لبنان يتجه إلى تجميع «أفكار وبيانات» التفاوض مع صندوق النقد

الأسواق المالية تترقب تدخل {المركزي} وتشريع قيود التحويلات

مصرف لبنان المركزي (رويترز)
مصرف لبنان المركزي (رويترز)
TT

لبنان يتجه إلى تجميع «أفكار وبيانات» التفاوض مع صندوق النقد

مصرف لبنان المركزي (رويترز)
مصرف لبنان المركزي (رويترز)

تترقب الأسواق المالية اللبنانية حدثين نقديين متتاليين فور انتهاء العطلة الرسمية لعيد الفطر. الأول يتعلق بانطلاق تدخل البنك المركزي في سوق القطع عبر البدء بتغطية تمويل مستوردات سلع غذائية أساسية تم تحديدها من قبل وزارة الاقتصاد، والثاني إقرار مشروع قانون معجل من قبل المجلس النيابي لتغطية إجراءات التقييد على التحويلات إلى الخارج من حسابات المودعين في المصارف، والذي تم اعتماده بطرق غير منظمة وقسرية خلال الأشهر التي تلت اندلاع موجات الاحتجاجات الشعبية بعد 17 أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي.
وأوضحت مصادر مصرفية لـ«الشرق الأوسط»، أن تبدل الأجواء بين السلطتين التنفيذية والنقدية من صدامية إلى تنسيقية، بدأ يثمر في إعادة تنظيم العمليات المالية والحد من تفاعل محفزات الفوضى والمضاربات التي أطاحت بقواعد السوق وأسهمت بتزخيم انهيار النقد الوطني والارتفاع الصاروخي المتزامن في مؤشري الغلاء الذي استنزف القدرات الشرائية للمداخيل العامة والخاصة والبطالة المتفشية في القطاع الخاص، مما وضع البلاد أمام احتمالات قوية لانفجار أزمات معيشية واجتماعية تفوق كل سابقاتها من حيث توسعها وميلها التلقائي إلى الصدام والعنف.
وإذ تستبعد المصادر تلمس إيجابيات فورية لجهة خفض أسعار سلة الغذاء التي سيشملها التمويل المدعوم، باعتبار أن وصول الشحنات الجديدة يستلزم عدة أسابيع للتعاقد والنقل، فإنها تجد في خطوة الدعم المماثل للمواد الأولية اللازمة للمصنوعات القابلة للتصدير منفذا حيويا للحصول على سيولة إضافية بالعملات الأجنبية إلى الداخل الذي يعاني من شح شديد في توفر الدولارات النقدية؛ فضلا عن تحفيز ضخ جزء من السيولة عينها المخزنة في المنازل والتي تراوح بين 3 و4 مليارات دولار وفق التقديرات.
ومن المرجح أن يحدث تلاقي تحرك مجلس النواب لإقرار مشروع قانون الـ«كابيتال كونترول» (إدارة رأس المال) وعودة مصرف لبنان إلى التدخل في سوق القطع وإطلاق المنصة الإلكترونية لتسعير العملات يوميا ودعم مستوردات رئيسية جديدة إلى جانب القمح والدواء والمحروقات، تحولا نوعيا في استعادة انتظام المؤسسات الدستورية وخصوصيات مهامها. تزامنا مع المعلومات التي أوردتها «الشرق الأوسط» بشأن التوجه إلى إنجاز التعيينات المالية وإنهاء حالة الشغور المؤذية في الهيئة المصرفية العليا ونواب حاكم المركزي ولجنة الرقابة على المصارف وهيئة الأسواق المالية وهيئة التحقيق الخاصة... وهي مراكز حيوية، وزادت حساسيتها بفعل تدهور الوضعين النقدي والمالي للبلاد.
وينشد المصرفيون تمدد «التنسيق» المتجدد والتوزيع القانوني للمسؤوليات إلى صلب المفاوضات التي يجريها الفريق الرسمي برئاسة وزير المال غازي وزني وبمشاركة حاكم المركزي رياض سلامة مع خبراء صندوق النقد الدولي، وهذا ما سيقتضي توحيد الأفكار والأرقام عبر دمج خطة الحكومة المقدمة سابقا مع خطة المصارف الأحدث، وإعادة صياغة خطة مشتركة تتضمن أيضا رؤية البنك المركزي وملاحظاته على الخطتين معا.
وتشكل التوجهات المعلنة في توزيع المسؤوليات عن الفجوة المالية والتناقض الصارخ في تقدير «الخسائر» بما يصل إلى نحو 90 مليار دولار بين الدولة والجهاز المصرفي، والاختلافات القائمة حول تعريف الفجوة بين الحكومة والبنك المركزي، عقبات كأداء حيال توحيد الرؤى وتنسيق المعالجات، لا سيما في ضوء الاستطلاعات الواسعة الموازية للمفاوضات، والتي يجريها خبراء الصندوق، وفقا لرصد أجرته «الشرق الأوسط» مع مرجعيات مالية ومصرفية تتصف بالثقة لدى إدارته. ولذا يعول على دور مفصلي لوزير المال ورئيس لجنة المال النيابية إبراهيم كنعان لإعادة هيكلة «محفظة» لبنان التفاوضية واستثمار حسن تواصلهما بين الأطراف الثلاثة.
وأبدى مرجع مصرفي ارتياحه إلى تأكيد ثوابت هوية لبنان الاقتصادية والمالية ضمن سياق «الأسباب الموجبة» لمشروع القانون المعجل الخاص بتشريع القيود المعتمدة على التحويلات إلى الخارج، وخصوصا لجهة الاستهلال بأن «النظام الاقتصادي في لبنان ليبرالي حر قائم على احترام الملكية الخاصة وحرية تداول الأموال وتحويلها، على ما تكفله مقدمة الدستور اللبناني والقوانين المرعيّة الإجراء، وهو نظام يشكل ميزة أساسيّة للبنان لا يمكن التفريط بها».
كذلك التركيز على أن «الظروف الماليّة والاقتصادية الاستثنائية التي يمر بها لبنان وضعت نظامه الاقتصادي في مواجهة الاستقرار النقدي والمالي، ما أدى إلى تراجع الثقة الداخليّة والخارجية بالقطاع المصرفي اللبناني، بحيث أصبح من الضروري حماية أموال المودعين وتنظيم علاقة المصارف مع عملائها منعاً لأي استنسابيّة، بما في ذلك تأمين التحويلات المالية الحياتية والضرورية إلى الخارج كما تأمين إمكانية الاستمرار لمؤسسات وشركات القطاع الخاص».
وتبرر الموجبات تصرفات المصارف مع عملائها في الأشهر الماضية، مع التأكيد على أن «ما يتعرّض له المودعون لا يرتكز إلى أساس قانوني»، وتربط التشريع بـ«الظروف الاستثنائيّة التي أدت بالمصارف إلى اتخاذ تدابير ووضع قيود على حقوق المودعين والعملاء لجهة عدم المساواة فيما بينهم وعدم تأمين الخدمات المصرفية المعتادة لجهة تحويل الأموال إلى الخارج، وهذه المرحلة تتطلب بالتالي اتخاذ إجراءات وتدابير استثنائيّة ومرحلية تهدف إلى ضبط حركة التحاويل وتسهيلها حيث يجب لمصلحة المودع والاقتصاد الوطني معاً».



السعودية... نظام جديد للبتروكيماويات لتعزيز كفاءة قطاع الطاقة وتحقيق الاستدامة

أحد مصانع «الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك)»... (واس)
أحد مصانع «الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك)»... (واس)
TT

السعودية... نظام جديد للبتروكيماويات لتعزيز كفاءة قطاع الطاقة وتحقيق الاستدامة

أحد مصانع «الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك)»... (واس)
أحد مصانع «الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك)»... (واس)

يمثل إقرار مجلس الوزراء السعودي «نظام الموارد البترولية والبتروكيماوية» خطوة استراتيجية على طريق تعزيز المنظومة التشريعية لقطاع الطاقة في البلاد، وتنفيذ مستهدفاتها الوطنية، وتحقيق أمن الطاقة، وضمان استدامة وموثوقية الإمدادات، ودعم توطين سلسلة القيمة في القطاع، وخلق فرص عمل جديدة، وفق ما صرح به مختصون لـ«الشرق الأوسط».

والسعودية من بين أكبر منتجي البتروكيماويات في العالم، وهو القطاع الذي توليه أهمية في إطار عملية التنويع الاقتصادي. من هنا، فإنه يمثل حصة كبيرة من صادراتها غير النفطية. ويبلغ الإنتاج السنوي من البتروكيماويات في السعودية نحو 118 مليون طن.

وكان الأمير عبد العزيز بن سلمان، وزير الطاقة، قال إن «نظام الموارد البترولية والبتروكيماوية يأتي ليحقق عدداً من المستهدفات، في مقدمتها؛ تنظيم العمليات البترولية والبتروكيماوية، بما يسهم في النمو الاقتصادي، ودعم جهود استقطاب الاستثمارات، وزيادة معدلات التوظيف، ورفع مستويات كفاءة استخدام الطاقة، ويُسهم في حماية المستهلكين والمرخص لهم، ويضمن جودة المنتجات، وإيجاد بيئة تنافسية تحقق العائد الاقتصادي العادل للمستثمرين».

زيادة التنافسية

يقول كبير مستشاري وزارة الطاقة السعودية سابقاً، الدكتور محمد سرور الصبان، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «(نظام الموارد البترولية والبتروكيماوية) سيلعب دوراً كبيراً في إعادة هيكلة وبناء المنظومة التشريعية لقطاع الطاقة، والاستفادة من التجارب العالمية الناجحة وأفضل الممارسات الدولية، بما يسهم في تحقيق الأهداف الوطنية في تطوير هذا القطاع الحيوي وتعظيم الاستفادة منه»، مضيفاً أنه «سيزيد من القدرة التنافسية بين شركات البتروكيماويات وسيدعم جهود السعودية لتعزيز أمن الطاقة؛ سواء للاستخدام المحلي ولتصدير بعض المنتجات والنفط الخام إلى الأسواق العالمية».

وأشار الصبان إلى أن النظام الجديد سيساهم في استقطاب الاستثمارات الأجنبية إلى السوق السعودية؛ «مما سيعزز معدلات التوظيف، ويرفع كفاءة استخدام الطاقة، ويساعد في ترشيد استهلاك الطاقة ومنتجات البتروكيماويات واقترابها من المعدل الفردي العالمي»، لافتاً إلى أن «تنظيم العمليات النفطية والبتروكيماوية يساهم في رفع معدلات النمو الاقتصادي وتحقيق المستهدفات السعودية في أمن الطاقة».

أحد مصانع «الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك)»... (واس)

تنظيم العمليات التشغيلية

من جهته، قال محمد حمدي عمر، الرئيس التنفيذي لشركة «جي وورلد» المختصة في تحليل بيانات قطاعات الاستثمارات البديلة، لـ«الشرق الأوسط»، إن النظام «يُسهم في تحقيق أهداف متعددة، تشمل رفع كفاءة الأداء في القطاع، وتحقيق المستهدفات الوطنية، وتنظيم العمليات النفطية والبتروكيماوية. كما تكمن أهمية النظام في تلبية احتياجات القطاع عبر تطوير الإطار القانوني بما يواكب أفضل الممارسات العالمية».

وأضاف أن النظام «يمثل نقلة نوعية، ويحل محل نظام التجارة بالمنتجات النفطية السابق، ويهدف إلى تنظيم العمليات التشغيلية، بما في ذلك أنشطة البيع، والشراء، والنقل، والتخزين، والاستيراد، والتصدير، كما يضمن الاستخدام الأمثل للموارد النفطية والبتروكيماوية، مما يعزز من حماية المستهلكين والمستثمرين، ويدعم توفير بيئة تنافسية عادلة».

وأشار حمدي إلى أن النظام يضمن حماية المستهلكين والمرخص لهم؛ «مما يعزز من ثقة السوق ويضمن جودة المنتجات، بالإضافة إلى دعم استقطاب الاستثمارات من خلال توفير بيئة تنظيمية واضحة وشفافة، تعزز ثقة المستثمرين المحليين والدوليين، كما يُسهم في تحقيق أمن الطاقة عبر ضمان استدامة وموثوقية الإمدادات، فضلاً عن دعم توطين سلسلة القيمة في القطاع، وخلق فرص عمل جديدة».

ويرى حمدي أن النظام يعكس التزام السعودية بتحقيق أهداف «رؤية 2030»، عبر «تعزيز كفاءة قطاع الطاقة، وتنظيم عملياته، وحماية حقوق المستهلكين والمستثمرين، مما يُسهم في تحقيق التنمية المستدامة ودعم الاقتصاد الوطني»، مشيراً إلى «أننا سنرى تحولاً كبيراً في القطاع بعد العمل بهذا النظام، ودخول استثمارات أجنبية جديدة أكثر مع وضوح الرؤية المستقبلية للاستثمار في هذا القطاع الحيوي».

مواكبة التحولات الكبيرة

أما المحلل الاقتصادي طارق العتيق، فقال لـ«الشرق الأوسط»، إن هذا النظام «خطوة استراتيجية في مواكبة التحولات الكبيرة التي يشهدها قطاعا الطاقة والبتروكيماويات عالمياً والقطاعات المرتبطة بهما. كما يسهم في دعم الصناعات التحويلية وتعزيز قيمتها وإضافتها إلى الاقتصاد المحلي والمنتج الوطني، بما يخدم مصلحة تعزيز الصناعات ذات القيمة المضافة والتنويع الاقتصادي وتحقيق أهداف (رؤية 2030) في هذا السياق».

وأشار العتيق إلى أن النظام ستكون له مساهمات مهمة في تحفيز وتنمية الصناعات المحلية بقطاع البتروكيماويات، «مثل صناعات البلاستيك والمطاط وقطع الغيار... وغيرها، وفي الاستفادة من الميزة التنافسية التي تمتلكها السعودية في إنتاج المواد الأولية، وأهمية استغلالها في تصنيع منتجات نهائية تلبي الطلب المحلي والإقليمي. كما أنه سيسهم في رفع التنافسية بالقطاع ويزيد مساهمته في خلق الوظائف والتوطين، ونقل المعرفة والخبرات إلى سوق العمل السعودية».