مانحو لبنان: الدعم الدولي مشروط بأسبقية تنفيذ الإصلاحات

TT

مانحو لبنان: الدعم الدولي مشروط بأسبقية تنفيذ الإصلاحات

حافظت وكالة «موديز» على تصنيفها الائتماني للبنان عند «Ca»، مع نظرة مستقبلية «مستقرة»، ومع التنويه بأن أي تعديل للتقييم يرتبط بقدرة الدولة على التزام الإصلاحات البنيوية، علماً بأن هذا الترتيب المتدني يرتبط خصوصاً بالمخاطر السيادية للدين العام البالغ رسمياً نحو 93 مليار دولار، الذي ترجح الوكالة أن يتعدى نسبة 205 في المائة من قيمة الناتج المحلي هذا العام، ويرتد إلى نسبة 180 في المائة خلال العام المقبل.
وتكمن أهمية التقييم المستجد في تسليط الضوء من قبل مؤسسة دولية على النواة الصلبة للأزمة العاتية التي يعانيها لبنان، الذي يخوض مفاوضات لطلب برنامج دعم مالي من صندوق النقد الدولي، لا سيما لجهة الانحرافات في الجانب المالي والسجل «السيئ» وغير المشجع في مقاربة الملفات الإصلاحية، رغم الربط الوثيق الذي يؤكده المانحون الخارجيون من دول ومؤسسات إقليمية ودولية، بتعذر تكرار تجارب تقديم معونات وقروض ميسّرة ودعم لبنان ما لم تشرع سلطاته بتنفيذ التزامات سابقة لمعالجة الفجوات الإدارية والمالية، بالأخص ما يتعلق بملف الكهرباء التي تراكم عجوزات تزيد عن ملياري دولار سنوياً.
وتتسم المفاوضات بترقبات متباينة بين تطلعات الحكومة لحيازة تمويل يصل إلى 10 مليارات دولار يتوزع على شرائح سنوية حتى عام 2024، وبين تحليلات لخبراء محليين ودوليين بأن يصل الدعم إلى 5 مليارات دولار كحد أقصى، في حال إثبات الحكومة قدرتها على التزام برنامج إصلاحي كامل. وذلك وسط اعتراضات واسعة تشمل الهيئات الاقتصادية وجمعية المصارف على خلفية تنصل الدولة، في الخطة المطروحة، من الإيفاء بكتلة الدين المكتتب بأغلبها إلى البنك المركزي والمصارف المحلية، فضلاً عن قرار تعليق دفع مستحقات سندات الدين الدولية (يورو بوندز) التي تبلغ حصة الأجانب فيها أكثر من 12 مليار دولار.
وبدت علامة فارقة في الرأي الذي أبدته الوكالة، حيث وعدت بأنها «قد تلجأ إلى تحسين النظرة المستقبلية في حال تراجعت مخاطر تسجيل دائني الدولة لخسائر كبيرة، وهو ما قد يتحقق في حال نجحت الحكومة بتسجيل فوائض أولية متكررة، وبإصلاح قطاع الكهرباء، وبمعالجة أعباء مخصصات القطاع العام والتقاعد على الموازنة العامة».
في المقابل، حذرت من أنها «قد تخفض النظرة المستقبليّة في حال تعليق التمويل الخارجي نتيجة عدم قدرة الحكومة على تطبيق إصلاحات اقتصادية ومالية ما سيفاقم من خسائر الدائنين». وبالفعل، يعكس تصنيف الدولة، حسب «موديز»، المسار غير الثابت للدين العام اللبناني، واحتمالية أن يُمنى دائنوها بخسائر فادحة، كما هو مبين في خطة الحكومة لإعادة هيكلة الدين العام. أما بالنسبة للنظرة المستقبلية المستقرة، فإنها توازي بين احتمالية نجاح الحكومة بإعادة هيكلة دينها بعد التوصل لاتفاق مع دائنيها، تماشياً مع تطبيق خطّة إصلاح اقتصادي يوافق عليها صندوق النقد الدولي ما سيؤمن التمويل الخارجي، وبين احتمالية غياب هذا التمويل، نظراً لسجل الدولة الضعيف في تطبيق السياسات. ويوضح مرجع مالي، سألته «الشرق الأوسط» عن أبعاد هذه المعادلة، أن المؤسسات المالية الدولية تلح على ربط أي مساعدة خارجية بخطوات إصلاحية موازية. فالتجربة اللبنانية في محطات سابقة، آخرها التزام مانحين إقليميين ودوليين قبل عامين، تحديداً في مؤتمر «سيدر»، بتقديم نحو 11 مليار دولار ضمن خطة طموحة لتحديث البنى التحتية وتمويل مشاريع في قطاعات حيوية، اصطدمت بتلكؤ لبناني عن تنفيذ أي من الإصلاحات الداخلية التي قدمتها الحكومة السابقة للمؤتمرين، رغم الجهود المكثفة التي بذلها المنسق الفرنسي عبر الدبلوماسي بيار دوكان، وبالتالي تحفظ المانحون عن الشروع بتوفير الدعم.

ومجدداً، أعاد دوكان، في مداخلة بالفيديو خلال مؤتمر ممثلي المانحين الذي ترأسه رئيس الحكومة حسان دياب، الربط الصريح بين الاستثمار في لبنان وقيام الأطراف الدولية بالمساعدة من خلال توفير التمويل، وبين إظهار الشفافية المطلقة في الأداء، مطالباً بدقة أكثر بتحديد البرنامج والجداول الزمنية لتنفيذ الإصلاحات، في مقدمها قطاع الكهرباء، وضرورة اعتماد الشفافية والمباشرة بالعمل الجدي على صعيد مكافحة الفساد والإثراء غير المشروع.
بدوره، أكد السفير الفرنسي في بيروت برونو فوشيه، «أن كل تأخير في الإصلاحات ستكون له انعكاسات سلبية جداً على الواقع اللبناني».
ولاحظ المرجع المالي أن تصنيف المؤسسة الدولية يتجنب شمول كل المؤشرات بالدرجة المتدنية للديون الحكومية. فقد سجلت للبنان نتيجة «b2» في معيار «القوة الاقتصادية»، نظراً لصغر حجمه، وآفاقه الاقتصادية الضعيفة ومحدودية قدرته التنافسية. وهي عوامل محبطة يعوض عنها جزئياً مستوى الثراء المرتفع نسبياً. كما أشارت «موديز» إلى أن تحويلات المغتربين والاستثمارات الخارجية المباشرة قد تراجعت نتيجة التوترات الإقليميّة منذ عام 2011، التي نتج عنها انحسار الحركة السياحية وإغلاق المعابر التجارية عبر سوريا، وانخفاض أسعار النفط ما أثّر سلبياً على النمو الاقتصادي.
وبالنسبة للقوة المؤسساتية، سجل لبنان نتيجة «caa1»، ما يعكس الضعف في بيئة الحوكمة ومستويات الفساد العالية والنفقات الحكومية غير المرنة، وتراجع قدرة مصرف لبنان على تطبيق سياسته النقدية المرتكزة على تمويل الحكومة والمحافظة على سعر الصرف. أما على صعيد القوة المالية، فقد نال لبنان نتيجة «ca»، وهي نتيجة تعكس دين الدولة الكبير والمستوى المرتفع لخدمة الدين في لبنان، الذي بلغت نسبته 50 في المائة من الإيرادات الحكومية، وهي النسبة الأعلى ضمن البلدان المصنّفة من الوكالة. وأخيراً، حصل لبنان على نتيجة «ca» في معيار «التعرض لمخاطر الأحداث»، نتيجة تضاؤل المصادر التمويليّة للحكومة، سواء كانت محلية أو دولية، وتراجع الثقة في استمرارية ثبات سعر الصرف والمستويات العالية من المخاطر الجيوسياسية.



إسرائيل و«حماس» تستعدان للحرب مجدداً في غزة

دبابات إسرائيلية متمركزة قرب حدود قطاع غزة في 2 مارس الحالي (رويترز)
دبابات إسرائيلية متمركزة قرب حدود قطاع غزة في 2 مارس الحالي (رويترز)
TT

إسرائيل و«حماس» تستعدان للحرب مجدداً في غزة

دبابات إسرائيلية متمركزة قرب حدود قطاع غزة في 2 مارس الحالي (رويترز)
دبابات إسرائيلية متمركزة قرب حدود قطاع غزة في 2 مارس الحالي (رويترز)

أجرى الجيش الإسرائيلي تدريبات، ووضع خطةً لاحتلال سريع لمناطق في قطاع غزة، على خلفية المهلة التي أعطتها إسرائيل لحركة «حماس»، التي تنتهي خلال 10 أيام، لقبول خطة مبعوث الرئيس الأميركي، ستيف ويتكوف، القائمة على تمديد وقف النار دون الانتقال إلى المرحلة الثانية، وهي الخطة التي رفضتها الحركة.

وقالت «القناة 12» الإسرائيلية، إن القوات الإسرائيلية تستعدُّ للعودة إلى القتال و«استكمال الإنجازات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة»، وقد أجرت تدريبات قتالية، باعتبار أن القتال سوف يستأنف الأسبوع المقبل.

صورة مأخوذة من جنوب إسرائيل لمبانٍ مدمرة في قطاع غزة في 2 مارس الحالي (أ.ب)

وأكدت القناة الإسرائيلية أنه حتى قبل انتهاء وقف إطلاق النار، كانت القيادة الجنوبية في حالة تأهب قصوى، وتم إصدار أوامر للجنود بالاستعداد لتجديد القتال خلال وقت قصير، وفي الأيام الأخيرة، أجرت القوات تدريبات قتالية، مع توجيه بأن الجيش يجب أن يكون جاهزاً لمجموعة متنوعة من أساليب العمل ضد الأهداف المتبقية في قطاع غزة، جواً وبحراً وبراً.

وفي المرحلة الأولى، يخطِّط الجيش لاحتلال سريع لمناطق في قطاع غزة، خصوصاً تلك التي انسحب منها الجيش في بداية وقف إطلاق النار، بما في ذلك محور نتساريم في وسط القطاع.

وتستعدُّ إسرائيل للعودة إلى الحرب خلال 10 أيام، بحسب مصادر سياسية إسرائيلية.

طفل فلسطيني يصافح مقاتلين من «حماس» خلال عملية تسليم محتجزين إسرائيليين برفح في 22 فبراير 2025 (إ.ب.أ)

وقالت المصادر إن القيادة السياسية اتخذت قراراً بالعودة إلى القتال إذا لم تتجاوب «حماس» مع مقترح ويتكوف، بحلول نهاية الأسبوع المقبل على أبعد تقدير.

ومطلع مارس (آذار) الحالي، انتهت المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، التي استمرَّت 42 يوماً، وكان يفترض أن يتم الانتقال إلى المرحلة الثانية، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنامين نتنياهو، رفض ذلك، وأعلن أن إسرائيل تتبنى مقترح ويتكوف، الذي ينصُّ على إطلاق «حماس» سراح نصف الرهائن المتبقين (الأحياء والأموات) في اليوم الأول من وقف إطلاق النار الممتد، خلال رمضان وعيد الفصح اليهودي (منتصف أبريل/ نيسان المقبل)، وإطلاق سراح الرهائن المتبقين في نهاية الفترة إذا تم التوصُّل إلى وقف دائم لإطلاق النار.

وتناقش المرحلة الثانية، وقف إطلاق النار والانسحاب الكامل لقوات الاحتلال من قطاع غزة، وإنجاز صفقة تبادل أسرى مرة واحدة.

وخلال المرحلة الأولى حصلت إسرائيل على حصتها من الأسرى (33) قبل أن تنتهي حتى، وبذلك تبقَّى لدى «حماس» 59 محتجزاً، بينهم 34 قتيلاً على الأقل، يفترض أن يُطلَق سراحهم جميعاً في المرحلة الثانية.

دبابات إسرائيلية متمركزة قرب حدود قطاع غزة في 2 مارس الحالي (رويترز)

ويريد نتنياهو الحصول على باقي أسراه، لكن «حماس» رفضت وأصرَّت على تطبيق الاتفاق والدخول إلى المرحلة الثانية.

وبناء عليه قرَّرت إسرائيل أنه إذا استمرَّت «حماس» في موقفها، فإن القتال سيتجدد الأسبوع المقبل.

وتم تحديد ساعة الصفر استناداً إلى عاملين رئيسيَّين: الأول، تسلم رئيس الأركان الجديد، إيال زامير، مهام منصبه هذا الأسبوع؛ والثاني، الزيارة المرتقبة لويتكوف إلى المنطقة.

وتدرك إسرائيل أن احتمال موافقة «حماس» ضئيلة للغاية. وقال مصدر سياسي للقناة 12: «نحن في طريق مسدود».

وبحسب التقرير، حصلت إسرائيل على ضوء أخضر أميركي من أجل العودة للحرب، بل إن مسؤولاً بارزاً في إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، قال لمسؤول إسرائيلي رفيع المستوى: «اقضوا عليهم جميعاً حتى آخر رجل. (حماس) في غزة عقبة أمام التطبيع».

وحالياً تنتشر فرقتان في منطقة غلاف غزة، وهما مسؤولتان عن الدفاع: «الفرقة 252» في الشمال، و«الفرقة 143» في الجنوب، في حين تنتشر قوات كبيرة أيضاً في مدينة رفح، لكن تم أيضاً تم تحويل كتائب إضافية عدة إلى الجنوب قبل أيام قليلة.

دبابة إسرائيلية تتحرك قرب حدود قطاع غزة في 2 مارس الحالي (رويترز)

وكانت إسرائيل أغلقت المعابر على قطاع غزة مع انتهاء المرحلة الأولى، ومنعت إدخال البضائع والمساعدات، في محاولة لإجبار «حماس» على قبول خطة ويتكوف، وتلوح الآن بحسب وسائل إعلام إسرائيلية، بإمكانية إجبار السكان الذين عادوا إلى شمال قطاع غزة على العودة إلى الجنوب، مرة أخرى.

وقال مصدر أمني إسرائيلي مطّلع على التفاصيل: «اذا تمسَّكت (حماس) بموقفها فلن نتردد في العودة (إلى الحرب) قريباً جداً».

وبينما يحاول الوسطاء نزع فتيل الأزمة، وطلبوا من إسرائيل بضعة أيام أخرى لمحاولة التوصُّل إلى اتفاقات جديدة، وقرَّرت إسرائيل الموافقة على الطلب، يبدو أن «حماس» كذلك بدأت تستعد لاحتمال استئناف الحرب.

واتخذت قيادات من «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، إجراءات أمنية مشدَّدة، مع استمرار التهديدات الإسرائيلية باستئناف القتال.

وقالت مصادر لـ«الشرق الأوسط» إن تعليمات مركزية صدرت لقيادات سياسية وعسكرية ونشطاء بارزين في الأجنحة العسكرية للتنظيمين بالاختفاء الكامل، والامتناع نهائياً عن استخدام الهواتف الجوالة.

وحذَّرت تعميمات داخلية بشكل واضح، من احتمال شنِّ إسرائيل سلسلة عمليات اغتيال غادرة مقدمةً لبدء الحرب.

ولوحظ في الأيام الأخيرة تكثيف إسرائيل تسيير طائرات مسيّرة استخباراتية بأنواع مختلفة.

وقال مصدر ميداني لـ«الشرق الأوسط»: «واضح أنهم يعززون محاولات جمع المعلومات الاستخباراتية. بعض الدرون (المسيّرات) من طراز حديث يعمل على جمع معلومات عبر استخدام خوارزميات معينة من خلال الذكاء الاصطناعي؛ لتحديد أماكن المطلوبين ومحاولة الوصول إليهم». أضاف: «لذلك صدرت أوامر بالابتعاد عن استخدام التكنولوجيا بما فيها الهواتف الجوالة، والعودة إلى الطرق المتبعة خلال الحرب».

ومنذ وقف الحرب، كشفت أجهزة أمنية حكومية وأخرى تابعة للفصائل الفلسطينية، كثيراً من الكاميرات والأجهزة التجسسية التي زُرعت في كثير من المناطق داخل القطاع، التي أسهمت في سلسلة من الاغتيالات وضرب أهداف كثيرة، كما كانت كشفت مصادر من المقاومة لـ«الشرق الأوسط» سابقاً.