«النهاية»... يدفع الدراما العربية إلى تصنيف جدي

بعد عرض أكثر من عشرين حلقة منه، أثبت المسلسل المصري «النهاية»، أول مسلسل خيال علمي في مصر، جدارته على المستوى الفني والتقني والبصري، ليدفع بالدراما العربية إلى الدخول في تصنيف فني جديد.
ورغم أن العمل يقترب بنسبة كبيرة من سينما المستقبل والذكاء الصناعي، والتي سبقت إليها هوليوود بسنوات طويلة، فإن مؤلفه عمرو سمير عاطف، قال إنه لم يعتمد في كتابته على أي اقتباسات، رغم اقتراب الشبه بين الإنسان الآلي في المسلسل بشكل كبير من بطل فيلم «ذا ترمنايتور» للمخرج جيمس كاميرون، كما أن الصراع بين الإنسان والإنسان الآلي يشير إلى تأثره بأعمال في السينما العالمية، منها فيلم «بليد رانر» للمخرح ريدلى سكوت.
ويحتفظ مسلسل «النهاية» بالخطوة الأولى في الدراما العربية تجاه دراما الخيال العلمي، وهو ما تؤكده الناقدة خيرية البشلاوي في تصريحاتها لـ«الشرق الأوسط» قائلة «المسلسل ينتمي إلى نوعية فنية لم تعتدها الدراما، بل ولم تبدأها أصلاً، وقد قدمها بقوة وباستلهام من اللغة البصرية التي سبقتنا؛ لأن الخيال العلمي نوعية متقدمة جداً في السينما الأميركية بشكل خاص».
وتؤكد البشلاوي، أن المسلسل تعامل مع التقنيات الحديثة بنضج، ووصل بالتكنولوجيا إلى مستوى غير متوقع في المؤثرات البصرية والصوتية والخدع التي يمكن أن تستحوذ بشكل كامل على المتلقي، وتمنحه شحنة ترفيهية عالية جداً، وتوسع مداركه لإمكانية أن تصنع التكنولوجيا شيئاً مختلفاً تماماً، خصوصاً أن الكومبيوتر بات يلعب دوراً مهماً جداً في إعادة إنتاج كثير من الأحداث السابقة والمستقبلة؛ إذ لم يعد الخيال العلمي مستحيلاً، ولأول مرة نرى تأثيره على صناعة الدراما المصرية بما يؤكد أننا نملك أدوات الخيال العلمي.
ويستشرف «النهاية» المستقبل خلال عام 2120، ويتنبأ بحل مشاكل الطاقة، حيث يتم الاعتماد على الشمس في صنع بطاريات تمد الإنسان بطاقة هائلة ومستمرة، ومن الأمور العلمية الشديدة التعقيد، والتي تعرّض لها المسلسل، فكرة استدعاء الوعي البشري من الماضي، ووضعه على أقراص معدنية لعرضها على جهاز كومبيوتر، للاستفادة منها في معرفة تفكير عقول العلماء وهي تقدم اختراعاتها.
كما استعرض تقنية الشاشات الهوائية، والمحمول الهوائي، وأسلوب التنقل بالسيارات الفضائية، أو الطائرات من دون طيار (الدرون)، وأشار إلى أخطار التلوث بالإشعاع النووي، وشكل العالم بعد انتهاء أميركا وانفصال كل ولاية فيها، وقدم الدول العربية وهي متحدة، بعد سقوط دولة إسرائيل، وعودة القدس عربية بعد حرب عالمية كبرى سميت بحرب تحرير القدس.
وركز العمل بذكاء شديد كل أحداثه داخل فلسطين، حيث أصبح العرب المسلمون أسياد العالم بمسماهم الجديد «التكتل»، ونجح مبتكر الغرافيك ومهندس الديكور ومصمم الأزياء مع استخدام التقنيات الحديثة، في تجسيد واقع شوارع وحواري مدينة القدس، وما سيكون عليه الحال من صراع وتحدٍ مستقبلي بين الأفراد والشركات والمنظمات والدول، حيث يسعى فيه البطل الذي يعمل مهندساً للفضاء على سيطرة بعض شركات التكنولوجيا والتقدم على حساب حياة البشر، لكن هذه المحاولات تذهب إلى مواجهات خطيرة مع ظهور إنسان آلي مستنسخ من البطل، ما يساهم في إخراج شكل جديد للدراما الرمضانية هذا العام، وهي تجربة تستحق التشجيع لتفردها في المنطقة العربية، حيث يحقق المسلسل نسب مشاهدة عالية رغم كل ما يثار حوله من جدل، وفق نقاد.
يقوم يوسف الشريف بأداء شخصيتي المهندس (زين)، والروبوت الذي يعتمد على نسخة الوعي منه، مجسداً صراعاً بين العقل الذي صمم مكعباً جديداً للطاقة، والقوة التي يملكها الإنسان الآلي، وقد جاءت ردود فعل الشخصيتين باردة وفاترة، أمام قوة مشاعر الممثلة سهر الصباغ (صباح) تلك المرأة التي تبحث عن حب حياتها، وعبقرية الأداء الكوميدي وما تعكسه شخصية عمرو عبد الجليل، ومع تطور دراما الأحداث يفتقد كل من ناهد السباعي وأحمد وفيق إلى تنويع انفعالاتهم لدعم فكرة الخيال العلمي غير المسبوقة.
وأشادت البشلاوي بمستوى الأداء التمثيلي لأبطال العمل، مؤكدة «المسلسل قدم أداءً تمثيلياً رائعاً ينطوي على قدر كبير من الطموح الفني، فلم نشاهد أعمالاً بقوة (النهاية) كما أنه في الوقت نفسه شيق ومثير، وهذا ليس غريباً على بطله الفنان يوسف الشريف فهو ممثل طموح ومتطور واختياراته مهمة جداً، ومعظم أعماله من أفكاره مثل (كفر دلهاب)، (الصياد)، (رقم مجهول)، وقد اختار أن يلعب في منطقة الإثارة والتشويق، كذلك فإن سهر الصايغ أدت دورها بتميز لافت، أما عمرو عبد الجليل فهو ممثل رائع و(كاركتر) يقدم أدواراً غير نمطية وله إضافاته كممثل على الشخصية التي يؤديها».
وتكمن صعوبة تصوير هذه النوعية من الأعمال في تصوير مشاهدها في مكان خال من أي شيء، وخلال مرحلة المونتاج يتم بناء كل شيء خاص بها، مع الأخذ في الاعتبار أداء وحركة الممثلين، وتخيل أشياء وأشخاص وأماكن لا وجود لها داخل لوكيشن التصوير، ويقع عاتق خروج المسلسل بالشكل الذي شاهده الجمهور على المخرج ياسر سامي، الذي مزج بين الدراما والجودة الفنية للعمل، والتي تمثلت في الجمع بين خمسة عناصر أساسية وهي الديكور والملابس والجرافيك والممثلين، واستخدام التكنولوجيا الجديدة في الشكل المستقبلي.