فيما يترقب العالم محاولات إنتاج علاج لـ«كورونا» المستجد، هذا الفيروس الصغير، الذي تسبب في خسائر بشرية ومادية لدول العالم. تراقب التنظيمات الإرهابية باهتمام شديد ما يجري بالعالم، في محاولة لتجديد الأطماع واستغلال «أزمة الفيروس».
وبرغم تحذير تنظيم «داعش» الإرهابي لعناصره من السفر إلى أوروبا مع بداية انتشار الفيروس، بداعي الحفاظ عليهم، فإن ذلك لا يستبعد استغلال التنظيم أي فرصة لعودته وظهوره بقوة مجدداً، عبر أي وسيلة، التي من بينها «الإرهاب البيولوجي»، من خلال تقنيات «سم الريسين» وغاز «الخردل».
وجددت تصريحات عبد الناصر قرداش، القيادي الأبرز بـ«داعش» أخيراً عن «تمكن التنظيم من تصنيع غاز (الخردل) في العراق»، الحديث عن توجه «المتطرفين» لـ«الإرهاب البيولوجي» خاصة أن تنظيم «القاعدة» قد أجرى اختبارات على أسلحة كيماوية في أفغانستان عن طريق أبو خباب المصري.
ووفق خبراء أصوليون في مصر فإن «إعلان (داعش) عن إنتاج مادة كيماوية، ربنا يكون جزءاً من تصدير الرعب»؛ لكنهم في الوقت ذاته أكدوا أنه «ربما نحن أمام أسلحة أو محاولات بدائية لـ(داعش) لم تصل لمرحلة التصنيع النهائي».
و«الإرهاب البيولوجي» عرفته دراسة أكاديمية نشرتها المجلة الأميركية للأبحاث البيوطبية في عام 2017 بأنه «استخدام الكائنات الحية الدقيقة مثل (البكتيريا، والفيروسات، والفطريات) أو السموم من قبل (إرهابيين) أو جماعات متطرفة، لإنتاج الأسلحة التي تسبب الموت والمرض بين البشر والحيوانات والنباتات».
و«داعش» سبق أن نشر موادّ تعليمية عديدة عن تصنيع مواد سمية أو متفجرات، وحرض على استخدام «الإرهاب البيولوجي» في أوروبا.
استراتيجية «الصدمة»
وقال أحمد بان، الخبير في الحركات الأصولية بمصر، إن «استخدام الجماعات المتطرفة، وتحديداً (القاعدة) و(داعش) للسلاح الكيماوي، يدخل ضمن استراتيجية (الصدمة والرعب) التي يؤمن بها التنظيمان، وبدأ ذلك بطبيعة الحال خلال الفترة التي كان موجوداً فيها مجموعة من عناصر (القاعدة) في أفغانستان، وما ينطبق على (القاعدة) يسري على (داعش)، لأن التنظيم هو الامتداد الطبيعي لـ(القاعدة)، حيث كانت هناك هجرة عكسية من (القاعدة) لـ(داعش) والعكس طوال الوقت، وهناك قدر من تبادل الخبرات بين عناصر التنظيمين».
مضيفاً: «بالنظر لحالة الفوضى التي شهدها الاتحاد السوفياتي في أعقاب سقوطه، والتي استفاد منها مجموعة (المتطرفين) داخل أفغانستان، الذين استطاعوا أن يتواصلوا مع بعض عناصر متطرفة في الداخل السوفياتي السابق بالشكل الذي سمح لهم بتطوير قدرات كيماوية؛ بل ومحاولة الحصول على بعض الأسلحة النووية التكتيكية... وأعتقد أن هذا الأمر خضع لمتابعة قوية من أجهزة استخبارات دولية، خوفاً من تسرب هذه الأسلحة التكتيكية، أو الأسلحة البيولوجية، أو الأسلحة الكيماوية لعناصر التنظيمين».
وفي يوليو (تموز) عام 2018 نشر «داعش» فيديو مفصل عن فيروسات «هانتا والكوليرا والتيفوئيد» التي تصيب الرئتين، باعتبارها أسلحة «الذئاب المنفردة» في الدول، ورغم المخاوف إزاء نوايا «الإرهابيين»؛ فإن «مجموعة سايت الاستخباراتية» وآخرين تطرقوا «لعدم تمكن (الإرهابيين) من شن أي هجوم بيولوجي كبير».
وبحسب مديرة المجموعة، ريتا كاتز، في أبريل (نيسان) الماضي، فإن «(داعش) يراقب باهتمام كبير الوضع الراهن، وأنه في أحدث إصدار من منشورات التنظيم تطرق إلى أن (كورونا المستجد) دحض ما وصفه بـ(أسطورة أن لا شيء يغيب عن عيون وآذان الاستخبارات الأميركية والقوى الغربية)».
ووفق كاتز، فإن منظمتها كتبت في تقرير إلى البنتاغون عام 2006 كثيراً من الأفكار التي طرحها «الإرهابيون»، أظهرت «فهماً ضعيفاً للعوامل الكيماوية والبيولوجية»، موضحة أن «(كورونا) كشف الستار عما بدا ذات يوم أنه مجرد تهديد نظري، وربما يقترح طرقاً أكثر قابلية للتطبيق من أجل تنفيذ (الإرهاب البيولوجي)».
زعم «الخردل»
وعبد الناصر قرداش، أو أمير محمد عبد الرحمن المولى الصلبي، الذي كان مرشحاً محتملاً لخلافة الزعيم السابق لـ«داعش» أبو بكر البغدادي، الذي قتل في غارة أميركية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أشار في تصريحات له أخيراً إلى أن «التنظيم تمكن من صناعة غاز (الخردل) في العراق من قبل (المكنى بأبو مالك)، وواجه مشاكل كثيرة في صناعته، خاصة في طريقة الاحتفاظ به بعد الإنتاج، وكثيراً ما كان يتسرب ويؤثر على المنتجين، وأدى إلى وفاة عدد منهم، حيث تم استخدامه في العراق أكثر بوضعه في قذائف الهاون والقصف به».
وقرداش، الذي تم توقيفه في العراق، يعتبر بنك معلومات التنظيم، وكان مسؤولاً عن صناعة ومتابعة وتطوير غاز «الخردل»، الذي تم استخدامه في استهداف القوات العراقية داخل العراق فقط.
وبحسب خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر: «لم يكن قرداش، أول من تحدث عن تصنيع غاز (الخردل)، فقد سبقه بعض المنتمين لـ(داعش) الذين ذكروا أيضاً استخدام التنظيم لـ(الخردل) و(سم الراسين)».
ووفق صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية في يناير (كانون الثاني) عام 2019، فقد اعترف العراقي سليمان العفاري بأنه «وافق على التعاون مع (داعش) في مجال تصنيع الأسلحة الكيميائية، وأشرف على إنتاج غاز (الخردل)، وقام بتركيب وإنتاج بعضها، التي تم استخدامه ضد المدنيين، والفصائل المسلحة، والتحالف الدولي خلال القتال في العراق وسوريا».
كما تحدثت تقارير دولية سابقة عن مشاركة إحدى الداعشيات، وتدعى أبرار الكبيسي، في برنامج الأسلحة الكيماوية للتنظيم بما في ذلك «الخردل، والكلور، والكبريت».
ويشار إلى أنه سبق أن قدم «داعش» لعناصره طريقة تصنيع «سم الريسين» منزلياً لإرهاب أوروبا بيولوجياً. ويصف التنظيم «الريسين» بأنه من السموم القوية التي لم يوجد لها علاج حتى الآن، ويمنع إنتاج البروتين، وهذا يتسبب في قتل خلايا الجسم، ليؤدي إلى الموت خلال ساعات.
وقال مراقبون إن «(داعش) حرض عناصره على استخدام السم من خلال تسميم السكين المستخدم في عملية الطعن، أو من خلال نشر السم في الهواء، لوصول السم لأكبر عدد من الناس».
وأكد المراقبون: «تشير الدلائل السابقة إلى أن (داعش) لديه الخبرة اللازمة لتصنيع أسلحة كيماوية أو بيولوجية وتطويرها، من خلال الاستعانة بمختصين، أو البحث عن طريقة تصنيع الأسلحة على شبكة الإنترنت»، لافتين إلى أنه «من الممكن استثمار (داعش) لفيروس (كورونا) وربما يصدر أوامر لأنصاره بنشر (كوفيد - 19) داخل الدول».
حديث المراقبين يتطابق مع ما ذكره مؤشر عالمي للفتوى تابع لدار الإفتاء المصرية، في مارس (آذار) الماضي، حيث أشار إلى ما نشرته وثيقة استخباراتية لوزارة الداخلية العراقية، جاء فيها أن «التنظيم الإرهابي يسعى إلى تجنيد المصابين بفيروس (كورونا) ونشرهم في عموم المحافظات، لاستخدامهم كقنبلة بيولوجية بشرية».
وذكر المؤشر حينها في تقرير له أن «استخدام التنظيم لعناصره في نشر الفيروس، يعكس ما يعانيه قادة التنظيم من الضعف في الأسلحة والأفراد؛ ما جعلهم يلجأون لأساليب تعويضية، تمكنهم من المواجهة والاستمرار، ومواصلة الظهور على الساحة... كما تكشف عن عقلية معقدة وعقيمة لدى التنظيم».
محاولات بدائية
وحول تعليقه على ما ذكره قرداش من أن «داعش» صنع غاز «الخردل»، قال أحمد بان لـ«الشرق الأوسط» إن «الحديث عن استخدام (داعش) لغاز (الخردل)، هو أمر غير موثق، ولا أستطيع أن أثبته أو أنفيه؛ لكن التقارير الدولية لم تذكر أنه (تم استخدام هذا السلاح أو رصده)، وربما يكون هو جزء من رسائل يحاول التنظيم أن يرسلها لتصدير الرعب في إطار الرسالة نفسها؛ لكن لا أتصور أن التنظيم نجح في تطوير أسلحة على قدر من الخطورة في هذا السبيل، وربما نحن أمام أسلحة بدائية أو محاولات بدائية لم تصل إلى مرحلة التصنيع النهائي بعد».
ويذكر أن «داعش» لم يكن التنظيم الوحيد الذي سعى إلى استخدام «الإرهاب البيولوجي»، حيث كان السبق لتنظيم «القاعدة» الإرهابي. وأشارت السلطات الأميركية في وقت سابق إلى أنها «عثرت على مواد في أحد الأماكن بأفغانستان تظهر أن (القاعدة) كان يسعى للحصول على أسلحة دمار شامل، بما في ذلك أسلحة نووية وبيولوجية».
وقال الخبير الأصولي أحمد بان، إنه «من الوارد أن مجموعة خبراء التنظيمين (أي القاعدة وداعش) حاولوا تطوير هذه الخبرات أو الأسلحة، ومنهم: مدحت مرسي السيد عمر، المعروف بأبو خباب المصري، وهذا كان آخر خبراء تصنيع الأسلحة الكيميائية والصاروخية، وكان ربما موجوداً في المنطقة الحدودية في باكستان، ويعتقد أنه قتل ربما في عام 2008».
ووفق المراقبون: «تعود صلات أبو خباب بالإرهاب، إلى منتصف الثمانينات من القرن الماضي، عندما كان عضواً بارزاً في تنظيم الجهاد الإسلامي المصري، الذي كان يقوده أيمن الظواهري، زعيم (القاعدة)». وبحسب وثائق «إف بي آي»: «قام أبو خباب خلال سنوات سابقة بتدريب مئات من المقاتلين في معسكرات (القاعدة) على كيفية استخدام المتفجرات والسموم والأسلحة الكيماوية البدائية». وأعلن تنظيم «القاعدة» في يوليو عام 2008 مقتل أبو خباب وآخرين معه.
وذكر أحمد بان في تعليقه على مقتل أبو خباب: «كانت الولايات المتحدة الأميركية قد رصدت 5 ملايين دولار، جائزة لمن يدلي بمعلومات عن أبو خباب، ورغم وجود معلومات بأنه قتل في 2008؛ لكن حتى الآن غير معروف، إذا كان مات بالفعل، أو نجح في الذوبان داخل أي دولة من الدول، أو ربما اتصل بعناصر من (داعش)».