حملات حوثية تغلق الأسواق والمتاجر لإجبار ملاكها على دفع الإتاوات

تبرعات إجبارية في صنعاء باسم «كورونا» ومصادرة هواتف الأطباء

يمني يسير وسط صنعاء (إ.ب.أ)
يمني يسير وسط صنعاء (إ.ب.أ)
TT

حملات حوثية تغلق الأسواق والمتاجر لإجبار ملاكها على دفع الإتاوات

يمني يسير وسط صنعاء (إ.ب.أ)
يمني يسير وسط صنعاء (إ.ب.أ)

تواصل الميليشيات الحوثية تخبطها في التعامل مع تفشي وباء «كوفيد19» في العاصمة صنعاء ومناطق أخرى تحت سيطرتها، في حين لا تزال تكثف عبر مشرفيها حملات النهب والتعسف والإغلاق بحق المراكز والمحال والأسواق التجارية وبائعي الأرصفة بهدف جمع مزيد من الأموال ضمن استغلالها المستمر للجائحة.
وفي السياق، أكدت مصادر محلية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، إغلاق الميليشيات في سياق حملاتها الابتزازية التي بدأتها قبل أكثر من أسبوعين بناء على توجيهات قادتها، نحو 172 محلاً تجارياً و7 أسواق تجارية، إلى جانب استهداف المئات من الباعة المتجولين تحت أسماء عدة؛ منها المخالفة المزعومة للتعليمات الصحية.
وقالت المصادر إن معظم المحال التجارية التي أغلقتها الميليشيات الانقلابية، سرعان ما أعادت فتحها مرة أخرى بعد دفع أصحابها مبالغ مالية لمشرفي الجماعة.
وعلى صلة بالموضوع، كشف شهود في صنعاء عن أن من بين الأسواق التي طالتها خلال اليومين الماضيين حملات الإغلاق الحوثية: سوق شميلة، وسوق السنينة، وسوق الوحدة بحزيز، وسوق همدان، وسوق هائل، وسوقي بابي اليمن والسباح.
عقال الحارات والتبرعات
أكد عاملون في سوقي «السنينة» و«الوحدة» بصنعاء، لـ«الشرق الأوسط» أن مشرفي الجماعة أغلقوا السوقين لمدة يوم واحد، ثم أعادوا فتحهما عقب دفع ملاكهما مجبرين إتاوات مالية للميليشيات قدرت بمليون ريال للمحل الواحد (الدولار نحو 600 ريال).
وفي سياق استمرار الانقلابيين، المسنودين من إيران، في اتخاذ «كورونا» وسيلة جديدة لاستهداف اليمنيين ونهب مزيد من أموالهم، كانت الإدارة العامة للعمليات الحوثية التي يديرها القيادي حمود عباد أصدرت في غضون أسبوع 4 تعميمات وصفت بالمهمة جداً وتستهدف جميعاً الأسواق والمحال التجارية في صنعاء. وحضّ آخر تعميم حوثي مشرفي الجماعة ومديري المديريات ومناطق الأشغال العامة على تكثيف النزول الميداني للأسواق والشوارع والبدء في إغلاق محال ومراكز بيع الملابس ورفع «تقرير ميداني هاتفي يومي بما يتم إنجازه».
وعقب تلك الحزمة من التوجيهات الحوثية، باشر مسلحو الجماعة حملة إغلاق واسعة طالت مراكز تجارية وأسواقاً شعبية في العاصمة صنعاء تحت مبررات التعقيم، وعدم الالتزام بالتعليمات الصحية. وشكا ملاك محال تجارية في أسواق شميلة وباب اليمن وهايل والسنينة، من استغلال الجماعة «كورونا» لابتزازهم عبر مشرفيها ومسلحيها الذين تسلطهم بصورة دائمة على رقابهم للبطش بهم والتعدي ممتلكاتهم.
وأكد البعض منهم، في أحاديث مع «الشرق الأوسط»، تعرض محالهم للإغلاق بحجة مخالفتهم الإرشادات بعد امتناعهم عن دفع مبالغ مالية لصالح المشرفين من دون أي وثائق أو سندات رسمية.
ولم يكن سكان الأحياء في صنعاء العاصمة بمنأى عن تلك الأساليب الحوثية، فقد وجهت الجماعة في الحين ذاته عقال الحارات بالبدء في جمع جبايات مالية من الأهالي لتوفير مستلزمات تعقيم الشوارع والحارات.
وأكد سكان لـ«الشرق الأوسط» أن عقال الحارات بمديريتي معين والثورة طلبوا من الأهالي جمع تبرعات مالية لتوفير مستلزمات تعقيم الأحياء والشوارع بناء على تعليمات من قيادات في الجماعة.
وبحسب السكان، باشر المدعو قناف المروني، وهو عاقل حارة بحي الحصبة شمال صنعاء، حملة جمع إتاوات بحجة توفير مستلزمات التعقيم والحماية.
وعدّ السكان أن الخطوة الحوثية هذه ليست مختلفة عن تلك الخطوات السابقة التي اعتمدت الجماعة عبرها على عقال الحارات في توزيع الغاز والتجنيد الإجباري والجبايات المالية والعينية.
ومع الدعم الكبير الخاص بمكافحة «كورونا» الذي قدمته مؤخراً منظمة الصحة العالمية وتسلمته الجماعة بصورة مباشرة، يشير السكان إلى أن الميليشيات تواصل استعطافها وتظاهرها بالعجز وقلة الإمكانات وفرض التبرعات الإجبارية على الأهالي، في حين أن الجماعة لا تزال تكدس كميات ضخمة من المعقمات والأدوية وكل ما يتعلق بمكافحة الفيروس بمخازنها للاتجار بها وسط الانتشار المتزايد للحالات المصابة.
تكتم على الإصابات والوفيات
وبينما يواصل الانقلابيون في صنعاء ومدن أخرى استثمار تفشي «كورونا» في جمع الجبايات، والتستر على انتشار الوباء دون اتخاذ الإجراءات السليمة، تستمر الجماعة من جهة ثانية في التكتم المتعمد على المعلومات الحقيقية لعدد المصابين، وتمارس حيال ذلك كل أساليب القمع والإرهاب بحق الأطباء والمستشفيات والمواطنين الذين ينشرون معلومات عن وجود إصابات.
وكشفت مصادر طبية في صنعاء عن احتجاز الميليشيات هواتف الطواقم الطبية العاملة بمستشفيات «الثورة» و«الجمهوري» و«زايد» و«الكويت» بذريعة منعهم من نشر المعلومات عن حالات الإصابة بـ«كورونا».
وتحدثت المصادر الطبية عن حالة واسعة من الترهيب والقمع والتهديد يتعرض لها الأطباء والعاملون الصحيون في تلك المشافي الحكومية الخاضعة للجماعة.
وتقول مصادر لـ«الشرق الأوسط» إن حالة الرعب من الإصابة بفيروس «كورونا المستجد» اجتاحت صنعاء وبقية المناطق الخاضعة للجماعة الحوثية مع تكدس حالات الإصابة في مستشفيات العزل الطبي واستمرار الجماعة في تكتمها على المعلومات الحقيقية لخدمة أجندتها الانقلابية.
وفي حين اتهم وزير الإعلام في الحكومة اليمنية معمر الإرياني الجماعة الحوثية بالاستيلاء على معدات طبية مرسلة إلى مناطق الجماعة، اعترف وزير الجماعة للصحة طه المتوكل بتسجيل إصابتين جديدتين قال إنهما تماثلتا للشفاء.
وزعم المتوكل خلال مؤتمر صحافي عقده في صنعاء (السبت) أن الحالتين المسجلتين تعودان لرجل يبلغ 45 عاماً وامرأة تبلغ 38 عاماً، وهو ما يعني ارتفاع الإصابات إلى 4 حالات في منطقة سيطرة الجماعة، رغم التسريبات بوجود ما يزيد على 100 إصابة إلى جانب كثير من الوفيات جراء الإصابة بالفيروس التاجي.
وأكد ناشطون وأطباء في مناطق سيطرة الجماعة على وجود ما وصفوها بـ«الحالة الكارثية» بعد أن أصبح المصابون يتساقطون في الشوارع جراء إصابتهم المحتملة بالتزامن مع التدابير القمعية والتعسفية التي تقوم بها الميليشيات للتكتم على الحالات المصابة ومعاملة المرضى وذويهم على أنهم «مجرمون».
ترهيب الأطباء
ورغم توتر العلاقة بين الجماعة ومنظمة الصحة العالمية بسبب التكتم على بيانات الإصابات وعدم الشفافية، فإن الجماعة لم تلجأ لاتخاذ أي خطوات احترازية جدية، من قبيل إغلاق الأسواق المكتظة وفرض التباعد الاجتماعي، وذلك في سياق أهداف الجماعة لجباية أموال الزكاة والضرائب والحفاظ على مواردها المالية، بحسب ما يؤكده مراقبون للأوضاع الصحية في صنعاء.
ومع وجود حالة من الرعب بين سكان العاصمة المختطفة، ليس خشية الإصابة بالفيروس فحسب؛ ولكن من التدابير الحوثية المتبعة؛ فإن الناشطين اليمنيين يؤكدون أن الجماعة لا تقوم بإرسال الفرق الطبية لحالات الاشتباه بالإصابة، ولكنها ترسل عناصر الأجهزة الأمنية الخاضعة لها.
ومع قيام الجماعة بحفر قبور وإقامة جنازات سرية في صنعاء وإب، تكهن سكان في العاصمة لـ«الشرق الأوسط» بأن الجماعة الحوثية تقوم بتصفية المرضى في مستشفيات العزل وتقوم بدفنهم والتشديد على ذويهم للتكتم على الوفاة. وكانت وكالة «أسوشييتد برس» كشفت في تقرير حديث لها عن أن الجماعة الحوثية تغطي عدداً متزايداً من الحالات المصابة بـ«كورونا» في مناطق سيطرتها لحماية اقتصادها وقواتها، وهو ما يزيد من سيناريو الكابوس الذي ينتشر فيه الفيروس بسرعة في بلد ليست لديه القدرة على مقاومته تقريباً.
إلى ذلك؛ أفاد أطباء ومسؤولون بأن الحوثيين رفضوا الكشف عن نتائج اختبارات إيجابية، ويمارسون الترهيب على الطاقم الطبي والصحافيين وأفراد الأسر الذين يحاولون التحدث عن الحالات. ونسبت الوكالة إلى ألطف موساني قوله إن منظمة الصحة العالمية تتوقع - في أحد السيناريوهات - أن تتم إصابة نصف سكان اليمن البالغين، 30 مليون نسمة، ووفاة أكثر من 40 ألفاً. وأبدى مايكل رايان مدير إدارة الطوارئ في منظمة الصحة العالمية، قلقه من ارتفاع عدد الإصابات بفيروس «كورونا» في شمال وجنوب البلاد، مضيفاً أن المنظمة تعمل مع شركائها في اليمن، فضلاً عن إنشائها 26 مركزاً لخدمات العزل والفحص وتدريب الكوادر الصحية، منها 10 في الشمال، و13 في الجنوب، بالإضافة إلى 4 خطوط اتصال ساخن، وتدريب 300 فريق للاستجابة، مشيراً إلى أنهم بحاجة إلى ألف فريق آخر ليتمكنوا من تتبع الحالات.


مقالات ذات صلة

تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

العالم العربي  فعالية حوثية في صعدة التي تشهد حملة اختطافات واسعة لسكان تتهمم الجماعة بالتجسس (إعلام حوثي)

تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

بينما تفرج الجماعة الحوثية عن عدد من المختطفين في سجونها، تختطف مئات آخرين بتهمة التخابر وتبث اعترافات مزعومة لخلية تجسسية.

وضاح الجليل (عدن)
خاص الرئيس اليمني رشاد العليمي خلال استقبال سابق للسفيرة عبدة شريف (سبأ)

خاص سفيرة بريطانيا في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»: مؤتمر دولي مرتقب بنيويورك لدعم اليمن

تكشف السفيرة البريطانية لدى اليمن، عبدة شريف، عن تحضيرات لعقد «مؤتمر دولي في نيويورك مطلع العام الحالي لحشد الدعم سياسياً واقتصادياً للحكومة اليمنية ومؤسساتها».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

أظهرت بيانات حديثة، وزَّعتها الأمم المتحدة، تراجعَ مستوى دخل الأسر في اليمن خلال الشهر الأخير مقارنة بسابقه، لكنه كان أكثر شدة في مناطق سيطرة الحوثيين.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

ضاعفت الجماعة الحوثية من استهدافها الأكاديميين اليمنيين، وإخضاعهم لأنشطتها التعبوية، في حين تكشف تقارير عن انتهاكات خطيرة طالتهم وأجبرتهم على طلب الهجرة.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني ومحافظ مأرب ورئيس هيئة الأركان خلال زيارة سابقة للجبهات في مأرب (سبأ)

القوات المسلحة اليمنية: قادرون على تأمين الممرات المائية الاستراتيجية وعلى رأسها باب المندب

أكدت القوات المسلحة اليمنية قدرة هذه القوات على مواجهة جماعة الحوثي وتأمين البحر الأحمر والممرات المائية الحيوية وفي مقدمتها مضيق باب المندب الاستراتيجي.

عبد الهادي حبتور (الرياض)

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.