«قانون قيصر» يضرب «صميم النظام»... وستة شروط لرفع القيود

مدخل مدينة حلب شمال سوريا (أ.ف.ب)
مدخل مدينة حلب شمال سوريا (أ.ف.ب)
TT

«قانون قيصر» يضرب «صميم النظام»... وستة شروط لرفع القيود

مدخل مدينة حلب شمال سوريا (أ.ف.ب)
مدخل مدينة حلب شمال سوريا (أ.ف.ب)

يحبس النظام السوري وحلفاؤه أنفاسهم مع قرب دخول «قانون قيصر» حيّز التنفيذ في منتصف يونيو (حزيران)، وتكشير العقوبات الأميركية عن أنيابها بعد التهديد والوعيد. فالعقوبات المُرتقبة صُممت بعناية لتضرب النظام وداعميه في الصميم، وقد تمعّن المشرعون الأميركيون في كتابتها، وعدلوها مراراً وتكراراً منذ عام 2014، لتصبح جاهزة لرؤية النور بعد حصولها على مباركة الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء في عام 2019. وفي ديسمبر (كانون الأول) من العام نفسه، وقّع الرئيس الأميركي دونالد ترمب على القانون في غرفة مكتظة بأعضاء الكونغرس الذين عملوا جاهدين لإقراره من خلال إدراجه في قانون موازنة الدفاع السنوية، حرصاً منهم على ضرورة تطبيق بنوده بحذافيرها.

 اقرأ أيضاً: ترقب حذر في إدلب... ومطالب للفصائل بـ«خنق النظام» 
وكما ذكر المبعوث الأميركي إلى سوريا، جيمس جيفري، فإن العقوبات ستصبح سارية المفعول في شهر يونيو (حزيران)، لتتمّ من خلالها ملاحقة الأفراد والمجموعات التي تتعامل مع نظام الأسد. وأتى إعلان جيفري ليكون بمثابة طلقة تحذيرية لكل الدول والمجموعات التي تدعم النظام وتموّله، وتحديداً روسيا وإيران. وهذا ما يميّز هذه العقوبات عن سابقاتها. فقد بدأت الولايات المتحدة بفرض عقوبات مختلفة على سوريا منذ عام 1979، سواء بسبب دعمها للإرهاب أو احتلالها للبنان أو سعي النظام للحصول على أسلحة دمار شامل وبرامج صواريخ. وتم تمديد نظام العقوبات هذا من قبل إدارة باراك أوباما بعد اندلاع الصراع في مارس (آذار) 2011. لكنّ لغة العقوبات في «قانون قيصر» اختلفت، إذ ركّز المشرّعون فيها على استهداف 3 أنظمة وتوابعها: النظام السوري ومؤسساته، والنظام الروسي والمسؤولين فيه، والنظام الإيراني ووكلائه.

اقرأ أيضاً: روسيا قلقة من «تداعيات أسوأ من المعارك»
وصُممت بنود القانون بشكل يهدف إلى ثني الشركات والأفراد عن الاستثمار في سوريا، والمشاركة في جهود إعادة الأعمار التي تقودها الحكومة السورية. ويقول مصدر في الكونغرس لـ«الشرق الأوسط» إن إدارة ترمب اعتمدت قبل تمرير القانون على إيصال رسائل شفهية وتهديدات مبطنة للدول الأوروبية والعربية لحثّها على عدم فتح قنوات دبلوماسية مع سوريا، وذلك بهدف ثنيها عن الاستثمار في المناطق التي تقع تحت سيطرة النظام. لهذا فقد كان هدف «قانون قيصر» الأساسي ترجمة تهديدات الإدارة بطريقة ملموسة، وتوفير الدعم لها في مساعيها، من خلال فرض عقوبات اقتصاديّة وماليّة على الدول والأفراد الذين يسعون للانخراط في جهود إعادة الأعمار.
ويسعى «قانون قيصر» إلى توسيع نظام العقوبات السابق، عبر استهداف المؤسسات الحكومية السورية والأفراد، من مدنيين ومسؤولين، الذين يموّلون النظام السوري وروسيا وإيران، سواء أكان هذا التمويل متعلقاً بأنشطتهم العسكريّة أو جهود إعادة الإعمار أو انتهاكات حقوق الإنسان. كما يفتح الباب أمام فرض عقوبات على أصحاب الشركات الأجنبية التي تجمعها صلات بالأسد وحلفائه.

اقرأ أيضاً: وعود أميركية باستثناء مناطق شرق الفرات من {العقاب} 
وبحسب نص القانون، ستُفرض هذه العقوبات على أي شركة عالمية أو فرد يستثمر في قطاعي الطاقة أو الطيران، وكل من يزوّد الخطوط الجويّة السورية بقطع غيار وصيانة، إضافة إلى كل من يقدم ديوناً للنظام. وستشمل العقوبات مصرف سوريا المركزي، إذا ما ثبت أنه يشارك في عمليّات غسل أموال. وتتراوح العقوبات على الأفراد بين تجميد الأصول ومنع دخولهم إلى الولايات المتحدة.
ويفرض القانون عقوبات على أي حكومة أو مجموعة تُسهّل من صيانة أو توسيع إنتاج الحكومة السورية المحلي للغاز الطبيعي والبتروليوم ومشتقاته، ما يعني بالتالي الشركات الروسية والإيرانية الخاصّة التي تحاول استغلال الحرب للسيطرة على موارد سوريا الطبيعية وبنيتها التحتية.
ومع اللهجة القاسية للعقوبات، تحديداً فيما يتعلق بجهود إعادة أعمار البلاد والنهوض الاقتصادي، يتخوف بعضهم من تأثيرها بشكل غير مباشر على المدنيين. فرغم أن العقوبات ستعرقل بشكل أساسي بناء تجمعات فخمة، فإنها ستحول أيضاً دون إعادة تأهيل البنى التحتية، وإصلاح خدمات أساسية أخرى. فالإدارة الأميركية تعد أن الأسد يستغلّ مشاريع إعادة الأعمار لتعزيز موقعه في السلطة، ومصادرة الأملاك، وإعادة رسم التركيبة السكانية عبر انتزاع ملكية الفقراء.
إضافة إلى ذلك، سيظهر التأثير الأبرز لهذه العقوبات على قطاع الغاز والنفط المتأزم أصلاً. فسوريا تستورد نحو 60 في المائة من احتياجاتها المحلية للغاز، لكنّها بالكاد تستطيع تأمين 24 في المائة من احتياجات سكّانها في الوقت الحالي.
ولهذه الأسباب، وفي محاولة منهم لتحديد أطر لحماية المدنيين، أضاف المشرّعون بنوداً تستثني المساعدات الإنسانية من العقوبات، وذلك عبر إعطاء الرئيس الأميركي صلاحية عدم فرض العقوبات على المنظمات غير الحكومية التي توفر المساعدات الإنسانية لسوريا.

اقرأ أيضاً: ارتباك في الشارع الدمشقي... والنظام يعوّل على «الأصدقاء» 
ورغم اللغة القاسية للقانون، فإن بنوده تشدد على أن الولايات المتحدة منفتحة على الحل الدبلوماسي، لكن بشروط. ومن يقرأ هذه الشروط يعلم أن التسوية مستحيلة من دون تنحّي نظام الأسد، ووقف دعم روسيا وإيران له، إذ يضع القانون شروطاً ستة لرفع العقوبات الأميركية، وهي: وقف قصف المدنيين من قبل الطائرات الروسية والسورية، ورفع الحصار عن المناطق المحاصرة من قبل القوات الإيرانية والروسية والسورية، والسماح بمرور المساعدات الإنسانية وتحرّك المدنيين بحرّية، وإطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين، والسماح بدخول منظمات حقوق الإنسان إلى السجون والمعتقلات السورية، ووقف قصف المراكز الطبية والمدارس والمناطق السكنية والتجمعات المدنية كالأسواق من قبل القوات السورية والإيرانية والروسية، والمجموعات التابعة لها، وعودة المهجّرين السوريين بطريقة آمنة إرادية محترمة، ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب في سوريا، وإحقاق العدالة لضحايا جرائم الحرب التي ارتكبها النظام السوري.
ويعوّل أعضاء الكونغرس والإدارة على أن تؤدي هذه العقوبات القاسية إلى قلب الطاولة على نظام الأسد، وسحب الغطاء الروسي.
- لماذا سُمّي «قانون قيصر»؟
> أُطلق على القانون اسم «قانون قيصر» تيمناً بالمصوّر العسكري السوري الذي انشقّ عن النظام، وهرّب أكثر من 55 ألف صورة توثّق جرائم الأسد في السجون والمعتقلات في البلاد. وقد زار قيصر الكونغرس باستمرار على مدى الأعوام الماضية، وعرض صوره على المشرعين، لحثّهم على ضرورة الضغط على نظام الأسد لوقف جرائمه. وعُرف قيصر في أروقة الكونغرس بمعطفه الأزرق الذي يغطي معالم وجهه، والقفازات التي تخفي يديه، فهو يخشى من ظهور أي علامة قد تشير إلى هويته، وتؤدي إلى ملاحقته من قبل النظام السوري.
ويقترح القانون، من دون الإلزام، فرض عقوبات متعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان على مسؤولين سوريين، بدءاً من الرئيس السوري ورئيس الوزراء ونائبه، مروراً بقادة القوات المسلحة البرية والبحرية ومسؤولي الاستخبارات، وصولاً إلى المسؤولين في وزارة الداخلية من إدارة الأمن السياسي والمخابرات والشرطة، وقادة الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري، والمسؤولين عن السجون التي يسيطر عليها النظام ورؤساء الفروع الأمنية كافّة.



ربع قرن على عرش الكرملين

أكبر تحد يواجهه بوتين خلال السنوات المقبلة هو اختيار بديله على عرش الكرملين (تاس)
أكبر تحد يواجهه بوتين خلال السنوات المقبلة هو اختيار بديله على عرش الكرملين (تاس)
TT

ربع قرن على عرش الكرملين

أكبر تحد يواجهه بوتين خلال السنوات المقبلة هو اختيار بديله على عرش الكرملين (تاس)
أكبر تحد يواجهه بوتين خلال السنوات المقبلة هو اختيار بديله على عرش الكرملين (تاس)

مع حلول نهاية عام 2024، يكون الرئيس فلاديمير بوتين قد قضى 25 سنة كاملة على عرش الكرملين. تغيرت خلالها كثيراً ملامحُ روسيا، كما تغير العالم من حولها. والرئيس الذي تسلم تركة ثقيلة، عندما عُيّن في عام 1999 رئيساً للوزراء من قبل الرئيس بوريس يلتسين، وجد نفسه أمام استحقاقات صعبة، ودخلت البلاد معه منعطفات حاسمة، وواجهت صعوبات كبيرة، لكنها استعادت قدرتها ورسخت مكانتها مجدداً بين الكبار في العالم.

أعلن يلتسين عن استقالته في 31 ديسمبر (كانون الأول) عام 1999 خلال خطاب ألقاه بمناسبة رأس السنة، وأصبح بوتين رئيساً بالنيابة. وفي شهر مارس (آذار) عام 2000 فاز أول مرة في انتخابات الرئاسة.

تولى بوتين قيادة البلاد منذ ذلك الحين، باستثناء المدة من عام 2008 إلى عام 2012، عندما كان ديميتري ميدفيديف رئيساً وكان بوتين رئيساً للوزراء. ويلاحظ كثير من الخبراء أنه حتى في ذلك الحين كان هو الذي اتخذ القرارات الرئيسية بشأن قضايا السياسة الداخلية والخارجية، وكان المقصود من انتخاب ميدفيديف احترام متطلبات الدستور الروسي، الذي لا يسمح لشخص واحد بأن يكون رئيساً أكثر من ولايتين متتاليتين.

بوريس يلتسين (يمين) يصافح بوتين (يسار) خلال حفل الكرملين في موسكو في ديسمبر 1999 (أ.ف.ب)

بوتين في ربع قرن

ربع قرن مدة طويلة إلى حد ما، وعدد محدود من القادة في التاريخ الروسي بقوا في السلطة لمدة أطول. لذا؛ فمن المنطقي أن نلخص النتائج لحكم فلاديمير بوتين.

لقد ورث دولة تعاني من كثير من المشكلات الداخلية، فالعواقب التي خلفها التخلف عن سداد الديون في عام 1998، والتحركات الانفصالية، والبطالة، والفقر... كانت مجرد قائمة صغيرة من التحديات التي كان على فلاديمير بوتين أن يواجهها على الفور.

في عام 1999، قبل أشهر قليلة من استقالة يلتسين، اندلعت حرب الشيشان الثانية في شمال القوقاز. تمكن الزعيم الروسي الجديد من إنهاء العمليات القتالية في أبريل (نيسان) عام 2000. ومع ذلك، باتت الحركة الإرهابية السرية تعمل في الشيشان لسنوات عدة أخرى.

فقط في عام 2009 رُفع نظام عمليات مكافحة الإرهاب هناك، وهو ما عُدَّ نهاية للحرب. والآن الشيشان هي محافَظة مستقرة وآمنة ومزدهرة ضمن الأراضي الروسية، ويزورها كثير من السياح كل عام للتعرف على التقاليد المحلية والتاريخ والمأكولات.

أيضاً، وفي بداية عهد فلاديمير بوتين، أضيفت حوادث طارئة مختلفة إلى حالة عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي، فضلاً عن العمليات العسكرية في شمال القوقاز. وكان أكثرها صدى في أغسطس (آب) 2000، عندما غرقت الغواصة النووية «كورسك»، وأودت هذه الكارثة بحياة 118 بحاراً، وكانت صدمة لروسيا بأكملها. بالنسبة إلى فلاديمير بوتين، أصبح ذلك تحدياً حقيقياً، وواجه حينها انتقادات لعدم استجابته بشكل كافٍ للحادثة.

تضاف إلى هذه الأحداث المشكلات الاقتصادية والاجتماعية الخطرة التي كان على رئيس الدولة حلها. أما بالنسبة إلى السياسة الخارجية، فرغم أن موسكو لا تزال عضواً دائماً في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فإنه حينها لم يكن لها أي دور مهم في الشؤون الدولية. لقد كان العالم أحادي القطب لمدة طويلة؛ في الواقع، كانت الولايات المتحدة منخرطة في غالبية العمليات على المسرح العالمي.

سيدة تبيع قطعة لحم كبيرة وسط حشود من الناس على أمل التغلب على أزمة النقص وارتفاع الأسعار في موسكو خلال الحقبة السوفياتية (غيتي)

«خطاب ميونيخ»

نقطة التحول كانت في عام 2007 عندما ألقى فلاديمير بوتين خطابه الشهير خلال «مؤتمر ميونيخ للأمن»، وذكر فيه تهديدات صادرة من توسع حلف «الناتو»، كما أشار إلى عدم قبول الحالة أحادية القطب أو تجاهل القانون الدولي.

في الوقت نفسه، أشار الزعيم الروسي إلى أن موسكو ستتبع سياسة خارجية مستقلة، وإلى أن تطورات الأحداث على الساحة العالمية، بما في ذلك استخدام القوة، يجب أن تستند فقط إلى ميثاق الأمم المتحدة.

كان على روسيا أن تثبت هذه الأقوال بالأفعال في وقت قريب جداً. في أغسطس عام 2008 أرسلت جورجيا قواتها إلى أوسيتيا الجنوبية وقصفت قاعدة لقوات حفظ السلام الروسية هناك. وخلال الحرب التي استمرت 8 أيام، تمكنت موسكو من هزيمة تبيليسي، واعترفت بأوسيتيا الجنوبية وأبخازيا دولتين مستقلتين.

مع هذا، فإنه لم يتبع ذلك هدوء طويل الأمد. في نهاية عام 2010، اندلع ما يسمى «الربيع العربي» في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. في السنوات الأولى، لعبت روسيا دوراً سياسياً ودبلوماسياً في هذه الأحداث، وعملت بنشاط على منصة مجلس الأمن، لكن كما معروف، كان على موسكو لاحقاً أن تثبت قوة أسلحتها.

قبل ذلك، بدأت حالة التوتر في أوكرانيا. في عام 2014، على خلفية الاحتجاجات والاشتباكات مع قوات الأمن، وقع انقلاب في كييف. أسقط ممثلو ما تسمى «المعارضة»، بدعم من الولايات المتحدة ودول غربية أخرى، الرئيس فيكتور يانوكوفيتش. وذلك على الرغم من الاتفاقات لحل النزاعات وإجراء الانتخابات الرئاسية. وعارض سكان دونباس وشبه جزيرة القرم تطور الأحداث هذا.

في النهاية، أُجري استفتاء في القرم حول الانضمام إلى أراضي روسيا في مارس عام 2014، وأيد هذا القرار أكثر من 96 في المائة من الناخبين. ومنذ ذلك الحين، أصبحت شبه جزيرة القرم جزءاً لا يتجزأ من الأراضي الروسية.

كان دونباس أقل حظاً؛ إذ استمر لسنواتٍ القتالُ المسلح بين متطوعي هذا الإقليم من جهة؛ والقوات الأوكرانية من جهة أخرى، وكان القتال بدأ في ربيع عام 2014، وأودى بحياة آلاف الأشخاص؛ بينهم نساء وأطفال.

وحتى على الرغم من توقيع «اتفاقيات مينسك» في عامي 2014 و2015، التي كانت تهدف إلى وقف إطلاق النار وتسوية وضع دونباس، فإن قصف نظام كييف لم يتوقف حتى عام 2022. ورغم ذلك؛ فإن كثيرين بدأوا ينظرون إلى انضمام شبه جزيرة القرم إلى روسيا بوصفه تحدياً من موسكو للولايات المتحدة ومحاولة روسية قوية للعب دور بارز على الساحة الدولية.

قوات جورجية تطلق النار فوق جدار على الجبهة في شمال غرب جورجيا أثناء الحرب الأهلية في يوليو 1993 (غيتي)

سوريا ونفوذ روسيا

أثبتت روسيا هذا بشكل أقوى في عام 2015، عندما بدأت العملية العسكرية في سوريا. آنذاك تمركز مقاتلو المعارضة ومجموعات إرهابية في ضواحي دمشق. كان هناك وضع حرج يتطور بالنسبة إلى السلطات المركزية في دمشق. ومع ذلك، فقد أدى القصف الجوي الروسي المكثف إلى وقف تقدم المتطرفين، ودفعهم إلى الوراء، وبدء تحرير المناطق الرئيسية بالبلاد التي جرى الاستيلاء عليها تقريباً منذ بداية الأزمة السورية في عام 2011.

وأظهرت العملية العسكرية قدرات روسيا ونفوذها في الشرق الأوسط. فهذا النفوذ لم يعزز موقف موسكو في المنطقة فحسب؛ بل سمح أيضاً لفلاديمير بوتين بتقديم نفسه مدافعاً عن الاستقرار الدولي ضد التهديدات الإرهابية.

لكن سوريا لم تصبح نقطة أخيرة في تعزيز مواقف روسيا على الساحة الدولية. وعادت موسكو إلى أفريقيا، حيث كانت غائبة منذ انهيار الاتحاد السوفياتي. وفي عدد من الحالات، تمكن فلاديمير بوتين من طرد فرنسا والولايات المتحدة. حدث هذا في مالي والنيجر وبوركينا فاسو وجمهورية أفريقيا الوسطى.

تقليدياً، يُنظر إلى روسيا على أنها تعارض الاستعمار، أو بشكل أكثر دقة: الاستعمار الجديد. وهذا ما يؤتي ثماره. فقد تمكنت موسكو من بناء تعاون اقتصادي وعسكري مع الدول الأفريقية على أساس الاحترام المتبادل ودون التضحية بمصالحها الخاصة.

ولكن ربما كان التحدي الرئيسي الذي واجهه فلاديمير بوتين هو قرار إجراء العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، التي بدأت في فبراير (شباط) 2022. ويستمر القتال لحماية سكان دونباس، فضلاً عن نزع السلاح وإزالة النازية من أوكرانيا، حتى يومنا هذا.

تمكنت روسيا من تحرير مناطق كبيرة وإنشاء ما يسمى «الجسر البري» إلى شبه جزيرة القرم. بالإضافة إلى ذلك، توسعت حدود البلاد بسبب الاستفتاءات التي أُجريت في جمهوريتَي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين، وكذلك في منطقتَي خيرسون وزابوروجيا.

أوكرانيون يعبرون مساراً تحت جسر مدمر أثناء فرارهم من ضواحي كييف في مارس 2022. (أ.ب)

علاقات بديلة

ومع ذلك، أصبح على روسيا أن تدفع ثمناً كبيراً مقابل السياسة السيادية والمستقلة. ورغم عدم وجود تصريحات رسمية حالياً بشأن عدد الخسائر في صفوف الجيش الروسي، فإن الأدلة غير المباشرة من المسؤولين الروس تشير إلى أنها تجاوزت خسائر الاتحاد السوفياتي في حربه بأفغانستان. بالإضافة إلى ذلك، تعرضت موسكو لعقوبات وحشية وضغوطات سياسة واقتصادية من الولايات المتحدة والدول الأوروبية وحلفائها.

في جوهره، كان الأمر يتعلق بمحاولة عزل روسيا سياسياً واقتصادياً ومالياً. ومع ذلك، لم تستطع الدول الغربية تحقيق ذلك. تمكنت موسكو من بناء علاقات تجارية بديلة، والحفاظ على اتصالات وثيقة مع الدول الآسيوية؛ بما فيها دول الشرق الأوسط. وبشكل عام، فإن الاقتصاد الروسي، رغم كل التوقعات، لم يَنْهَرْ، بل يظهر نمواً.

كانت السنوات الخمس والعشرين التي قضاها فلاديمير بوتين في السلطة بمنزلة حركة تقدمية للخروج من حفرة الأزمات التي وجدت روسيا نفسها فيها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، نحو الاستقرار الداخلي وإحياء موسكو بوصفها لاعباً قوياً على الساحة الدولية.

وكما يعترف كثير من أولئك الذين ينتقدون سياسات فلاديمير بوتين، فإن شعب روسيا لم يَعِشْ بمثل هذا الثراء من قبل، ولم يَحْظَ سابقاً بمثل هذه الفرص للتنمية... سيارة شخصية، ورحلات إجازات في داخل البلاد وخارجها، وفرص شراء السلع الاستهلاكية دون أي قيود، والحصول على التعليم، وخلق مهنة في أي مجال... كل هذا أصبح ممكناً بالنسبة إلى كثير من سكان روسيا، رغم أنه قبل وصول فلاديمير بوتين إلى السلطة لم يكن من الممكن تصور أي شيء كهذا.

في الوقت نفسه، أصبحت مسألة من سيحل محل بوتين، عندما تنتهي الفرصة التي يوفرها الدستور للاحتفاظ بالمنصب الرئاسي، ملحة بشكل متنامٍ، ولعل «اختيار مثل هذا الشخص وإعداده» هو التحدي الأهم الذي لم يواجهه فلاديمير بوتين بعد.

* كاتب روسي