سنوات السينما: Durak ‪(‬2014‪)‬

مشهد من فيلم «غبي»
مشهد من فيلم «غبي»
TT

سنوات السينما: Durak ‪(‬2014‪)‬

مشهد من فيلم «غبي»
مشهد من فيلم «غبي»

‫Durak ‪(‬2014‪)‬ (ممتاز)

على الرغم من أن هذا الفيلم الروسي حديث نسبياً، فإنه من تلك الكثيرة التي انتهت إلى رفوف صانعيه سريعاً ومضت من دون أن تترك الأثر الذي تستحق. «غبي»، كما يعني العنوان يدور حول ‬السبّاك ديما (أرتم بيستروف). شاب صادق وأمين، ربما إلى حد المثالية. متزوج ولديه طفل ويعيش، تبعاً لظروفه الاقتصادية، مع والديه المتشاجرين دوماً. أخذ عن والده ‪)‬ألكسندر كورشونوف) كما ندرك لاحقاً، أخلاقيات ما عادت موجودة ثم سقط ضحية لها. هو مثالي في عالم لم يعد مثالياً.
ذات يوم يلبّي ديما نداء مستعجلاً: ينفجر أنبوب الغاز في شقة في بناية متداعية بعدما كان زوج سكير افتقد المال الذي سيشرب به فضرب زوجته وابنته معتقداً أنهما سرقاه وفجأة ينفجر أنبوب الغاز في البيت ما يستدعي طلب النجدة والبوليس والسبّاك ديما الذي يعمل موظّفاً في الحكومة. يكتشف ديما أن هناك شرخاً كبيراً في هذه البناية السكنية التي تحوي أكثر من 800 فرد. هل سيستمع أحد لتحذيره؟ لا.
تم بناء العمارة قبل أربعين سنة كحل إسكاني مؤقت، لكن أحداً لم يسع للكشف عليها منذ ذلك الحين. يعتقد ديما أنها ستنهار بعد 24 ساعة. يهب للإنقاذ متجاوزاً رئيسه المباشر الذي في إجازة. يحصل على رقم هاتف المحافظ (ناتاليا سوركوفا) التي كانت تحتفل بعيد ميلادها الخمسين في أحد المطاعم مع مجلس إدارة المدينة. يواجه المحافظة بما يعرف فتعقد اجتماعاً في غرفة ملحقة ثم تأمر اثنين من المسؤولين بالذهاب معه إلى التحقيق. يتأكدان من أن كلامه صحيح ويعودان إلى المكان. لكن الحل ليس سهلاً. الفساد الذي استشرى بين الجميع الذي يسمع به ديما عندما يُعقد الاجتماع الأول بحضوره فإذا بالجميع يلوم الجميع كاشفاً عن الاختلاسات والرشاوى، أدّى إلى عجز مادي كبير. المأزق هو أن إجلاء سكان البناية يعني إسكانهم في بيوت أخرى وهذا ليس متوفّـراً.
ليس أمام المحافظ سوى الهرب إلى الأمام تحاول الدفاع عن منصبها بصرف النظر عن كل شيء آخر ومصلحتها تقتضي، وعلى نحو غير واضح تماماً، بالتضحية بالمساعدين الاثنين اللذين صحبا ديما للموقع. فريق صغير من منفّـذي المهام الخاصّـة يقوم بتصفيتهما. يهدد القتلة ديما طالبين منه ترك المدينة فيرضى ثم يقرر أن يستكمل دوره المسؤول مهما كانت المخاطر المحدقة به وبأسرته.
يفتح المخرج بؤرته على واقع يعرفه ويضع أزمة إنسانية على خلفية اجتماعية متشابكة: هناك مواطنون عاديون مهددون بالموت ومسؤولون فاسدون ومرتشون بنوا منازلهم المرفّـهة ويعيشون فوق السحاب خارج نطاق المسؤولية.
يرفض المخرج يوري بيكوف التوقّـف عند هذا التقسيم المبدئي، فالفاسدون ليسوا وحدهم المتهمين بل كذلك ضحاياهم من المواطنين. يلقي بيكوف الضوء على سكان العمارة الذين يعيشون حياة تخلو من العلاقات الإنسانية والاجتماعية الصحيحة. أناس تحوّلوا، بسبب فقرهم، إلى أشكال بشرية لا اهتمام أحد ولا حتى أنفسهم. يصوّر المخرج ما آلت إليه العائلات: رجال سكارى، نساء وحيدات، مراهقون مدمنون ولا علاقات أخلاقية تسود المجتمع المعروض أمامنا.
لا يقول «غبي» أن روسيا اليوم هي كلها على هذا النحو، لكن النموذج الذي يقدّمه فيه ما يكفي من وقائع قابلة للتصديق حتى الدقائق العشر الأخيرة عندما يبدو أن بطله زادها في دفاعه عن مثالياته بصرف النظر عن عواقبها.


مقالات ذات صلة

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

يوميات الشرق المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

قال المخرج العراقي عُدي رشيد المتوج فيلمه «أناشيد آدم» بجائزة «اليسر» لأفضل سيناريو من مهرجان «البحر الأحمر» إن الأفلام تعكس كثيراً من ذواتنا.

انتصار دردير (جدة)
يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
TT

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)

RENDEZ‪-‬VOUS AVEC POL‪-‬POT ★★★

* إخراج: ريثي بَنه (فرنسا/ كمبوديا)

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم. ويُذكّر الفيلم أن الصحافة في تاريخها العريق، دائماً ما وجدت نفسها أمام مسؤوليات وتحديات عديدة. في هذا الفيلم الذي أخرجه ريثي بَنه عن الأحداث التي عصفت في بلاده سنة 1978 اقتباسات عن كتاب الصحافية إليزابيث بَكَر (Becker) وعن تجربتها بصفتها واحدة من 3 صحافيين دُعوا لمقابلة بُل بوت، رئيس وزراء كمبوديا وأحد قادة منظمة «الخمير الحمر» (Khmer Rouge) المتهمة بقتل ما لا يقل عن مليون و500 كمبودي خلال السبعينات. الصحافيان الآخران هما الأميركي ريتشارد دودمان، والأسكوتلندي مالكوم كالدويل.

لا يبدو أن المخرج اتّبع خُطى الكتاب كاملةً بل تدخّل بغايةِ ولوج الموضوع من جانب الحدث الذي وضع حياة الثلاثة في خطر بعدما جاءوا للتحقيق ومقابلة بُل بوت. في الواقع دفع الأميركي حياته ثمناً لخروجه عن جدول الأعمال الرسمي والتقاطه صوراً تكشف عن قتلٍ جماعي. وفي الفيلم لحظة مختصرة لكنها قاسية التأثير عندما يَلقى الصحافي حتفه غرقاً في نهر دُفع إليه.

الفرنسية إيرين جاكوب التي تؤدي شخصية الكاتبة بَكَر تُعايش بدورها الوضع بكل مأساته. تُفصل عن زميلها ولم تعد تعرف عنه شيئاً، وتمر بدورها بتجربة مخيفة لم تكن تعلم إذا ما كانت ستخرج منها حية.

في باطن هذا الفيلم الجيد على تواضع إنتاجه، تُطرح أسئلة فيما إذا كان الصحافي يستطيع أن يقبل التحوّل إلى جزءٍ من البروباغاندا. وهل هو أداة لنقل الرأي الرسمي بغياب حرية التعبير؟ وماذا لو فعل ذلك وماذا لو لم يفعل؟

هو ليس بالفيلم السّهل متابعته من دون معرفة ذلك التاريخ ودلالاته حول العلاقة بين النُّظم الفاشية والإعلام. والحرية التي لا تُمنح لصحافيين محليين هي نفسها التي لا تُمنح كذلك للأجانب ما دام عليهم نقل ما يُقال لهم فقط.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

‪THE‬ WRESTLE‪R‬ ★★

* إخراج: إقبال حسين شودهوري (بنغلاديش).

يقترب الرجل المسن موجو (ناصر أودين خان) وسط أشجار ليست بعيدة عن شاطئ البحر وينتقل من واحدة لأخرى ماداً يديه إليها كما لو كان يريد أن يدفعها بعيداً أو أن يُزيحها من مكانها. ومن ثَمّ يتركها ويركض صوب أخرى ليقوم بالفعل نفسه قبل أن يعود إليها. يبعث هذا المشهد على تكراره سخرية غير مقصودة. قد تكون طريقة قديمة لممارسة تمارين المصارعة أو التدريب الوحيد المُتاح في تلك القرية، لكن موجو جادٌ في محاولته لدفع الأشجار إلى الخلف أو تغيير مواقعها، استعداداً لملاقاة مصارع أصغر منه سنّا وأكبر حجماً في المباراة المقبلة.

«المصارع» (أبلبوكس فيلمز)

هناك كثير مما يتأمله المخرج شودهوري بطيئاً قبل تلك المباراة وما بعدها. بعضُ المشاهد لديها نسبة معقولة من الشِّعر الناتج عن تصوير الطبيعة (ماء، أشجار، حياة... إلخ) وبعضها الآخر لا يفضي إلى تقدير خاص. في نصف الساعة الأولى يعكس المخرج شغفاً ما بتصوير شخصياته من الخلف. عندما يتخلى المخرج عن هذه العادة لاحقاً، يستبدل بتلك اللقطات سلسلة من المشاهد البعيدة عن شخصياته في الغالب. هنا يتحسّن تأطير اللقطات على نحوٍ نافع ولو أن شغله على الدراما يبقى غير ذي مكانة.

يطرح الفيلم مشكلة رجلٍ لا يريد الاعتراف بالواقع ويتحدى من هو أكثر قوّة منه. يحقّق طموحه بلقاء المصارع الآخر ويخفق في التغلب عليه. في الواقع يسقط أرضاً مغشياً ومن ثمّ نراه لاحقاً في بيت العائلة قبل أن يعود إلى تلك الأشجار ليصارعها. المخرج (ثاني فيلم له) طموح، لكن أدواته التّعبيرية وإمكانياته التي تفرض نفسها على السيناريو وحجم الفيلم بأسره، محدودة.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

ONE OF THOSE DAYS WHEN HEMME DIES ★★★

* إخراج: مراد فرات أوغلو (تركيا).

قرب نهاية الفيلم يبدأ الشاب أيوب مراجعة ما مرّ به طوال اليوم. لقد انطلق غاضباً من المُشرِف على العمل عندما شتم أمّه. يعمل أيوب في حقلٍ لتجفيف الطاطم. ويعرف المخرج كيف يوظّف المكان، درامياً (سهل منبطح تحت شمس حامية وصعوبة العمل)، وجمالياً (تلك الثمار المقطوعة إلى نصفين والملقاة فوق شراشف على مد النظر).

«أحد تلك الأيام التي مات فيها هيمي» (مهرجان مراكش)

نقطة الخلاف أن أيوب يُطالب بأتعابه، لكن المُشرف على العمل لم يتقاضَ المال بعد ليدفع له، مما يؤجّج غضب أيوب فينشب شجار بينهما. يركب دراجته النارية وينطلق صوب بلدته. في منزله مسدسٌ سيتسلّح به وفي البال أن يعود لينتقم. معظم الفيلم هو رحلة على الدراجة التي تتعطل مرّتين قبل إصلاحها عند المساء. الأحداث التي تقع على الطريق وفي القرية الصغيرة تُزيّن الموضوع بشخصيات تدخل وتخرج من الحدث الرئيسي الماثل. في أحد هذه الأحداث الثانوية يُساعد أيوب رجلاً عجوزاً اشترى بطيخة ولا يستطيع حملها، فيوصله والبطيخة إلى داره. وفي مشهد آخر يستمع لتوبيخ زوج شقيقته لأنه كان عرض عليه العمل في شركته ورفض. لا يقول لنا الفيلم لماذا رفض ما ينتقص من بنية الموضوع وأسباب عزوف أيوب على تنفيذ وعده لنفسه بالانتقام.

اعتمد المخرج هذين المشهدين وسواهما لملء الوقت الممتد بين عزم أيوب على الانتقام وعزوفه عن ذلك. لكنه هذه المشاهد ضرورية رغم أن الفيلم ينتهي من دون أن يبني حجة دامغة لقرار أيوب النهائي. هذا الفيلم دراما مصوّرة جيداً ومكتوبة بدراية، رغم الهفوات المذكورة.

* عروض حالياً في مهرجان «مراكش»

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز