خطة مارشال جديدة للاقتصاد الأوروبي

بعد التبعات الاقتصادية التي خلّفتها كارثة {كورونا}

غلاف كتاب «نحو نهضة صناعية»
غلاف كتاب «نحو نهضة صناعية»
TT

خطة مارشال جديدة للاقتصاد الأوروبي

غلاف كتاب «نحو نهضة صناعية»
غلاف كتاب «نحو نهضة صناعية»

عن دار النشر الفرنسية «ماري» صدر قبل أيام كتاب «نحو نهضة صناعية»، الذي يعيد النظر في التبعات الاقتصادية التي خلّفتها كارثة فيروس كورونا المستجد، وألقت بظلالها على مناحٍ كثيرة في قلب المجتمعات الأوروبية، ليس فقط على مستوى الفرد، لكن أيضاً على مستوى الدولة كلها، أي أن هذه الأزمة - كما يوضح الكتاب - جاءت بمثابة جرس إنذار لهذه المجتمعات لتغير من الأدبيات التي تتبناها في إطار ما يسمى بـ«ما بعد الثورة الصناعية»، التي لا تزال تشهدها أوروبا منذ أكثر من 40 عاماً.
يقع الكتاب في 160 صفحة من القطع المتوسط، وهو بمثابة خريطة طريق واضحة المعالم، أو خطة مارشال جديدة للاقتصاد الفرنسي والأوروبي كي يشرع فوراً في إحداث نهضة صناعية أوروبية تتسق مع التغيير البراغماتي الناتج عن أزمة فيروس كورونا المستجد، وهي الأزمة التي كشفت النقاب عن ضعف أوروبا صناعياً، الأمر الذي ترتب عليه أن أضحت الاقتصاديات الأوروبية تابعة للمعاقل الصناعية في شرق آسيا، بخاصة الصين، وهو ما كشفته أزمة كورونا، على خلفية إغلاق الأسواق الآسيوية، وعلى رأسها الأسواق الصينية، أمام المستهلك الأوروبي.
يتمتع هذا الكتاب بأهمية خاصة في موضوعه، يعززها أن مؤلفيه السيدة إنياس فوي جيليى وأوليفييه ليليانسي خبيران في الاستشارات الصناعية والاقتصادية في فرنسا ولدى المفوضية الأوروبية، كما اعتمدوا خلال صفحات الكتاب على خبراتهم العملياتية. الأمر الذي يُكسبه ميزة نوعية. بالإضافة إلى ذلك، فإن هذا الكتاب يعد الأول من نوعه الذي يبحث في المستقبل الصناعي لفرنسا وأوروبا من خلال التماسك الوطني والسيادة التكنولوجية وإنهاء التبعية الاقتصادية، كما يلقي الضوء على طرق النهضة الصناعية القوية، مع التأكيد على ضرورة تجاوز العقبات التي تواجه قطاع الصناعة اليوم، خاصة أن الأزمة الصحية الراهنة كشفت بوضوح شديد ضعف النسيج الإنتاجي الفرنسي، ما يفرض الآن ضرورة إيجاد حلول ملموسة للقطاع الصناعي، لتأكيد قدرته على الاستدامة، ومن ثم المنافسة.
يؤكد الكتاب على أن فترة الخروج من الأزمة الصحية الراهنة ستكون قدرية لكثير من شركات القطاع الإنتاجي الفرنسي، وهو القطاع الذي ضربته الهشاشة، على خلفية 40 عاماً من البعد عن الصناعة وعدم اكتراث مجتمع ما بعد الصناعة، والأزمة الاقتصادية والمالية التي شهدها العالم في 2008 -2009، بالجانب الإنتاجي والصناعي، الأمر الذي جعل خزائن معظم الشركات خاوية، ومن ثم غير قادرة على المقاومة إلى حد كبير، رغم الرغبة والإرادة الصادقة والمخلصة لإنقاذها.
وفى ظل هذا الوضع الصعب، على خلفية أزمة كورونا، لا يدعو مؤلفا الكتاب فقط إلى سيادة اقتصادية فرنسية، لكن أيضاً إلى تلاحم وطني وقومي، فالمصانع التي أغلقت أبوابها على خلفية هذه الأزمة لن تعاود فتح أبوابها سريعاً، وقد يصل الأمر إلى عدم فتحها مجدداً. على الرغم من أن هذه المصانع تساهم كثيراً في العملية التنموية، ولكن إذا انهارت هذه المصانع، فإن القطاع الصناعي سيكون في مجمله في أزمة حقيقية، وربما يؤدي الحال إلى موجات جديدة من مظاهرات «السترات الصفراء» على خلفية الإهمال وعدم الاكتراث بالبعد القومي.
إضافة إلى ذلك، يفند الكتاب أسباب توجه فرنسا نحو التخلي عن الصناعة، مع التأكيد على ضرورة الكفّ عن إتباع هذا المنطق والتوجه نحو إحداث نهضة صناعية تسهم في تحقيق السيادة الاقتصادية والتلاحم الاجتماعي الفرنسي، ويتم ذلك من خلال إقرار استراتيجية صناعية جماعية لفرنسا، لا تكون الدولة وأجنحتها فقط هم عناصرها الأساسية، لكن أيضاً الشركات ذاتها، وبصفتها، على أن تستوعبهم الأراضي الفرنسية جميعاً، أي أن الفكرة يجب أن تتم في إطار جماعي، يكون للجميع دور فيه لإحداث نهضة صناعية حقيقية.
ويرى المؤلفان أنه إذا كانت هناك فرص كثيرة الآن أمام الاقتصاد الفرنسي، فإن من الأهمية والضرورة أولاً التخلي عن المفاهيم السالفة البالية المتعلقة بما يسمى مجتمع «ما بعد الصناعة» لأنه لا يمكن بناء المستقبل دون الاستفادة من الماضي الذي اعتمد كثيراً على اقتصاد الخدمات وتحقيق ثروات طائلة وسريعة، لكن هذا المسار هش إلى حد كبير، كونه أصاب التماسك الاجتماعي بالضعف. واليوم، فإن الأمر يتطلب تكاتف الجميع وإعادة صياغة الأوليات، مع تحديد قنوات وأُطر الاهتمام الصناعي لإحداث نهضة صناعية حقيقية أساسها حشد جميع العناصر الفاعلة في قلب المجتمع.
يتناول الكتاب كذلك فترة التحول في فرنسا من 1950 إلى 1990، من مجتمع صناعي إلى مجتمع ما بعد الصناعي. الأمر الذي أضرّ كثيراً بقطاع الصناعة الفرنسي، لأنه عجز عن مواكبة التطور الذي شهده هذا القطاع خلال السنوات العشر الماضية، هذا بالإضافة إلى أنه على الرغم من الحديث في فرنسا عن أهمية نهضة صناعية منذ عام 2008، فإنه لم يحدث جديد في هذا الشأن، بل على العكس أضحى قطاع الصناعة يفتقر إلى الابتكار والتنوع، وهو ما أكدته أزمة كورونا الحالية. ولذلك يسعى المؤلفان عبر كتابهم هذا نحو صياغة مفهوم جديد للصناعة يعتمد على الابتكار والتحول الرقمي والاستفادة من التكنولوجيا الحديثة، والبعد إلى حد كبير عن الاستعانة بالعنصر البشرى لصالح الأجهزة الإلكترونية. وبالإضافة إلى العوامل السابقة التي أدت إلى ضعف الاقتصاد الفرنسي، والتي أسهب في الحديث عنها المؤلفان، يوجد عامل آخر، هو التراجع الكبير في الربح، على خلفية تراجع حجم التصدير للخارج، نتيجة ضعف التنافس الإقليمي والدولي. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد أصبح القطاع الصناعي الفرنسي عاجزاً عن تلبية تطلعات الداخل. الأمر الذي جعله تابعاً إلى حد كبير للأسواق الخارجية.
وأخيراً، يشدد الكتاب على أنه قد آن الأوان لإحداث ثورة صناعية حقيقية في فرنسا وأوروبا، قوامها الاقتصاد الرقمي والتكنولوجيا الحديثة، هذا مع صياغة وإقرار محاور جديدة ابتكارية، لا تتسق فقط مع متطلبات السوق الأوروبي، ولكن أيضاً مع متطلبات المجتمع الدولي. الأمر الذي من شأنه أن يوسع آفاق التصدير، ومن ثم زيادة هامش الربح، هذا مع التأكيد على البعد القومي لتعزيز الانتماء وتأكيد التلاحم الوطني، ما يضمن تحقيق السيادة القومية والاكتفاء الذاتي وإنهاء عهد التبعية للغير.


مقالات ذات صلة

«كورونا» قد يساعد الجسم في مكافحة السرطان

صحتك أطباء يحاولون إسعاف مريضة بـ«كورونا» (رويترز)

«كورونا» قد يساعد الجسم في مكافحة السرطان

كشفت دراسة جديدة، عن أن الإصابة بفيروس كورونا قد تساعد في مكافحة السرطان وتقليص حجم الأورام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
أوروبا الطبيب البريطاني توماس كوان (رويترز)

سجن طبيب بريطاني 31 عاماً لمحاولته قتل صديق والدته بلقاح كوفيد مزيف

حكم على طبيب بريطاني بالسجن لأكثر من 31 عاماً بتهمة التخطيط لقتل صديق والدته بلقاح مزيف لكوفيد - 19.

«الشرق الأوسط» (لندن )
الاقتصاد السعودية تصدرت قائمة دول «العشرين» في أعداد الزوار الدوليين بـ 73 % (واس)

السعودية الـ12 عالمياً في إنفاق السياح الدوليين

واصلت السعودية ريادتها العالمية بقطاع السياحة؛ إذ صعدت 15 مركزاً ضمن ترتيب الدول في إنفاق السيّاح الدوليين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
صحتك تم تسجيل إصابات طويلة بـ«كوفيد- 19» لدى أشخاص مناعتهم كانت غير قادرة على محاربة الفيروس بشكل كافٍ (رويترز)

قرار يمنع وزارة الصحة في ولاية إيداهو الأميركية من تقديم لقاح «كوفيد»

قرر قسم الصحة العامة الإقليمي في ولاية إيداهو الأميركية، بأغلبية ضئيلة، التوقف عن تقديم لقاحات فيروس «كوفيد-19» للسكان في ست مقاطعات.

«الشرق الأوسط» (أيداهو)
أوروبا أحد العاملين في المجال الطبي يحمل جرعة من لقاح «كورونا» في نيويورك (أ.ب)

انتشر في 29 دولة... ماذا نعرف عن متحوّر «كورونا» الجديد «XEC»؟

اكتشف خبراء الصحة في المملكة المتحدة سلالة جديدة من فيروس «كورونا» المستجد، تُعرف باسم «إكس إي سي»، وذلك استعداداً لفصل الشتاء، حيث تميل الحالات إلى الزيادة.

يسرا سلامة (القاهرة)

اليورو يتراجع إلى أدنى مستوى في عامين

أوراق نقدية من فئة اليورو (رويترز)
أوراق نقدية من فئة اليورو (رويترز)
TT

اليورو يتراجع إلى أدنى مستوى في عامين

أوراق نقدية من فئة اليورو (رويترز)
أوراق نقدية من فئة اليورو (رويترز)

تراجع اليورو إلى أدنى مستوى له في عامين، يوم الجمعة، بعد أن أظهرت البيانات تدهوراً حاداً في النشاط التجاري في منطقة اليورو، مما دفع الأسواق إلى تكثيف رهاناتها على خفض أسعار الفائدة من البنك المركزي الأوروبي.

وانخفضت العملة الموحدة أكثر من 1 في المائة في وقت ما إلى أدنى مستوى لها منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، وكان اليورو في آخر تداولاته منخفضاً بنسبة 0.6 في المائة ليصل إلى 1.0412 دولار بعد صدور البيانات التي أظهرت انكماشاً في قطاع الخدمات بالاتحاد الأوروبي، وتفاقم الركود في قطاع التصنيع، وفق «رويترز».

كما زادت الأسواق توقعاتها لخفض أسعار الفائدة من جانب البنك المركزي الأوروبي؛ حيث ارتفعت الاحتمالات إلى أكثر من 50 في المائة لخفض غير تقليدي بمقدار 50 نقطة أساس في ديسمبر (كانون الأول).

وقال استراتيجي العملات في «آي إن جي»، فرانسيسكو بيسولي، قبيل إصدار البيانات: «مؤشر مديري المشتريات هو على الأرجح أهم مدخلات البيانات للبنك المركزي الأوروبي واليورو». وأضاف: «لقد انتقلت من كونها مجرد ملاحظة جانبية إلى مدخلات حاسمة في عملية صنع القرار؛ حيث أصبح مجلس الإدارة أكثر تركيزاً على مؤشرات النمو المستقبلية».

وانخفض اليورو أيضاً بنسبة 0.44 في المائة مقابل الفرنك السويسري كما ضعف مقابل الجنيه الإسترليني، لكنه عوض بعض الخسائر بعد بيانات ضعيفة لمؤشر مديري المشتريات في المملكة المتحدة.

ومنذ فوز دونالد ترمب بالانتخابات الرئاسية الأميركية، يتراجع اليورو مقابل الدولار، وتزايدت الضغوط عليه في الأسابيع الأخيرة بسبب التصعيد المستمر في الصراع بين روسيا وأوكرانيا، فضلاً عن حالة عدم اليقين السياسي في ألمانيا، أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي.

وتعرض الجنيه الإسترليني أيضاً لضغوط؛ حيث انخفض بنسبة 0.5 في المائة إلى 1.257 دولار، بعد أن أظهرت بيانات مبيعات التجزئة في المملكة المتحدة انخفاضاً أكبر من المتوقع في أكتوبر (تشرين الأول)، في حين أظهرت بيانات مؤشر مديري المشتريات أن ناتج الأعمال في المملكة المتحدة انكمش للمرة الأولى في أكثر من عام.

وقد تدفع مؤشرات تباطؤ النمو الاقتصادي بنك إنجلترا إلى تخفيف سياسته النقدية.

وارتفع مؤشر الدولار الذي يقيس أداء العملة الأميركية مقابل 6 عملات رئيسية، 0.43 في المائة إلى 107.5، وهو أعلى مستوى له منذ نوفمبر 2022.

وسجل المؤشر ارتفاعاً حاداً هذا الشهر، مع التوقعات بأن سياسات الرئيس المنتخب دونالد ترمب قد تؤدي إلى تجدد التضخم وتحد من قدرة بنك الاحتياطي الفيدرالي على خفض أسعار الفائدة، وهو ما يفرض ضغوطاً على العملات الأخرى.