أفاد التقرير الأول الذي وضعته اللجنة الاستشارية العليا التي شكّلها الاتحاد الأوروبي لدراسة استجابات الدول الأعضاء لوباء «كوفيد-19»، واستخلاص العبر منها، وإعداد توصيات لمواجهة أزمات مماثلة في المستقبل، بأن عدم القدرة على إجراء الفحوصات التشخيصية لجميع الحالات المشتبه بها، والتدابير الأحادية التي اتخذتها الحكومات من غير تنسيق بينها، والصعوبات التي واجهت المفوضية الأوروبية لتوحيد المعايير والإجراءات الوقائية، هي الأسباب الرئيسية التي أدّت إلى تعثّر الاتحاد الأوروبي في مواجهة الوباء الذي أوقع حتى الآن أكثر من 175 ألف ضحية في أوروبا وحدها.
هذه كانت خلاصة التقرير الداخلي الذي اطّلعت عليه «الشرق الأوسط»، والذي وضعه خبراء اللجنة استناداً إلى محاضر الاجتماعات الاستثنائية الخمسة التي عقدها أعضاء المركز الأوروبي لمكافحة الأوبئة، وهي الهيئة الصحية العليا في الاتحاد، من أواخر فبراير (شباط) حتى نهاية أبريل (نيسان)، عندما بدأ الوباء يتراجع في البلدان الأوروبية، وأعلنت الحكومات عن خططها التدريجية لرفع تدابير الإغلاق. ويضمّ المركز رؤساء الأجهزة المسؤولة عن مراقبة الأوبئة في الدول الأعضاء، لكنه لا يتمتع بأي صفة تنفيذية، حيث إن الصحة من القطاعات القليلة التي لا تملك المفوضية صلاحيات فيها.
ويفيد التقرير بأن المركز عقد اجتماعه الأول المخصص لـ«كوفيد-19» في 18 فبراير (شباط)، حيث عد الخبراء أن مخاطر انتشار الوباء في أوروبا «منخفضة»، علماً بأن إيطاليا رصدت الإصابات الأولى الناجمة عن انتشار الفيروس داخل أوروبا بعد ذلك بـ3 أيام فقط. وكانت بداية الانتشار الأوروبي للفيروس قد ظهرت في مجموعة من البلدات في الشمال الإيطالي التي تمّ عزلها بسرعة، في الوقت الذي كان خبراء اللجنة قد أبلغوا المفوضّية عن قلقهم لعدم توفّر معدّات الاختبار والوقاية الكافية في المراكز الصحية والمستشفيات التي كانت قد بدأت تظهر الإصابات الأولى بين طواقمها.
وفي الاجتماع الثاني، دار نقاش طويل بين خبراء المركز حول «تعريف الحالة» التي تحدد إخضاع المريض المشتبه بإصابته بالفيروس للفحوصات التشخيصية. وحتى ذلك التاريخ، لم يكن يخضع للفحوصات سوى المصابين بالتهابات تنفسيّة حادة الوافدين من مقاطعة ووهان الصينية التي ظهر فيها الوباء للمرة الأولى. وبعد يوم كامل من النقاش، توافق الخبراء على الاكتفاء بإدراج البلدات أو المناطق المعزولة، وليس المدن الكبرى القريبة منها، على قائمة المناطق المرشّحة لأن ينتشر الوباء فيها. وكانت الحجّة التي رجّحت كفّة ذلك القرار أن الصين اكتفت بإعلان مقاطعة ووهان منطقة موبوءة، ولم تشمل البلاد بكاملها.
وتفيد محاضر ذلك الاجتماع بأن رئيس المركز مايك كاتشبول حذّر من أن ذلك التصنيف قد لا يصمد أكثر من أسبوعين أو ثلاثة قبل تعميم مناطق الانتشار على غالبية البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، كما حصل لاحقاً. ومن المواضيع الأخرى التي ناقشها الخبراء في ذلك الاجتماع، وتبـّين لاحقاً مدى أهميتها الحاسمة، ضرورة توفير المعدات اللازمة التي تتيح معرفة ما إذا كان الفيروس ينتشر في بلد معيّن، ومنذ أي فترة. وقد تبيّن لاحقاً أن الفيروس كان ينتشر في الشمال الإيطالي، وفي مدريد، قبل أسابيع من مبادرة سلطات البلدين إلى إعلان العزل التام والتدابير الوقائية.
وفي الاجتماع التالي، اتفق الخبراء على التوصية بإجراء الفحوصات التشخيصية للمرضى الموجودين في المستشفيات لإصابتهم بالتهابات رئوية، بعد أن رُصدت حالات كثيرة في إيطاليا وإسبانيا، حيث كانت الإصابات قد بدأت ترتفع بسرعة. كما تقرّر أيضاً رفع مستوى الإنذار، بعد البيانات الواردة من إيطاليا وإسبانيا، حيث كانت المستشفيات قد وصلت إلى أقصى قدراتها الاستيعابية. ويفيد التقرير بأن معظم البلدان الأعضاء في ذلك الوقت كانت تعاني من نقص حاد في معدات التشخيص ومتابعة الإصابات، وأيضاً من عجز في الموارد البشرية الصحّية التي كانت تتعرّض هي أيضاً لإصابات متزايدة.
وعندما عقد خبراء المركز اجتماعهم التالي في 17 مارس (آذار)، كان المشهد قد بلغ ذروة مأساويته في عدد من البلدان الأعضاء التي كانت تسجّل إصابات يومية بالآلاف، وتواجه صعوبة حتى في دفن ضحاياها، وتعاني من نقص حاد في معدات الوقاية وأجهزة التنفّس. وتفيد مصادر المركز بأن معظم البلدان الأوروبية ما زالت تعاني إلى اليوم من نقص في المواد والمعدات المخبرية، الأمر الذي يحول دون إجرائها الفحوصات اللازمة لتحديد مدى الانتشار الحقيقي للوباء، ويشكل مصدر قلق كبير أمام احتمالات عودة الوباء في موجة ثانية.
ويشير التقرير إلى أن ممثل المفوضية الأوروبية في المركز قد أعرب عن أسفه الشديد للاقتراحات التي تقدمت بها بعض الدول، وعادت عنها لاحقاً، للانتظار حتى الوصول إلى «مناعة القطيع»، وقال إنها تقوّض كلياً الإجراءات التي كان الاتحاد الأوروبي يتخذها لاحتواء الوباء في الدول الأعضاء.
وفي الاجتماع الأخير الذي عقده خبراء المركز منتصف الشهر الماضي، شدّدوا على ضرورة الإسراع في تخزين المعدات التشخيصية والوقائية، تحسباً لعودة الوباء في الخريف المقبل، وناشدوا الدول الأعضاء التزام أقصى درجات الحذر، واعتماد تدابير واضحة موحّدة، والإسراع في تطوير واستخدام النظم والتطبيقات الإلكترونية من أجل المتابعة الفورية للإصابات، وتحديد مواقعها.
التدابير الأحادية وانعدام التنسيق... نقاط الضعف الأوروبية في مواجهة الوباء
التدابير الأحادية وانعدام التنسيق... نقاط الضعف الأوروبية في مواجهة الوباء
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة