مهَّد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو للحوار الاستراتيجي المرتقب الشهر المقبل بين واشنطن وبغداد، بمكالمة هاتفية ذات مغزى أجراها مع رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي.
بومبيو، طبقاً للبيان الصادر عن الخارجية الأميركية، بحث مع الكاظمي «الأزمة الاقتصادية في العراق، والحوار الاستراتيجي المقبل بين الولايات المتحدة والعراق». وأضاف البيان أن «الوزير حث رئيس الوزراء الكاظمي على متابعة الإصلاحات الحقيقية أثناء عمله مع المؤسسات الدولية، لتقديم المساعدة المالية للعراق».
وإذا كان بيان الخارجية الأميركية ركز على الأزمة الاقتصادية، بوصفها أولوية أولى ينبغي على الحكومة العراقية معالجتها، بما في ذلك الاتجاه نحو المؤسسات الدولية لتقديم المساعدة للعراق، فإن البيان الصادر عن المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي لم يذهب بعيداً بشأن جوهر الأولويات العراقية- الأميركية، بما في ذلك الحوار المقبل بين البلدين، والموصوف من كليهما بالحوار الاستراتيجي.
وطبقاً لما يراه المراقبون السياسيون في بغداد، فإن الحوار المرتقب يرتبط من وجهة نظر الأطراف القريبة من إيران، وفي مقدمتها الفصائل المسلحة، بالوجود العسكري الأميركي، والذي يجب أن ينتهي بخروج الجنود الأميركيين من القواعد التي يوجدون فيها، بدءاً من «عين الأسد» غربي العراق، إلى قاعدة «حرير» في كردستان شمالي العراق.
الحكومة العراقية التي تجد نفسها بين عدة مطاريق وسنادين، لم تفصح حتى الآن عن طبيعة هذا الحوار، وماذا يمكن أن يشمل.
من جهتها، فإن الأطراف السياسية المكونة للبرلمان العراقي منقسمة على نفسها بين رافض لبقاء الأميركيين، وهم غالبية القوى الشيعية، ومؤيد لبقائهم، وهم السنة والكرد.
في هذا السياق، يأتي الدعم الأميركي للكاظمي كرئيس وزراء موثوق به ويستحق الدعم. في مقابل ذلك، فإن إيران ما زالت تعلن عن دعمها للكاظمي دون تحفظ على أي خطوة أقدم عليها، علماً بأن أولويات الكاظمي الآن هي كيفية دفع رواتب الموظفين التي تبلغ أكثر من ملياري دولار شهرياً. وفي هذا السياق فإن هناك معادلة تبدو شديدة الاختلال، وتتمثل في انفتاح كامل على السعودية من قبل الكاظمي، مع بدء حوار استراتيجي مع الأميركيين في ظل علاقات ملتبسة بين الإيرانيين والأميركيين.
عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي الدكتور ظافر العاني، يحاول في حديثه لـ«الشرق الأوسط» فك لغز هذه المعادلة، قائلاً إن «حكومة الكاظمي وُلدت وسط تعقيدات المشهد العراقي اقتصادياً وأمنياً وصحياً؛ بل وحتى دولياً، وبالتالي فإن العراق غير قادر وفق قدراته الحالية على مواجهة هذه الظروف من دون مساعدة خارجية». وأضاف العاني: «الحكومة وهي تستند إلى انطباع خارجي إيجابي أولي عنها، تحاول أن تستثمر ذلك في تجاوز محنتها من خلال انفتاح واسع على دول تتوسم منها المساعدة، من أجل ترسيخ دعائم الحكومة الجديدة، ودفعها نحو اتخاذ قرارات عقلانية رشيدة». وأوضح العاني أن «دول الخليج العربي، ولا سيما المملكة العربية السعودية والإمارات والكويت، تربطنا بها روابط العروبة والجيرة، وسبق أن ساعدت العراق في السنوات السابقة، وهي في مقدمة الدول التي سيبادر العراق لطلب معونتها لدعم استقراره، مدفوعة بإدراك يقيني بأن استقرار العراق هو استقرار للمنطقة برمتها، وأن تقوية الحكومة الجديدة عامل مهم لاستعادة العراق استقلاليته وسيادته».
وفيما يتعلق بإيران، يقول العاني إن «إيران لا تنفك عن التدخل في العراق لاستلاب قراره السيادي، من خلال العمل التخريبي المباشر اقتصادياً وأمنياً وثقافياً، وبصورة غير مباشرة من خلال الفصائل المسلحة الموالية لها في العراق»، مبيناً أن «على حكومة الكاظمي إن أرادت تعاوناً إقليمياً ودولياً مستمراً وواسعاً، أن تبعث التطمينات الكافية بأنها عازمة على اتخاذ خطوات جادة نحو ترسيخ استقلالية العراق ووحدته».
أما أستاذ الأمن الوطني الدكتور حسين علاوي، فيرى في حديثه لـ«الشرق الأوسط» بشأن الحوار الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن، أن «كلا البلدين مستعد للحوار بصورة مفتوحة من دون تحفظات أو خطوط حمر؛ حيث إنه آن الأوان لأن يضع العراق خياراته الصحيحة من دون الضغط الإيراني أو الاستثمار المحلي للفصائل المسلحة». ويضيف علاوي أن «موقف رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي يمثل اليوم قوى الاعتدال الوطنية، والجهاز الحكومي، والمجتمع، لجهة الحوار مع الأميركيين». وأوضح علاوي أن «مصير القوات الأميركية سيبقى في ضوء العمل الاستشاري والتنسيقي والتدريب وتبادل المعلومات، والصيانة للمعدات الأميركية في صفوف القوات المسلحة، من خلال الشركات الأميركية، وقد تم تحديد ذلك في ضوء خطة إعادة التموضع الاستراتيجي في القواعد العسكرية العراقية، في قاعدة (عين الأسد) وقاعدة (حرير)، وفي حال طلبت الحكومة العراقية أبعد من ذلك فالاستجابة الأميركية ستكون من خلال التحالف الدولي وحلف شمال الأطلسي (ناتو)». ولفت علاوي إلى أن «الحوار لا بد من أن يُنقل من حوار سياسي - أمني إلى حوار اقتصادي – استثماري، وهنا سيكون اختبار لقدرة الكاظمي وفريقه الحكومي ونيات القوى السياسية العراقية الحاكمة في العملية السياسية»، موضحاً أن «الغرف الخلفية للمفاوضات الإيرانية - الأميركية كفيلة بتفكيك عقدة الصراع الأميركي – الإيراني، غير أن الكاظمي يريد الانطلاق بالعلاقات نحو مسار شامل ومتوازٍ، بما يحفظ المصالح الوطنية العراقية، كون الكاظمي أقرب إلى قوى الاحتجاج التي ترفض النفوذ الإيراني على القرار السياسي - الاقتصادي العراقي، ولكن تريد علاقة طبيعية من دون تدخل، وهو ما جعل الإيرانيين يدركون ذلك من خلال منظومات صنع القرار التي أظهرت تراجعاً واضحاً، وهو ما يجعلهم يركزون على المصالح والأسواق والتجارة بين إيران والعراق، مع استمرار الخط الموازي للمساعدات للأطراف الصديقة لهم في العراق».
واشنطن على خط الأزمة الاقتصادية في العراق من بوابة الحوار الاستراتيجي
بومبيو دعا الكاظمي في اتصال هاتفي إلى طلب مساعدات دولية
واشنطن على خط الأزمة الاقتصادية في العراق من بوابة الحوار الاستراتيجي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة