لبنان يتعهّد تطبيق مقررات «سيدر»

تشديد فرنسي على توفر التمويل وربطه بالمشروعات والإصلاحات

TT

لبنان يتعهّد تطبيق مقررات «سيدر»

تعهد رئيس الحكومة اللبنانية حسان دياب تطبيق مقررات مؤتمر «سيدر» الدولي الذي استضافته باريس قبل عامين لدعم الاقتصاد اللبناني، فيما أكد المبعوث الفرنسي المكلف متابعة المؤتمر، بيار دوكان، أن «(سيدر) لا يزال ملائماً، والتمويل له متوفر»، لكنه ذكّر المسؤولين اللبنانيين بأن التمويل مرتبط بالمشروعات والإصلاحات. وجاءت هذه المواقف خلال اجتماع عقد في السراي الحكومي ببيروت، أمس، لسفراء الدول المشاركة في المؤتمر لمتابعته بعد سنتين على عقده في باريس؛ حيث وعد بدعم لبنان بنحو 11 مليار دولار على شكل قروض وهبات. وقال دياب: «شددنا على مكافحة الفساد، ووضعنا خطة إنقاذ مالية، ولدينا رؤية للتوصل إلى اقتصاد صحيح، ونريد أن نطبق ما جاء في (سيدر)، وسنتمكن من ذلك». وأضاف أنه «بعد سنتين على (سيدر)، يحاول لبنان تعزيز وضعه تجاه المجتمع الدولي، وسنعمل قصارى جهدنا لتطبيق هذا الالتزام والتوصل إلى إنعاش الاقتصاد».
من جهته، أعلن دوكان أن «(سيدر) لا يزال ملائماً، وهو عقد يقوم على المشروعات والإصلاحات والتمويل». وكشف أن التمويل متوفر كي تنفذ المشروعات وتنجح الإصلاحات، مشدداً على أنه «يجب أن ننفذ (سيدر) وهذا ما يجمعنا اليوم وسننفذه معاً... التنسيق هو المفتاح في لبنان بين الأطراف غير الحكومية، ولا سيما ممثلي المجتمع المدني والقطاع الخاص، كما أنه لا بد من التنسيق مع البرلمان للموافقة على المشروعات، على أن تكون الموافقة جماعية أو قطاعية». وشدّد على «ضرورة مواصلة الاهتمام بالإصلاحات وعلى الشفافية والعمل على إدارة عامة متطورة تساهم في مكافحة الفساد واستكمال التدابير التي تضمن المشاركة بين القطاعين العام والخاص». ورأى أن «لبنان بحاجة إلى استثمارات، ولا سيما في البنى التحتية، وهذا سيسمح بإنعاش مستدام للاقتصاد اللبناني، والاستثمارات بحاجة إلى طاقة كهربائية، ويجب أن تكون مؤمنة بشكل متواصل. إصلاح الكهرباء أساسي، ويقتضي حوكمة وشفافية».
وقال السفير الفرنسي في بيروت، برون فوشيه، إن «هذا الاجتماع هو فرصة لإقناع المشاركين قدر الإمكان، والأولوية هي تقدم المفاوضات مع صندوق النقد بشكل سريع، والأسابيع المقبلة ستكون مهمة لمواصلة النقاشات في الخطة والأمور المالية». وأضاف أن «(سيدر) هو اتفاق ثلاثي من مشروعات وإصلاحات وتمويل، ولا يمكن الفصل بين هذه الأمور، وهناك ضرورة لإنشاء موقع إنترنت لـ(سيدر) وقائمة بالإصلاحات بصيغتها التشريعية، وستكون هناك اجتماعات أخرى، ونأمل أن نكون قد حققنا نجاحات».
وأشارت نائبة رئيس الحكومة وزيرة الدفاع، زينة عكر، إلى أن «الحكومة نشّطت آلية المتابعة مع المانحين وجهات أخرى، ما سيسمح بالتوصل إلى توافقات، وفي يونيو (حزيران) المقبل ستكون لنا لائحة بالمشروعات وفق الأولويات». ولفتت إلى أن «الأولوية لملف الكهرباء، والحكومة ملتزمة تطبيق التزامات (سيدر)».
ولفت وزير الطاقة والمياه، ريمون غجر، إلى «العجز لدى لبنان على المستوى المالي، ولذلك لا نوفر الطاقة على مدى اليوم، والعجز المالي هو لتغطية كلفة المحروقات، ويتراوح بين 900 مليون و2.2 مليار دولار، وذلك بحسب أسعار النفط». وأكد «العمل على إيجاد حل مستدام في قطاع الكهرباء».
لكن لا يمكن تحديد تاريخ لذلك، وعلينا أن نقوم بمناقصات شفافة».
ووعد بتعيين «مجلس إدارة جديد لشركة كهرباء لبنان، ووصَلَنا أكثر من 200 طلب، وبقي بالتصفية 23 وسأقابلهم شخصياً لأرفع فيما بعد الأسماء إلى الحكومة، وعندما نحصل على الضوء الأخضر وفق القانون الجديد سنبدأ باختيار أعضاء الهيئة الناظمة».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.