وفاة عاصم حمدان عاشق المدينة ومؤرخها

اصم حمدان (الشرق الأوسط)
اصم حمدان (الشرق الأوسط)
TT

وفاة عاصم حمدان عاشق المدينة ومؤرخها

اصم حمدان (الشرق الأوسط)
اصم حمدان (الشرق الأوسط)

فقد الوسط الأكاديمي السعودي ظهر اليوم (السبت)، قامة علمية رفيعة في اللغة والأدب والدراسات النقدية، هو البروفسور والمؤرخ عاصم حمدان، أستاذ الأدب والنقد بقسم اللغة العربية، في كلية الآداب بجامعة الملك عبد العزيز في جدة حيث وافته المنية وهو صائم.
ويُعدُّ عاصم حمدان الذي ولد في جدة 1953 أبرز من كتب عن تاريخ المدينة المنورة. مارس الكتابة الأدبية في الصحافة، بينها جريدة المدينة، حيث حملت زاويته عنوان: «ذكريات من الصُفَة»، ثم زاوية «رؤى فكرية»، أو المجلة العربية، كما كانت له زاوية باللغة الإنجليزية في صحيفة عرب نيوز. وتولى رئاسة تحرير مجلة الحج الصادرة عن وزارة الحج. ورئيساً لتحرير مجلة (جذور) التي تصدر عن النادي الأدبي الثقافي بجدة.
وألف عدداً من الكتب في المدينة المنورة، بينها كتابه المعروف: «قديم الأدب وحديثه في بيئة المدينة المنورة»، وكتاب: «حارة الأغوات: صورة أدبية للمدينة المنورة في القرن الرابع عشر الهجري»، و«المدينة المنورة بين الأدب والتاريخ»، و«الأخبار الغريبة فيما وقع بطيبة الحبيبة»، و«حارة المناخة: صورة أدبية للمدينة المنورة في القرن الرابع عشر الهجري»، كما كتب «أشجان الشامية: صورة أدبية لمكة المكرمة في العصر الحديث»، و«دراسات مقارنة بن الأدبين العربي والغربي»، وكتاب: «ذكريات من الحصوة»، وكتابه: «الأدب العربي في مدونات المستعربين»، و«هتاف من باب السلام»، و«التآمر الصهيوني الصليبي على الإسلام».
حصل عاصم حمدان على الدكتوراه في الفلسفة من جامعة مانشستر، وكان عنوان رسالته: (أدب المدينة المنورة في القرن الثاني عشر الهجري: دراسة نقدية اعتماداً على المصادر المعاصرة)، كما عمل أستاذا في قسم اللغة العربية بكلية الآداب في جامعة الملك عبد العزيز بجدة. وقبلها معيداً في جامعة أم القرى في مكة المكرمة.
في حين رثاه الكاتب الدكتور زيد الفضيل، واصفاً الفقيد بأنه «أستاذ نبيل؛ مدني مكيّ، وقلما أحد جمع ذلك بين أحد»، وأضاف: «ببالغ الأسى يغيب عن عالمنا اليوم عالم معرفي، جمع بين ذلاقة اللسان وعذوبة الكلمة، وكان حفيا قلبا وقالبا بمركزي النور والإيمان، فجمع بين لابتيه حب مكة المكرمة حيث درس وتعلم تعليمه العالي، وحب موطنه الذي ولد ونشأ به مدينة المصطفى طيبة الطيبة».
أما الدكتور عائض الردادي، فنعاه عبر «تويتر» قائلاً: «رحل اليوم د.عاصم حمدان علي الغامدي أستاذ الأدب في جامعة الملك عبد العزيز الذي أثرى الساحة الثقافية تدريسا وتأليفا، أحب المدينة وعني بتاريخها وأدبها وأعلامها: تأليفا وروايات، من عرف شمائل والده لا يستغرب ما اتصف به من مكارم الأخلاق، رحمه الله وعزاء لأسرته وللمثقفين».
أما الناقد والكاتب الدكتور حمزة قبلان، ‏‏‏الأستاذ السابق بجامعة الملك سعود، فعلق قائلاً: «رحم الله الأستاذ الدكتور عاصم وغفر له وتقبله في الصالحين. وخالص العزاء لأسرته الكريمة ولنا جميعا. كتب كثيرا عن المدينة المنورة وعن كثير من شخصياتها. وكانت كتاباته تلك كتابات محب لتلك الدار الكريمة وأهلها. أكرمه الله كفاء ما قدم من تلك الجهود».
الدكتور محمد بن سعيد الغامدي، أستاذ علم الاجتماع الأسري، ومدير مركز الأمير مشعل بن ماجد بن عبد العزيز للبحوث الاجتماعية والإنسانية بجامعة الملك عبد العزيز، نعاه عبر «تويتر» قائلاً: «كان علما من أعلام الساحة الثقافية والأدبية السعودية ورمزا من رموز قسم اللغة العربية بكلية الآداب بالجامعة وتخرج عدد كبير من طلاب الدراسات العليا بإشرافه وله إسهامات ثقافيه وصحافية عديدة».



«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)

يجيب معرض «الجمل عبر العصور»، الذي تستضيفه مدينة جدة غرب السعودية، عن كل التساؤلات لفهم هذا المخلوق وعلاقته الوطيدة بقاطني الجزيرة العربية في كل مفاصل الحياة منذ القدم، وكيف شكّل ثقافتهم في الإقامة والتّرحال، بل تجاوز ذلك في القيمة، فتساوى مع الماء في الوجود والحياة.

الأمير فيصل بن عبد الله والأمير سعود بن جلوي خلال افتتاح المعرض (الشرق الأوسط)

ويخبر المعرض، الذي يُنظَّم في «مركز الملك عبد العزيز الثقافي»، عبر مائة لوحة وصورة، ونقوش اكتُشفت في جبال السعودية وعلى الصخور، عن مراحل الجمل وتآلفه مع سكان الجزيرة الذين اعتمدوا عليه في جميع أعمالهم. كما يُخبر عن قيمته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لدى أولئك الذين يمتلكون أعداداً كبيرة منه سابقاً وحاضراً. وهذا الامتلاك لا يقف عند حدود المفاخرة؛ بل يُلامس حدود العشق والعلاقة الوطيدة بين المالك وإبله.

الجمل كان حاضراً في كل تفاصيل حياة سكان الجزيرة (الشرق الأوسط)

وتكشف جولة داخل المعرض، الذي انطلق الثلاثاء تحت رعاية الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة؛ وافتتحه نيابة عنه الأمير سعود بن عبد الله بن جلوي، محافظ جدة؛ بحضور الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»؛ وأمين محافظة جدة صالح التركي، عن تناغم المعروض من اللوحات والمجسّمات، وتقاطع الفنون الثلاثة: الرسم بمساراته، والتصوير الفوتوغرافي والأفلام، والمجسمات، لتصبح النُّسخة الثالثة من معرض «الجمل عبر العصور» مصدراً يُعتمد عليه لفهم تاريخ الجمل وارتباطه بالإنسان في الجزيرة العربية.

لوحة فنية متكاملة تحكي في جزئياتها عن الجمل وأهميته (الشرق الأوسط)

وفي لحظة، وأنت تتجوّل في ممرات المعرض، تعود بك عجلة الزمن إلى ما قبل ميلاد النبي عيسى عليه السلام، لتُشاهد صورة لعملة معدنية للملك الحارث الرابع؛ تاسع ملوك مملكة الأنباط في جنوب بلاد الشام، راكعاً أمام الجمل، مما يرمز إلى ارتباطه بالتجارة، وهي شهادة على الرّخاء الاقتصادي في تلك الحقبة. تُكمل جولتك فتقع عيناك على ختمِ العقيق المصنوع في العهد الساساني مع الجمل خلال القرنين الثالث والسابع.

ومن المفارقات الجميلة أن المعرض يقام بمنطقة «أبرق الرغامة» شرق مدينة جدة، التي كانت ممراً تاريخياً لطريق القوافل المتّجهة من جدة إلى مكة المكرمة. وزادت شهرة الموقع ومخزونه التاريخي بعد أن عسكر على أرضه الملك عبد العزيز - رحمه الله - مع رجاله للدخول إلى جدة في شهر جمادى الآخرة - ديسمبر (كانون الأول) من عام 1952، مما يُضيف للمعرض بُعداً تاريخياً آخر.

عملة معدنية تعود إلى عهد الملك الحارث الرابع راكعاً أمام الجمل (الشرق الأوسط)

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، قال الأمير فيصل بن عبد الله، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»: «للشركة رسالة تتمثّل في توصيل الثقافة والأصالة والتاريخ، التي يجهلها كثيرون، ويشكّل الجمل جزءاً من هذا التاريخ، و(ليان) لديها مشروعات أخرى تنبع جميعها من الأصالة وربط الأصل بالعصر»، لافتاً إلى أن هناك فيلماً وثائقياً يتحدّث عن أهداف الشركة.

ولم يستبعد الأمير فيصل أن يسافر المعرض إلى مدن عالمية عدّة لتوصيل الرسالة، كما لم يستبعد مشاركة مزيد من الفنانين، موضحاً أن المعرض مفتوح للمشاركات من جميع الفنانين المحليين والدوليين، مشدّداً على أن «ليان» تبني لمفهوم واسع وشامل.

نقوش تدلّ على أهمية الجمل منذ القدم (الشرق الأوسط)

وفي السياق، تحدّث محمد آل صبيح، مدير «جمعية الثقافة والفنون» في جدة، لـ«الشرق الأوسط» عن أهمية المعرض قائلاً: «له وقعٌ خاصٌ لدى السعوديين؛ لأهميته التاريخية في الرمز والتّراث»، موضحاً أن المعرض تنظّمه شركة «ليان الثقافية» بالشراكة مع «جمعية الثقافة والفنون» و«أمانة جدة»، ويحتوي أكثر من مائة عملٍ فنيّ بمقاييس عالمية، ويتنوع بمشاركة فنانين من داخل المملكة وخارجها.

وأضاف آل صبيح: «يُعلَن خلال المعرض عن نتائج (جائزة ضياء عزيز ضياء)، وهذا مما يميّزه» وتابع أن «هذه الجائزة أقيمت بمناسبة (عام الإبل)، وشارك فيها نحو 400 عمل فني، ورُشّح خلالها 38 عملاً للفوز بالجوائز، وتبلغ قيمتها مائة ألف ريالٍ؛ منها 50 ألفاً لصاحب المركز الأول».

الختم الساساني مع الجمل من القرنين الثالث والسابع (الشرق الأوسط)

وبالعودة إلى تاريخ الجمل، فهو محفور في ثقافة العرب وإرثهم، ولطالما تغنّوا به شعراً ونثراً، بل تجاوز الجمل ذلك ليكون مصدراً للحكمة والأمثال لديهم؛ ومنها: «لا ناقة لي في الأمر ولا جمل»، وهو دلالة على أن قائله لا يرغب في الدخول بموضوع لا يهمّه. كما قالت العرب: «جاءوا على بكرة أبيهم» وهو مثل يضربه العرب للدلالة على مجيء القوم مجتمعين؛ لأن البِكرة، كما يُقال، معناها الفتيّة من إناث الإبل. كذلك: «ما هكذا تُورَد الإبل» ويُضرب هذا المثل لمن يُقوم بمهمة دون حذق أو إتقان.

زائرة تتأمل لوحات تحكي تاريخ الجمل (الشرق الأوسط)

وذُكرت الإبل والجمال في «القرآن الكريم» أكثر من مرة لتوضيح أهميتها وقيمتها، كما في قوله: «أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ» (سورة الغاشية - 17). وكذلك: «وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ» (سورة النحل - 6)... وجميع الآيات تُدلّل على عظمة الخالق، وكيف لهذا المخلوق القدرة على توفير جميع احتياجات الإنسان من طعام وماء، والتنقل لمسافات طويلة، وتحت أصعب الظروف.