سجن الباحثة الإيرانية ـ الفرنسية يُسمم العلاقات بين باريس وطهران

لودريان: الحكم على فريبا عادلخواه «يجعل علاقاتنا مع إيران أكثر صعوبة»

وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان يتحدث خلال جلسة الجمعية الوطنية الفرنسية في باريس أمس (رويترز)
وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان يتحدث خلال جلسة الجمعية الوطنية الفرنسية في باريس أمس (رويترز)
TT

سجن الباحثة الإيرانية ـ الفرنسية يُسمم العلاقات بين باريس وطهران

وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان يتحدث خلال جلسة الجمعية الوطنية الفرنسية في باريس أمس (رويترز)
وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان يتحدث خلال جلسة الجمعية الوطنية الفرنسية في باريس أمس (رويترز)

لم يختلف رد فعل وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، أمس، بشأن الحكم بالسجن 6 سنوات على الباحثة الأكاديمية الإيرانية - الفرنسية فريبا عادلخواه عن رد فعله بعد أن عرف الحكم عبر محاميها الإيراني سعيد دهقان في 16 مايو (أيار) الحالي؛ ففي الحالتين، عدّ لودريان، في حديث صباحي لإذاعة «فرنس أنتير» أن الحكم «لا يستند إلى أي عناصر جادة، وبكل وضوح يرتدي طابعاً سياسياً».
وبناء عليه، فإن الوزير الفرنسي طالب طهران «بكل حزم» بالإفراج عن عادلخواه «دون أي تأخير». وقد دأبت باريس على استخدام هذه اللغة كلما طرح موضوع هذه الباحثة المحتجزة في سجن إيفين الواقع شمال طهران والذي يديره «الحرس الثوري»، منذ أوائل يونيو (حزيران) الماضي. وفي اليوم عينه، ألقي القبض على رفيق دربها رولان مارشال لدى هبوط طائرته في مطار العاصمة واحتجز في السجن نفسه. لكنه أطلق سراحه في إطار صفقة لم تعترف بها فرنسا جهاراً في 21 مارس (آذار) الماضي؛ إذ أخلت باريس في اليوم عينه سبيل المهندس الإيراني جلال روح الله نجاد رغم مطالبة بتسليمها إياه بحجة أنه انتهك العقوبات الأميركية المفروضة على إيران بسبب برنامجها النووي. والجديد في كلام لو دريان، أمس، أنه صعّد لهجة بلاده إزاء طهران؛ إذ عدّ أن الحكم الصادر بحق عادلخواه «يجعل علاقاتنا مع السلطات الإيرانية أكثر صعوبة والتي لم تكن أصلا سهلة». بيد أن الوزير الفرنسي لم يذهب أبعد من ذلك لجهة توضيح ما يعنيه والأشكال التي سوف تتأثر بها العلاقات الثنائية في حال بقيت إيران على موقفها.
وثمة أوساط سياسية في باريس فسرت ذلك بالقول إن فرنسا «تريد المحافظة على خط مفتوح مع طهران، ولذا فإن كلام لو دريان جاء في إطار التلويح وليس التصريح». وأردفت هذه الأوساط أن باريس «ربما تراهن على تغيير الحكم الصادر بحق عادلخواه عن (الغرفة 15) التابعة للمحكمة الثورية في طهران، في إطار طلب الاستئناف» الذي كشف عنه محاميها. لكن حتى اليوم، لا تاريخ محدداً لمحكمة الاستئناف. وحقيقة الأمر أن الدبلوماسية الفرنسية التي جرى انتهاجها على أعلى المستويات مع المسؤولين الإيرانيين لم تفلح في إخراج الباحثة مزدوجة الجنسية من سجن إيفين. ففي البداية، طلبت باريس التكتم على سجنها، وبعد أن أصبح علنياً، لم تنفك عن المطالبة بإطلاق سراحها «فوراً». وتواصل الرئيس إيمانويل ماكرون مع نظيره حسن روحاني أكثر من مرة، وكان رهان باريس أن طهران سوف تأخذ بعين الاعتبار مواقف فرنسا من الملف النووي الإيراني والجهود التي بذلها ماكرون لإيجاد «مخرج ما» للتأزم الأميركي - الإيراني أو على الأقل خفض التوتر بينهما في منطقة الخليج. وبلغت هذه الجهود ذروتها إبان قمة السبع في منتجع بياريتز الفرنسي ثم في نيويورك، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة. يضاف إلى ذلك أن باريس كانت اللولب الذي دفع لإطلاق الآلية المالية المسماة «إينستكس» للتبادل بين إيران والأوروبيين والتي غرضها تخفيف وطأة العقوبات الأميركية على الاقتصاد الإيراني. وآخر تجليات «النية الحسنة» الأوروبية تجاه طهران إرسال شحنة من المواد الطبية بالطائرة لمساعدتها على التصدي لوباء «كوفيد19».
وما يزيد من «نقمة» باريس، التي تتعرض لضغوط من «لجنة الدعم والتضامن مع عادلخواه»، أن السلطات الإيرانية لم تلتفت مطلقاً إلى أمرين: الأول؛ مرض الباحثة الأكاديمية الذي تفاقم بعد إضراب عن الطعام نهاية العام الماضي استمر 49 يوماً ولم تضع له حداً إلا بعد ضغوط اللجنة المذكورة. والثاني؛ الخوف من إصابتها بوباء (كورونا) في السجن، خصوصاً أنها تنتمي إلى الفئة العمرية (تبلغ من العمر 60 عاماً)، الأكثر هشاشة في مواجهة الجائحة. ويعود آخر اتصال معروف بين ماكرون وروحاني إلى 5 أبريل (نيسان) الماضي حيث أثير ملف عادلخواه مجدداً، بالطبع إلى جانب الملف النووي وتبعاته. وترى أوساط مطلعة في باريس أن فرنسا «توجهت إلى الجهة الخطأ» لإخراج عادلخواه من السجن. ووفق ما تؤكده هذه الأوساط، فإن الحكومة الإيرانية «غير قادرة على التأثير على المحاكم الثورية وقرارتها وأحكامها»، خصوصا أن إيران دأبت منذ سنوات على احتجاز أجانب ومزدوجي الجنسية للمقايضة. وكشف رولان مارشال، في حديث صحافي في 7 أبريل الماضي، أي بعد أسبوعين من إخلاء سبيله عن أن أحد المحققين قال له صراحة إن مصيره «مرتبط بمصير مهندس إيراني مسجون في فرنسا» في إشارة واضحة إلى جلال روح الله نجاد. وندد مارشال بالتحقيق الذي أجري معه، واصفاً إياه بـ«السوريالي» وأنه شخصياً تحول إلى «سلعة للمقايضة».
والمعروف أن عادلخواه أدينت بتهمة «التواطؤ للمساس بالأمن القومي» وبـ«القيام بدعاية ضد النظام السياسي». لكن الادعاء تخلى عن تهمة التجسس التي ألصقت بها بداية وذلك في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، ما عُدّ “تساهلاً» من قبله. لكن ذلك لم يفتح أبواب السجن أمام الباحثة الأنثروبولوجية. ولذا، فالسؤال المطروح اليوم هو: ما الأوراق التي ستلجأ إليها باريس من أجل حمل السلطات الإيرانية على إخلاء سبيلها؟
لن يكون مستهجناً وجود اتصالات بعيدة عن الأضواء بين العاصمتين وربما وجود وعود متبادلة. والعقبة السياسية - الدبلوماسية، فرنسياً، أن باريس التي دافعت، منذ البداية، عن الاتفاق النووي ووقفت إلى حد ما في وجه واشنطن وعقوباتها، ما زالت تعدّ أن هناك فرصة لإبقاء إيران داخل الاتفاق النووي رغم تحللها من كثير من بنوده. وينظر كثيرون إلى الاستحقاق الانتخابي المقبل في الولايات المتحدة حيث لم يعد انتخاب دونالد ترمب لولاية ثانية، بعد 5 أشهر، أمراً محسوماً، وبالتالي، فإن من «الحكمة» انتظار ما يحمله المقبل من الأيام.



خامنئي لصناع القرار الإيراني: لا تستمعوا لمطالب أميركا والصهاينة

صورة نشرها موقع خامنئي من لقائه مع ممثلين من أهل قم اليوم
صورة نشرها موقع خامنئي من لقائه مع ممثلين من أهل قم اليوم
TT

خامنئي لصناع القرار الإيراني: لا تستمعوا لمطالب أميركا والصهاينة

صورة نشرها موقع خامنئي من لقائه مع ممثلين من أهل قم اليوم
صورة نشرها موقع خامنئي من لقائه مع ممثلين من أهل قم اليوم

أغلق المرشد الإيراني علي خامنئي الباب أمام المحادثات المباشرة مع الولايات المتحدة، بعدما أرسلت حكومة الرئيس مسعود بزشكيان إشارات إلى إمكانية إنهاء القطيعة مع الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب الذي يتولى مهامه لولاية ثانية في البيت الأبيض.

ودعا خامنئي، الأربعاء، المسؤولين وصناع القرار في بلاده «ألا يأخذوا طلبات ومواقف أميركا والصهاينة بعين الاعتبار؛ لأنهم أعداء للشعب والجمهورية الإسلامية ويتمنون تدميرها».

وحذر من أنه «إذا استمع المسؤولون في بلادنا في أي مرحلة من مراحل اتخاذ القرار حول القضايا المختلفة إلى التوقعات غير المبررة من الأميركيين، أي مراعاة مصالحهم، فإنهم يكونون قد هددوا ديمقراطية البلاد وجمهوريتها».

والأسبوع الماضي، قال علي عبد العلي زاده، كبير مستشاري الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، إن «مجموعة الحكم وصلت إلى قناعة بضرورة التفاوض المباشر مع الولايات المتحدة».

وأثارت عودة ترمب للبيت الأبيض تساؤلات حول كيفية تعامله مع طهران، خصوصاً الملف النووي الإيراني، مع بلوغ طهران مستويات متقدمة من تخصيب اليورانيوم القريب من مستوى إنتاج الأسلحة.

وقد بعثت إدارة ترمب المقبلة وطهران برسائل متباينة حول ما إذا كانتا ستسعيان إلى المواجهة أو نوع من التفاهم الدبلوماسي بعد تولي ترمب مهامه في 20 يناير (كانون الثاني)، أم لا.

ومن غير الواضح ما إذا كان سيدعم المحادثات التي أجرتها إدارة جو بايدن مع إيران لإعادة إحياء الاتفاق النووي، أم لا؛ إذ تعهد بدلاً من ذلك باتباع نهج أكثر ميلاً للمواجهة والتحالف بشكل أوثق مع إسرائيل، العدو اللدود لإيران، التي كانت تعارض الاتفاق.

ووصف خامنئي العقوبات التي أعاد فرضها ترمب في 2018 بـ«السياسات الخاطئة وغير المجدية»، لافتاً إلى أن «هدفها هو إجبار الاقتصاد الإيراني على الركوع، ولكن الشعب الإيراني حقق أكبر تقدم في مجالات العلم والتكنولوجيا خلال فترة العقوبات، وظهر الشباب الإيرانيون الجاهزون للعمل في مجالات متنوعة».

وأضاف: «بالطبع، تسببت العقوبات في أضرار للبلاد، ولكنها لم تتمكن من تحقيق أهدافها، وإن شاء الله سيأتي يوم يحاسبهم فيه الشعب الإيراني على هذه الأضرار».

وقال إن «أحد مطالب الاستكبار، بمن في ذلك مسؤولو الجمهورية الإسلامية، هو مراعاة مصالحهم واعتباراتهم في تصميم القضايا المختلفة».

ومن شأن هذه التصريحات أن تزيد ضغوط المحافظين ووسائل إعلامهم على الرئيس مسعود بزشكيان المدعوم من الإصلاحيين.

لكن خامنئي عبر عن ارتياحه لـ«المواقف الصريحة والحاسمة والشجاعة، لرئيس الجمهورية (مسعود بزشكيان) ضد الكيان الصهيوني ودعم أميركا لجرائمه»، وقال إن «هذه المواقف أسعدت قلوب الشعب».

وقال خامنئي في بداية كلامه إنه موجه إلى «أولئك الذين يرتعبون من سياسات أميركا»، وذلك في خطاب سنوي تقليدي له أمام ممثلين من أهل قم، المعقل الأول لرجال الدين في البلاد، بمناسبة ذكرى مظاهرات دموية شهدتها المدينة قبل الإطاحة بنظام الشاه في 1979.

وأردف في السياق نفسه: «الذين يخافون من سياسات أميركا لا ينبغي أن يكونوا خائفين... على مدار عقود بعد الثورة، ارتكب الأميركيون أخطاء في حساباتهم فيما يتعلق بقضايا إيران، ويجب على الخائفين أن يعيروا اهتماماً كافياً لنقطة الضعف الأساسية والمستمرة في النظام الأميركي».

وقال خامنئي: «بعض الأشخاص يقولون: لماذا تتفاوضون وتتواصلون مع الأوروبيين ولا ترغبون في التواصل والتفاوض مع أميركا؟ أميركا كانت قد امتلكت هذا المكان، لكن تم انتزاعه من قبضتها؛ لذا فإن حقدها على البلاد والثورة هو حقد عميق! ولن تتخلى عنه بسهولة».

وأضاف: «أميركا فشلت في إيران، وهي تسعى لتعويض هذا الفشل».

وطالب خامنئي بالتركيز على العمل الإعلامي والدعائي لمواجهة الولايات المتحدة. وقال: «اليوم، فهم الأميركيون جيداً أنه لا يمكنهم تحقيق أهدافهم باستخدام الأدوات العسكرية فقط»، وأشار إلى «زيادة الأميركيين للبرمجيات الدعائية».

وأشار خامنئي إلى الحرب في غزة، وكذلك اغتيال أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله، وقال: «انظروا إلى ما حدث في غزة، قتلوا هذا العدد الكبير من الناس؛ دبابات، مدافع، قنابل، رشاشات، طائرات مسيرة. قتلوا جميع العناصر، لكنهم لم يتمكنوا من القضاء على الحركة... وقاموا بتدمير العديد من العناصر، لكنهم لم يتمكنوا من تدمير (حزب الله)، ولن يستطيعوا ذلك. لذا يجب عليهم العمل عبر الوسائل الإعلامية الناعمة، يجب عليهم القيام بالدعاية».

وقال: «هذه نقطة مهمة لنا، نحن الشعب الإيراني. العمل الإعلامي الناعم هو اختلاق الأكاذيب لخلق فجوة بين الواقع وتصورات الرأي العام. أنتم تتقدمون بقوة لكنهم يروّجون أنكم تضعفون...هم يضعفون لكنهم يروجون أنهم يصبحون أقوى. أنتم تصبحون غير قابلين للتهديد، وهم يقولون إنهم سيقضون عليكم بالتهديدات. هذه هي الدعاية. وهناك من يتأثرون بها».

وقال: «اليوم، العمل الأساسي والمهم للأجهزة الإعلامية لدينا، للأجهزة الثقافية، للدعاية، لوزارة الثقافة والإعلام، لإذاعتنا وتلفزيوننا، ولنشطائنا في الفضاء الإلكتروني، هو أن يمزقوا وَهْم قوة العدو، أن يكسروا هذا الوهم، وألا يسمحوا لدعاية العدو بالتأثير على الرأي العام».

وكان وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي قد أدلى بتصريحات مماثلة عن أهمية الإعلام، وذلك خلال مؤتمر لـ«الحرس الثوري»، الثلاثاء.

وقال عراقجي: «إلى جانب الميدان (الأنشطة الإقليمية لـ«الحرس الثوري») والدبلوماسية، يوجد محور ثالث يسمى الإعلام».