{متحف} لمنتجات النخيل في قصر تاريخي بصحراء مصر الغربية

تزيّنه أطباق وشيّالات ومقاطف وحافظات طعام

أطباق للخبز (الشرق الأوسط)
أطباق للخبز (الشرق الأوسط)
TT

{متحف} لمنتجات النخيل في قصر تاريخي بصحراء مصر الغربية

أطباق للخبز (الشرق الأوسط)
أطباق للخبز (الشرق الأوسط)

رغم تداعيات جائحة «كورونا» على معظم قطاعات الفن والثقافة والمعارض في جميع أنحاء مصر، لا تزال منتجات النخيل التراثية تزيّن أحد القصور التاريخية التي تعود إلى العصر العثماني بقرية «القصر» في الواحات الداخلة بمحافظة الوادي الجديد في صحراء مصر الغربية، بعد توقف المعارض في القاهرة والإسكندرية.
«أم جنة للمشغولات اليدوية والتراثية» اسم اتخذته الفنانة المصرية حنان سنوسي، للترويج لمنتجاتها من الخوص وعرجون النخيل الذي يوجد بكثرة في الواحات الدّاخلة، وهو الاسم الذي حققت به شهرة كبيرة بين أفواج السائحين الأجانب الذين كانوا يزورون المناطق الأثرية هناك، إلى جانب معارض الفنون التراثية المنتشرة في العاصمة المصرية القاهرة وغيرها من المحافظات، قبل عزلة «كورونا».
تقول سنوسي لـ«الشرق الأوسط»، إنّها بدأت مشوارها في عام 2009، مع تصميم وتنفيذ منتجات الخوص من المنزل، إذ لم يكن أمامها لتحقيق طموحاتها الفنية سوى ذلك، فقد كانت ربة منزل لديها طفلان، يحتاجان إلى الرعاية، راحت توزع ما تنتجه على أصحاب المحلات بالقرب من المنطقة الأثرية في الواحات الداخلة، قبل أن تُسوّق منتجاتها بنفسها، وخلال وجودها في السوق تعرّفت على النساء اللواتي يعملن في منتجات الخوص التراثي، وهن موجودات بالفعل في قرية القصر التي يعود بعض مبانيها للعصر العثماني.
وذكرت سنوسي أنّ منتجات الخوص تمثل جزءاً أساسياً لأهل قريتها، الذين يستخدمونها في حياتهم اليومية، للتخزين وحفظ الطّعام، كما أنّهم يضعونها في جهاز العروس ضمن الأثاث، وهي عادات قديمة مستمرة حتى الآن في قريتها.
تعلّمت سنوسي المهنة من أمها وجدتها، وأخذت عنهما كيف كانتا تصنعان الأطباق والشيالات والمقاطف وحافظات الطّعام من سعف النخيل، هذا بخلاف ما كانت تُنتجه القرية من كراسي وأسرّة من الجريد، وكانت لتلك الصناعات أشكالها وتصميماتها المعروفة، وكان لا بد من التطوير، لذا اتفقت سنوسي، حسب وصفها، على التعاون مع النساء اللواتي يقدمن منتجات بطرز قديمة من أجل تقديم منتجات تدمج بين الخوص التراثي والجديد أو مع الكروشيه والخرز.
ووفقاً لبيانات مسح الدخل والإنفاق لعامي 2017 و2018 أظهر الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أنّ نسبة الإناث اللاتي يعلن أسراً في مصر بلغت نحو 18%، ولفتت البيانات الأولية المختصة بالقوى العاملة لعام 2019 التي صدرت بمناسبة اليوم العالمي للمرأة في مارس (آذار) الماضي، إلى أنّ مساهمة المرأة في سوق العمل بلغت أكثر من 6%.
وشاركت سنوسي في المعارض المتخصصة ببيع منتجات التراث، بعد حال الرّكود التي أعقبت ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011، وأولى مشاركاتها كانت في معرض أقيم في القاهرة عام 2014. وذكرت أنّ منتجاتها في ذلك الوقت كانت تبدو جديدة على المعرض، ورآها الناس ترفيهية، قائلة: «لم أستطع ترويجها، ووجدتُ صعوبة في تسويقها فرجعت بها. وكانت هذه نقطة تحوّل كبيرة بالنسبة لي، وفكرت في كيفية تقديم منتج يستخدمه المشتري ويكون جميلاً في الوقت نفسه، ويساوي بسعره المنتجات الصينية أو المستوردة، ويتجاوز كونه مجرد ديكور، لذا دمجت القديم والحديث، وصنعت منتجات جديدة مثل صواني التقديم وأطباق التسالي والفاكهة وسلال المهملات وسلال لعب الأطفال وحقائب للخضار ورحلات المصايف والبحر والتنزه».
وبهذه الأشكال الجديدة أكّدت سنوسي أنّها استعادت ثقتها بمنتجاتها، فشاركت بها في معارض بالقاهرة، وبدأت النساء بشرائها واستخدامها، كما طلبت مؤسسات كثيرة التعاون معها لبيع منتجاتها، فكان الرواج كبيراً. وبدأت مرحلة انتقالية جديدة. فكان التفكير باتّخاذ مقر ثابت في قرية القصر الإسلامية بالمنطقة الأثرية القديمة، التي تعود للعصر العثماني، فاستأجر زوجها المنزل القديم في القرية وجعله مزاراً سياحياً ومعرضاً في الوقت نفسه. لتبدأ بعدها بالتعاون مع العديد من المؤسسات وشاركت في كثير من المعارض، وحظيت منتجاتها بشهرة كبيرة وتعاقدت على تصديرها إلى العديد من دول العالم. ‏وشاركت في معارض في البحرين عام 2017، بمنتجات مصنوعة على النول من عرجون النخيل وهي طريقة جديدة لم يسبق لأحد أن قام بها، وأ‏سهمت في تنوع المنتجات وتنوع الخامات المستخدمة وكلها من مواد مستخرجة من النخيل.
تؤكد سنوسي أنّ حبّها واهتمامها بمنتجاتها المصنوعة من مواد النّخيل جعلها تسعى لنقل معارفها وخبراتها لغيرها من السيدات، فنظّمت الورش لتدريبهنّ على عمل كل المنتجات اليدوية والتطريز مركّزة على الفتيات من الأجيال الجديدة ودرّبت 30 فتاة، وكان الهدف أن يستمر هذا النوع من الصناعات ولا يتعرض للاندثار، وقد فعلت ذلك بعد أن لاحظت أنّ معظم العاملات في هذا المجال من الجيل القديم، وقد ألحقتهن جميعاً بالعمل معها في مقرها بالقصر؛ لكنّ الجائحة أجبرتهن على العمل من منازلهن، وظهرت مشكلة جديدة في التسويق، بسبب الإغلاق، فلجأت سنوسي إلى المواقع الإلكترونية المتخصصة بالتسويق، إلى جانب صفحتها الخاصة على موقع «فيسبوك».



من الخطابات الرئاسية إلى قراءة الوثائقيات... «محيطاتنا» بصوت باراك أوباما

وثائقي جديد عن المحيطات من إنتاج باراك أوباما وبصوته (نتفليكس)
وثائقي جديد عن المحيطات من إنتاج باراك أوباما وبصوته (نتفليكس)
TT

من الخطابات الرئاسية إلى قراءة الوثائقيات... «محيطاتنا» بصوت باراك أوباما

وثائقي جديد عن المحيطات من إنتاج باراك أوباما وبصوته (نتفليكس)
وثائقي جديد عن المحيطات من إنتاج باراك أوباما وبصوته (نتفليكس)

ليست الوثائقيات المخصصة لاستكشاف أعماق البحار مادّةً تلفزيونية جديدة، فأول هذه الأعمال يعود إلى عام 1954. ومع مرور السنوات، توالت تلك الأفلام الوثائقية إلى أن باتت تُعَدّ بالآلاف وتملأ شاشات التلفزيون ومنصات البث. صحيح أنّها مادّة عابرة للأزمنة ولا يُملّ منها، غير أنه صار من الصعب إنتاج وثائقي آخر عن عالم ما تحت الماء، وتقديم محتوى جديد ومختلف عمّا سبق.

لعلّ التميّز والاختلاف هما أكثر ما سعى إليه فريق عمل «Our Oceans (محيطاتنا)»، السلسلة الوثائقية الجديدة التي تُعرض على «نتفليكس». وقد اجتمعت عناصر كثيرة لتحقّق هذا الهدف؛ بدءاً باللقطات الحصريّة للمخلوقات البحريّة التي جرى تصويرها بتكنولوجيا تُستَخدم للمرة الأولى ومن مسافاتٍ قريبة جداً، وليس انتهاءً بصوت الراوي... باراك أوباما شخصياً.

وما بين هاتين الميزتَين، عناصر أخرى كثيرة تجعل من مشاهَدة «Our Oceans» تجربة استثنائية، لا تختلف كثيراً عن متابعة مسلسل مشوّق وزاخرٍ بالمؤثّرات البصريّة.

تُخصَصُ كلٌ من الحلقات الـ5 لأحد محيطات هذا العالم، بدءاً بالمحيط الهادئ، وصولاً إلى الجنوبي، مروراً بالهندي والأطلسي والمتجمّد. يقول الراوي إنّ تيّاراً يسافر بين تلك المحيطات ويجعل منها عالماً واحداً. لكن بين الحلقة والحلقة، تختلف السرديّات وتتنوّع المَشاهد، لتبقى نبرة الراوي ثابتةً ومُريحة للسمع.

ليس من المنصف مقارنة موهبة أوباما الصوتيّة بأيقونة وثائقيات الطبيعة، المذيع والعالِم البريطاني ديفيد أتينبورو. فالأخير رائدٌ في مجاله وأحد مؤسسي هذا النوع من الأعمال التوثيقية، بينما أوباما حديث العهد في هذا المجال. قد يغرق الرئيس الأميركي الأسبق في السرد الرتيب أحياناً، إلا أنه يحاول جاهداً أن يجعل من صوته مرآةً للصورة المذهلة، لاجئاً إلى التلوين في النبرة، وإلى خفّة الظلّ المثيرة للابتسام، وإلى التفاعل الصوتيّ البارز مع المَشاهد المُدهشة. فأوباما، إلى جانب كونه موهبة تلفزيونية صاعدة، مدافعٌ شرس عن البيئة البَحريّة، هو الذي ترعرع في جزيرة هاواي الأميركية.

صُوّر الوثائقي بتكنولوجيا متطوّرة أتاحت الاقتراب من الكائنات البحريّة بشكل غير مسبوق (نتفليكس)

يتلاقى صوت أوباما مع نصٍّ كُتبَ بحنكةٍ وإحساسٍ عاليَين، مع لمسةٍ لافتة من الفكاهة. تتميّز السلسلة الوثائقية بسرديّتها التي لا تُشبه النصوص المرافقة عادةً لهذا النوع من المحتوى، وهي ترتكز إلى تقنية الكتابة على الصورة، أي استلهاماً ممّا تقدّمه المحيطات وكائناتها من مَشاهد مذهلة. في «Our Oceans»، تتحوّل الكائنات البَحريّة إلى شخصيات، لكلٍّ منها قصة بما فيها من كفاح وتحديات ومشاعر وعلاقات صداقة وعداوة. وأمام هكذا نص على قدرٍ عالٍ من الإنسانية، لا بدّ للمُتفرّج من أن يتماهى مع المواقف التي تواجه المخلوقات المائية والطيور البَحريّة.

في المحيط الهنديّ، يتعرّف المُشاهد إلى أنثى الحوت التي تسعى جاهدةً لأكل ما تستطيع، من أجل إرضاع صغيرها المولود حديثاً الذي يستهلك الكثير من الحليب. أمّا في المحيط الأطلسي، فيجهّز ذكور سمكة الفرّيدي الأرض لاستقبال إناثها من أجل أن تضع بيضها. تتنافس الأسماك فيما بينها لترتيب المكان وتنظيفه من كل ما قد يزعج الإناث، كالأعشاب والأصداف وحتى نجمات البحر.

يُدرك فريق «Our Oceans» أنّ المعلومات العلميّة وحدَها لا تُقنع الجمهور ولا تكفي لتُعلّقه في شرك العمل. لذلك فقد ارتأى أن يستند إلى المشاعر، من خلال ملاحقة الأسماك وسائر الحيوانات، وتصويرها ضمن مواقف يسهل التماهي البشري معها؛ كما أنثى الدب تلك في حلقة المحيط المتجمّد الشمالي، والتي تبحث بشراسة عن طريدةٍ ما من أجل إطعام صغيرها المتضوّر جوعاً.

ومن بين المَشاهد التي تذهل العين والفكر على حدٍّ سواء، ذاك الأخطبوط الصغير في المحيط الهندي، الذي يصرّ على العثور على طبقتين متجانستَين من إحدى الأصداف، كي يختبئ بينهما من عيون الأسماك المفترسة وأفواهها.

لا يعتمد الوثائقي بث المعلومات العلمية بقدر ما يرتكز إلى نص وتصوير زاخرَين بالمشاعر (نتفليكس)

ما يميّز السلسلة الوثائقية كذلك، مواكبتُها لسلوكيّات المجتمعات البَحريّة. تساعد في التقاط تلك المشاهد عن قُرب، تكنولوجيا متطوّرة جداً تُستخدم للمرة الأولى على هذا العمق. ولم تنتج عن ذلك التصوير الفريد متعة بصريّة فحسب، بل انهماكُ علماء البحار في تحضير 20 دراسة جديدة حول سلوكيّات الكائنات البحريّة، بناءً على ما شاهدوه ضمن السلسلة. مع العلم بأنّ 700 عالِم وباحث شاركوا في تحضير «Our Oceans».

من المواضيع المهمّة التي يلقي الوثائقي الضوء عليها، التلوّث البحري والآثار السلبية للتغيّر المناخي على المحيطات. يأتي ذلك انطلاقاً من الاهتمام الذي يوليه المنتجان المنفّذان، باراك وميشيل أوباما، للتوعية البيئية. وإذا كانت الحلقة الأولى مكرّسة لتصوير السِّحر البحري، فإنّ الحلقة الثانية والخاصة بالمحيط الهندي تُظهر كيف يمكن أن تتحوّل جنّة ما تحت الماء إلى حاوية نفايات ضخمة. وفي هذه الحاوية، كائناتٌ صغيرة وكبيرة تآلفت مع المواد البلاستيكية وسائر أشكال القمامة وباتت تقتات منها.

لا يغفل الوثائقي موضوع التلوّث البحري المتسببة به أيادي البشر (نتفليكس)

ليس الهدف من الوثائقي تجارياً بقَدر ما هو توعويّ إلى خطورة اليد البشريّة على جمال المحيطات. يجتاز فريق العمل 75 ألف ميل انطلاقاً من حب كبير للبحار والمياه التي تغطّي 71 في المائة من مساحة كوكب الأرض. على رأس الفريق، الثنائي الرئاسي الأميركي الأسبَق المنشغل منذ عام 2018 بمشروعٍ ترفيهيّ كبير، هو عبارة عن شركة إنتاج تُدعى Higher Ground.

اجتاز فريق العمل 75 ألف ميل واستعان بـ700 باحث وعالِم بحار (نتفليكس)

أنتجت شركة آل أوباما حتى اللحظة، أكثر من 20 مشروعاً تتنوّع ما بين أفلام روائية، ووثائقيات، ومسلسلات، وبرامج للأطفال، وبودكاست. وتُعتبر معظم تلك الإنتاجات هادفة، بما أنها تتضمّن رسائل توعويّة إنسانياً، وبيئياً، ومجتمعياً.

أمّا الموهبة الصاعدة التي يلوّن صوتُها بعض تلك الأعمال، أي باراك أوباما، فيبدو صاحبَ مستقبلٍ واعد في المجال. تُوّج مجهوده الصوتيّ بجائزة «إيمي» عام 2022 عن فئة أفضل راوٍ. وكان قد حاز سابقاً جائزتَي «غرامي» في الإطار ذاته.