بقدر ما نزل إعلان رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني بتمديد حالة الطوارئ الصحية إلى العاشر من يونيو (حزيران) المقبل «ثقيلا» على أغلب المغاربة، جاء خبر اعتقال سليمان الريسوني، رئيس تحرير يومية «أخبار اليوم»، ووضعه رهن الاعتقال الاحتياطي بالدار البيضاء من أجل جناية «هتك عرض باستعمال العنف والاحتجاز». وبعده بأيام فتحت المصلحة الولائية للشرطة القضائية بالدار البيضاء بحثا تمهيديا تحت إشراف النيابة العامة المختصة، لتحديد الأفعال الإجرامية المنسوبة للممثل رفيق بوبكر، بعد ظهوره في شريط فيديو يسيء فيه للدين الإسلامي ويمس بوقار العبادات، ليخرج المغاربة، ولو إلى حين، من الروتين اليومي الذي أدخلهم فيه فيروس «كورونا».
وأتت القضية لتبعدهم عن تعبهم من وضعية التباعد الاجتماعي المتراوحة بين ترقب الحصيلة اليومية للوباء ورصد المعطيات التي يمكن أن تمنح أملا في محاصرة الوباء والعودة إلى الحياة الطبيعية، الشيء الذي لخصه رئيس الحكومة، في تبريره لقرار تمديد الحجر الصحي للمرة الثانية، بقوله إن «الوضعية مستقرة ومتحكم فيها، ولكنها لا تزال غير مطمئنة بالكامل من حيث معدل التكاثر واستمرار بروز بؤر عائلية وصناعية بين الفينة والأخرى في عدد من المناطق، وكذا تسجيل بعض أوجه التراخي في احترام مقتضيات الحجر الصحي، مما قد يسبب في انتكاسة لا يمكن تحملها».
ويبدو أن التعب الذي نال من أغلب المغاربة جراء وضعية الحجر الصحي، قد انعكس حتى الآن على علاقتهم بشبكات التواصل الاجتماعي، حيث دخلت الحسابات الرسمية لمعظمهم في رتابة تنقل لمزاج خاسر، بدا كما لو أنه كان في حاجة إلى «حدث» يخرجه من هذه الحالة، الشيء الذي توفر، ربما، مع حدث إلقاء القبض على الصحافي الريسوني عشية عيد الفطر، وعلى الممثل بوبكر بعد حلول هذه المناسبة الدينية، والمغاربة في وضعية تباعد اجتماعي.
ولعل ما زاد من منسوب «الإثارة» التي رافقت الحدثين طبيعة التهم التي يتابع بها كل من الصحافي الريسوني والممثل بوبكر.
فالأول متهم بارتكابه لـ«جناية هتك عرض باستعمال العنف والاحتجاز»، بناء على شكوى تقدم بها أحد الأشخاص في مواجهته، يَدّعي فيها «تعرضه للاحتجاز وهتك العرض» من طرفه، قبل سنتين. فيما يتابع الثاني بظهوره في محتوى رقمي منشور على مواقع التواصل الاجتماعي، في وضعية غير طبيعية، وهو يسيء للدين الإسلامي ويمس بحرمة العبادات.
وفيما تباينت ردود الفعل بخصوص قضية الريسوني، مالت أغلب ردود الفعل إلى استنكار الفعل الذي أتى به الممثل بوبكر، الذي سارع إلى نشر اعتذار للمغاربة، مؤكدا لهم أنه أخطأ، معلنا سحب ما تفوه به في لحظة قال إنه لم يكن خلالها في كامل وعيه.
وكتب الممثل محمد الشوبي، على حسابه بـ«فيسبوك»، متفاعلا مع الحدث، موجها كلامه لزميله بوبكر: «لا أدافع عنك إلا من نفسك، ولن أقول إنك لم تخطئ لأن كل البشر خطاءون وخير الخطائين التوابون، وأنت بعد إدراك زلتك التي أوقعك فيها المتربصون الذين ألقوا بك لمطاحن الحقد والغل والجهل برميهم للفيديو الذي دار بينكم دون أن يخرج لجرح معتقدات الناس، اعتذرت. أنا يا صديقي رفيق طلبت من الله الصفح عن زلتك قبل أن تطلبها أنت ممن يترصدونك، ويتربصون بكل من ضعف يوما من الفنانين، لأنهم يعتقدون أن الطهارة والعفة والنقاء شيم يمتازون بها عن غيرهم، يا سبحان الله، وما أكثر زلاتهم للأسف. أعرفك يا أخي طيبا، عفويا، متسامحا، عاطفيا، فنانا مرهف الحس، وأعرفك كذلك لا تعني ما تقوله، وتحب الله وتتوسل إليه في قوتك قبل ضعفك. وأتوجه هنا لرب العزة الواحد الأحد الفرد الصمد، أن يفك ضائقتك، ويبعد عنك كل مكروه، هو علام الغيوب الغفور التواب، الذي لا تقبل إلا رحمته».
على خلاف قضية بوبكر، ستتفاوت الآراء بالنسبة لقضية الريسوني. وانتقدت جريدة «أخبار اليوم»، في عددها الصادر أمس، كيف أنه «جرى توقيفه وإخضاعه للحراسة النظرية ( اعتقال احتياطي) دون تلبس»، مشيرة إلى أن «إحالته على قاضي التحقيق تعني ضعف الأدلة ضده»، منتقدة «منصات للتشهير أعلنت أنه سيعتقل بشكل مسبق»، وكيف «جرى تسريب مشهد توقيفه والتشهير به»، قبل أن تنقل، على لسان الريسوني، قوله: «نوبتي جات (جاء دوري)... دعيو معايا (دعواتكم لي)».
فيما خرجت النقابة الوطنية للصحافة المغربية ببيان، تقول فيه إنها تابعت «باهتمام وقلق بالغين القرار القضائي القاضي بإيداع الزميل سليمان الريسوني رئيس تحرير جريدة (أخبار اليوم) رهن الاعتقال»، مشددة على أنها «تلتزم بالحفاظ على حقوق جميع الأطراف في هذه القضية، وتحترم سلطة القضاء وتثق في قراراته»، مؤكدة أن «الأفعال المنسوبة للزميل كانت، ولا تزال، في حاجة إلى مزيد من التحقيق والتحري الدقيقين، من منطلق أن الجهة المشتكية تنسب وقائع تعود إلى فترة ماضية، كما أن الزميل المعني يتوفر على جميع ضمانات الامتثال لمسطرة الخضوع للإجراءات القضائية المعمول بها في مثل هذه الحالات»، ولذلك طالبت بــ«اتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة لتصحيح هذا الوضع»، مجددة التأكيد على احترام قرينة البراءة ما دامت القضية معروضة أمام القضاء، المخول وحده إصدار أحكام في موضوع النازلة، مع تنديدها «بقوة»، بــ«حملة التشهير التي يتعرض لها أطراف هذه القضية، بما يتنافى مع مبادئ وأخلاقيات المهنة»، كما طالبت بـ«احترام شروط المحاكمة العادلة، من احترام للمساطر القانونية وحقوق الدفاع وحفظ حقوق جميع الأطراف بهدف الكشف عن الحقيقة بمنأى عن جميع التأثيرات».
من جهة أخرى، سارعت 8 جمعيات ومجموعات حقوقية إلى إعلان رفضها لدعوات الكراهية والقصص المفبركة فيما يتعلق بقضية «هتك العرض بالعنف والاحتجاز» المتهم فيها رئيس تحرير جريدة «أخبار اليوم»، مع تنديدها بــ«تصريحات بعض الحقوقيين والحقوقيات، التي ترى في هذه القضية حسابات سياسية وتعمل بذلك على تسكيت وطمس حق الضحية في العدالة».
وكان محاميا قد نشر تدوينة في موقع «فيسبوك» يستغرب من خلالها مدى صحة قبول شكوى أحد أفراد ونشطاء وحقوقيي وحقوقيات مجتمع (الميم.عين) لدى المصالح الأمنية.
وشددت الجمعيات والمجموعات الحقوقية على أن «هذه القضية ليست سياسية تمس بحرية الصحافة بقدر ما هي قضية ضحية تعرضت لاعتداء جنسي ويجب على المعتدي، في حالة ثبوت التهم المنسوبة إليه، أن يحاسَب»، رافضة «التشكيك في مصداقية الرفيق المقاوم كضحية» أو «التشكيك وتسكيت كل ضحايا العنف من طرف أفراد مهما كانت خلفيتهم أو نضالاتهم»، معتبرة أن «هذه السلوكيات التي تشمل لوم الضحية، والاتهام، والتشهير، والاتهام بالخزي هي تطبيع مع ثقافة الاغتصاب والاعتداءات الجنسية».
متابعة صحافي وممثل تخرج المغاربة من روتين «كورونا»
أعادت الحيوية إلى حساباتهم على شبكات التواصل الاجتماعي
متابعة صحافي وممثل تخرج المغاربة من روتين «كورونا»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة