أيام بيكيت الأخيرة تُلهب خيال مايليس بيسيير في {الزمن الثالث}

الرواية الفائزة بجائزة «غونكور» الفرنسية

مايليس بيسيير
مايليس بيسيير
TT

أيام بيكيت الأخيرة تُلهب خيال مايليس بيسيير في {الزمن الثالث}

مايليس بيسيير
مايليس بيسيير

أصبح لجائزة غونكور الفرنسية الأدبية الرفيعة الآن أربعة فروع، فاز بها أربعة كتّاب وكاتبات: جائزة الرواية الأولى، فازت بها الصحافية الإذاعية مايليس بيسيير عن روايتها «الزمن الثالث»، - منشورات غاليمار -، وجائزة القصة القصيرة التي فازت بها الكاتبة آنا سيير عن مجموعتها القصصية «في قلب الصيف الذهبي»، - دار ميكور دي فرانس -، وجائزة السيرة الذاتية التي فاز بها تيري توماس عن كتابه «هيجو - برات سيرة متشابهة»، - دار غراسيه -، وجائزة الشعر التي فاز بها الشاعر المعروف ميشيل ديغييه عن أعماله الكاملة.
تبدأ الروائية الفرنسية مايليس بيسيير روايتها «الزمن الثالث» هكذا: «كان يلوح من بعيد مبنى أبيض، وهو دار العجزة الذي يحمل اسم (لي تييرز تان) أي، الزمن الثالث، في شارع ريمي ديمونسيل في الدائرة الرابعة عشرة لباريس، حيث تنتصّب شجرة قائمة لوحدها في قلب الفناء. نزلاء دار العجزة ينظرون بعين الشك والريبة إلى هذا العجوز المتقاعد الذي اسمه صموئيل بيكيت، ذي الوجه المظلم المليء بالتجاعيد والثقوب».
صموئيل بيكيت أسطورة الأدب والخيال في فرنسا والعالم، هذا العملاق الذي خلّدت مسرحيته «في انتظار غودو» اسمه في أذهان الفرنسيين والعالم حتى ذهب عنوانها مثلاً شعبياً عن الخواء واللاجدوى والعبث. وكان الوسط الأدبي يطلق على بيكيت الآيرلندي، الذي هاجر إلى فرنسا، لقب «الوحش المقدس لأدب القرن العشرين»، وهو الحاصل على جائزة نوبل عام 1969 عن أعماله، لطالما أثار جدلاً كبيراً عندما فضّل خيار اللغة الفرنسية للكتابة، والتخلي عن لغته الأم الإنجليزية جزئياً، كما فعل الفيلسوف إيمانويل سيوران الذي سيصبح صديقاً له وسيلتقيان بانتظام في باريس عبر مناقشات مكثفة، باعتباره أحد رواد مسرح العبث إلى جانب مؤلفين مشهورين آخرين أمثال يوجين يونيسكو، وجان جينيه وآرثر آدموف.
صموئيل بيكيت الذي اخترع أسلوبه المتفرّد، استطاع أن يلعب بكلمات اللغة التقليدية ويُخرجها من رتابتها المعهودة، جاعلاً من حياته سيرة إبداعية وشكلاً من أشكال الكتابة.
من هذا المنطلق، ألهبت الأيام الأخيرة التي عاشها في دار العجزة خيال الصحافية الإذاعية مايليس بيسيير، لتكتب روايتها الأولى، مستوحية عنوان روايتها من اسم دار العجزة «الزمن الثالث». وتخيلت حياة بيكيت اليومية في جميع تفاصيلها، حيث عاش مجهولاً، وعجوزاً مهملاً، وكأنه ينتظر موت أحد شخصيات رواياته ومسرحياته، لكنه في الواقع، كان ينتظر موته الخاص، ويتجه نحو الصمت الأبدي.
لم تنسخ الكاتبة الوقائع اليومية لحياة الكاتب، بل أبدعت حياة موازية متخيلة لكاتب عظيم يجد نفسه عاجزاً ووحيداً ومهملاً، هذا الذي شغل الناس بإبداعاته في باريس والعالم.
لقد حققت مؤلفة الرواية التوازن الملائم بين الخيال والواقع، من دون فصلهما، بل جعلت القارئ في حالة تشويق لمعرفة أيامه الأخيرة، التي لم يتناولها أحد سوى هذه الرواية. إنه الآن في سن الشيخوخة - 83 عاماً - انسحب من الحياة العامة، وانطوى على نفسه، في عزلة رهيبة، كما عاشها في سائر أيامه، ولكنها الآن أكثر سواداً. وهو يكتشف بنفسه الفكرة التي دارت حولها موضوعات أعماله: العبث واللاجدوى من الحياة. وتنتقل رواية «الزمن الثالث» إلى ذكرياته مع سوزان، زوجته المخلصة، التي أحبّها بيكيت من أعماقه، وتزوج منها في عام 1961. وكانت سنداً له، فلم تمل من طرق أبواب الناشرين من أجل نشر أعماله في البدايات الأولى، بل وتخلت عن مهنتها الموسيقية، وكرست نفسها بالكامل للاهتمام به، وهي تكبره بست سنوات إذ توفيت عن عمر يناهز الـ88 من عمرها في عام 1989 أي قبل خمسة أشهر من رحيله، حيث دُفن بيكيت إلى جوارها في مقبرة مونبرناس في باريس.
وتصور الروائية كيف أن هذا الرجل بدأ يتدهور في أواخر أيامه، وهو الذي كان رياضياً، معتاداً على المشي، فقد أخذ جسده القوي والنحيف يذبل يوماً بعد آخر، حتى كان يردد كما في الرواية: «لا أسمح لنفسي بالتدهور ولا أحاول تخفيف الروابط العزيزة علي، أنا ببساطة رجل عجوز، مرهق ومتعب، تتناهى إلى أسماعي أغنية حفار القبور».
أصبحت أعراض الشيخوخة تبدو عليه بوضوح، وهو يخضع لرعاية الدكتور سيرجنت، وهو أحد أصدقائه، ومرضه هو إصابته بانتفاخ الرئة والانهيار المتكرر، وفقدان الوعي، ولذلك جذر وراثي عائلي من مرض (باركنسون) أو الخرف من جهة الأم، كما كشفت الروائية. ورغم هشاشته الجسدية، كان يصارع الموت، مردداً: «ماذا يمكن أن تطلب عن رجل منهار؟» في هذه الأيام الأخيرة، أدرك بيكيت أن نهايته اقتربت، ومصيره ليس بعيداً عن فحوى مسرحيته: نهاية اللعبة!
نجحت الكاتبة، في روايتها الأولى، في لملمة حياة بيكيت، ووضعها في قالب شعري روائي، ولغة ماهرة ومختصرة ودقيقة، متذكرة الأشخاص الذين صاغوا حياة الكاتب، وعلى الخصوص جيمس جويس، صاحب الأثر الخالد «يوليسيس»، الذي فقد عمله سكرتيراً خاصاً له، ثم أصبحا أفضل صديقين في تاريخ الأدب. وكان القاسم المشترك بينهما حب اللغة، وشغفهما في حب دانتي والكتاب المقدّس والتمرد على القساوسة. وامتدت صداقة بيكيت إلى مرافقة جويس في جميع نزهاته ورحلاته، وتحوله إلى صديق لعائلته، زوجته وأبنائه لوسيا وجورجيو.
تتدفق رواية «الزمن الثالث» في محاكاة موازية لما كتبه صموئيل بيكيت من حوارات داخلية وأسلوب تيار الوعي، بحيث نتخيّل أن بيكيت هو الذي يكتب الرواية عن أيامه الأخيرة، وهذه الحرفية جعلت من الرواية أكثر تكثيفاً وإيجازاً ودقة، وأقرب إلى روح بيكيت وأعماله. هي رواية صغيرة لم تتجاوز 182 صفحة، لكنها مؤثرة ونابضة بالحياة، تجمع بين المسرحية والرواية، وكأننا أمام مسرح حي، فها هي شخصياته الأثيرة تظهر «مالون» في روايته «مالون يموت» أو شخصية «فلاديمير» البطل المُصاب بالعجز في مسرحية «في انتظار غودو». هكذا سيطر صوت بيكيت على الرواية بكاملها وهو يغوص في أعماق حياته، كأننا نقرأ مونولوجاً طويلاً نابعاً من ذات الكاتب الراحل، ومن مزيج أعماله في العبث واللاجدوى، وهو جزء من مسرح العبث الذي كان أحد رواده.
زمن الرواية هو خمسة أشهر من أيام بيكيت الأخيرة، حيث يتحول دار العجزة إلى ما يشبه المسرح، لا يسمع فيه أي شيء سوى صوت سوزان زوجته الراحلة، وصوت جيمس جويس، وجيروم ليندن، ناشره، الذي يقرأ في المترو مخطوطة روايته «مولي»، وهو يقهقه، وكذلك صوت جيرانه الذي يصرخ، لأن قناع الأكسجين وقع منه، وتظهر له أمه «ماي» ويردد: «كان علي أن أقتلها قبل الولادة»!
حاولت الروائية مايليس بيسيير أن تشتبك مع نصوص بيكيت، وتستخرج محتواها الوجودي الأنطولوجي. إنها ليست سيرة لبيكيت بل رواية عنه، تمتزج فيها الفكاهة السوداء والسخرية، والأيام الرتيبة، والذكريات، والعزلة. كلها عناصر تشكّل مجرى هذه الرواية المتفردة، والغريبة، والمبدعة.

- مقطع من الرواية
«لطالما كانت سوزان تجري إلى جانبي طويلاً. عبر الغابة، على الأوراق الميتة والنديّة، نطأ بأقدامنا الجذور المدفونة في الأشجار. ركضنا سوية، والرياح تهّب على حقائبنا الصغيرة، وتدفعنا دائماً إلى أعماق الليل. انتابنا الخوف من قرقعة خطواتنا وصرير أقدامنا. ركضنا إلى أبعد ما يكون، ركضنا من الخوف. سوزان أوجعتها قدميها، ولكنها رغم ذلك استمرت على الركض. أشواك العوسج قرصتنا. سيقاننا تدّق الأرض، شعرتُ بقلبي يركض هو الآخر، مثل سوزان. وهي تقبض على كتفي، ومعطفي، وتتعلق بي لترفع قدميها المتعبتين عن الأرض الثقيلة التي تحملها كعبء كبير، كرصاصٍ يمزّق باطن نعلها».
«في شارع دومونسيل، لم أعد أسمع طيور النورس، ولم أعد أسمع حتى صوت سوزان أو أي صوت آخر. لم أعد أسمع سوى أصوات الماضي. وداعاً... وداعاً... أيام الطفولة البريئة».
«صوت جويس يدفئ قلبي، ويتدفق إلى تحت غطائي القديم. إنه يعزف الموسيقى، وهو يكتب. قدماه تطيران تحت البيانو، بالضغط على محرّك انطلاق الصوت. جويس يصنع الموسيقى والغناء مع لكْنة - كورك - ولكْنة أبيه. تبقى الأصوات جميلة. إنه يغني إلى الأصدقاء: جولاس، جيلبرت، الأخوان ليون، ويغني إلى - نينو -. أسمع ثملاً تحت الطاولة. البيت يهتّز، وفتاة ترقص. إنها الفتاة، ابنة جويس: لوسيا. أغلق عينيّ. عندما ينتهي جويس من تقديم العرض، سوف ينهض على ثلاثة أقدام: قدماه، وعصاته المصنوعة من شجرة الدردار. يقدم لي التحية ويطلب مشروباً لأنه آيرلندي».
ملاحظات حول الملف الطبي: 5689 83/ صموئيل باركلي بيكيت/ الطول: 182 سم/ الوزن: 63 كيلوغرام.
«السيد بيكيت مريض لكنه حريص على استثمار وقته. يقرأ ويكتب في الليل، ويستيقظ متأخراً. بالنسبة لي، اعتدتُ على زيارة غرفته بعد الانتهاء من دورتي على المرضى من الساعة التاسعة وخمسة وأربعين دقيقة إلى العاشرة، حتى لا أضايقه. لم يكن كسولاً بل كان يذهب بنفسه إلى التواليت دون مساعدة الممرضة. إنه مريض صامت، لكنه مهذّب مع العاملين. يتناول وجبات طعامه إلى غرفته، كما يفضّل، ويبقى منعزلاً عن نشاطات النزلاء ولا يشارك بها في دار العجزة».



كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
TT

كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)

في واحدة من أكثر الجلسات جماهيرية في مهرجان البحر الأحمر السينمائي هذا العام، حلّت الممثلة الهندية كريتي سانون في ندوة حوارية تحوّلت سريعاً من حوار تقليدي إلى عرض كامل تفاعل خلاله الجمهور بحماسة لافتة، حتى بدا المشهد وكأنه لقاء بين نجمة في ذروة تألقها وجمهور وجد فيها مزيجاً من الذكاء والعفوية والثقة.

منذ اللحظة الأولى، بدا واضحاً أن الجمهور جاء محملاً بأسئلته، فيما شجع التفاعل الجماهيري الممثلة الهندية على أن تجيب بصراحة عن كل ما يتعلق بمسيرتها، ومن بين كل أسماء الصناعة، لم يلمع في حديثها كما لمع اسم شاروخان. توقفت عند ذكره كما يتوقف شخص أمام لحظة صنعت في داخله تحولاً، وصفته بأنه «الأكثر ذكاءً وخفة ظل» ممن قابلتهم، ومثال حي على أن الفروسية والذوق الرفيع لا يزالان ممكنَين في صناعة صاخبة.

واستعادت كريتي كيف كان شاروخان ينظر إلى من يتحدث معه مباشرة، وكيف يمنح الجميع احتراماً متساوياً، حتى شعرت في بداياتها بأنها تلميذة تقع فجأة في حضرة أستاذ يعرف قواعد اللعبة من دون أن يستعرضها، ومع أن كثيرين يرون أن سانون دخلت عالم السينما من باب الجمال والأزياء، فإنها أكدت أن دراستها للهندسة لعبت دوراً في دخولها مجال الفن باعتبار أنها تعلمت منها أن كل شيء يجب أن يكون منطقياً وقائماً على أسئلة لماذا؟ وكيف؟

وأوضحت أن تحليل الأمور ومراجعتها منحتاها أدوات لم يمتلكها ممثلون آخرون، مروراً بتجارب وورشات تمثيل طويلة، فيما كانت هي تتعلم على أرض الواقع عبر طرح الأسئلة، حتى تلك التي قد يضيق منها البعض أو يعدها دليلاً على التردد.

الممثلة الهندية خلال جلستها الحوارية (مهرجان البحر الأحمر)

توقفت أيضاً في حديثها عند واحدة من أكثر محطاتها صعوبة، شخصية الروبوت «سيفرا» في فيلم «لقد وقعت في شرك كلامك»، شارحة أنها كانت لعبة توازن دقيقة بين أن تكون آلة بما يكفي ليصدّقها المشاهد، وإنسانة بما يكفي ليُصدّقها شريكها في الفيلم، مشيرة إلى أنها لم ترمش في أثناء الحوارات، وضبطت كل حركة لتكون دقيقة ومحسوبة، ورغم أنها معروفة بخفة الحركة و«العثرات الطريفة» كما وصفت نفسها، فإن أكثر ما أسعدها في الفيلم كان مشهد «الخلل» الذي ابتكرته بنفسها، لتمنح الشخصية ملمساً أكثر واقعية.

لكن اللحظة الأكثر دفئاً كانت عندما تحدثت عن الموسيقى، وعن دورها في مسيرتها؛ حيث روت كيف كانت غرف التسجيل التي تعمل فيها مع الملحّنين تشبه «متجر حلوى»، وكيف كان اللحن يُولد من جلسة ارتجال بسيطة تتحول بعد دقائق إلى أغنية جاهزة، ومع أن الجلسة كانت مليئة بالضحك واللحظات الخفيفة، فإنها لم تخفِ الجانب العميق من تجربتها، خصوصاً عندما تحدثت عن انتقالها من الإعلانات والصدفة إلى البطولة السينمائية.

وروت كيف أن فيلم «ميمي» منحها مساحة أكبر مما حصلت عليه في أي عمل سابق، وغيّر نظرتها إلى نفسها بوصفها ممثلة، مؤكدة أن ذلك العمل حرّرها من الحاجة الدائمة إلى إثبات ذاتها، وأعطاها الشجاعة لاختيار أدوار أكثر مجازفة. ومنذ ذلك الحين -كما تقول- لم تعد في سباق مع أحد، ولا تبحث عن لائحة إيرادات، بل عن أن تكون أفضل مما كانت عليه أمس.

وحين سُئلت عن فيلمها الجديد «تيري عشق مين» وعن موجة النقاشات التي أثارها على مواقع التواصل، أكدت أنها تتابع الآراء بشغف، لأن السينما تشبه اللوحة الفنية التي يراها كل شخص من زاوية مختلفة، مشيرة إلى أن الناس يتفاعلون مع قصة الفيلم، لأنهم قد عرفوا في حياتهم شخصاً مثل الممثلين.

وأكدت أن جزءاً من التفاعل يرجع إلى كون العمل يعرض الحب السام من جهة، لكنه يتيح للشخصية النسائية أن تُسمّيه وتواجهه، وهذا ما تعدّه تطوراً مهماً في كتابة الشخصيات النسائية، فلم تعد المرأة مجرد ضحية أو محبوبة مثالية، «فالمرأة المعاصرة على الشاشة يمكن أن تكون معقدة، متناقضة، واقعية، ومحبوبة رغم كل ذلك»، حسب تعبيرها.


جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
TT

جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)

كشفت الفنانة الأميركية جيسيكا ألبا عن ملامح مشروع سينمائي جديد يجمعها بالمخرجة السعودية هيفاء المنصور، مشيرة خلال ندوتها في «مهرجان البحر الأحمر السينمائي» إلى أن هذا التعاون لم يتشكل بين ليلة وضحاها، بل جاء نتيجة نقاشات طويلة امتدت على مدار سنوات.

وأوضحت في اللقاء الذي أقيم، الجمعة، أن الفكرة التي استقرتا عليها تدور حول قصة إنسانية عميقة تتناول علاقة ابنة بوالدها المتقدّم في العمر، ضمن سردية تقترب من تفاصيل العائلة وتحولاتها، وتسلّط الضوء على هشاشة العلاقات حين تواجه الزمن، وما يتركه ذلك من أسئلة مفتوحة حول الذاكرة والواجب العاطفي والمسؤولية المتبادلة.

وأضافت أن ما شدّها إلى المشروع ليس موضوعه فقط، بل الطريقة التي تقارب بها هيفاء المنصور هذه العلاقات الحسّاسة وتحولها إلى لغة بصرية تتسم بالهدوء والصدق، لافتة إلى أن «هذا التعاون يمثّل بالنسبة لي مرحلة جديدة في اختياراتي الفنية، خصوصاً أنني أصبحت أكثر ميلاً للأعمال التي تمنح الشخصيات النسائية مركزاً واضحاً داخل الحكاية، بعيداً عن الأنماط التقليدية التي سيطرت طويلاً على حضور المرأة في السينما التجارية».

وأشارت إلى أنها تبحث اليوم عن قصص تستطيع فيها المرأة أن تظهر بوصفها شخصية كاملة، تملك مساحتها في اتخاذ القرارات والتأثير في مسار الحكاية، وهو ما تراه في مشروعها مع المنصور، الذي وصفته بأنه «قريب من قلبها»؛ لأنه يعيد صياغة علاقة الأم والابنة من منظور مختلف.

وخلال الندوة، قدّمت ألبا قراءة موسّعة لتغيّر مسارها المهني خلال السنوات الأخيرة، فهي، كما أوضحت، لم تعد تنظر إلى التمثيل بوصفه مركز عملها الوحيد، بل بات اهتمامها الأكبر موجّهاً نحو الإنتاج وصناعة القرار داخل الكواليس.

وأكدت أن دخولها عالم الإنتاج لم يكن مجرد انتقال وظيفي، وإنما خطوة جاءت نتيجة إحساس عميق بأن القصص التي تُقدَّم على الشاشة ما زالت تعكس تمثيلاً ناقصاً للنساء وللأقليات العرقية، خصوصاً للمجتمع اللاتيني الذي تنتمي إليه.

وتحدثت ألبا عن تجربة تأسيس شركتها الإنتاجية الجديدة، معتبرة أن الهدف منها هو خلق مساحة لصناع المحتوى الذين لا يجدون غالباً فرصة لعرض رؤاهم، موضحة أن «غياب التنوّع في مواقع اتخاذ القرار داخل هوليوود جعل الكثير من القصص تُروى من زاوية واحدة، ما أدّى إلى تكريس صور نمطية ضيّقة، خصوصاً فيما يتعلّق بالجاليات اللاتينية التي غالباً ما تظهر في الأعمال ضمن أدوار مرتبطة بالعنف أو الجريمة أو الأعمال الهامشية».

وشددت على أنها تريد أن تساهم في معالجة هذا الخلل، ليس عبر الخطابات فقط، بل من خلال إنتاج أعمال تظهر فيها الشخصيات اللاتينية والعربية والنساء بصورة كاملة، إنسانية، متنوّعة، لافتة إلى أن تنوّع التجارب الحياتية هو العنصر الذي يجعل صناعة السينما أكثر ثراء، وأن غياب هذا التنوع يجعل الكثير من الكتّاب والمخرجين عاجزين عن تخيّل شخصيات خارج ما اعتادوا عليه.

وأضافت أن مهمتها اليوم، من موقعها الجديد، هي فتح المجال أمام أصوات غير مسموعة، سواء كانت نسائية أو تنتمي إلى أقليات ثقافية واجتماعية، لافتة إلى أنها تعمل على تطوير فيلم جديد مع المخرج روبرت رودريغيز، يعتمد على مزيج من الكوميديا العائلية وأجواء أفلام السرقة، مع طاقم تمثيل لاتيني بالكامل.

وأوضحت أن هذا العمل يأتي امتداداً لرغبتها في دعم المواهب اللاتينية، وفي الوقت نفسه تقديم أعمال جماهيرية لا تُختزل في سرديات العنف أو الهوامش الاجتماعية، واصفة المشروع بأنه خطوة مختلفة على مستوى بنية الحكاية؛ لأنه يجمع بين الترفيه والأسئلة العائلية، ويقدّم الشخصيات اللاتينية في إطار طبيعي وغير مصطنع.

وتوقفت جيسيكا عند مشاركتها المرتقبة في فيلم «الشجرة الزرقاء»، ويتناول علاقة أم بابنتها التي تبحث عن استقلاليتها رغم حساسية ظروفها موضحة أن ما جذبها لهذا العمل هو طبيعته الهادئة، واعتماده على بناء علاقة حميمة بين شخصيتين، بعيداً عن الصراعات المفتعلة، معتبرة أن هذا النوع من الحكايات يمثّل مرحلة أصبحت قريبة جداً منها في هذه الفترة من حياتها.


«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
TT

«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)

في إطار الجهود المصرية المستمرة للحفاظ على التراث وحمايته واستعادة الآثار المصرية المنهوبة من الخارج وصيانتها، تعدَّدت الجهود الرسمية والأهلية والبحثية والأكاديمية للعمل على حفظ التراث واستعادة الآثار المُهرَّبة، واستضافت مكتبة الإسكندرية مؤتمراً علمياً، بالتعاون مع مؤسسة ألمانية، تناول استرداد الآثار المصرية من الخارج، وحفظ وصيانة التراث.

وركز المؤتمر على تجارب مصر في استرداد القطع الأثرية التي خرجت من البلاد بطرق غير قانونية، سواء عبر المتاحف الأجنبية أو الأسواق غير المشروعة. وشارك فيه عدد من المسؤولين والخبراء المصريين والدوليين، وتم عرض نماذج بارزة من الآثار المسترَدة حديثاً، مثل التوابيت المذهبة والقطع الخشبية النادرة، مع مناقشة الإجراءات القانونية والدبلوماسية التي اعتمدتها مصر لاستعادة هذه القطع الأثرية وحمايتها بوصفها جزءاً من التراث العالمي.

وأكد عالم الآثار المصرية، الدكتور حسين عبد البصير، أن هذه الجهود تمثل رسالةً قويةً للعالم حول أهمية حماية التراث الثقافي المصري والعربي والعالمي، وأن استعادة كل قطعة أثرية هي خطوة نحو الحفاظ على الهوية الوطنية وإعادة حق الأجيال القادمة في التراث الحضاري لمصر، والعالم العربي، والعالم.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن دور المجتمع المدني والجمعيات الأثرية مهم في دعم هذه الجهود، من خلال التوعية، والبحث العلمي، والتعاون مع المنظمات الدولية؛ لتقوية موقف مصر القانوني في مواجهة التجارة غير المشروعة بالآثار.

جانب من المؤتمر الذي ناقش الآثار المسترَدة وحفظ التراث (الشرق الأوسط)

وتحت عنوان «الاتجار بالآثار سرقة للتاريخ وطمس للهوية»، تحدَّث الدكتور شعبان الأمير، أستاذ ترميم الآثار ومواد التراث بكلية الآثار بجامعة الفيوم، وتناول التنقيب والاتجار بالآثار وتقارير اليونيسكو حول هذه العمليات، التي تُقدَّر بنحو 10 مليارات دولار سنوياً، وهي ثالث أكبر عملية تجارية بعد المخدرات والسلاح على مستوى العالم.

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «حماية التراث واجب وطني ومجتمعي، والاتجار بالآثار يعدّ سرقةً للتاريخ وطمساً ومحواً وفقداناً للهوية». وأشار إلى أن المؤتمر تناول أبحاثاً حول تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والهندسة، والكيمياء، والوعي المجتمعي، وغيرها من الموضوعات التي اهتمت بكيفية حماية التراث والآثار، والحد من عمليات التنقيب غير الشرعي، وعمليات التسجيل والتوثيق والفحص والتحليل تمهيداً لعمليات الترميم والصيانة والحفظ والعرض المتحفي أو بالمواقع الأثرية.

وفي ورقة بحثية بالمؤتمر، تناولت الدكتورة منى لملوم، قوة الميديا ووسائل الإعلام المختلفة في المطالبة باسترداد الآثار، مشيرة إلى الحملات التي تقوم بها وسائل الإعلام من أجل الضغط لاسترداد الآثار المُهرَّبة من مصر بطرق غير مشروعة. وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أنها «تناولت كثيراً من النماذج، منها استعادة تمثال من أميركا عام 2019 بجهود رسمية كبيرة، بالإضافة إلى قوة الإعلام، وكذلك الضغط من خلال حملات صحافية وأهلية، إلى جانب الجهود الحكومية لاستعادة آثار مصرية مهمة مثل رأس نفرتيتي من ألمانيا، وجدارية (الزودياك) أو الأبراج السماوية من متحف اللوفر، فضلاً عن استعادة حجر رشيد من المتحف البريطاني».

ولفتت د. منى إلى دور الدراما والسينما في التعامل مع الآثار والتاريخ مثل فيلم «المومياء» من إخراج شادي عبد السلام الذي لعب دوراً إيجابياً وصُنِّف من أهم 100 فيلم مصري في القرن الـ20، وهناك نماذج سلبية مثل مسلسل «كليوباترا» الذي أنتجته «نتفليكس» وقوبل بهجوم شديد لتجسيد الملكة المصرية بممثلة سوداء، و«اضطرت الشبكة إلى تغيير تصنيف الفيلم من (وثائقي) إلى (درامي) تحت ضغط (الميديا)» على حد تعبيرها.