الخيارات الأوروبية المتاحة في قضية «الضم»

TT

الخيارات الأوروبية المتاحة في قضية «الضم»

هذه المرة، حرص وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان على التعبير عن موقف واضح لا لبس فيه حين سئل، أول من أمس، داخل قبة البرلمان عن موقف حكومته من الخطط الإسرائيلية لضم أجزاء واسعة من أراضي الضفة الغربية بما فيها غور الأردن. وكان جوابه كالتالي: «ندعو الحكومة الإسرائيلية للامتناع عن أي تدبير أحادي الجانب، بخاصة ضم الأراضي»، مضيفا أن «أي قرار من هذا النوع لا يمكن أن يبقى دون رد».
ما قاله لودريان لا يحتمل التأويل. لكن السؤال هو: ما الذي تستطيع باريس القيام به إذا أرادت حقيقة أن تقرن القول بالفعل وفي حال توافرت لديها الإرادة السياسية، علما أن الكثير من العوامل يمكن أن تدخل على الخط بعضها على علاقة مباشرة بالاستحقاقات الانتخابية والحسابات السياسية الداخلية وبعضها الآخر مرتبط بالعلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية، فضلا عن تجنب فرنسا الصدام المباشر مع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة؟
نظريا، الخيارات عديدة سياسيا ودبلوماسيا واقتصاديا وعلميا وحتى دفاعيا «ثمة مناورات عسكرية مشتركة أوروبية - أميركية - إسرائيلية» وقد أخضعت للتمحيص الدقيق، منذ شهور، على عدة مستويات للنظر في مدى فاعليتها وإمكانية السير بها. وأول هذه التدابير «وأسهلها» فرض توسيم البضائع الإسرائيلية وهي زراعية في غالبيتها المنتجة في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية. وللتذكير، فقد صدر حكم عن محكمة العدل الأوروبية بتاريخ 12 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي يفرض على كافة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تنفيذ مضمون الحكم باعتبار أن بعضها إما رافض أو متردد، علما بأن توافقا أوروبيا بهذا الخصوص، على مستوى وزراء الخارجية، يعود للعام 2011 وفرنسا بدأت بتنفيذه منذ أربع سنوات. يلي ذلك تعليق الاتفاقيات المبرمة وتجميد التعاون العلمي ووقف العمل بالتعريفة التفضيلية التي يمنحها الاتحاد للبضائع الإسرائيلية، علما أنه الشريك الاقتصادي والتجاري الأول لإسرائيل. وعلى المستوى السياسي، يمكن للدول الراغبة بمعاقبة إسرائيل أو التهديد بمعاقبتها، في خطوة «استباقية» أن تستدعي السفراء المعتمدين أو تخفض مستوى التمثيل الدبلوماسي أو تدعم مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي «رغم تهديد الفيتو الأميركي». إنما السلاح الأمضى فهو بلا منازع الاعتراف الفردي أو الجماعي الأوروبي بالدولة الفلسطينية. وحتى اليوم، ليس هناك سوى السويد التي أقدمت على هذه الخطوة من داخل الاتحاد الأوروبي.
تعد باريس «قاطرة» أوروبية وهي تلعب دورا رائدا في هذا الملف لأسباب يعود إليها مسؤولوها في كل مناسبة انطلاقا مما تعتبره «محددات متوافق عليها دوليا». ومخاوف فرنسا أن عملية الضم الإسرائيلية، إذا حصلت، ستكون لها انعكاسات خطيرة على المنطقة المتفجرة أصلا أي على الجوار الأوروبي المباشر، فضلا عن أنها سوف تقضي على حل الدولتين وتنزع الاعتبار لا بل الشرعية عن السلطة الفلسطينية وتتسبب باندلاع انتفاضة جديدة، وربما بإحياء الإرهاب، فضلا عن إزالة المصداقية عن القرارات الدولية... لكن توجد ملاحظتان: الأولى، أن باريس، كما قال وزير خارجيتها أمام لجنة الشؤون الخارجية قبل أسبوع، لا تريد التحرك منفردة إنما العمل من داخل الإطار الأوروبي أو بالتحديد بالتعاون مع عدة دول تسير في الخط نفسه. ووفق لودريان، فإن باريس «تعمل مع إيطاليا وألمانيا وإسبانيا بالإضافة إلى بعض الدول الأعضاء، لوكسمبورغ وآيرلندا، (...) لبلورة تحرّك مشترك»، مضيفاً أنّ الهدف من هذا التحرّك هو إعادة «الجميع إلى طاولة المفاوضات». ولذا، فإن باريس تريد «ردا أوروبيا» وهي تعتبر أن البحث فيه علنا يمكن اعتباره «عملا استباقيا» لدفع المسؤولين الإسرائيليين لحساب العواقب المترتبة على خطتهم المزعومة. لكن المسؤولين الفرنسيين يعون - وهذه الملاحظة الثانية - أن التعويل على العمل الجماعي دونه عقبات كأداء بسبب قاعدة الإجماع لفي السياسة الخارجية. وليس أبلغ من ذلك أن دولتين هما تشيكيا والنمسا «من بين 27 دولة» اعترضتا على بيان «مخفف» أعده الإسباني جوزيب بوريل، مسؤول الشؤون الخارجية والدفاع في الاتحاد جوزيب بوريل دعا إسرائيل إلى «التخلي» عن خطط الضم، مذكرا إياها بضرورة احترام القانون الدولي والقرارات الدولية.
حتى اليوم، لم تعرف ملامح التحرك الفرنسي - الأوروبي. واكتفى لودريان أول من أمس بالإشارة إلى أنه سيتشاور الأحد القادم مع وزير الخارجية الإسرائيلي الجديد غابي أشكينازي. لكن الأخير سارع إلى وصف الدبلوماسية الأوروبية بدبلوماسية مكبر الصوت، أي أنه ظاهرة صوتية لا فائدة منها. ويقول دبلوماسي أوروبي في باريس، مفسرا «الفوقية» الإسرائيلية بأن إسرائيل تعول على «أصدقائها» داخل الاتحاد لضرب أي تحرك جماعي، وهؤلاء لا يقتصرون على تشيكيا والنمسا بل يمكن ضم المجر وسلوفاكيا وبولندا إليها ما يعني عمليا أن اتخاذ أي قرار جدي جماعي لا يمكن توقعه. ويضيف الدبلوماسي الأوروبي لـ«الشرق الأوسط» أن إسرائيل اعتبرت دوما أن أوروبا منحازة للجانب الفلسطيني ورفضت أية مبادرة صادرة عنها. من هنا، فإن قول لودريان إن ما تسعى إليه باريس هو إعادة الطرفين إلى طاولة المفاوضات يثير الكثير من التحفظات والتساؤلات، وأولاها لماذا تقبل إسرائيل «القيود الأوروبية»، بينما الرئيس الأميركي يمنحها «شيكا على بياض» ويتيح لها ابتلاع ثلث الضفة الغربية على أقل تقدير؟
ما بين صعوبة التوصل إلى إجماع أوروبي و«ضحالة» التحرك الأحادي الفردي، ثمة طريق «وسطية» يمكن أن تسلكها باريس مع من يرغب من الأوروبيين السير فيها. فإذا انضمت برلين إليها، إضافة لعواصم أوروبية راغبة بالتحرك ضد الضم وتشمل دبلن ولوكسمبورغ وبلجيكا وروما ومدريد، فإنها مجموعة بالغة الأهمية سترى النور لأنها ستضم الدول الأوروبية «الكبرى». عندها، سيكون على إسرائيل، رغم الدعم الأميركي ومساندة أنصارها داخل الاتحاد، أن «تتبصر» وتوازن بين الضم وما سيستتبعه وبين الإبقاء على العلاقات الوثيقة مع الدول الأوروبية الرئيسية. وهذا ما ستكشفه الأسابيع القليلة القادمة.


مقالات ذات صلة

تراجع تكاليف الاقتراض في منطقة اليورو وسط توقعات بخفض الفائدة

الاقتصاد أوراق نقدية من فئتي 100 و200 يورو في فيينا (رويترز)

تراجع تكاليف الاقتراض في منطقة اليورو وسط توقعات بخفض الفائدة

تراجعت تكاليف الاقتراض في منطقة اليورو، هذا الأسبوع، مع زيادة المستثمرين رهاناتهم على خفض أسعار الفائدة من قبل البنك المركزي الأوروبي.

«الشرق الأوسط» (لندن )
الاقتصاد أوراق نقدية من اليورو (رويترز)

استقرار عوائد سندات اليورو مع ترقّب تمويل الإنفاق الدفاعي

استقرت عائدات سندات الحكومات في منطقة اليورو، يوم الأربعاء، بالقرب من أدنى مستوياتها في أكثر من أسبوع.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد فريدريش ميرتس في برلين بعد فوزه (أ.ب)

اليورو يتجه لأعلى مستوى له في شهر بعد فوز المحافظين في ألمانيا

ارتفع اليورو يوم الاثنين بعد فوز المحافظين المعارضين في ألمانيا في الانتخابات الوطنية كما كان متوقعاً.

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)
الاقتصاد رجل أعمال يسير على رصيف «لا ديفانس» في الحي المالي والتجاري غرب باريس (رويترز)

نمو ضعيف لنشاط الأعمال في منطقة اليورو وسط تراجع الطلب وتسارع الركود

ظل نمو نشاط الأعمال في منطقة اليورو ضعيفاً للغاية في فبراير (شباط)، مع تراجع الطلب بوتيرة أسرع، بينما لم يكن توسع قطاع الخدمات كافياً لتعويض الركود المستمر.

«الشرق الأوسط» (عواصم)
الاقتصاد أوراق نقدية من فئتي 100 و200 يورو في فيينا (رويترز)

عائدات سندات اليورو في طريقها لتحقيق أكبر مكاسب أسبوعية منذ يناير

استقرَّت عائدات سندات منطقة اليورو، يوم الجمعة، لكنها لا تزال في طريقها لتحقيق أكبر ارتفاع أسبوعي منذ أوائل يناير (كانون الثاني).

«الشرق الأوسط» (لندن)

ترودو سيناقش مع الملك تشارلز تهديد ترمب بضم كندا

رئيس وزراء كندا جاستن ترودو خلال مؤتمر صحافي في لندن (أ.ب)
رئيس وزراء كندا جاستن ترودو خلال مؤتمر صحافي في لندن (أ.ب)
TT

ترودو سيناقش مع الملك تشارلز تهديد ترمب بضم كندا

رئيس وزراء كندا جاستن ترودو خلال مؤتمر صحافي في لندن (أ.ب)
رئيس وزراء كندا جاستن ترودو خلال مؤتمر صحافي في لندن (أ.ب)

من المقرر أن يجتمع رئيس وزراء كندا جاستن ترودو مع الملك تشارلز الثالث، بصفته ملك كندا، اليوم الاثنين حيث سيناقش تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بضم كندا لتكون الولاية 51.

وتعرض الملك تشارلز لانتقادات في كندا بسبب صمته حيال تهديدات ترمب بضم كندا. وقال ترودو في لندن يوم الأحد إنه سيناقش مع تشارلز القضايا المهمة بالنسبة للكنديين وأضاف «لا شيء يبدو أكثر أهمية بالنسبة للكنديين في الوقت الحالي من الدفاع عن سيادتنا واستقلالنا كدولة». ويعتبر تشارلز هو رأس دولة كندا، التي هي عضو في الكومنولث البريطاني.

وبصفة عامة، فإن حركة مناهضة الملكية في كندا صغيرة، لكن صمت الملك حيال تهديدات ترمب أثار الحديث بهذا الشأن في الأيام الأخيرة. وكان الملك، الذي التقى يوم الأحد مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، دعا ترمب للقدوم إلى اسكتلندا للقيام بزيارة دولة. وقال المحامي الدستوري لايل سكينر في منشور على «إكس»، «خبر رائع أن رئيس الوزراء سيجتمع مع ملك كندا غدا. نأمل أن يسفر هذا عن بيان من الملك بشأن مملكة كندا».

وعلى الرغم من أن الكنديين عموما غير مبالين بالملكية، فإن العديد منهم كان لديهم محبة كبيرة للملكة إليزابيث الراحلة، التي تزين صورتها عملاتهم المعدنية وزارت كندا 22 مرة أثناء فترة حكمها. يشار إلى أن إلغاء الملكية في كندا يعني تغيير الدستور. وهذا مسعى محفوف بالمخاطر بطبيعته، بالنظر إلى كيف تم تصميمه بعناية ليوحد أمة من 41 مليون شخص تضم الناطقين بالإنجليزية، والناطقين بالفرنسية، والقبائل الأصلية، والمهاجرين الجدد الذين يتدفقون باستمرار.