«كورونا» والأطفال... ضرر نفسي قد يتحول لمزيد من النجاح

أطفال يرتدون كمامات للوقاية من آثار الكورونا (رويترز)
أطفال يرتدون كمامات للوقاية من آثار الكورونا (رويترز)
TT

«كورونا» والأطفال... ضرر نفسي قد يتحول لمزيد من النجاح

أطفال يرتدون كمامات للوقاية من آثار الكورونا (رويترز)
أطفال يرتدون كمامات للوقاية من آثار الكورونا (رويترز)

لا يقتصر تأثير أزمة فيروس «كورونا المستجد» (كوفيد - 19) على الكبار فقط. فالأطفال أيضاً يعانون، وربما بصورة أكثر، فهم في عمر التحرر والانطلاق يجدون أنفسهم مقيدين بإجراءات تحرمهم من التمتُّع بطفولتهم.
ويقول الكاتب ستيفن ميم في رأي نشرته وكالة «بلومبرغ» للأنباء إنه رغم أنه ما زال هناك الكثير الذي لا نعرفه عن التأثيرات الصحية لأزمة فيروس «كورونا» على الأطفال، هناك إجماع متزايد على الضرر النفسي الذي ألحقته بهم بالفعل، وفقاً لما نقلته «وكالة الأنباء الألمانية».
ففي ظل التوقف عن التوجه للمدارس والحجر القسري وصدمة رؤية فقدان الوالدين لوظائفهم، فإن هذا الفيروس يحمل تهديداً بأن يصبح ما يوصف بـ«كارثة الجيل».
ويرى ميم، وهو أيضاً أستاذ مساعد لمادة التاريخ بجامعة جورجيا، أنه يتعين النظر لهذه المخاوف بجدية ولكن ينبغي أيضاً النظر بجدية لتاريخ الأحداث المماثلة السابقة. فمن قبيل المفارقة أن الأزمات الجماعية تكون لها أحياناً تأثيرات إيجابية على الأطفال، بالنسبة لبناء الشخصية بقدر ما تدمرها.
ويضيف أنه إذا كان لدى المرء شكّ في ذلك، فربما عليه أن يرجع لقراءة الدراسة المطوّلة الكلاسيكية التي تحمل عنوان «أطفال الكساد العظيم» التي كتبها عالم الاجتماع جلان إيلدر. فتلك الدراسة غاصت في أعماق بيانات تم جمعها في دراسة لعدد 167 من المراهقين الذين يعيشون في أوكلاند، بولاية كاليفورنيا في ثلاثينات القرن الماضي. وهذه المجموعة التي ولدت في عامي 1920 و1921 انتقلت من رخاء ذلك العقد إلى الكارثة الاقتصادية التي أعقبته.
فقد شهد 1929 أسوأ التجارب الاقتصادية في العالم، وهو ما يطلق عليه «الكساد العظيم»، حيث بدأت أسواق الأسهم الأميركية في الانهيار، وسرعان ما تبعها العالم كله.
وجمعت الدراسة كميات مذهلة من المعلومات عن كل فرد من أفراد هذه المجموعة، وعن أفراد عائلاتهم، وعن حالاتهم النفسية، ودخلهم ونفقاتهم، وحياتهم الاجتماعية.
وقام باحثون متعاقبون بتتبع مجموعة الأطفال حتى أصبحوا في الستينات من العمر وأكثر. وتمثل إسهام إيلدر في التعامل مع تلك المعلومات التي تم جمعها عن حياة المجموعة على المدى الطويل. وقام بتحليل هذه المعلومات، وعقد مقارنات بين مختلف المجموعات الفرعية على أساس معايير مثل الطبقة الاجتماعية والوضع الاقتصادي للأسرة. ثم قارن كيف تشعبت تلك التجارب عبر حياة هؤلاء الأفراد مع زيادتهم في العمر وبدء تكوين أُسَر خاصة بهم.
وكثير من هؤلاء الأطفال عايشوا بصورة مباشرة الآثار المدمرة للكساد العظيم؛ حيث فقد الوالدان عملهما، وفقد الأسر لوضعها الاجتماعي، كما كان التحرُّك الاجتماعي نحو الطبقات الأدنى سائداً، رغم أن بعض العائلات نجت ولم تتضرر بدرجة كبيرة. أما العائلات غير المحظوظة، فقد حاولت التكيُّف، دون نجاح في الغالب. وعلى سبيل المثال، سعت الأمهات للعمل خارج المنزل للمساعدة في تدبير المعيشة، بينما الآباء رضوا بالقيام بأعمال متدنية لا تليق بهم.
وهذه التغييرات أسفرت عن تحولات إضافية: فقد اضطلعت كثير من الفتيات بمسؤوليات مهمة في المنزل في غياب الأمهات، بينما سعى الصبية للقيام بأعمال لبعض الوقت.
كل ذلك كان مصحوباً بالحاجة، والحرمان، وحتى الجوع بدرجة قد لا يتخيلها معظم الأميركيين المعاصرين.
وكانت الحكمة التقليدية في ذلك الوقت هي أن هذه التجارب سوف تترك أثرها على الأطفال طوال حياتهم. وقد استند أحد المحللين النفسيين من ثلاثينات القرن الماضي إلى «التأثيرات المدمرة لانهيار الروح المعنوية لدى الوالدين»، وتوقّع أن هذا الجيل سوف يعاني من القلق، والخوف، والإحباط وفقدان الثقة على الدوام. وببساطة، يعني هذا أنهم لن يتعافوا مطلقاً.
ولكن ذلك لم يحدث بالفعل. وفي الحقيقة وجد إيدلر أن هؤلاء الأطفال الذين شبوا وسط الحرمان الاقتصادي، حملوا معهم معاناة طفولتهم. فعلى سبيل المثال، كان من المرجَّح أن يظهروا قلقهم بالنسبة لوضعهم الاقتصادي. ولكن الأمر الأكثر أهمية في النتائج التي توصل إليها إيدلر حقيقة أن الحرمان الاقتصادي كان يلازمه المزيد من النجاح.
فعندما أصبح الأطفال الذين شملتهم الدراسة رجالاً، صعدوا السلم الوظيفي بصورة أسرع وأقوى من نظرائهم الأكثر حظاً منهم، كما أنهم استغلّوا الفرص التعليمية بصورة أسرع أيضاً.
وحتى فتيات الفئة غير المحظوظة صقلتهن تجارب المعاناة وحققن نجاحات ملحوظة بعد أن أصبحن في عمر العمل والزواج. وأخيراً، فإن الرجال والنساء الذين عانوا من الحرمان وهم أطفال، حصلوا على نتائج أعلى في الاختبارات النفسية التي تقيس القدرة على التحمل، والإصرار، والثقة بالنفس. كما اتضح أنهم كانوا أكثر رضا وسعادة في حياتهم.
وفسر إيدلر هذه النتائج بأنه بالنسبة للأطفال الذكور، أدت تجربة البحث عن عمل لبعض الوقت والمساهمة في زيادة دخل الأسرة إلى أن يصبحوا ناضجين بصورة أسرع من نظرائهم، مما كان يزيد من تحفيزهم وتركيزهم الذي كانت له نتائج مثمرة.
وحدث شيء مماثل بالنسبة للأطفال الإناث، اللاتي تحملن مسؤوليات الكبار في سن صغيرة نسبيا، وأصبحن بسهولة يتحملن مسؤولية أسر خاصة بهن. واختتم إيدلر دراسته بأن الكساد العظيم حرم الأطفال بالفعل من طفولتهن بينما أعدهم لنجاح طويل الأمد.


مقالات ذات صلة

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

آسيا أحد أفراد الطاقم الطبي يعتني بمريض مصاب بفيروس كورونا المستجد في قسم كوفيد-19 في مستشفى في بيرغامو في 3 أبريل 2020 (أ.ف.ب)

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

قالت منظمة الصحة العالمية إن زيادة حالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي الشائعة في الصين وأماكن أخرى متوقعة

«الشرق الأوسط» (لندن )
صحتك جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)

بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

تساءلت صحيفة «غارديان» البريطانية عن جاهزية دول العالم للتصدي لجائحة جديدة بعد التعرض لجائحة «كوفيد» منذ سنوات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

فيروس مدروس جيداً لا يثير تهديدات عالمية إلا إذا حدثت طفرات فيه

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية play-circle 01:29

فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية

فيروس تنفسي معروف ازداد انتشاراً

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أحد الأرانب البرية (أرشيفية- أ.ف.ب)

الولايات المتحدة تسجل ارتفاعاً في حالات «حُمَّى الأرانب» خلال العقد الماضي

ارتفعت أعداد حالات الإصابة بـ«حُمَّى الأرانب»، في الولايات المتحدة على مدار العقد الماضي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

السيطرة على حريق في خط بترول شمال القاهرة

حريق في خط ناقل لمنتجات البترول بمصر (محافظة القليوبية)
حريق في خط ناقل لمنتجات البترول بمصر (محافظة القليوبية)
TT

السيطرة على حريق في خط بترول شمال القاهرة

حريق في خط ناقل لمنتجات البترول بمصر (محافظة القليوبية)
حريق في خط ناقل لمنتجات البترول بمصر (محافظة القليوبية)

سيطرت قوات الحماية المدنية المصرية على حريق في خط «ناقل لمنتجات البترول»، بمحافظة القليوبية (شمال القاهرة)، الثلاثاء، فيما أعلنت وزارة البترول اتخاذ إجراءات احترازية، من بينها أعمال التبريد في موقع الحريق، لمنع نشوبه مرة أخرى.

وأسفر الحريق عن وفاة شخص وإصابة 8 آخرين نُقلوا إلى مستشفى «السلام» لتلقي العلاج، حسب إفادة من محافظة القليوبية.

واندلع الحريق في خط نقل «بوتاجاز» في منطقة (مسطرد - الهايكستب) بمحافظة القليوبية، فجر الثلاثاء، إثر تعرض الخط للكسر، نتيجة اصطدام من «لودر» تابع للأهالي، كان يعمل ليلاً دون تصريح مسبق، مما تسبب في اشتعال الخط، حسب إفادة لوزارة البترول المصرية.

جهود السيطرة على الحريق (محافظة القليوبية)

وأوضحت وزارة البترول المصرية أن الخط الذي تعرض للكسر والحريق، «ناقل لمُنتَج البوتاجاز وليس الغاز الطبيعي».

وأعلنت محافظة القليوبية السيطرة على حريق خط البترول، بعد جهود من قوات الحماية المدنية وخبراء شركة أنابيب البترول، وأشارت في إفادة لها، الثلاثاء، إلى أن إجراءات التعامل مع الحريق تضمنت «إغلاق المحابس العمومية لخط البترول، وتبريد المنطقة المحيطة بالحريق، بواسطة 5 سيارات إطفاء».

وحسب بيان محافظة القليوبية، أدى الحريق إلى احتراق 4 سيارات نقل ثقيل ولودرين.

وأشارت وزارة البترول في بيانها إلى «اتخاذ إجراءات الطوارئ، للتعامل مع الحريق»، والتي شملت «عزل الخط عن صمامات التغذية، مع تصفية منتج البوتاجاز من الخط الذي تعرض للكسر، بعد استقدام وسائل مخصصة لذلك متمثِّلة في سيارة النيتروجين»، إلى جانب «الدفع بفرق ومعدات إصلاح الخط مرة أخرى».

ووفَّرت وزارة البترول المصرية مصدراً بديلاً لإمدادات البوتاجاز إلى محافظة القاهرة من خلال خط «السويس - القطامية»، وأكدت «استقرار تدفق منتجات البوتاجاز إلى مناطق التوزيع والاستهلاك في القاهرة دون ورود أي شكاوى».

وتفقد وزير البترول المصري كريم بدوي، موقع حريق خط نقل «البوتاجاز»، صباح الثلاثاء، لمتابعة إجراءات الطوارئ الخاصة بـ«عزل الخط»، وأعمال الإصلاح واحتواء آثار الحريق، إلى جانب «إجراءات توفير إمدادات منتج البوتاجاز عبر خطوط الشبكة القومية»، حسب إفادة لوزارة البترول.

تأتي الحادثة بعد ساعات من إعلان وزارة الداخلية المصرية القبض على تشكيل عصابي من 4 أفراد قاموا بسرقة مواد بترولية من خطوط أنابيب البترول، بالظهير الصحراوي شرق القاهرة. وقالت في إفادة لها مساء الاثنين، إن «إجمالي المضبوطات بلغ 3 أطنان من المواد البترولية، و25 ألف لتر سولار».