تحذيرات أميركية من «خلايا نائمة» لإيران و«حزب الله» في الغرب

دراسة لباحثين عملا في الاستخبارات ترصد تفاقم التوتر منذ اغتيال سليماني

صورة من الأرشيف لمقر الجمعية اليهودية بعد تفجيره بشاحنة ملغومة في بوينس آيرس عام 1994 (رويترز)
صورة من الأرشيف لمقر الجمعية اليهودية بعد تفجيره بشاحنة ملغومة في بوينس آيرس عام 1994 (رويترز)
TT

تحذيرات أميركية من «خلايا نائمة» لإيران و«حزب الله» في الغرب

صورة من الأرشيف لمقر الجمعية اليهودية بعد تفجيره بشاحنة ملغومة في بوينس آيرس عام 1994 (رويترز)
صورة من الأرشيف لمقر الجمعية اليهودية بعد تفجيره بشاحنة ملغومة في بوينس آيرس عام 1994 (رويترز)

حذّر باحثان أميركيان لهما باع طويلة في عالم الاستخبارات من وجود «أدلة متزايدة» على أن إيران و«حزب الله» تمكنا من إنشاء «شبكة نائمة» تأتمر بأمرهما في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، ويمكن تشغيلها للقيام بهجمات إرهابية ثأراً لمقتل قائد «فيلق القدس» لدى «الحرس الثوري» الإيراني، قاسم سليماني، بغارة أميركية في مطار بغداد مطلع السنة الحالية. ونبها إلى أن طهران ربما تكون «أقل تردداً في السماح بضربة انتقامية» داخل الأراضي الأميركية، على غرار المحاولة الفاشلة لاغتيال السفير السعودي لدى واشنطن، عادل الجبير، عام 2011.
ونشرت الورقة التي أعدها الباحثان آيوان بوب وميتشل سيبلر بعنوان «الجهوزية العملانية لإيران وحزب الله في الغرب» في مجلة متخصصة في الدراسات عن النزاعات والإرهاب. واستهل الباحثان الورقة بالإشارة إلى أن «التوترات ازدادت بين الولايات المتحدة من جهة، وإيران - (حزب الله) من جهة أخرى، منذ عام 2018، عندما انسحبت الإدارة الأميركية من الاتفاق النووي لعام 2015». ولاحظا أن هذه التوترات «تصاعدت في يناير (كانون الثاني) 2020، عندما قتل قائد (فيلق القدس) لدى (الحرس الثوري) الإيراني، قاسم سليماني، بغارات أميركية». ووجدا علاوة على ذلك أن «هناك أدلة متزايدة على أنه في السنوات الأخيرة، سعت إيران و(حزب الله) إلى إنشاء شبكة نائمة في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية يمكن تشغيلها لشن هجمات، كجزء من هجوم انتقامي».
وتعتمد الدراسة على وثائق من المحاكم وتقارير مفتوحة المصدر عن توقيفات حصلت أخيراً لعملاء من «حزب الله» وإيران في الولايات المتحدة وخارجها، بغية تقييم للجهوزية العملانية عند إيران و«حزب الله». وهي تسلط الأضواء على تجنيد هؤلاء العملاء وتدريبهم وتموضعهم وتعقيدات عملياتهم السابقة. وإذ توضح أنه يستحيل التكهن بالزمان أو المكان أو كيف يمكن أن تنتقم إيران و«حزب الله» لمقتل سليماني، تجادل بأن «هناك عدداً متزايداً من المؤشرات والعلامات التحذيرية إلى احتمال وقوع هجوم في الولايات المتحدة أو ضد المصالح الأميركية في الخارج».
وعد الباحثان أن التوترات بين الولايات المتحدة وإيران «ازدادت منذ عام 2018»، حين انسحبت إدارة الرئيس دونالد ترمب من الاتفاق النووي لعام 2015، وأعادت فرض عقوبات شاملة على إيران. وأضافا أنه «رداً على ذلك، لجأت إيران ووكلائها إلى سلسلة من التصعيد الإقليمي غير المتكافئ بغية الضغط على الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين». وأوردت الورقة أنه «من المحتمل أن تكون الغارة الأميركية في 3 يناير (كانون الثاني) 2020 التي قتل فيها قائد (فيلق القدس) في (الحرس الثوري) الإيراني، الجنرال قاسم سليماني، خطوة كبيرة في سلم التصعيد من قبل الولايات المتحدة، مما يحفز على انتقام إيراني هائل ضد المصالح الأميركية».
- ترجيح بـ«درجة عالية»
وبنى الباحثان استنتاجاتهما بناء على تجاربهما، بصفتهما ضابطين استخباريين سابقين في دائرة شرطة نيويورك، ويعملان حالياً لدى شركة «كي 2» الخاصة في مجال الاستخبارات، وكذلك استناداً إلى تقييم لطفرة استمرت طوال عقد من الزمن في إيران ونشاطات «حزب الله» اللبناني ما قبل العمليات في كل من أوروبا الغربية والولايات المتحدة، ليرجحا «بدرجة عالية» إمكان تنفيذ هجوم كبير في المستقبل ضد المصالح الأميركية في الخارج، مع احتمال تنفيذ هجوم في الأراضي الأميركية.
وتقدم الورقة 7 مبادئ في شأن جهوزية التخطيط لدى كل من إيران و«حزب الله» قبل القيام بهجوم إرهابي محتمل، تراوح من المراقبة والتخطيط اللوجيستي والعمليات الأمامية لتمويه الناشطين إلى التسلل والتجنيد واختيار الهدف. واستشهدا بما قاله القائد الجديد لـ«فيلق القدس» لدى «الحرس الثوري» الإيراني، إسماعيل قاآني، بعد مقتل سلفه بغارة نفذتها طائرة من دون طيار أميركية في مطار بغداد الدولي في 3 يناير (كانون الثاني) 2020: «اغتالوه بطريقة جبانة، ولكن بفضل الله، ومن خلال همم الباحثين عن الحرية في كل أرجاء العالم الذين يريدون الثأر لدمه، سنضرب عدوه برجولة».
ولفتا إلى أن المرشد الإيراني علي خامنئي دعا إلى «ثأر قوي» انتقاماً لمقتل سليماني. ودعا الأمين العام لـ«حزب الله»، حسن نصر الله، عناصره في العالم إلى إنزال «عقوبة مناسبة»، مشيراً إلى أن هذه «ستكون مسؤولية ومهمة جميع مقاتلي المقاومة في كل أنحاء العالم».
- الغرب معرض لخطر
وخلال فترة عمل المؤلفين في قسم الاستخبارات في شرطة نيويورك بين عامي 2005 و2015 «كان التهديد من إيران و(حزب الله) قريباً دائماً، وأحياناً في قمة التهديدات بالنسبة إلى مدينة نيويورك، استناداً إلى اليد الطولى لإيران و(حزب الله) على المستوى العالمي، وتعقيدها وفتكها، بالإضافة إلى السمات الخاصة التي جعلت المدينة هدفاً جذاباً بشكل فريد في الولايات المتحدة». وقدّر المؤلفان أن «الغرب معرض لخطر مرتفع للثأر الإيراني، أو لـ(حزب الله)». وأضافا أنه «لذلك، من المهم تحليل وتقييم جهوزية إيران و(حزب الله) قبل ارتكاب هجمات إرهابية في الغرب». واستناداً إلى التاريخ الحديث، هناك اعتقاد أنه «يمكن أن يؤدي مقتل سليماني إلى رد فعل ثأري، أو ردود أفعال، من إيران و(حزب الله)، على غرار رد الفعل على اغتيال قادة (حزب الله)، مثل الأمين العام السابق عباس الموسوي عام 1992، والمسؤول العسكري لتنظيم (الجهاد الإسلامي) عماد مغنية عام 2008».
وعلى غرار الثأر لهذين المسؤولين، ترجح الورقة أن يكون الانتقام «دقيقاً، بما يكفي لتوجيه رسالة، ولكن ليس متطرفاً إلى درجة تهدد بقاء النظام الإيراني». وتستدرك أنه «في وقت يمكن أن تؤدي المعدلات الواسعة لانتشار (كوفيد-19) في إيران إلى تأخير خطط الثأر الإيرانية، فإن التاريخ الإيراني يدل على أن النظام لاعب صبور، ومن غير المرجح أن يكتفي (الحرس الثوري) بأي رد أقل من ثأر ذي مغزى، مهما تأخر». وأفاد الباحثان بأنه «إذا كان الماضي مقدمة، يمكن أن ينظر المحللون إلى تفجير السفارة الإسرائيلية عام 1992 في العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس، طبقاً لمسؤولين أرجنتينيين، بصفته رداً جزئياً من إيران و(حزب الله) على اغتيال إسرائيل للأمين العام لـ(حزب الله) عباس الموسوي». كما أن الحوادث التي وقعت بعد اغتيال إسرائيل والولايات المتحدة قائد عمليات «حزب الله» عماد مغنية في فبراير (شباط) 2008 «يمكن أن تكون مفيدة أيضاً». وأكدا أنه «بعد مقتله في دمشق، خطط (حزب الله) ثأراً لموته هجمات عدة في أذربيجان وبلغاريا وقبرص والهند والكويت وتركيا». ولكن بخلاف الهجوم الانتحاري الذي وقع عام 2012 على حافلة تقل سياحاً إسرائيليين في بلدة بورغاس البلغارية، مما أدى إلى مقتل 6 سياح إسرائيليين، وإصابة 42، أحبطت كل خطط (حزب الله)».
وإذ تذكر الورقة بأن «إيران هي الحليف الأقرب والراعي لـ(حزب الله)، بتقديم الأموال والأسلحة للجماعة المصنفة إرهابية»، فإن هذا التنظيم «يوصف في كثير من الأحيان بأنه حاملة طائرات إيرانية راسية في شمال إسرائيل». وبالإضافة إلى صلاتهما العقائدية والسياسية والعسكرية، يفاد بأن إيران «تمول (حزب الله) بما بين 200 و700 مليون سنوياً». ولدى «حزب الله» وأجهزة المخابرات الإيرانية «تاريخ من الهجمات الإرهابية المشتركة على مستوى العالم، وعلى الأخص هجمات بوينس آيرس التي استهدفت السفارة الإسرائيلية عام 1992، والجمعية التعاضدية اليهودية الأرجنتينية عام 1994». وعلاوة على ذلك «أدت مهمتهما المشتركة طوال العقد الماضي لإبقاء (الرئيس السوري بشار) الأسد في السلطة إلى زيادة كبيرة في تعاونهما. وهذا يجعل من المحتمل أن تنطوي أي عمليات خارجية مستقبلية على تخطيط وتنفيذ تشغيليين مشتركين». وتحدث الباحثان عن «أدلة تشير إلى أن إيران و(حزب الله) سعيا في السنوات الأخيرة إلى إنشاء شبكة نائمة في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، يمكن تفعيلها لشن هجمات».
- محاولة اغتيال الجبير
وقالا إن «المؤامرة الفاشلة التي قادتها إيران عام 2011 لاستهداف السفير السعودي في واشنطن (عامذاك عادل الجبير) توضح أن الهجوم داخل الولايات المتحدة ليس أمراً لا يمكن تصوره»، فضلاً عن أن «ما قاله عضو (حزب الله) علي محمد كوراني لمكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) خلال المقابلات التي أجريت معه في عامي 2016-2017 أنه: في حالة خوض الولايات المتحدة وإيران الحرب، فإنه يتوقع استدعاء الخلية الأميركية النائمة للعمل». وأوضح المسؤولون الأميركيون أن «إيران و(حزب الله) لا يزالان يشكلان تهديداً محتملاً لأراضي الولايات المتحدة». ففي عام 2012، صرح مدير الاستخبارات الوطنية، جيمس كلابر، بأن المسؤولين الإيرانيين «أصبحوا الآن أكثر استعداداً لشن هجوم في الولايات المتحدة، رداً على الإجراءات الأميركية الحقيقية أو المتصورة التي تهدد النظام». وكذلك أشار مدير المركز الوطني الأميركي لمكافحة الإرهاب، نيك راسموسن، في أكتوبر (تشرين الأول) 2017، إلى «أننا نقدر أن (حزب الله) مصمم على منح نفسه خيار استهداف الأراضي الأميركية المحتمل كعنصر حاسم في دليله الإرهابي».
وخلص الكاتبان إلى أنه «على الرغم من أن صناع القرار في طهران سيظلون يفكرون بتأنٍ شديد قبل أن يضربوا الولايات المتحدة ثأراً لمقتل سليماني، فمن المهم بالنسبة لمحللي السياسات ومجتمع صناع السياسات أن يفهموا جهود إيران و(حزب الله) لإنشاء بنية تحتية للهجمات المحتملة في الغرب». واستنتجا أيضاً أنه «في ضوء ذلك، معطوفاً على السجل الحديث لنشاط إيران و(حزب الله) الإرهابي خارج الولايات المتحدة، يحدد المقال أيضاً أنه بعد مقتل سليماني، يمكن أن تكون إيران أقل تردداً في السماح بضربة انتقامية».



المرتزقة في ليبيا... عصف الحرب المأكول

TT

المرتزقة في ليبيا... عصف الحرب المأكول

بعد 9 أشهر من الحرب التي شنها قائد «الجيش الوطني الليبي»، المشير خليفة حفتر، على العاصمة الليبية طرابلس، في 4 أبريل (نيسان) 2019، مدعوماً بمقاتلين من مجموعة «فاغنر» الروسية، دفعت أنقرة بمرتزقة ينتمون لمجموعات سورية معارضة، أبرزها فصيل «السلطان مراد»، الذي غالبية عناصره من تركمان سوريا، إلى ليبيا. وبعد اقتتال دام 14 شهراً، نجحت القوات التابعة لحكومة فايز السراج، في إجبار قوات «الجيش الوطني» على التراجع خارج الحدود الإدارية لطرابلس.

وفي تحقيق لـ«الشرق الأوسط» تجري أحداثه بين ليبيا وسوريا والسودان وتشاد ومصر، تكشف شهادات موثقة، كيف انخرط مقاتلون من تلك البلدان في حرب ليست حربهم، لأسباب تتراوح بين «آيديولوجية قتالية»، أو «ترغيب مالي»، وكيف انتهى بعضهم محتجزين في قواعد عسكرية بليبيا، وأضحوا الحلقة الأضعف بعدما كان دورهم محورياً في بداية الصراع.

وفي يناير (كانون الثاني) 2024، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان، إن عدد عناصر «المرتزقة السوريين» في طرابلس تجاوز 7 آلاف سابقاً، لكن فرّ منهم نحو 3 آلاف وتحولوا إلى لاجئين في شمال أفريقيا وأوروبا.

مرتزقة الحرب الليبية.. وقود المعارك وعبء الانتصارات والهزائم