«سلطات الأمر الواقع» تفرض منطقها في ليبيا

تقود بـ«مدد مفتوحة» وبعضها يستند إلى دعم المجتمع الدولي

TT

«سلطات الأمر الواقع» تفرض منطقها في ليبيا

أدى الانفلات الأمني، وعدم وجود دستور حاكم في ليبيا، منذ إسقاط النظام السابق، إلى استمرارية الأجسام السياسية الحالية في عملها، سلطة تشريعية وتنفيذية، بالرغم من انتهاء مدة ولايتها، لكنها مع ذلك ظلت على وضعها بطريقة يطلق عليها الليبيون «شرعية الأمر الواقع».
في مقدمة هذه الأجسام، المجلس الرئاسي الذي نتج عن «اتفاق الصخيرات» في نهاية عام 2017، ويحظى بدعم دولي، ويستمر في عمله إلى الآن بالرغم من أن الاتفاق نص على أن «مدة ولاية حكومة (الوفاق الوطني) عام واحد»، وهو ما دفع عارف النايض، رئيس مجلس إدارة مجمع ليبيا للدراسات المتقدمة، أكثر من مرة إلى المطالبة بإنهاء عملها.
والأجسام التي تستمد وجودها في الحياة السياسية بالبلاد، لا تقتصر على المجلس الرئاسي ومجلسه، فقط، بل تصل إلى المجلس الأعلى للدولة، ومجلس النواب في (شرق ليبيا) بالإضافة إلى الميليشيات المسلحة، التي تنزع سلطتها بقوة السلاح. ويرى المحلل السياسي، عبد العظيم البشتي، أن «سلطات الأمر الواقع في ليبيا تبدأ بفائز السراج ومجلسه الرئاسي الذي كان شرعياً ولكنه بعد انتهاء مدته صار الآن سلطة أمر واقع، والمجلس الأعلى للدولة الذي فرض استمراره دوره الوهمي بالقوة، بالإضافة إلى محافظ مصرف ليبيا المركزي المستمر في منصبه منذ نجاح انتفاضة 17 فبراير (شباط)، وميليشيات طرابلس بأنواعها».
وأضاف البشتي لـ«الشرق الأوسط» أن «عبد الله الثني رئيس الحكومة المؤقتة بشرق البلاد، يعد سلطة أمر واقع، بجانب مجلس النواب المنقسم (…) الذي لا يعمل إطلاقاً ويفتقد للشرعية لأنه تجاوز مدته الدستورية»، إضافة إلى «عدم شرعية الميليشيات المحسوبة على شرق البلاد».
والحكومة الليبية المؤقتة يترأسها عبد الله الثني، ووافق عليها مجلس النواب الليبي في 22 سبتمبر (أيلول) 2014، ويرى خصومها أنه وفقاً لما أعلنته (الدائرة الدستورية) في المحكمة العليا الليبية بطرابلس في 6 نوفمبر (تشرين الثاني) 2014 تعد (غير دستورية). وفي 17 سبتمبر 2017، طالب الثني المجتمع الدولي بالاعتراف بحكومته، مؤكدا أنها تسيطر على الجزء الأكبر من هذا البلد في شمال أفريقيا، لكنها إلى الآن لم تحظ باعترافه.
وقال أشرف بودوارة، رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني لتفعيل «دستور الاستقلال والعودة للملكية الدستورية في ليبيا» لـ«الشرق الأوسط» إن الأجسام المتحكمة في المشهد السياسي «تستمد قوتها من خلال إدارة المعركة بنفوذ خارجية، وذهب إلى أنها فاقدة الشرعية وتقفز على معاناة شعبنا لفرض سلطة الأمر الواقع».
غير أن الناشط المدني الليبي يعرب البركي ذهب إلى أن المشكلة في ليبيا تجاوزت صراع الشرعيات لما هو أبعد، وقال: «المسألة الليبية ليست خلافاً سياسياً الآن، بل مشكلة أمنية حقيقية تهدد كل الإقليم دون استثناء».
وأضاف البركي لـ«الشرق الأوسط» أن «الحالة الليبية معقدة وصراع الشرعية والمشروعية متداخل في حالتنا، فلا أحد يمكنه وضع توصيف قانوني للمسألة»، مستكملاً: «إننا أمام حالة أمر واقع مفروض على الجميع، وقبل العودة لصندوق الانتخابات كخيار حاسم للشرعية، نحن بحاجة ماسة للحل الأمني الذي يمنع الانفجارات الدائمة للعنف في ليبيا».
ولفت البركي إلى أن «هناك طرفاً سياسياً استعان بالإرهاب بشكل علني ويمارسه كل يوم، ويملك خزائن الموارد الليبية ويفرض نفسه كأمر واقع»، متابعاً: «هذا الكيان يريدنا أن نعترف به طرفاً سياسياً مدنياً، وهو مستول على السلطة بقرار أممي وسلاح الإرهاب والميليشيات»، في إشارة إلى حكومة «الوفاق»، لكن مسؤولاً بالمجلس الرئاسي نفى ذلك وشدد على أنهم سلطة تستمد شرعيتها من الشعب والاتفاق السياسي.
وانبثقت حكومة «الوفاق» عن الاتفاق السياسي الليبي الموقع في (الصخيرات) المغربية في 17 ديسمبر (كانون الأول) 2015، تحت إشراف بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، بقيادة الألماني مارتن كوبلر. بالرغم من ذلك انتهى البركي إلى أنه «لا يوجد أي خيار لإنهاء هذه الفوضى في ليبيا، سوى الحل الأمني والعسكري رغم قسوته وفاتورته الباهظة».



قتال عنيف في منبج... وتوتر في حمص والساحل

رجال موقوفون في إطار حملة على خلايا موالية للنظام السابق في حمص الجمعة (أ.ب)
رجال موقوفون في إطار حملة على خلايا موالية للنظام السابق في حمص الجمعة (أ.ب)
TT

قتال عنيف في منبج... وتوتر في حمص والساحل

رجال موقوفون في إطار حملة على خلايا موالية للنظام السابق في حمص الجمعة (أ.ب)
رجال موقوفون في إطار حملة على خلايا موالية للنظام السابق في حمص الجمعة (أ.ب)

بينما واصلت السلطات السورية الجديدة حملاتها لملاحقة خلايا تتبع النظام السابق في أحياء علوية بمدينة حمص وفي الساحل السوري، أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، الجمعة، بأن قتالاً عنيفاً يدور بين الفصائل المدعومة من تركيا وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي يقودها الأكراد في منطقة منبج شمال سوريا.

وأشار «المرصد السوري» الذي يتخذ من بريطانيا مقراً له، إلى مقتل ما لا يقل عن 28 عنصراً من الفصائل الموالية لتركيا في الاشتباكات في محيط مدينة منبج. وذكر «المرصد» أيضاً أن الجيش التركي قصف بعنف مناطق تسيطر عليها «قسد».

وجاء ذلك في وقت قالت فيه «قوات سوريا الديمقراطية» إن القوات الموالية لتركيا شنّت هجوماً واسع النطاق على عدة قرى جنوب منبج وشرقها، مؤكدة أنها نجحت في التصدي للمهاجمين الذين يحاولون منذ أيام السيطرة على المنطقة المحيطة بسد تشرين على نهر الفرات.

جانب من تشييع مقاتلَيْن كرديين قُتلا في معارك منبج ودُفنا في القامشلي بشمال شرقي سوريا يوم الخميس (أ.ف.ب)

وتريد تركيا طرد «وحدات حماية الشعب» الكردية التي تشكّل عماد «قوات سوريا الديمقراطية» من المنطقة؛ بحجة أنها فرع سوري لـ«حزب العمال الكردستاني» المصنّف إرهابياً.

إلى ذلك، في حين كان التوتر يتصاعد في الأحياء ذات الغالبية العلوية في حمص خلال عمليات دهم بحثاً عن عناصر من النظام السابق وتصل ارتداداته إلى الساحل السوري، اجتمع نحو خمسين شخصية من المجتمع الأهلي بصفتهم ممثلين عن طوائف دينية وشرائح اجتماعية في محافظة طرطوس مع ممثلين سياسيين من إدارة العمليات العسكرية (التي تولت السلطة في البلاد الآن بعد إطاحة نظام الرئيس السابق بشار الأسد). وعلى مدى أربع ساعات، طرح المشاركون بصراحة مخاوف المناطق الساحلية؛ حيث تتركز الغالبية الموالية للنظام السابق، وتم التركيز على السلم الأهلي والتماسك المجتمعي في سوريا عموماً والساحل السوري خصوصاً، بعد تقديم إحاطة سياسية حول الوضع في الداخل السوري والوضع الدولي، والتطورات الحالية وتأثيرها في الواقع السوري.

قوات أمنية خلال عمليات التمشيط في حمص الجمعة (أ.ب)

قالت ميسّرة الجلسة الصحافية، لارا عيزوقي، لـ«الشرق الأوسط»، إن المشاركين في الجلسة التي نظّمتها «وحدة دعم الاستقرار» (s.s.u) مثّلوا أطيافاً واسعة من المجتمع المحلي، من مختلف الطوائف الدينية، والشرائح الاجتماعية، بالإضافة إلى مشاركة ممثلين سياسيين من إدارة العمليات. وأكدت لارا عيزوقي أن أبرز مطلب للوفد الأهلي كان ضرورة إرساء الأمن، مشيرة إلى تقديم اقتراح بتفعيل لجان حماية محلية؛ بحيث تتولى كل منطقة حماية نفسها في المرحلة الراهنة لمنع الفوضى، مع الاستعداد لتسليم المطلوبين، على أن تُمنح ضمانات فعلية لمنع الانتقامات.

معتقلون يُشتبه بأنهم من النظام السابق في حمص الجمعة (أ.ب)

وتابعت لارا عيزوقي أن الافتقار إلى الأمن، وحالة الانفلات على الطرقات، أديا إلى إحجام كثير من الأهالي عن إرسال أولادهم إلى المدارس والجامعات، وبالتالي حرمانهم من التعليم. وأشارت إلى أن الجلسة الحوارية تضمّنت مطالبات بالإفراج عن المجندين الإلزاميين الذين كانوا في جيش النظام السابق رغماً عنهم، وجرى اعتقالهم من قِبل إدارة العمليات.

ولفتت إلى أن الوفد الأهلي شدد أيضاً على ضرورة وضع حد لتجاوزات تحدث، مضيفة أنه جرت مناقشة مطولة لما جرى في قرية خربة معزة؛ حيث أقر الأهالي بخطأ حماية المطلوبين، وأن ذلك لا يبرر التجاوزات التي حصلت أثناء المداهمات.

يُشار إلى أن اشتباكات حصلت في طرطوس في 25 ديسمبر (كانون الأول) الماضي لدى ملاحقة قوى الأمن الضابط في جيش النظام السابق محمد حسن كنجو الملقب بـ«سفاح سجن صيدنايا»، وهو رئيس محكمة الميدان العسكري التي تُتهم بأنها السبب في مقتل آلاف المعتقلين.

ومما طرحه أهالي طرطوس، في الجلسة، مطلب صدور عفو عام، إذ إن هناك مئات من الشباب المتعلم اضطرهم الفقر إلى العمل في الأجهزة الأمنية والعسكرية التابعة للنظام. ويريد ممثلو الأهالي بحث إمكانية ضم هؤلاء إلى وزارة الدفاع مجدداً، لتجنّب الانعكاسات السلبية لكونهم عاطلين عن العمل. وحسب لارا عيزوقي، كشف ممثل الإدارة الجديدة عن نية «إدارة العمليات» إصدار عفو عام يستثني المتورطين بشكل مباشر في جرائم النظام السابق.

مواطنون في حمص خلال قيام قوات أمن الحكم الجديد بعمليات دهم الجمعة بحثاً عن عناصر من النظام السابق (أ.ب)

ولفتت لارا عيزوقي إلى وجود ممثلين عن شباب بأعمار تتراوح بين 20 و30 سنة، وقالت إنهم يعتبرون أنفسهم ينتمون الى سوريا، لا إلى طائفة معينة ولا يريدون الهجرة ويتطلعون الى لعب دور في مستقبل سوريا، متسائلين عن كيف يمكن أن يحصل ذلك إذا تمّ تأطيرهم داخل مكوّن طائفي.

وحول تسريح الموظفين، عبّر مشاركون عن مخاوف من تسريح آلاف الموظفين لا سيما النساء من ذوي قتلى النظام واللواتي تعلن عائلاتهن -مع لفت النظر إلى اتساع رقعة الفقر وتعمّقها في الساحل خلال سنوات الحرب- حالة الإفقار الممنهجة التي طالت محافظة طرطوس بصفتها محافظة زراعية تدهورت زراعتها في السنوات الماضية.

أطفال في شاحنة بمدينة حمص الجمعة (أ.ب)

وشهدت مدينة طرطوس، بين مساء الخميس وصباح الجمعة، حالة توتر مع توارد أنباء عن جريمة قتل وقعت قرب «شاليهات الأحلام» حيث تستقر مجموعات من «فصائل إدارة العمليات». وحسب المعلومات، أقدم مجهولون على إطلاق نار على شخصين، مما أدى إلى مقتل أحدهما وإصابة الآخر. وقال «المرصد السوري لحقوق الإنسان» إن الأهالي طالبوا «هيئة تحرير الشام» التي تقود إدارة العمليات العسكرية، «بوضع حد للاعتداءات والانتهاكات التي تُسهم في زعزعة الاستقرار وضرب السلم الأهلي الذي تعيشه المنطقة».

وأشار «المرصد» إلى أن ملثمين مسلحين أعدموا أحد أبناء حي الغمقة الشرقية في مدينة طرطوس، وهو شقيق شخص مطلوب بقضايا جنائية، وذلك خلال تفقد القتيل شاليهاً يملكه في منطقة «شاليهات الأحلام».

وتشهد مناطق تركز العلويين في محافظات حمص وطرطوس واللاذقية انفلاتاً أمنياً بسبب انتشار السلاح، وتحصّن مطلوبين من عناصر النظام السابق في أحياء وقرى، مما يثير مخاوف من تأجيج نزاع مناطقي.

يُشار إلى أن «إدارة العمليات العسكرية» استكملت، الجمعة، حملة التمشيط التي بدأتها في حمص يوم الخميس، وشملت أحياء العباسية والسبيل والزهراء والمهاجرين، بحثاً عن فلول ميليشيات النظام السابق. وأفيد باعتقال عشرات الأشخاص بينهم من أُفرج عنهم بعد ساعات فقط.