رحيل عرّاب المصرفية الإسلامية

أعمال صالح كامل امتدت عبر أرجاء الوطن العربي في قطاعات الإعلام والبنوك والاستثمار

تشييع جثمان رجل الأعمال السعودي صالح كامل بمدينة مكة المكرمة أمس (تصوير: عبد الله الفالح)
تشييع جثمان رجل الأعمال السعودي صالح كامل بمدينة مكة المكرمة أمس (تصوير: عبد الله الفالح)
TT

رحيل عرّاب المصرفية الإسلامية

تشييع جثمان رجل الأعمال السعودي صالح كامل بمدينة مكة المكرمة أمس (تصوير: عبد الله الفالح)
تشييع جثمان رجل الأعمال السعودي صالح كامل بمدينة مكة المكرمة أمس (تصوير: عبد الله الفالح)

قبل 70 عاماً ونيف، لم يكن يجول في خاطر رجل الأعمال السعودي صالح كامل الذي وافته المنية فجر أمس (الثلاثاء) والمولود في مكة المكرمة عام 1941، وهو يركض بين حواري وأزقة المدينة المقدسة، أن يكون شيئاً في عالم مليءٍ بالأحداث والاضطرابات من أقصاه إلى أقصاه، ولم يكن يدرك أن الأيام والسنين تدفعه ليكون أحد البارزين بين أقرانه مالاً ومعرفة.
يتعاقب الليل والنهار، وصالح يركض نحو حلمٍ يجهله، كل ما في الأمر تحقيق الذات، فكانت أولى الخطوات حصوله على بكالوريوس التجارة من جامعة الرياض في عام 1963، وأثناء ذلك كان يمارس التجارة وإن كانت ليست بالمفهوم الحالي والأدوات المعاصرة لهذا القطاع، إلا أنه كان يمارسها بشغف.
خاض كامل في البداية وبعد التخرج مباشرة تجربة العمل في القطاع الحكومي، وتنقّل بين وزارتي العمل والشؤون الاجتماعية، ووزارة المالية، ويبدو أن تجربة عائلته للعمل في القطاع الخاص كان لها أثر في تحريك هذا الشاب لخوض مسارات مختلفة، وأن يعيد هيكلة أحلامه وطموحاته في تجارب أخرى مختلفة تُعيده إلى ناصية تحقيق الذات، فتتبلور الفكرة التي كانت غير واضحة المعالم إبان دراسته الجامعية.
وبحسب ما يتناقل عن الراحل، الذي بدأ حياته العملية برأسمال لا يتجاوز ثلاثة آلاف ريال (800 دولار)، كان دقيقاً في عمله وحريصاً على إنجازه بالشكل المطلوب، ما مكّنه من ممارسة عدد من الأنشطة الاقتصادية في تلك المرحلة وقادها بنجاح، إلى أن جاءت فرصة اقتصادية يعتقد أنها السبب في التحول الكلي من القطاع العام إلى الخاص، وتمثلت فيما أعلنته في تلك الفترة وزارة البرق والبريد والهاتف، عزمها طرح مناقصة لنقل وتوزيع البريد الداخلي، والتي سارع لخوض هذه المغامرة فكانت البوابة لمشاريع أخرى متتالية.
ولأنه صالح كامل، كانت الخيارات متنوعة في التوجه نحو القطاع الخاص فكان شمولياً في استثماراته ومتفرداً فيها؛ إذ كان من أوائل السعوديين الذين استثمروا في قطاع الإعلام المرئي وتأسيسه لشبكة قنوات راديو وتلفزيون العرب (إيه آر تي) في عام 1983 بعد عام واحد من تأسيس شركة مجموعة «دلة البركة» التي تنوعت مجالات أنشطتها لتشمل قطاعات الإعلام، والسياحة، والأعمال المصرفية والعقارية، حققت عوائد مالية كبيرة دفعت به ليكون من أكثر رجال الأعمال ثراءً، حيث تقدر ثروته في الحدود الدنيا بنحو 8 مليارات ريال (2.3 مليار دولار).
ما لا يعلمه الكثيرون، أن اسم «دلة البركة» الذي راج اسمها في الوطن العربي بصفتها إحدى أكبر المجموعات الاستثمارية، كما قال صالح كامل في حوار لـ«الشرق الأوسط» عام 2011، هو اسم دلال ودلع تنادي والدته به لوالده (عبد الله)، حيث كانت تقول له «دلة»، ليحول هذا الاسم عند دخوله العمل التجاري تيمناً به، لعلامة تجارية تحت مسمى «دلة البركة»، كما أنها - بحسب كامل - تتسق مع اسم دلة القهوة العربية التي تعبر عن الكرم والشهامة والأصالة العربية.
ويعد الراحل عرّاب المصرفية الإسلامية، حيث يعمل منذ 40 عاماً على تطوير أنشطة المصرفية الإسلامية في الدول العربية والإسلامية كافة، وقال حينها «إن المصرفية الإسلامية كغيرها من المصارف، إلا أنها لا تتعامل مع الفائدة أو الربا، وتقوم على قاعدة المشاركة لا الربح»، وكان حريصاً طيلة تلك السنوات على إجراء الكثير من الندوات واللقاءات لدعم هذا المسار.
وتمتد نشاطات صالح كامل خارج المملكة للوطن العربي والعالم الإسلامي، حيث كان رئيس مجلس إدارة مجموعة «دلة البركة»، رئيس مجلس إدارة في كل من «بنك التمويل المصري – السعودي» - مصر، «بنك البركة» - لبنان، راديو وتلفزيون العرب، نائب رئيس مجلس إدارة الشركة العربية للاستثمار الزراعي – البحرين، رئيس مجلس إدارة المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية، رئيس غرفة التجارة الإسلامية، عضو مؤسس لبنك فيصل الإسلامي عضو في عدد من الهيئات الاجتماعية والتعليمية في عدد من الدول العربية والأجنبية.
كان كامل سباقاً في كثير من الأفكار الاقتصادية الاستراتيجية؛ إذ كان من أوائل المطالبين بفتح فرصة تحفيز المنشآت الصغيرة وتبني رواد وشباب الأعمال، حيث ينظر إلى أن مشروعات رواد الأعمال ستجسد روح الحركة الاقتصادية المستقبلية، داعياً إلى توفير الحاضنات المعززة لأعماله وتزويدهم بالخبرات والتمويل ليكونوا مساهمين في رفع اقتصاد الدولة.
اليوم، وبعد 50 عاماً من السفر والترحال، وجولة هناك ومكسبٍ هنا، تطوى صفحة أحد أهم رجال الأعمال في السعودية والوطن العربي وتبقى هذه الرحلة الطويلة من مناقب وأعمال مسطرة في كتاب الحياة لينهل منها كل ذي لُبٍ يسعى لأن يكون شيئاً في عالم المتغيرات.
يقول مازن بترجي، رجل الأعمال وصديق الراحل، لـ«الشرق الأوسط»، «صالح، كان يتمتع بالكثير من المزايا الاقتصادية والاجتماعية، فكان مفكراً وبسيطاً في تعاملاته مع الآخرين، إضافة إلى إلمامه بالأمور الدينية كافة والتي مكنته في تبني فكرة المصرفية الإسلامية والتي انطلقت قبل 42 عاماً»، لافتاً إلى أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل طلبت من الراحل ملخصاً عن الاقتصاد الإسلامي، كما كان شديد الحرص في عمله حتى آخر لحظات حياته.
ويروي بترجي، أن أحد الأئمة في الصين بادر بعد انتهاء الصلاة للحديث معهم عن دراسته في إحدى الدول والتي تكفل بها شخص سعودي يدعى صالح كامل، ولم يكن يعلم أن من يتحدث معهم كان بينهم كامل، حينما سألوه هل تعرفه فقال لا، فأشاروا له بأن هذا الذي تتحدث إليه بيننا هو صالح كامل، فابتهج وسُرّ كثيراً بلقائه وقدم له وافر الشكر.


مقالات ذات صلة

إنشاء 18 منطقة لوجيستية في السعودية باستثمارات تتجاوز 2.6 مليار دولار

الاقتصاد وزير النقل والخدمات اللوجيستية متحدثاً للحضور في «مؤتمر سلاسل الإمداد والخدمات اللوجيستية»... (الشرق الأوسط)

إنشاء 18 منطقة لوجيستية في السعودية باستثمارات تتجاوز 2.6 مليار دولار

كشف وزير النقل والخدمات اللوجيستية، المهندس صالح الجاسر، عن تسجيل الموانئ السعودية 231.7 نقطة إضافية على مؤشر اتصال شبكة الملاحة البحرية.

زينب علي (الرياض)
الاقتصاد رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للمعارض والمؤتمرات فهد الرشيد مع مسؤول في إحدى الشركات التي قررت افتتاح مكتبها في السعودية (الشرق الأوسط)

3 شركات عالمية لتنظيم المعارض تفتح مكاتبها في السعودية

قررت 3 من أكبر 10 شركات عالمية متخصصة في تنظيم المعارض، افتتاح مكاتبها في المملكة، إلى جانب توقيع 19 اتفاقية ومذكرة تفاهم لدعم صناعة الفعاليات.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد إحدى أسواق المنتجات الغذائية في السعودية (الشرق الأوسط)

التضخم في السعودية يسجل 2 % خلال نوفمبر الماضي على أساس سنوي

ما زال التضخم في السعودية الأقل ضمن مجموعة العشرين، وذلك بعد تسجيل معدل 2 في المائة خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، على أساس سنوي.

بندر مسلم (الرياض)
الاقتصاد وزير السياحة متحدثاً للحضور مع انطلاق النسخة الأولى من القمة الدولية للمعارض والمؤتمرات بالرياض (الشرق الأوسط)

وزير السياحة السعودي: الرياض تتجه لتصبح مركزاً عالمياً للمعارض والمؤتمرات

أكد وزير السياحة أحمد الخطيب، أنَّ الرياض تتجه لتصبح مركزاً عالمياً لقطاع المعارض والمؤتمرات، مع مشروعات تشمل مطارات جديدة، ومنتجعات، وبنية تحتية متطورة

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد وزير الصناعة والثروة المعدنية متحدثاً للحضور في «مؤتمر سلاسل الإمداد والخدمات اللوجيستية»... (الشرق الأوسط)

الخريف: قطاع إعادة التصدير السعودي ينمو ويسجل 16.2 مليار دولار عام 2024

كشف وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي، بندر الخريف، عن تسجيل بلاده صادرات بلغت 61 مليار ريال (16.2 مليار دولار) من قطاع إعادة التصدير خلال العام الحالي.

زينب علي (الرياض)

إنشاء 18 منطقة لوجيستية في السعودية باستثمارات تتجاوز 2.6 مليار دولار

وزير النقل والخدمات اللوجيستية متحدثاً للحضور في «مؤتمر سلاسل الإمداد والخدمات اللوجيستية»... (الشرق الأوسط)
وزير النقل والخدمات اللوجيستية متحدثاً للحضور في «مؤتمر سلاسل الإمداد والخدمات اللوجيستية»... (الشرق الأوسط)
TT

إنشاء 18 منطقة لوجيستية في السعودية باستثمارات تتجاوز 2.6 مليار دولار

وزير النقل والخدمات اللوجيستية متحدثاً للحضور في «مؤتمر سلاسل الإمداد والخدمات اللوجيستية»... (الشرق الأوسط)
وزير النقل والخدمات اللوجيستية متحدثاً للحضور في «مؤتمر سلاسل الإمداد والخدمات اللوجيستية»... (الشرق الأوسط)

أعلن وزير النقل والخدمات اللوجيستية السعودي، المهندس صالح الجاسر، عن تحقيق الموانئ تقدماً كبيراً بإضافة 231.7 نقطة في مؤشر اتصال شبكة الملاحة البحرية، وفق تقرير «مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد)» لعام 2024، إلى جانب إدخال 30 خطاً بحرياً جديداً للشحن.

كما كشف عن توقيع عقود لإنشاء 18 منطقة لوجيستية باستثمارات تتجاوز 10 مليارات ريال (2.6 مليار دولار).

جاء حديث المهندس الجاسر خلال افتتاح النسخة السادسة من «مؤتمر سلاسل الإمداد والخدمات اللوجيستية»، في الرياض، الذي يهدف إلى تعزيز التكامل بين أنماط النقل ورفع كفاءة الخدمات اللوجيستية، ويأتي ضمن مساعي البلاد لتعزيز موقعها مركزاً لوجيستياً عالمياً.

وقال الوزير السعودي، خلال كلمته الافتتاحية في المؤتمر، إن «كبرى الشركات العالمية تواصل إقبالها على الاستثمار في القطاع اللوجيستي؛ من القطاع الخاص المحلي والدولي، لإنشاء عدد من المناطق اللوجيستية».

يستضيف المؤتمر، الذي يقام يومي 15 و16 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، عدداً من الخبراء العالميين والمختصين، بهدف طرح التجارب حول أفضل الطرق وأحدث الممارسات لتحسين أداء سلاسل الإمداد ورفع كفاءتها. كما استُحدثت منصة تهدف إلى تمكين المرأة في القطاع من خلال الفرص التدريبية والتطويرية.

وأبان الجاسر أن منظومة النقل والخدمات اللوجيستية «ستواصل السعي الحثيث والعمل للوصول بعدد المناطق اللوجيستية في السعودية إلى 59 منطقة بحلول 2030، من أصل 22 منطقة قائمة حالياً، لتعزيز القدرة التنافسية للمملكة ودعم الحركة التجارية».

وتحقيقاً لتكامل أنماط النقل ورفع كفاءة العمليات اللوجيستية، أفصح الجاسر عن «نجاح تطبيق أولى مراحل الربط اللوجيستي بين الموانئ والمطارات والسكك الحديدية بآليات وبروتوكولات عمل متناغمة؛ لتحقيق انسيابية حركة البضائع بحراً وجواً وبراً، بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة، ودعم العمليات والخدمات اللوجيستية وترسيخ مكانة المملكة مركزاً لوجيستياً عالمياً».

وخلال جلسة بعنوان «دور الازدهار اللوجيستي في تعزيز أعمال سلاسل الإمداد بالمملكة وتحقيق التنافسية العالمية وفق (رؤية 2030)»، أضاف الجاسر أن «الشركة السعودية للخطوط الحديدية (سار)» تعمل على تنفيذ ازدواج وتوسعة لـ«قطار الشمال» بما يتجاوز 5 مليارات ريال (1.3 مليار دولار)، وذلك مواكبةً للتوسعات المستقبلية في مجال التعدين بالسعودية.

إعادة التصدير

من جهته، أوضح وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي، بندر الخريف، أن السعودية سجلت في العام الحالي صادرات بلغت 61 مليار ريال (16.2 مليار دولار) من قطاع إعادة التصدير، بنمو قدره 23 في المائة مقارنة بالعام الماضي، «وهو ما تحقق بفضل البنية التحتية القوية والتكامل بين الجهات المعنية التي أسهمت في تقديم خدمات عالية الكفاءة».

وأشار، خلال مشاركته في جلسة حوارية، إلى أن شركة «معادن» صدّرت ما قيمته 7 مليارات ريال (1.8 مليار دولار) من منتجاتها، «وتحتل السعودية حالياً المركز الرابع عالمياً في صادرات الأسمدة، مع خطط لتحقيق المركز الأول في المستقبل».

جلسة حوارية تضم وزير النقل المهندس صالح الجاسر ووزير الصناعة والثروة المعدنية بندر الخريف (الشرق الأوسط)

وبين الخريف أن البلاد «تتمتع بسوق محلية قوية، إلى جانب تعزيز الشركات العالمية استثماراتها في السعودية، والقوة الشرائية الممتازة في منطقة الخليج»، مما يرفع معدلات التنمية، مبيناً أن «قوة السعودية في المشاركة الفاعلة بسلاسل الإمداد تأتي بفضل الموارد الطبيعية التي تمتلكها. وسلاسل الإمداد تساهم في خفض التكاليف على المصنعين والمستثمرين، مما يعزز التنافسية المحلية».

وفي كلمة له، أفاد نائب رئيس «أرامكو السعودية» للمشتريات وإدارة سلاسل الإمداد، المهندس سليمان الربيعان، بأن برنامج «اكتفاء»، الذي يهدف إلى تعزيز القيمة المُضافة الإجمالية لقطاع التوريد في البلاد، «أسهم في بناء قاعدة تضم أكثر من 3 آلاف مورد ومقدم خدمات محلية، وبناء سلاسل إمداد قوية داخل البلاد؛ الأمر الذي يمكّن الشركة في الاستمرار في إمداد الطاقة بموثوقية خلال الأزمات والاضطرابات في الأسواق العالمية».

توقيع 86 اتفاقية

إلى ذلك، شهد «مؤتمر سلاسل الإمداد والخدمات اللوجيستية» في يومه الأول توقيع 86 اتفاقية؛ بهدف تعزيز أداء سلاسل الإمداد، كما يضم معرضاً مصاحباً لـ65 شركة دولية ومحلية، بالإضافة إلى 8 ورشات عمل تخصصية.

جولة لوزيرَي النقل والخدمات اللوجيستية والصناعة والثروة المعدنية في المعرض المصاحب للمؤتمر (الشرق الأوسط)

وتسعى السعودية إلى لعب دور فاعل على المستوى العالمي في قطاع الخدمات اللوجيستية وسلاسل التوريد، حيث عملت على تنفيذ حزمة من الإصلاحات الهيكلية والإنجازات التشغيلية خلال الفترة الماضية، مما ساهم في تقدمها 17 مرتبة على (المؤشر اللوجيستي العالمي) الصادر عن (البنك الدولي)، وساعد على زيادة استثمارات كبرى الشركات العالمية في الموانئ السعودية».