بدأ الأمر برمته في وقت مبكر من الشهر الحالي، إذ شرعت وسائل الإعلام الهندية في نشر تقارير أحوال الطقس في مناطق إقليم كشمير الخاضعة للسيطرة الباكستانية، ضمن نشرات الأخبار الخاصة بالهند. حيث وضعت إدارة الأرصاد الجوية الهندية مناطق غيلغيت بالتيستان، ومظفر آباد، وميربور ضمن الإقليم الفرعي المنبثق عن جامو وكشمير. وحتى لا تتفوق الهند عليها، شرعت باكستان كذلك في نشر هي الأخرى تقارير الأحوال الجوية الخاصة بالمناطق الخاضعة للسيطرة الهندية في إقليم جامو وكشمير.
كانت التوترات ما بين الجانبين في حالة من التصاعد في الآونة الأخيرة، حيث لم يشهد الجانب السياسي أي محادثات ثنائية بينهما منذ عام 2016 وحتى الآن.
- التوترات الأخيرة
تحولت منطقة غيلغيت بالتيستان إلى ما يشبه بؤرة الاشتعال الأخيرة في العلاقات المتصدعة بالفعل بين البلدين، وذلك إثر قرار المحكمة العليا الباكستانية بإخطار المدعي العام لمنطقة غيلغيت بالتيستان بشأن تعديل الأمر الحكومي الخاص بالمنطقة الصادر في عام 2018، والمعني بإجراء الانتخابات المحلية. وكانت الحكومة الباكستانية تواصل محاولات فصل تلك المنطقة من كشمير، ومعاملتها كمنطقة منفصلة تماماً عن بقية الإقليم.
وتعتبر منطقة غيلغيت بالتيستان من المناطق عالية الارتفاع جغرافياً، وتقطنها أغلبية شيعية. وعندما باعت الحكومة البريطانية إقليم جامو وكشمير إلى الملك دوغرا في عام 1846، اعتبرت منطقة غيلغيت بالتيستان ضمن الصفقة نفسها أيضاً. وفي عام 1935، سيطرت الحكومة البريطانية على المنطقة بموجب تعاقد للإيجار تبلغ مدته 60 عاماً من ملك دولة جامو وكشمير، وذلك بغرض استمرار مراقبة المد الشيوعي للاتحاد السوفياتي السابق. وقامت الحكومة البريطانية، قبل مغادرة الهند، بإلغاء عقد الإيجار، وأعادتها مرة أخرى إلى المهراجا. وعندما قامت باكستان بغزو كشمير في أكتوبر (تشرين الأول) من عام 1947، اتخذ البريطاني ويليام براون - المسؤول العسكري هناك وقتذاك - الموقف المؤيد لباكستان، ومنذ ذلك الحين وتلك المنطقة خاضعة لسيطرة الحكومة الباكستانية، ولكن من دون أي وثائق أو مستندات تثبت أحقيتها في ذلك. وعلى الرغم من السيادة «الإدارية»، التي تفرضها إسلام آباد على تلك المنطقة منذ عام 1947، لا تزال منطقة غيلغيت بالتيستان من بؤر النزاع المشتعلة بين الهند وباكستان، وبالتالي لم يتم دمجها على نحو رسمي في باكستان حتى الآن. وجرى تمرير أمر المحكمة العليا الباكستانية بشأنها في محاولة من قبل إسلام آباد، لدمج المنطقة المتنازع عليها كمحافظة باكستانية، ولقد رفضت الحكومة في نيودلهي كافة التحركات المتخذة على هذا المسار.
- الصين ورد الفعل الهندي
في عام 1963، تخلت إسلام آباد عن سيطرتها على وادي شاكسغام في منطقة غيلغيت بالتيستان إلى الصين، التي تنامت مصالحها في تلك المنطقة على مر العقود. ومن المقرر أن يمر قطاع من الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني عبر هذه المنطقة.
وأعربت الحكومة الهندية عن احتجاج شديد اللهجة ضد القرار الباكستاني، وطالبت إسلام آباد بإخلاء المنطقة المذكورة على الفور. ولقد تحركت باكستان عبر المساعي الدبلوماسية. وأعلنت وزارة الشؤون الخارجية الهندية، في بيانها، أن الحكومة أو الهيئة القضائية الباكستانية ليس لها حق المثول الرسمي على الأراضي المحتلة بصفة قسرية وغير قانونية. وكان البرلمان الهندي قد أصدر عام 1994 قراراً بالإجماع يقضي بأن المناطق الخاضعة إدارياً لباكستان في إقليم كشمير تنتمي بالأساس إلى السيادة الهندية، وهي تحت الاحتلال القسري غير القانوني من جانب باكستان.
وقال شارات سابهاروال، المفوض السامي الهندي الأسبق لدى باكستان، مصرحاً لصحيفة «ذا برنت» الهندية، «تواصل باكستان التغيير من وضعية منطقة غيلغيت بالتيستان. وليس هذا بالأمر الجديد علينا. ويريد سكان المنطقة الحصول على كافة الحقوق مثل أي مواطن باكستاني عادي. ومن الناحية العملية، تواصل إسلام آباد إدارة المنطقة بإحكام حتى اليوم. ولكنه، بعد كل شيء، لا تزال من المناطق محل النزاع المشترك بين الهند وباكستان. ولقد حاولت نيودلهي المحافظة عليها كجزء من الأراضي الهندية».
كانت الهند قد شهدت بعض التطورات الحاسمة فيما يتعلق بقضية جامو وكشمير، إلى جانب الاضطرابات الوطنية التي تمخضت عن انتشار وباء «كورونا» الأخير. وفي الشهر الماضي، اعتمدت الحكومة الهندية سياسة إسكانية جديدة لاتحاد إقليم جامو وكشمير المنشأ حديثا - ذلك بعد مرور ما يقرب من 9 شهور على إلغاء الحكومة الهندية للمادة رقم 370 من الدستور الهندي التي كانت تمنح الإقليم وضعية خاصة. وخلال الشهر الحالي، قامت قوات الأمن الهندية بالقضاء على القيادة العليا لجماعة «حزب المجاهدين» الإرهابية في كشمير. ولقد وقع هجوم إرهابي كبير في هاندوارا، عندما سقط بعض ضباط الجيش الهندي صرعى خلال الشهر الحالي.
وفي خطوة استراتيجية أخرى، قال الجنرال مانوج موكوند نارافان، قائد الجيش الهندي، في أول مؤتمر صحافي يعقده بعد توليه مهام منصبه الجديد، إن الجيش الهندي معني باتخاذ الإجراءات المناسبة لاستعادة المناطق التي تحتلها باكستان من إقليم كشمير، إذا ما تلقى الجيش الأوامر بذلك من الحكومة الهندية.
ولقد أصدرت الحكومة الهندية في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي خرائط جديدة تعرض الجانب الباكستاني من كشمير كجزء من اتحاد إقليم جامو وكشمير، المنشأ حديثاً، بقرار الحكومة الهندية، في حين بقيت منطقة غيلغيت بالتيستان ضمن اتحاد إقليم لاداخ بعد التشعب الجغرافي الهندي الجديد.
وقالت صحيفة «تايمز ناو» الهندية، في مقال لها، «إنها رسالة تكتيكية تبعث بها حكومة ناريندرا مودي إلى إسلام آباد في أعقاب هجوم هاندوارا الإرهابي، والمناوشات التي جاءت بعده. ولقد قررت الحكومة الهندية اتخاذ الإجراءات الصارمة في مواجهة باكستان التي صعّدت من حدة التوترات ضد المصالح الهندية في أفغانستان إثر استغلالها قرار الولايات المتحدة بسحب قواتها العسكرية من أفغانستان غير الساحلية».
وتعد الخطوة الهندية الأخيرة بمثابة رسالة موجهة أيضاً إلى بكين، التي تحتل جزءاً من الأراضي، وتمارس الاستثمارات المتنوعة في المناطق الخاضعة لسيطرة باكستان في إقليم كشمير، بما في ذلك الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان. وذكرت عدة مصادر مطلعة أن الاحتجاجات الرسمية الصادرة عن نيودلهي إلى إسلام آباد، وإلى بكين، لم تلق آذاناً صاغية خلال الأعوام الماضية. كانت الحكومة الهندية، على مدى السنوات القليلة الماضية، قد بعثت باحتجاجات رسمية قوية اللهجة ضد مجريات الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان، لأنه يمثل انتهاكاً مباشراً للسيادة الوطنية الهندية.
- رد الصاع بالصاع
رفضت الحكومة الباكستانية الخطوة المتخذة أخيراً من جانب نيودلهي عبر بث تقارير الطقس في مناطق ميربور، ومظفر آباد، وغيلغيت، ووصفت الأمر بأنها من الإجراءات الباطلة من الناحية القانونية والرامية إلى تغيير وضعية المنطقة.
وذكرت وزارة الخارجية الباكستانية، في بيان لها، أنه على غرار «الخرائط السياسية» التي أصدرتها الهند في العام الماضي، فإن هذه الخطوة تعتبر باطلة من الناحية القانونية، على العكس من الواقع المعروف، كما أنها تعد انتهاكاً لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة. ووصفت الأمر بأنه مجرد تصرف جديد من التصرفات الهندية غير المسؤولة.
وحثت الحكومة الباكستانية، مختلف بلدان العالم المعنية، على العمل على وقف الجموح الهندي فيما يتعلق بكشمير المحتلة، ومنطقة غيلغيت بالتيستان، ذلك الذي يهدد السلام والاستقرار الإقليمين. وصرح السيد شاه محمود قريشي، وزير الخارجية الباكستاني، بأن الهند تواصل تصعيد التوترات في الوقت الذي ينشغل العالم بأسره في مكافحة وباء فيروس كورونا.
كان فاروق حيدر خان، رئيس الوزراء المعين من قبل إسلام آباد لإدارة إقليم كشمير، قد طلب من رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، الهجوم على الهند، وقال في تصريحه: «التصريحات الجوفاء لن تسفر عن نتيجة ملموسة الآن، ويتعين على السيد عمران خان التدخل الفوري، وتوجيه الأوامر للقوات المسلحة الباكستانية بشن الهجوم على دولة الهند المجاورة. فمن واجبه الوطني حماية إخوانه وأخواته في الإقليم، وانظروا إلى ما وصلت إليه الأمور الآن، إنهم ينشرون تقارير الأحوال الجوية عن كشمير في وسائل الإعلام لديهم».
حرب «الأحوال الجوية» تزيد التوتر بين الهند وباكستان
الخصمان النوويان يسيسان الطقس في السيادة الجغرافية على كشمير
حرب «الأحوال الجوية» تزيد التوتر بين الهند وباكستان
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة