كشف جهاز حكومي سعودي أن سوق المقاولات المحلية في البلاد تشهد تباطؤاً في الفترة الراهنة نتيجة عوامل ضغط تسببت في تراجع أعمال القطاع، مع انخفاض أسعار النفط، وتبعات فيروس كورونا المستجد، مشيراً إلى أن ملامح انقضاء الجائحة ستدفع لتنامي الطلب تدريجياً على أنشطة المباني القائمة والتشييد الجديدة.
وقالت الهيئة السعودية للمقاولين إن مسحاً أجرته على 600 شركة مقاولات في السعودية كشف عن تحديات تواجه المقاولين السعوديين، تتمثل في التدفق النقدي وتأجيل المشروعات وتعطل سلسلة الإمداد، مشيرة في تقرير صدر عنها مؤخراً إلى توقعها بانخفاض ترسية المشروعات بنسبة 20 في المائة خلال العام الحالي بسبب الجائحة.
وأفصح التقرير أن التحديات الأكثر شيوعاً بين المقاولين السعوديين تبرز في التدفق النقدي بنسبة 90 في المائة من اختيارات العينة، بينما أشار 86 في المائة إلى تحدي تأجيل المشروعات، بينما حدد 70 في المائة من المشاركين أزمة تعطل سلسلة الإمداد.
بيد أن عامل أسعار النفط شكّل سبباً جوهرياً في تضاؤل الطلب على الإنشاءات، إذ يفيد التقرير أنه في وقت أكدت السعودية فيه تقديراتها لعجز مالي يبلغ 22 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، مع تراجع أسعار النفط من تقديرات 60 دولاراً إلى مستويات 30 دولاراً للبرميل، ما يؤدي إلى فرض تخفيض بنسبة 20 في المائة في الإنفاق الحكومي، وينعكس بشكل واضح على انكماش أعمال المشروعات.
ومع إطلاق الحكومة السعودية حزمة من البرامج المتعددة لدعم قطاع المقاولات، خاصة الشركات الصغيرة والمتوسطة، تمكن نحو نصف المقاولين الذين شملهم مسح الهيئة السعودية للمقاولين من الاستفادة من الدعم الحكومي حتى الآن.
وشدّد التقرير على ضرورة أن يتخذ المقاولون إجراءات فورية من أجل حماية القوى العاملة وإدارة النقد والسيولة ودعم سلاسل الإمداد لمقاومة المخاطر ومراجعة العقود، بالإضافة إلى طريقة ما أسماه بـ«مكافحة الحرائق» في التعامل مع آثار الجائحة؛ حيث يؤكد أنه تجب الاستفادة من وقت التوقف عن العمل في تحقيق المرونة والاستعداد للتعافي، مشيراً إلى أنه حان الوقت للعمل بسرعة وللتحضير للتعافي من تبعات الفيروس.
وعلى الصعيد العالمي، أوضح التقرير أنه بعد انقضاء الجائحة سيشهد المقاولون طلباً غير مستقر، يتضمن مزيجاً مختلفاً من المباني ومن متطلبات البناء الجديدة، ومن المرجح أن يتسارع اعتماد التكنولوجيا، بما في ذلك الاستخدام الأوسع للتصنيع المسبق، والأدوات الرقمية كالطائرات بدون طيار ونمذجة معلومات البناء، وستؤدي المتطلبات المتغيرة إلى التكامل في الصناعة.
من جهته، أوضح الاقتصادي الدكتور خالد رمضان، أن جائحة كورونا أضرّت بشكل لافت قطاع المقاولات، خاصة مع تراجع أسعار النفط، ما خفض الإنفاق الحكومي على المشروعات التي ينفذها القطاع؛ حيث يعد هذا الإنفاق المحرك الرئيسي في نمو القطاع ودعم مشروعات البنية التحتية التي أرجِئ كثير منها بفعل الأزمة الراهنة، مضيفاً بالقول: «الآن بات من المتوقع انخفاض ما يفوق 20 في المائة من ترسية المشروعات هذا العام بسبب طول فترة الإغلاق الكامل».
وتوقع رمضان في حديث لـ«الشرق الأوسط» استمرار انخفاض ترسية المشروعات، مبيناً أن المقاولات منجم كبير للأرباح، إلا أن القطاع بات يعيش أوضاعاً صعبة بسبب تباطؤ الطلب وتوقف العمل بشكل كبير في المشروعات وتأثر التدفقات النقدية بفعل تعثر تحصيل الالتزامات المالية وانقطاع سلسلة توريدات البناء القادمة من الخارج. وأضاف رمضان أن القطاع يعاني حالياً أزمة سيولة قوية تهدد الوظائف، إذ إن القطاع يعمل به نحو 120 ألف شركة تضم 4 ملايين عامل، يبلغ نسبة السعوديين بينهم 12 في المائة، مضيفاً: «لا شك أن المبادرات الحكومية لتحفيز القطاع ضرورية لانتشاله من أزماته الحالية».
وتوقع أن تؤدي الأزمة الراهنة إلى خروج بعض الشركات، خاصة الصغيرة، من السوق، فيما تواجه أخرى شبح الإفلاس، بينما ستضطر بعضها للاستدانة للبقاء في السوق.
من ناحيته، يرى الدكتور عبد الرحمن باعشن رئيس مركز الشروق للدراسات الاقتصادية أن السياسات التي اتخذتها السعودية فيما يتعلق بدعم القطاع الخاص والشركات الصغيرة والمتوسطة، كانت متسقة مع ما يمكن فعله لتقليل آثار «كورونا»، موضحاً أن الموازنة بين الإنفاق والاستهلاك ضرورية في ظل الحاجة لمعالجة العجز في ميزانية العام الحالي.
وزاد باعشن: «من المتطلبات الضرورية التي تفرض كثيراً من الإجراءات المؤلمة في المرحلة الحالية، تقليل الإنفاق الحكومي بشكل عام، ما يؤثر بدوره في الإنفاق على مشروعات البنية التحتية، وبالتالي قطاع المقاولات»، مفيداً أن تقرير الهيئة السعودية للمقاولين يفسّر ذلك بشكل واقعي جداً.
من جهته، أوضح البراء، الوزير الاقتصادي بمجلس الأعمال السعودي الأميركي، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن قطاع الإنشاءات شهد قفزة كبيرة في عام 2019 حيث ارتفعت قيمة العقود الممنوحة إلى 197.1 مليار ريال (52.6 مليار دولار)، ما يمثل زيادة ملحوظة بنسبة 95 في المائة، مقارنة بالعام 2018. مشيراً إلى أن السعودية حملت على تعزيز قدرات البنية التحتية التنموية من خلال كثير من برامج تحقيق الرؤية في عام 2019.
وأضاف الوزير: «في الربع الأول من عام 2020 بلغت قيمة العقود 45.2 مليار ريال، ما يعكس مرونة قطاع البناء السعودي»، لافتاً إلى توقع انخفاض عدد المشروعات للعام الحالي نتيجة جائحة «كوفيد - 19» التي أثّرت بتخفيض الميزانية، إلا أن ذلك سينعكس بشكل إيجابي على قطاع المقاولات في وقت لاحق من العام والسنة المقبلة.
«كوفيد ـ 19» وانخفاض أسعار النفط يضغطان لتباطؤ سوق المقاولات السعودية
«هيئة المقاولين» تشير إلى 3 تحديات تواجه الشركات العاملة في القطاع من بينها تأجيل المشروعات
«كوفيد ـ 19» وانخفاض أسعار النفط يضغطان لتباطؤ سوق المقاولات السعودية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة