ما مستقبل الغاليريهات الإيطالية؟

مالكو دور فنيّة يتحدثون لـ«الشرق الأوسط» عن مخاوفهم وآمالهم

غاليريهات إيطاليا الشهيرة... هل ستتجاوز الأزمة؟
غاليريهات إيطاليا الشهيرة... هل ستتجاوز الأزمة؟
TT

ما مستقبل الغاليريهات الإيطالية؟

غاليريهات إيطاليا الشهيرة... هل ستتجاوز الأزمة؟
غاليريهات إيطاليا الشهيرة... هل ستتجاوز الأزمة؟

دور فنية لمشاهدة حية لعروض ومظاهرات فنية عبر الإنترنت، رسائل تضامن مع أرباب القطاع والفاعلين فيه، أعمال خيرية؛ هذا ما ميز الفعالية الفنية في العالم (وفي إيطاليا خاصة) في هذه الظروف الاستثنائية التي فرضها الوباء؛ إذ نجد أن الغاليريهات، إبان هذه الأشهر العصيبة التي اضطرت فيها إلى تجميد كل أنظمة الفن وتنظيم تسويقه وترويجه، لم تقف مكتوفة الأيدي.
والسؤال المطروح هو: ما المخاطر الحالية التي تواجه النشاط الاقتصادي لأرباب الغاليريهات؟ هذا السؤال وجهناه إلى ستة من أصحاب أبرز وأهم الغاليريهات الإيطالية، وهنا أجوبتهم:

- ماريو كرستياني: ليس لدينا حلول مناسبة.
الخطر الأكبر متعلق بالمداخيل الضرورية الضامنة لبقاء الغاليريهات؛ ومثلما هو الشأن بالنسبة لسائر الفعاليات، فإن أكبر الهموم منصبة على الكيفية التي نتمكن بها من الوصول إلى نهاية الشهر (الراتب) وكيف يمكننا تغطية النفقات الثابتة المتعلقة بإدارة الشأن وكيف نتمكن من التكفل والدعم الماديين اللازمين لضمان حقوق العاملين معنا. وأمام هذه العقبة الكأداء لا مناص من تدخل سياسي على مستوى موسع، ليشمل الجميع، لدعم الاقتصاد كله ولكن ليس في إمكانية الغاليريهات إيجاد الحلول لمواجهة أزمة صحية - اقتصادية - مالية ذات مفاعيل عالمية.
ومن المفترض في مثل هذه الظروف أن تعلق الدفوعات الجبائية والضريبية، كما لا بد من إعادة النظر في قواعد عمل المصارف والبنوك، أو مؤسسات القرض، كي تجعل أكثر ليونة ومرونة فيما يتعلق بالشروط التي تسمح بتمويلات (متوسطة وصغيرة المقادير)، وهذا لا يكون إلا بتدخل الدولة وبوساطتها.

- ماركو بودغالي: غياب الاهتمام الرسمي.
من اليقين أن تفجر الوضعية بهذا الشكل العنيف وغير المنتظر، حدوث سلسلة من التساؤلات وضروب من التفكير في عالم الفن والغاليريهات التي تعيش - مثل الغاليريهات التي لدينا - بفضل المجمعين للأعمال الفنية. إن تقوية إدراة العمل عبر شبكة الإنترنت ومن خلال مواقع التواصل الاجتماعي التي استحدثناها منذ سنين ستكون حاسمة. للأسف، وعلى خلاف الدول الأخرى في العالم فإن الغاليريهات الفنية في إيطاليا لم تحظ بالاهتمام الرسمي اللازم بل يمكنني أن أقول إنها محتقرة وغير مكترث بها رغم كونها نشاطاً اقتصادياً.
أما المبيعات عن بعد، عبر الوسائل الإلكترونية، فبإمكانها أن تكون أداة ناجعة لكنها مقصورة على المجمّعين للأعمال الفنية من الذين لديهم مراس بأعمال فنية يعرفونها جيدا؛ ولذلك فإني أشك في أن تصبح المظاهرات الفنية عبر البث الحي والبيع عبر الإنترنت هي الحالة العادية.

- ماسّيمو مينيني: اللعبة قد انعكست.
نحن في غاية الانزعاج بفعل الوضعية الحالية، التي أناخت بكلكلها على العالم بأسره. بينما يظل الغرض الأول هو سلامتنا الصحية، وهو ما نسلم به جميعا، فإن النقطة الثانية هي عبارة عن استفهام: بأي روح معنوية سيقدم الناس على المواصلة في شراء الأعمال الفنية؟ كيف يمكن لهم أن يواصلوا حماس الخمسين سنة الأخيرة؟
اللعبة قد انعكست الآن، وأظن أن الفن المعاصر سينظر إليه بعين أكثر نقدية. وبعد أن تكهل، فستقع الموازنة بينه وبين الفن في الماضي، لن يتمتع فيما بعد بالمنزلة الخاصة التي عاش فيها من قبل.
وما إن تتم مقارنة الفن المعاصر بالفن القديم فإنه يتوجب على الأول أن يعيد النظر في أسعار ما يعده أعمالا فنية. مما سيثمر الشكوى والتأوهات ونوعا من السقوط على الرؤوس بتغير وجهة الحظ وانقلاب الأحوال رأسا على عقب. ولن نتمكن من إعادة التوازن للوضعيات إلا بعد سنين والغاليريهات لن تتمكن من الصمود طويلا.

- ألفونزو آرتياكو: سنتجاوز الأزمة
الأزمة التي نعيشها هي شيء غير متوقع ولا منتظر مثلما أن ردة فعل سوق الفن غير قابلة للفراسة. لا سيما وأنها قد ألغيت، وفي أحسن الحالات أجّلت مظاهرات ومعارض كانت حاسمة في اقتصاديات الغاليريهات. وفيما يتعلق بفعالية العرض للأعمال الفنية بنابولي فعندنا معرض الفنان دفيد تراملات الذي دشن قبل أيام قلائل من الحكم بالغلق القسري للغاليري ومن اليقيني أن هذا المعرض سيمدد عند الافتتاح من جديد. ومن اليقيني أن جدول أعمال الغاليري يعاد برمجته؛ إلا أن العلاقة الجيدة التي لي مع الفنانين العاملين معي تجعلني أعلق آمالا على المستقبل وكلي ثقة في إمكان إنجازها. فإن تمكنا من العودة إلى الحياة العادية في وقت قصير نسبيا فسيكون بإمكاننا النجاح في تجاوز هذه الأزمة.

- باولو كاباتا: لا نملك أجوبة
يحيا الفن من خلال لقاءات عينية، وكلنا يسأل السؤال نفسه: متى يمكننا العودة إلى غاليريهاتنا؟ لكن للأسف الجواب غير موجود ويبدو أنه لن يكون موجوداً في القريب العاجل. ولأجل ذلك فحاليا يتحتم علينا أن نكون واقعيين وأن نشّمر عن ساعد الجد وألا نفكر في كيفية تجاوزنا للأزمة فحسب، بل أيضا كيف نشقها عبورا إلى ما بعدها. الأمر يقتضي أن نضع نصب أعيننا أغراضا وأهدافا مغايرة. وفي المستقبل بعامة سنكون بحاجة إلى العديد من الأشياء. أولها أن نحظى باعتراف من بلدنا بكوننا غاليريهات فنية ذات وظيفة ثقافية وتجارية. ثم إنني، في هذه اللحظة المتسمة بشبه ركود تام وزمانية مبهمة، أعتقد أن الشبكة الإلكترونية قادرة حقا أن تكون أخيرا الأداة الصالحة والملائمة، إلى حد ما، إذا ما استخدمت استخداما سليما، مما يمكننا من البقاء على اتصال بالجماهير المتابعة لأنشطتنا. المهم هو ألا نتوقف بل علينا أن نمضي دائما قدما إلى الأمام برؤية واضحة قادرة على استكشاف المناظر الأمامية للأشياء.

- جوزي غراسي: أوقات معقدة
اللحظة التي نعيشها لحظة معقدة جدا لسببين اثنين. الأول هو الحاجز الذي يعيق جزءا من الفاعلين في نسق عالم الفن: فنانين، مجمعّين للأعمال الفنية، متاحف - مؤسسات، مؤرخي الفن - ناقدين فنيين، وأصحاب الغاليريهات. أما الثاني فمتعلق بانهيار الأعمدة التي تأسست عليها لعدة سنين لحظة اللقاء بين الأعمال الفنية والمجمعين لها: المعارض في الغاليريهات والمظاهرات الفنية الكبيرة. إننا أمام مشهد يجب استثماره لإعادة بعث المشاريع واستغلال مواقع التواصل الاجتماعي على أفضل وجه كي يتم التفاعل مع مرحلة الحجر طبيعي، لاستحالة التنقل والوصول إلى المتاحف، وإلى المكتبات والغاليريهات.



عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)
المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)
TT

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)
المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

قال المخرج العراقي عُدي رشيد المتوج فيلمه «أناشيد آدم» بجائزة «اليسر» لأفضل سيناريو من مهرجان «البحر الأحمر» إن الأفلام تعكس كثيراً من ذواتنا، فتلامس بصدقها الآخرين، مؤكداً في حواره مع «الشرق الأوسط» أن الفيلم يروي جانباً من طفولته، وأن فكرة توقف الزمن التي طرحها عبر أحداثه هي فكرة سومرية بامتياز، قائلاً إنه «يشعر بالامتنان لمهرجان البحر الأحمر الذي دعم الفيلم في البداية، ومن ثَمّ اختاره ليشارك بالمسابقة، وهو تقدير أسعده كثيراً، وجاء فوز الفيلم بجائزة السيناريو ليتوج كل ذلك، لافتاً إلى أنه يكتب أفلامه لأنه لم يقرأ سيناريو كتبه غيره يستفزه مخرجاً».

بوستر الفيلم يتصدره الصبي آدم (الشركة المنتجة)

ويُعدّ الفيلم إنتاجاً مشتركاً بين كل من العراق وهولندا والسعودية، وهو من بطولة عدد كبير من الممثلين العراقيين من بينهم، عزام أحمد علي، وعبد الجبار حسن، وآلاء نجم، وعلي الكرخي، وأسامة عزام.

تنطلق أحداث فيلم «أناشيد آدم» عام 1946 حين يموت الجد، وفي ظل أوامر الأب الصارمة، يُجبر الصبي «آدم» شقيقه الأصغر «علي» لحضور غُسل جثمان جدهما، حيث تؤثر رؤية الجثة بشكل عميق على «آدم» الذي يقول إنه لا يريد أن يكبر، ومنذ تلك اللحظة يتوقف «آدم» عن التّقدم في السن ويقف عند 12 عاماً، بينما يكبر كل من حوله، ويُشيع أهل القرية أن لعنة قد حلت على الصبي، لكن «إيمان» ابنة عمه، وصديق «آدم» المقرب «انكي» يريان وحدهما أن «آدم» يحظى بنعمة كبيرة؛ إذ حافظ على نقاء الطفل وبراءته داخله، ويتحوّل هذا الصبي إلى شاهدٍ على المتغيرات التي وقعت في العراق؛ إذ إن الفيلم يرصد 8 عقود من الزمان صاخبة بالأحداث والوقائع.

وقال المخرج عُدي رشيد إن فوز الفيلم بجائزة السيناريو مثّل له فرحة كبيرة، كما أن اختياره لمسابقة «البحر الأحمر» في حد ذاته تقدير يعتز به، يضاف إلى تقديره لدعم «صندوق البحر الأحمر» للفيلم، ولولا ذلك ما استكمل العمل، معبراً عن سعادته باستضافة مدينة جدة التاريخية القديمة للمهرجان.

يطرح الفيلم فكرة خيالية عن «توقف الزمن»، وعن جذور هذه الفكرة يقول رشيد إنها رافدية سومرية بامتياز، ولا تخلو من تأثير فرعوني، مضيفاً أن الفيلم بمنزلة «بحث شخصي منه ما بين طفولته وهو ينظر إلى أبيه، ثم وهو كبير ينظر إلى ابنته، متسائلاً: أين تكمن الحقيقة؟».

المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

ويعترف المخرج العراقي بأن سنوات طفولة البطل تلامس سنوات طفولته الشخصية، وأنه عرف صدمة الموت مثله، حسبما يروي: «كان عمري 9 سنوات حين توفي جدي الذي كنت مقرباً منه ومتعلقاً به ونعيش في منزل واحد، وحين رحل بقي ليلة كاملة في فراشه، وبقيت بجواره، وكأنه في حالة نوم عميق، وكانت هذه أول علاقة مباشرة لي مع الموت»، مشيراً إلى أن «الأفلام تعكس قدراً من ذواتنا، فيصل صدقها إلى الآخرين ليشعروا بها ويتفاعلوا معها».

اعتاد رشيد على أن يكتب أفلامه، ويبرّر تمسكه بذلك قائلاً: «لأنني لم أقرأ نصاً كتبه غيري يستفز المخرج داخلي، ربما أكون لست محظوظاً رغم انفتاحي على ذلك».

يبحث عُدي رشيد عند اختيار أبطاله عن الموهبة أولاً مثلما يقول: «أستكشف بعدها مدى استعداد الممثل لفهم ما يجب أن يفعله، وقدر صدقه مع نفسه، أيضاً وجود كيمياء بيني وبينه وقدر من التواصل والتفاهم»، ويضرب المثل بعزام الذي يؤدي شخصية «آدم» بإتقان لافت: «حين التقيته بدأنا نتدرب وندرس ونحكي عبر حوارات عدة، حتى قبل التصوير بدقائق كنت أُغير من حوار الفيلم؛ لأن هناك أفكاراً تطرأ فجأة قد يوحي بها المكان».

صُوّر الفيلم في 36 يوماً بغرب العراق بعد تحضيرٍ استمر نحو عام، واختار المخرج تصويره في محافظة الأنبار وضواحي مدينة هيت التي يخترقها نهر الفرات، بعدما تأكد من تفَهم أهلها لفكرة التصوير.

لقطة من الفيلم (الشركة المنتجة)

وأخرج رشيد فيلمه الروائي الطويل الأول «غير صالح»، وكان أول فيلم يجري تصويره خلال الاحتلال الأميركي للعراق، ومن ثَمّ فيلم «كرنتينة» عام 2010، وقد هاجر بعدها للولايات المتحدة الأميركية.

يُتابع عُدي رشيد السينما العراقية ويرى أنها تقطع خطوات جيدة ومواهب لافتة وتستعيد مكانتها، وأن أفلاماً مهمة تنطلق منها، لكن المشكلة كما يقول في عزوف الجمهور عن ارتياد السينما مكتفياً بالتلفزيون، وهي مشكلة كبيرة، مؤكداً أنه «يبحث عن الجهة التي يمكن أن تتبناه توزيعياً ليعرض فيلمه في بلاده».