مصادر فرنسية لـ(«الشرق الأوسط») : صفحة جديدة فتحت بين القاهرة وباريس

هولاند يؤكد على استكمال خريطة الطريق بمصر.. وقلق فرنسي من الوضع في ليبيا

مصادر فرنسية لـ(«الشرق الأوسط») : صفحة جديدة فتحت بين القاهرة وباريس
TT
20

مصادر فرنسية لـ(«الشرق الأوسط») : صفحة جديدة فتحت بين القاهرة وباريس

مصادر فرنسية لـ(«الشرق الأوسط») : صفحة جديدة فتحت بين القاهرة وباريس

تحيط فرنسا زيارة اليومين التي يقوم بها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى فرنسا، بإجراءات أمنية في غاية التشدد، الأمر الذي برز خلال زيارته إلى قصر الإليزيه، ظهر أمس، أو في التدابير المحاطة بتنقلاته ومكان إقامته في العاصمة الفرنسية، ولم تبخل السلطات الفرنسية، إلى جانب ذلك، بأي من المظاهر البروتوكولية التكريمية من استقبال رسمي في مقر الأنفاليد، وحرس شرف في باحة الإليزيه، وموسيقى الحرس الجمهوري، فضلا عن جدولة لقاءات مع أعلى السلطات الرسمية.
قالت مصادر فرنسية لـ«الشرق الأوسط»، إن هذا التعاطي يعكس «أهمية موقع مصر ودورها، فضلا عن رغبة باريس في إعادة توثيق علاقاتها»، مضيفة أن «صفحة جديدة» فتحت بين باريس والقاهرة، وأن هذه الصفحة «متخلصة» مما سبق أن شاب هذه العلاقة بعد التحولات التي عرفتها مصر في صيف عام 2013.
ومن هذا المنظور، فإن كلام الرئيس فرنسوا هولاند، في حديثه إلى الصحافة عقب اجتماعات الإليزيه، لم يبخل في إغداق الثناء على مصر التي وصفها بـ«البلد الكبير الصديق لفرنسا»، متحدثا عن «رؤية مشتركة للتوازنات في العالم»، وعن كون فرنسا «شريكا لمصر»، وعن استعداد بلاده لمساعدتها في علاقاتها بالمؤسسات المالية الدولية وفي العودة إلى علاقات جيدة مع الاتحاد الأوروبي، بيد أن الرئيس الفرنسي أكد الحاجة إلى إتمام «مسار الانتقال الديمقراطي وخريطة الطريق» في إشارة إلى الانتخابات النيابية المرتقبة، ربيع العام القادم. كذلك ربط بشكل شبه مباشر بين استكمال المسار السياسي ونجاح عملية النهوض بالاقتصاد المصري وعودة الاستثمارات وتنشيط السياحة.
أما موضوع حقوق الإنسان وما تثيره الجمعيات والوسائل الإعلامية، فإن الرد الفرنسي هو أن باريس «تتناول كافة المواضيع مع شركائها» أو أنها «تفضل إثارتها بعيدا عن الإعلام».
والثابت مما تحقق في اليوم الأول من الزيارة أن باريس «جاهزة للذهاب في التعاون مع مصر إلى أقصى الحدود» بما في ذلك الملف العسكري. وقال وزير الخارجية المصري، سامح شكري، لـ«الشرق الأوسط»، إنه «إذا كانت فرنسا والدول الغربية تعتبر أن القاهرة جزء لا يتجزأ من الحرب على الإرهاب، وأنها تحارب الإرهاب على أراضيها، فإن هذا يتطلب من هذه الدول أن تدعم القاهرة وتقدم لها المساعدة التي تحتاج إليها»، وأفادت المصادر الفرنسية والمصرية أن باريس «تتفهم حرب مصر على الإرهاب»، وفي تصريحه الصحافي، قال هولاند إنه «يتعين علينا أن نعمل معا من أجل محاربة الإرهاب»، وبحسب التفاصيل التي تسربت، فإن باريس «جاهزة للاستجابة لمصر في مسألة تنويع مصادر السلاح» الذي ترغب في الحصول عليه.
وسيكون الملف الاقتصادي الموضوع الأساسي اليوم في اللقاء الموسع للرئيس المصري والوفد الرسمي ورجال الأعمال مع رجال الأعمال الفرنسيين في مقر اتحاد أرباب العمل.
بيد أن الترحيب الرسمي الفرنسي لا يمكن فصله عما تعتبره باريس «حاجة لدور مصر»، وتبدى ذلك من خلال شكر الرئيس السيسي لدوره في وقف الحرب على غزة.
لكن ما يشغل باريس في المقام الأول هو الوضع في ليبيا الواقعة على مداخل أوروبا، وما تشكله حالة الفوضى فيها من خطر على جيرانها وعلى استقرار أفريقيا الشمالية وبلدان الساحل.
يذكر أن فرنسا أقامت قاعدة عسكرية شمال النيجر قريبا من الحدود الليبية من أجل أن تراقب ما يحصل في الجنوب الليبي الذي ترى فيه باريس ملجأ للمنظمات الإرهابية، وخزانا للتزود بالسلاح، وقاعدة خلفية للتدريب والاستراحة، وقال الوزير شكري لـ«الشرق الأوسط»، إنه «لم يلحظ افتراقا»، في المواقف بين باريس والقاهرة بشأن هذا الملف علما بأن القاهرة تدعم حكومة عبد الله الثني والجيش الوطني الليبي بينما باريس لا تفصح عن مواقف بهذا الوضوح.
أما بشأن الملف السوري؛ حيث تلتزم باريس موقفا متشددا، فبرز على حاله في تصريحات الوزير لوران فابيوس ودعمه لإقامة مناطق آمنة، وإنشاء منطقة حظر جوي لا بل استهداف قوات النظام بضربات «غامضة» أو «التباسية»، فقد سعى الطرفان للتشديد على الحاجة لحل سياسي، وهو ما أشار إليه هولاند بإشارته إلى الحاجة إلى «الوصول إلى حلول سياسية عبر عملية الانتقال السياسي التي نصت عليها مبادرة جنيف»، وسار الرئيس السيسي في الاتجاه عينه بتأكيده الحاجة إلى حل «يضمن حقن الدماء ويحمي مؤسسات الدولة السورية ويحافظ على وحدة ترابها»، وهي أهداف يتفق عليها الجميع من حيث المبدأ، بينما يختلفون على كيفية ترجمتها إلى مبادرة وواقع.



حديث أميركي متكرر عن «مرور مجاني» في قناة السويس و«صمت مصري»

تراجع لافت في إيرادات قناة السويس بسبب توترات البحر الأحمر (هيئة قناة السويس)
تراجع لافت في إيرادات قناة السويس بسبب توترات البحر الأحمر (هيئة قناة السويس)
TT
20

حديث أميركي متكرر عن «مرور مجاني» في قناة السويس و«صمت مصري»

تراجع لافت في إيرادات قناة السويس بسبب توترات البحر الأحمر (هيئة قناة السويس)
تراجع لافت في إيرادات قناة السويس بسبب توترات البحر الأحمر (هيئة قناة السويس)

للمرة الثانية خلال الأسبوع نفسه كررتْ واشنطن حديثها عن «ضمان مرور مجاني لسفنها التجارية والعسكرية في قناة السويس المصرية»، وهو الأمر الذي لم تعلق عليه القاهرة رسمياً حتى الآن. وقالت مصادر مصرية مطلعة لـ«الشرق الأوسط» إن «القاهرة تفضل التعامل مع مثل هذه المقترحات عبر القنوات الدبلوماسية».

ومساء الثلاثاء، قالت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية إن الرئيس الأميركي دونالد ترمب تحدث مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي في وقت سابق من أبريل (نيسان) الحالي، بشأن فكرة العبور المجاني للسفن الأميركية في قناة السويس.

وأضافت الصحيفة، نقلاً عن مصادر قالت إنها مطلعة على المحادثة الهاتفية، أن «ترمب أعرب خلال الاتصال عند تطلعه للحصول على دعم القاهرة في العمليات ضد جماعة (الحوثي) اليمنية، لا سيما الدعم العسكري، وتبادل المعلومات الاستخباراتية والتمويل، بما أن ذلك يحسن حركة المرور في قناة السويس».

لكن السيسي اعترض وقال، حسب المصادر المطلعة للصحيفة، إن «وقف إطلاق النار في غزة هو أفضل طريقة لوقف هجمات الحوثيين».

ونقلت الصحيفة عن المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جيمس هيويت قوله إن «عملية ترمب لاستعادة حرية الملاحة في البحر الأحمر ستفيد الشركاء حول العالم، بمن فيهم مصر». وأضاف: «يجب تقاسم أعباء عملية عسكرية ذات فوائد واسعة النطاق»، وعدّ عبور السفن الأميركية مجاناً في قناة السويس «إحدى الطرق لتقاسم هذه الأعباء».

وبدأت الولايات المتحدة في 15 مارس (آذار) الماضي هجمات عسكرية على «الحوثي»، بعد أيام قليلة من إعلان الحوثيين عزمهم استئناف الهجمات على السفن الإسرائيلية التي تمر عبر البحر الأحمر وبحر العرب ومضيق باب المندب وخليج عدن، منهين فترة من الهدوء النسبي بدأت في يناير (كانون الثاني) الماضي مع وقف إطلاق النار في غزة.

وكان وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي أشار في مؤتمر صحافي، الشهر الماضي، إلى أن «قناة السويس خسرت نحو 65 في المائة من إيراداتها، ما يفوق 8 مليارات دولار»، وقال رداً على سؤال بشأن سبل مواجهة التوترات في البحر الأحمر: «العسكرة والتصعيد لا يخدمان أي طرف في المنطقة، من المهم المحافظة على حرية الملاحة والابتعاد عن العسكرة والتعامل مع جذور المشكلة من خلال وقف إطلاق النار في قطاع غزة».

ومنذ نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، غيّرت شركات شحن عالمية مسارها، متجنبةً المرور في البحر الأحمر، بسبب هجمات جماعة «الحوثي» اليمنية على السفن المارة بالممر الملاحي.

ولم تذكر «وول ستريت جورنال» توقيت الاتصال بين السيسي وترمب، لكن الرئيس الأميركي سبق وأعلن عبر منصة «تروث سوشيال»، مطلع الشهر الحالي، أنه تحدث مع نظيره المصري، وقال: «سارت مكالمتي الهاتفية مع الرئيس المصري على ما يرام».

وأضاف: «ناقشنا العديد من المواضيع، من بينها التقدم العسكري الهائل الذي أحرزناه ضد الحوثيين الذين يدمرون السفن في اليمن، كما ناقشنا أيضاً غزة، والحلول الممكنة، والاستعداد العسكري، وما إلى ذلك».

آنذاك أعلن المتحدث باسم الرئاسة المصرية أن «الرئيسين بحثا سبل تعزيز العلاقات الثنائية، مؤكدين على عمق وقوة العلاقات الاستراتيجية التي تربط بين البلدين، ومشددين على حرصهما على استمرار هذا التعاون بما يحقق المصالح المشتركة للشعبين».

وأضاف الشناوي أن «الرئيسين تناولا تطورات الأوضاع في الشرق الأوسط وجهود الوساطة لاستعادة الهدوء للمنطقة، وهو ما ينعكس بصورة إيجابية على الملاحة في البحر الأحمر، ويوقف الخسائر الاقتصادية لكل الأطراف».

وبينما حاولت «الشرق الأوسط» الحصول على تعليق مصري بشأن المحادثة الأخيرة بين ترمب والسيسي، ولم يتسن لها ذلك، أكدت مصادر مطلعة أن «القاهرة تفضل تجاهل الأحاديث الإعلامية بهذا الشأن»، مشيرةً إلى أن «القنوات الدبلوماسية هي المكان لمثل هذه المناقشات، وقناة السويس ممر ملاحي عالمي تحكمه اتفاقية دولية».

وكان الرئيس الأميركي فجَّر جدلاً مطلع الأسبوع الحالي بعدما كتب على منصته الاجتماعية «تروث سوشيال»: «يجب السماح للسفن الأميركية، العسكرية والتجارية على السواء، بالمرور بحرّية عبر قناتَي بنما والسويس. هاتان القناتان ما كانتا لتوجَدا لولا الولايات المتحدة الأميركية». وأضاف: «طلبتُ من وزير الخارجية ماركو روبيو تولي هذه القضية».

وعد الخبير العسكري المصري اللواء سمير فرج تكرار الحديث الأميركي عن المرور المجاني لسفنها في قناة السويس «محاولة لدفع القاهرة للمشاركة في العملية العسكرية الأميركية ضد جماعة (الحوثي) اليمنية».

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «مصر رفضت من قبل الدخول في (تحالف الازدهار)، لأن سياستها عدم الدخول في أي تحالفات عسكرية»، مشيراً إلى أن «القاهرة تدرك أن توترات البحر الأحمر مرتبطة بالحرب في غزة».

واتفق معه مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير حسين هريدي، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الحديث الأميركي عن المرور مجاناً في قناة السويس هو وسيلة للضغط على القاهرة ودفعها للمشاركة بأي دور في العمليات العسكرية ضد (الحوثي)».

وأكد أن «مصر لن تتورط في عمليات عسكرية من هذا النوع»، مشيراً إلى أن «القاهرة دائماً تؤكد أن استعادة استقرار البحر الأحمر وعودة الملاحة الدولية إلى طبيعتها مرتبطان بوقف الحرب في غزة».

وكشفت تسريبات لمحادثات بين مسؤولين أميركيين على تطبيق «سيغنال» نشرتها مجلة «ذي أتلانتك»، الشهر الماضي، عن مخطط الهجوم على «الحوثي»، ومن بين المحادثات رسالة من مستشار الرئيس الأميركي ستيفن ميلر قال فيها: «سرعان ما سنوضح لمصر وأوروبا ما نتوقعه في المقابل. وعلينا إيجاد طريقة لتطبيق هذا الشرط. فماذا سيحدث مثلاً إذا لم تقدم أوروبا مقابلاً؟ إذا نجحت أميركا في استعادة حرية الملاحة بتكلفة باهظة، فستكون هناك حاجة إلى مكاسب اقتصادية إضافية في المقابل».