قضاة جزائريون يواجهون العزل بسبب معارضتهم للنظام

TT

قضاة جزائريون يواجهون العزل بسبب معارضتهم للنظام

يتوقع مراقبون في الجزائر عزل 10 قضاة بسبب تصدرهم الصفوف الأولى للحراك عند اندلاعه في 22 من فبراير (شباط) 2019، أثناء مثولهم أمام هيئة التأديب التابعة لـ«المجلس الأعلى للقضاء»، في الأول من يونيو (حزيران) المقبل. ويوجد على رأسهم سعد الدين مرزوق، رئيس «نادي قضاة الجزائر»، وهو نقابة نشأت في خضم المظاهرات المطالبة بالتغيير.
وقال مرزوق لـ«الشرق الأوسط»، إنه سيطالب بإلغاء الطابع السري عن جلسة المساءلة التأديبية ليتم السماح لكل القضاة والصحافيين بحضورها «إذ ليس لدي ما أخفيه كوني متابعاً بسبب مواقفي السياسية، وليس لأي تهمة مرتبطة بذمتي المالية، ولا لأي خطأ مهني».
وبحسب القاضي المثير للجدل، لا يوجد شك في أن تواجده في واجهة المظاهرات، التي نظمها القضاة في الأسابيع الأولى للحراك بالمحاكم للمطالبة باستقلال القضاء عن السلطة، هو سبب إحالته على مجلس التأديب. وتكيف هذه التصرفات بحسب «القانون الأساسي للقضاء»، على أنها «خرق لواجب التحفظ»، وهي تهمة أدت في الـ20 سنة الماضية، إلى عزل وتراجع في الرتبة، وتحويل أماكن العمل لمئات القضاة.
وقال مصدر قضائي، إن المجموعة المعنية بالمساءلة التأديبية تضم سيد أحمد بلهادي، القاضي الذي فجّر جدلاً كبيراً منذ شهرين، عندما رافع لصالح نشطاء بالحراك، في حين أنه كان يمثل النيابة في جلسة المحاكمة. وقد أدى دور الدفاع بشكل أثار استغراب المحامين أنفسهم، وانتقد وزارة العدل والسلطة بشكل عام، واتهمها بـ«الضغط على القضاء لإصدار أحكام ضد المتظاهرين». وهو ما أثار حفيظة وزير العدل بلقاسم زغماتي، فنقله من مكان عمله بمحكمة بالعاصمة إلى أخرى بالصحراء كعقوبة له، وأعدَ له ملفاً تأديبياً، ويحتمل أن يتعرض للعزل. ولا تعترف الحكومة بـ«نادي القضاة»، في حين أن علاقتها بـ«النقابة الوطنية للقضاة» المعتمدة متوترة، بسبب قضية «الضغوط السياسية على القضاة»، وإبعاد رئيسها يسعد مبروك من مشروع قوانين أصدرها الوزير زغماتي مؤخراً، وخاصة تعديل قانون العقوبات، الذي رفضته النقابة بحجة أن «مواده غير منسجمة». وأوعزت «رداءتها» إلى عدم إشراك القضاة في إعداد النص القانوني الذي صادق عليه البرلمان. يشار إلى أن مبروك كان أحد الوجوه البارزة من الحراك في بدايته.
في سياق ذلك، أصدر القضاء الجزائري، أمس، أحكاماً قاسية بالسجن النافذ على ثلاثة معارضين بسبب منشورات على موقع «فيسبوك»، حسبما أعلنت منظمة جزائرية تدافع عن معتقلي الرأي ومنظمة العفو الدولية.
وذكرت اللجنة الوطنية للإفراج عن المعتقلين، أنه حكم على الناشط صهيب دباغي «بالسجن سنة نافذة بمحكمة الشراقة (الجزائر العاصمة) بتهم التحريض على التجمهر، وإهانة هيئة نظامية، والمساس بمصلحة الوطن من خلال منشورات على «فيسبوك». وفي بلدة لبيض أعلنت لجنة الإفراج عن المعتقلين، التي تأسست في خضم الحراك ضد النظام صيف 2019، أن محكمة لبيض سيدس الشيخ (670 كلم جنوب غربي الجزائر) أصدرت على «معتقلي الرأي العربي طاهر ومحمد يوسف بوضياف أحكاماً قاسية» تتمثل بـ«18 شهراً سجناً نافذاً».
من جهة ثانية، سيعقد حزبا السلطة «جبهة التحرير الوطني» (أغلبية)، و«التجمع الوطني الديمقراطي» نهاية الشهر الحالي، اجتماعين طارئين لخلافة قائديهما المسجونين منذ أشهر عدة بتهم فساد. ويحمّل قطاع واسع من الجزائريين الحزبين وقياداتهما مسؤولية تفشي الفساد في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. وأكدت مصادر من «اللجنة المركزية» لـ«جبهة التحرير»، أن قياديين مرشحين للأمانة العامة هما محمد عليوي، الذي يقود «الاتحاد الوطني للفلاحين»، وهو منظمة قريبة من الحكومة، وأبو الفضل بعجي، برلماني من الحزب سابقاً.
وتم سجن الأمين العام للحزب، رجل الأعمال محمد جميعي منذ ستة أشهر رفقة زوجته القاضية، بسبب قضية تزوير وثائق مرتبطة بعقارات، وهما ينتظران المحاكمة. واستخلف جميعي الأمين العام جمال ولد عباس، الذي سجن الصيف الماضي بتهمة اختلاس مال عام، تعود إلى فترة توليه وزارة التضامن في بداية حكم بوتفليقة. كما يوجد في السجن وزير سابق آخر للتضامن، بالتهمة نفسهاا، هو سعيد بركات، القيادي الكبير في «جبهة التحرير الوطني».
أما المرشح الأوفر حظاً لقيادة «التجمع الوطني» فهو الطيب زيتوني، مدير عام «الشركة الجزائرية للمعارض والتصدير»، الحكومية. وأفادت مصادر من الحزب بأن أمينه العام بالنيابة، عز الدين ميهوبي لن يترشح للقيادة، رغم أنه كان أحد المتنافسين على انتخابات الرئاسة التي جرت في نهاية العام الماضي، والتي أفرزت عبد المجيد تبون رئيساً.
ومنذ شهر، منع القضاء ميهوبي من السفر في إطار التحقيق في شبهات فساد، تخص الفترة التي كان فيها وزيراً للثقافة (2015 ـ 2019).



تكتم حوثي على تبعات كارثية لانفجار مخزن أسلحة

أهالي الحي المنكوب في مديرية بني حشيش يتفقدون آثار الدمار الذي خلفته الانفجارات (إكس)
أهالي الحي المنكوب في مديرية بني حشيش يتفقدون آثار الدمار الذي خلفته الانفجارات (إكس)
TT

تكتم حوثي على تبعات كارثية لانفجار مخزن أسلحة

أهالي الحي المنكوب في مديرية بني حشيش يتفقدون آثار الدمار الذي خلفته الانفجارات (إكس)
أهالي الحي المنكوب في مديرية بني حشيش يتفقدون آثار الدمار الذي خلفته الانفجارات (إكس)

تسببت انفجارات مخازن أسلحة تابعة للحوثيين بمقتل وجرح العشرات من سكان مديرية بني حشيش شمال شرقي العاصمة صنعاء، إلى جانب تدمير عدد من المنازل، وإثارة الهلع في أوساط الأهالي، في حين شنت الجماعة الحوثية حملات مداهمة واختطافات في محاولة لمنع نشر أخبار أو صور عن الواقعة.

وشهد حي سكني بين منطقتي «خشم البكرة» و«صَرِف» في مديرية بني حشيش، صباح الخميس، ثلاثة انفجارات عنيفة مجهولة السبب، قبل أن يتضح أنها ناتجة عن مخزن ذخيرة استحدثته الجماعة الحوثية وسط المباني السكنية في المنطقة، وعقب الانفجار الأخير اندلعت النيران في المكان لتتواصل بعدها انفجارات الذخيرة في المخزن، مؤدية إلى مقتل وإصابة عشرات السكان، ونقل العشرات منهم إلى المستشفيات القريبة.

وتقدر مصادر محلية عدد القتلى بأكثر من 50 شخصاً، مع احتمالية استمرار الوفيات خلال الأيام القادمة بسبب سوء حالة المصابين الذين يصعب تقدير أعدادهم، خصوصاً أن الشظايا وصلت إلى مناطق وقرى مجاورة، في حين أحصى أحد شهود العيان تهدم وتضرر قرابة 30 منزلاً ومبنى بالقرب من موقع الحادثة.

ويتوقع أن تكون الانفجارات ناجمة عن سوء تخزين الذخائر، بسبب استعجال الجماعة الحوثية في نقلها لمنع استهدافها من الطيران العسكري الأميركي أو الإسرائيلي خلال الأسابيع الماضية.

وذكر سكان في المنطقة لـ«الشرق الأوسط» أن أجهزة الأمن التابعة للجماعة الحوثية فرضت طوقاً أمنياً على المنطقة، ونشرت فيها عدداً من نقاط التفتيش، ومنعت السكان من العبور منها وإليها إلا بعد إجراء تحريات حولهم والتحقيق معهم حول أسباب تحركاتهم وتنقلاتهم، برغم أن غالبيتهم كانوا يحاولون الهرب من الانفجارات أو يسعون للاطمئنان على أقاربهم.

وقال أحد أهالي المنطقة إن الانفجارات استمرت أكثر من ساعة ونصف الساعة وكأنها انفجار واحد متصل، وارتفعت أعمدة الدخان الذي غطى السماء، في حين كانت شظايا الذخائر المنفجرة تتساقط في كل الاتجاهات.

ملاحقات أمنية

ضاعفت الإجراءات الحوثية من هلع السكان خلال اندفاعهم للهرب والنزوح من المنطقة هرباً من الانفجارات، وبينما كانوا يحاولون الهرب لتجنب وصول الانفجارات والشظايا إليهم، أجبرتهم نقاط تفتيش على الانتظار لساعات طويلة.

وأكّد شهود عيان أن عدداً من المنازل القريبة من المخازن التي تعرضت للانفجارات تهدمت بسرعة عند بدء الانفجارات دون أن يُتاح لساكنيها ترتيب هروبهم منها أو حمل مقتنياتهم الثمينة، ولم يعرف مصير الكثير منهم بسبب حالة الهلع وإجراءات الجماعة الحوثية.

وأدى الدخان الكثيف الذي غطى المباني والطرقات إلى حجب الرؤية وعدم قدرة السكان على الاطمئنان على بعضهم خلال هروبهم من المنازل.

سكان نازحون يراقبون مشاهد الانفجارات وأعمدة الدخان (فيسبوك)

وحاول العديد من أصحاب المحال التجارية نقل بضائعهم لتقليل خسائرهم بعد أن طالت الشظايا والحرائق غالبية المباني، الأمر الذي ضاعف من حالة الإرباك والزحام في الطرقات، في حين اضطر غالبيتهم للسعي للنجاة بأنفسهم فقط.

وتلاحق أجهزة أمن الجماعة الحوثية رواد مواقع التواصل الاجتماعي من أهالي المنطقة بتهمة نشر معلومات وصور وتسجيلات فيديو عن الواقعة.

وتستند الجماعة، وفق المصادر المحلية، إلى مواقع وزوايا التصوير في ملاحقتها، حيث داهمت المنازل والمباني التي التقطت منها الصور وتسجيلات الفيديو من جهة، واختطفت عدداً من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، وأجبرتهم على حذف ما نشروا من معلومات أو صور ومقاطع فيديو، وصادرت هواتف العديد منهم.

مطالبات بالإدانة

داهمت أجهزة أمن الجماعة المستشفيات التي نُقل إليها الجرحى للتحفظ عليهم ومنع تصويرهم أو نقل شهاداتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

آثار انفجارات مخازن أسلحة تابعة للحوثيين في حي سكني شرقي العاصمة صنعاء الخميس الماضي (إكس)

وكشفت مصادر طبية أن أقسام الطوارئ في مستشفيات الشرطة وزائد والمؤيد والسعودي الألماني القريبة من المنطقة، اكتظت بالجثث والمصابين الذين كان أغلبيتهم من النساء والأطفال.

وبحسب المصادر فإن أجهزة أمن الجماعة عملت على التحفظ على الجثث والمصابين ومنع التواصل معهم، وحذرت الأطباء والممرضين وموظفي المستشفيات من نقل أي معلومات لأي جهة كانت، وصادرت هواتف المصابين ومسعفيهم.

وتظهر الصور ومقاطع الفيديو التي تسعى الجماعة الحوثية إلى منع انتشارها مشاهد لتدافع السكان المذعورين من المنطقة، وأخرى للانفجارات والحرائق وأعمدة الدخان.

واتهمت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات الجماعة الحوثية بالاستمرار في عسكرة الأحياء السكنية وتحويلها إلى مخازن أسلحة ومواقع إطلاق للصواريخ والطائرات المسيّرة، مما يعرض المدنيين للخطر، ويخالف القوانين الدولية التي تحظر استخدامهم كدروع بشرية.

ووصف «المركز الأميركي للعدالة» (ACJ)، الواقعة بالكارثة الإنسانية، والخرق الجسيم للقانون الدولي الإنساني.

وعدّ الاستمرار في تخزين الأسلحة والمتفجرات وسط الأحياء السكنية انتهاكاً صارخاً لاتفاقيات جنيف، داعياً إلى ملاحقة جميع القيادات الحوثية المتورطة في مثل هذه الممارسات.

وطالب بفتح تحقيق دولي عاجل ومستقل لتحديد ملابسات الحادث، ومحاسبة المسؤولين عنه، وإخلاء الأحياء السكنية من أي مخازن أسلحة.