحداً منهم.
قرر نبيل عزل نفسه في المنزل، فهو كان مخالطا لمصاب بالفيروس، وبعد يومين من العزل المنزلي، بدأت الأعراض تظهر عليه، في البداية تعامل مع ارتفاع درجة الحرارة بشكل عادي، وحاول تخفيضها باستخدام بعض الأدوية، وواصل ذلك من مساء الخميس حتى مساء السبت عندما بدأ جسمه يرفض الاستجابة للأدوية الخافضة للحرارة، فاتصل بالطبيب الذي كان يتابع معه، من إدارة مكافحة الأوبئة، حيث نصحه بالذهاب لمستشفى الحميات.
مهنة نبيل، واعتياده التعامل مع حالات مرضية صعبة، خففت من قلقه من الفيروس، وجعلته أكثر استعدادا لتقبل نتيجة التحاليل، يقول: «توجهت لمستشفى الحميات بعد أن جهزت حقيبة بها كل احتياجاتي تحسبا لإمكانية نقلي لمستشفى العزل لو ثبتت إصابتي، وهو ما حدث بالفعل»، لتبدأ أيامه في مستشفى العزل من 29 مارس (آذار)، وحتى 18 أبريل (نيسان) الماضي.
يصف نبيل أيام العزل بأنها «طويلة أحياناً، وقصيرة في أحيان أخرى»، يقول «كان جرس الهاتف يكاد لا ينقطع، وأذكر أنني تركت الهاتف صامتا في أحد أيام العزل عندما اشتد المرض علي، ونمت وفوجئت بـ398 مكالمة لم يتم الرد عليها».
بالطبع لم تسلم زوجة نبيل وطفلاها من الفيروس ليلحقوا جميعا به على مستشفى العزل، وربما كان تأثر الطفلين ضعيفا، حيث غادرا العزل سريعا، لكن زوجته كانت الأكثر تأثراً لتبقى في العزل نحو 43 يوماً، ويؤكد نبيل وهو في طريقه لإخراج زوجته من مستشفى العزل، ضرورة الحرص في التعامل مع هذا الوباء العالمي، وعدم الاستهانة بالفيروس.
«كورونا» حوّل محمد نبيل من ممرّض إلى مريض
«كورونا» حوّل محمد نبيل من ممرّض إلى مريض
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة