عبير موسي... «البورقيبية» المعارضة في مواجهة «إخوان تونس»

المحامية المثيرة للجدل دافعت عن بن علي... فازدادت شعبيتها

عبير موسي... «البورقيبية» المعارضة في مواجهة «إخوان تونس»
TT

عبير موسي... «البورقيبية» المعارضة في مواجهة «إخوان تونس»

عبير موسي... «البورقيبية» المعارضة في مواجهة «إخوان تونس»

وقفت المحامية الشابة عبير موسي مطلع شهر مارس (آذار) 2011 أمام محكمة نظرت في قضية حل حزب الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي «التجمع الدستوري الديمقراطي». يومذاك، لم يتوقع أحد أن تزداد شعبيتها بمرور السنوات تقديراً «لوفائها» لحزبها ولرئيس النظام المنهار، بينما تبرأ فيه معظم كبار المسؤولين السابقين منهما. وفي المقابل، تعرّضت موسي إلى حملة إعلامية غير مسبوقة، وتوقع كثيرون من المراقبين «موتها سياسياً». واتهمها بعض زملائها المحامين اليساريين والإسلاميين أمام المحاكم بالاعتداء عليهم بالعنف المادي عبر «الغاز المخدّر»، وبالدفاع عن «منظومة الفساد والاستبداد التي ثار ضدها الشعب» أواخر 2010 ومطلع 2011. لكن، أخيراً، ساهم إعلان وزارة الداخلية عن إدراج «تنظيمات إرهابية» اسم عبير موسي ضمن قائمة السياسيين المرشحين للاغتيال في زيادة شعبيتها وتعاطف كثيرين معها وسط مخاوف البعض من انزلاق مجدداً تونس باتجاه الاهتزازات الأمنية.

في المرحلة التي تلت سقوط حكم الرئيس التونسي الأسبق زبن العابدين بن علي لم يتوقع أحد أن تصبح محامية وسياسية من الصف الثاني زعيمة بارزة من زعماء المعارضة عام 2020، وحقاً هذا ما حصل مع عبير موسي التي حصلت على 4 في المائة (أي 135 ألف صوت) فقط من أصوات الناخبين في الدور الأول للانتخابات الرئاسية التي نظمت يوم 15 سبتمبر (أيلول) 2019.
ما الذي تغير، ومكّن هذه السياسية المشهد السياسي والبرلماني لتغدو «العدو الأول» لرفاقها القدامى، ثم لحزب «حركة النهضة» وتيار «الإسلام السياسي» وحلفائه اليساريين والليبيراليين، ومن ثم للرئيسين قيس سعيّد والياس الفخفاخ، اللذين رفضت مراراً دعوات وجهاها لها للحوار معها في قصري الرئاسة؟
الوزير محمد الغرياني، آخر أمين عام للحزب الحاكم في عهد بن علي، قلل في تصريح لـ«الشرق الأوسط» من «زعامة» عبير موسي ومن رصيدها السياسي. وأورد أنها «لم تكن أبداً عضواً في القيادة المركزية للحزب الحاكم»، بل عينت في يناير (كانون الثاني) 2009 موظفة برتبة «أمينة قارة»، أي مساعدة للأمين العام مكلفة شؤون المرأة، وهذا، بعد تجربة سياسية وحزبية قصيرة «في الصف الثاني لخلية المحامين» المنتمين للحزب، وتجربة إدارية «متواضعة» في إحدى بلديات أحياء العاصمة تونس، وكذلك في جمعية نسائية كانت تدعم بقوة ليلى الطرابلسي حرم الرئيس الراحل بن علي.

- انتقادات... وكاريزما
أيضاً صدرت تصريحات عنيفة ضد موسي عن قياديين سابقين في الدولة والحزب الحاكم، بينهم وزير الخارجية والدفاع الأسبق وزعيم حزب «المبادرة الدستورية» كمال مرجان، ناهيك من الرئيس السابق الباجي قائد السبسي والمقرّبين منه في حزب «نداء تونس».
إلا أن موسي تحدّت كل «القيادات التاريخية لحزب بورقيبة وبن علي» وكل رؤسائها السابقين، واتهمتهم بـ«التخاذل» و«التواطؤ مع الإخوان الانقلابيين» في يناير 2011 «بدعم من دول غربية وعربية». ورفضت دعوات قائد السبسي للالتحاق مع أنصارها بحزبه قائلة: «لن أترك بيتي وأذهب إلى بيت الجيران».
تصريحات عبير موسي، التي وصفها معظم الساسة والإعلاميين لسنوات بـ«الاستفزازية»، تراكمت. ثم راجت في المواقع الاجتماعية، وساهمت في التسويق لشخصية كاريزماتية قيادية جديدة، ولسياسية طموحة فتحت معارك مع «الكبار» فنجحت في مشاكسة كل خصومها ومعارضيها داخل الحزب الحاكم قبل 2011 ومعارضيه السابقين، وبالأخص، قيادات «النهضة» و«الإخوان» ومن تصفهم بـ«المتخاذلين» الليبيراليين واليساريين المتحالفين معهم..

- البديل الوحيد»؟
وبعدما كشفت انتخابات أكتوبر (تشرين الأول) الماضي اختلال التوازن داخل المشهد السياسي والحزبي في تونس لصالح التيارات الليبيرالية والإسلامية المحافظة وهزيمة مرشحي «العلمانيين» و«الحداثيين» تغيّر الوضع. إذ بدأت أطراف سياسية وإعلامية وجمعيات نسائية كثيرة تقترب من موسي وتعتبرها «زعيمة صاعدة» و«البديل الوحيد عن الإخوان وأحزاب الإسلام السياسي وحلفائهم»، حسب تقدير الباحث في علماء الاجتماع والإعلامي المنذر بالضيافي في تصريح لـ«الشرق الأوسط».
وفي المقابل، رجّح الباحثان في علم الاجتماع السياسي نور الدين العلوي والحبيب بوعجيلة في لقاءين مع «الشرق الأوسط»، وجود «دعم من لوبيات محلية ودولية لعبير موسي؛ لأنها معادية للثورات العربية ولمسار الانتقالي الديمقراطي في تونس. لذا؛ تقرر تضخيم دورها ودفعها إلى الواجهة كي تتزعم المعارضة».
في هذه الأثناء، التحق بمساندي موسي في معاركها البرلمانية مع قيادات «النهضة» والكتل البرلمانية المتحالفة معها بعض مشاهير الجامعيين والإعلاميين اليساريين والليبيراليين مثل سلوى الشرفي، مديرة معهد الصحافة والإعلام السابقة، والشاعرة الليبيرالية آمال مختار، والكاتب والمدير العام للإذاعة والتلفزة الوطنية سابقا عبد العزيز قاسم، وأستاذ الفلسفة والكاتب حمادي بن جاء بالله.

- «زعيمة وطنية»...
من جانبه، اعتبر المنصف البركوس، القيادي السابق في نقابات الصناعيين والتجار والسياسي المخضرم، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «عبير موسي نجحت في أن تصبح زعيمة سياسية وطنية بعد وفاة الباجي قائد السبسي وانهيار حزبه وفشل تلامذته في خلافته، بمن فيهم رئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد، ووزير الدفاع السابق عبد الكريم الزبيدي، والوزير السابق محسن مرزوق، والوزير المستشار السابق ناجي جلول.»... ورأى البركوس، أن «أنصار عبير موسي اليوم تزايدوا فبات عددهم أكبر بكثير من أقلية تعلن وفاءها لسياسات الزعيم الحبيب بورقيبة والرئيس زين العابدين بن علي ما بين 1956 و2010».

- ... أم «ظاهرة صوتية»
لكن موسي تظل بالنسبة لنفر من الإعلاميين والسياسيين «ظاهرة صوتية» و«سياسية مشبوهة» تؤدي «دوراً وظيفياً لصالح دول معادية للانتقال الديمقراطي والإصلاح السياسي والاقتصادي في تونس»، على حد تعبير عصام الشابي، الأمين العام للحزب الجمهوري المعارض والناشط الحقوقي البارز قبل 2011. وكان الشابي قد وجه أخيراً في بيان رسمي باسم حزبه انتقادات حادة لموسي، وشكك في وطنيتها، وقلل من جدية الحديث عن دور سياسي وطني يمكن أن تلعبه على رأس المعارضة. وادعى أن غالبية القياديين في حزبها «شخصيات نكرة» ما عدا عضو البرلمان السابق ثامر سعد.
وفي السياق نفسه، قلل المثقف اليساري والمستشار السابق في الرئاسة التونسية ناجي جلول لـ«الشرق الأوسط» من فرص نجاح تزعم عبير موسي للمعارضة التونسية، واعتبر أن «نتائجها في الانتخابات البلدية والرئاسية والبرلمانية الماضية تؤكد أن حجمها سيتراوح في أي انتخابات جديدة بين 4 و10 في المائة فقط؛ لأن الشباب والجيل الجديد من الجنسين لا يبالون كثيراً بالمعارك السياسية الآيديولوجية الموروثة بين بورقيبة وبن علي وقيادات الإخوان المسلمين واليسار الماركسي».

- ألغاز... وتساؤلات
من ناحية أخرى، بينما يثير الكثير من المراقبين السياسيين والإعلاميين في وسائل الإعلام نقاط استفهام حول «الجهات التي تقف وراء عبير موسي» محلياً وإقليمياً ودولياً، يلاحظ آخرون أنها بدأت تكسب فعلاً مساندة مالية وإعلامية وسياسية من بعض رجال الأعمال وأوساط مؤثرة في صنع القرار الوطني، الذين دأبوا على زيارة مكتبها والتحاور معها. ثم إن موسي التي ولدت وتنتمي إلى منطقة الساحل التونسي، موطن الرئيسين بورقيبة وبن علي، ابنة عائلة ضباط في الأمن، فوالدها أمني سابق وزوجها عقيد في وزارة الداخلية حالياً. ولقد ساهم إعلان وزارة الداخلية أخيراً عن إدراج «تنظيمات إرهابية» اسم موسي ضمن قائمة السياسيين المرشحين للاغتيال في زيادة شعبيتها. وحقاً، توالت بيانات التضامن مع موسي مع التحذير من «سيناريو» دفع تونس نحو مسلسل من الاغتيالات السياسية على غرار ما حصل في 2013. وانخرط في إصدار مثل هذه البيانات رئيس البرلمان راشد الغنوشي ورؤساء الأحزاب المشاركة في الحكم ومسؤولون كبار في الدولة وفي الحزب الحاكم قبل يناير 2011، مثل الوزراء البشير التكاري، وأحمد عياض الودرني، والصادق شعبان.
هكذا تغيّر المناخ السياسي لصالح عبير موسي تدريجياً داخل الطبقة السياسية الحاكمة السابقة، ولم تعد «معزولة» مثلما كان عليه وضعها مطلع 2011، عندما انسحب معظم رموز الدولة والحزب الحاكم السابق من المشهد السياسي. ومن ثم، اتهموها بـ«المراهقة السياسية» عندما قررت الوقوف «ضد التيار»، وخوض صراع مع «الثوريين»، والترافع - وهي محامية في الـ35 من العمر - أمام المحاكم ضد «الحكام الجدد الذين انقلبوا على حكم بن علي» وضد من تحالف معهم من رموز النظام السابق بزعامة الرئيسين الباجي قائد السبسي، وفؤاد المبزّع، ورئيس الحكومة الانتقالية الأولى محمد الغنوشي.
نعم، عاد تيار من «الطبقة السياسية الحاكمة السابقة» لدعم عبير موسي بعد سنوات من تجاهلها وإهمالها والتشكيك في نجاعة تحركاتها ضد من وصفتهم بـ«الانقلابيين» وشككت في «ثوريتهم» ووطنيتهم، بما في ذلك القيادات السابقة للمعارضة التي فازت أحزابها في انتخابات «أكتوبر2011» بزعامة المنصف المرزوقي، ومصطفى بن جعفر، وراشد الغنوشي، وأحمد نجيب الشابي، وغيره من قيادات اليسار الماركسي والقوميين.

- الإنصاف والمصالحة الوطنية
غير أن المسار السياسي لعبير موسي، ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، يبدو رهين أوراق عديدة تتجاوز معاركها مع «الانقلابيين» و«الإخوان» و«الثورجيين»، من بينها «سيناريوهات» تطور مسار العدالة الانتقالية والإنصاف والمصالحة الوطنية.
لقد تصدّرت عبير موسي منذ بضع سنوات قائمة الشخصيات الذين انتقدت بحدّه الزعيمة الحقوقية اليسارية سهام بن سدرين، رئيسة «هيئة الحقيقة والكرامة» التي كلفت بالتحقيق في ملفات العدالة الانتقالية والإنصاف والمصالحة ما بين 2014 و2019. وينتقد مسؤولون سابقون في حزب قائد السبسي، مثل الوزير الأسبق عبد العزيز العاشوري، موسي... ويتهمونها بتعطيل مسار المصالحة بين رموز الدولة ورجال الأعمال قبل ثورة 2011 وبعدها، وهو ما أدى في نظرهم إلى تمديد مسلسل المحاكمات بينهم.
وللعلم، تسبب مسار المصالحة، الذي تبنّاه البرلمان السابق وزعيما الحزبين الكبيرين الباجي قائد السبسي وراشد الغنوشي، في إعادة إحالة مئات من الوزراء وكبار الموظفين في الدولة على المحاكم التي كلفتها هيئة «الإنصاف والمصالحة»، بقيادة بن سدرين، بإعادة محاكمة «رموز النظام السابق» بتهم التعذيب والفساد المالي والسياسي. لكن موسي تتمادى في معارضتها لكل أشكال المصالحة مع من تصفهم بـ«الإخوان والسياسيين المتخاذلين المتحالفين معهم». وتستدل على ما تعتبره نجاحاً في سياستها أن القضاء ألغى قبل سنة ونصف السنة حكماً بسجنها لمدة 6 أشهر بعد شكوى ضدها وجهها إليها المحامي نبيل بدشيش، اتهمها فيها بالاعتداء عليه بـ«غاز يشلّ الحركة»، خلال جلسة في المحكمة أسفرت عن حلّ حزب بن علي في مارس 2011. ولقد خاضت موسي معركة مع نقابة المحامين والمنظمات الحقوقية، واتهمتها بتلفيق التهم ضدها، مدعية أن الهدف من وراء محاكمتها محاولة إرباكها سياسياً.
لكن هل تكفي المعارك السياسية «ضد الآخر» وحدها لأن تصنع من عبير موسي زعيمة فعلية لكل معارضي الحكومة ورئيس الجمهورية وقيادات «النهضة»... أم يصبح مفعول تلك المعارك عكسياً في مرحلة تستفحل فيها معاناة الشباب من البطالة والتهميش التي قد تزداد تعقيها بسبب معضلات البلاد الاقتصادية والاجتماعية بعد أزمة «كوفيد - 19»؟
الردّ قد يأتي قريباً من الشارع ضد غالبية السياسيين، سواءً في الحكم وفي المعارضة، بمن فيهم عبير موسي ورفاقها.

- بطاقة هوية
- ولدت عبير موسي في بلدة جمّال، بمحافظة المنستير، يوم 15 مارس (آذار) عام 1975.
- تحمل درجة الماجستير في القانون وشهادة الدراسات المعمقة في القانون الاقتصادي وقانون الأعمال.
- محامية في نقابة المحامين في محكمة التعقيب.
- نائبة رئيس بلدية أريانة (ضواحي العاصمة تونس).
- عضو في المنتدى الوطني للمحامين في التجمع الدستوري الديمقراطي والأمينة العامة للجمعية التونسية لضحايا الإرهاب.
- في يناير 2010، عيّنت نائبة للأمين العام للمرأة في « التجمع الدستوري الديمقراطي».
- انضمت عام 2011 إلى «الحركة الدستورية» (التي أسسها رئيس الوزراء السابق حامد القروي).
- عيّنت في 13 أغسطس (آب) 2016 رئيساً للحركة الدستورية، التي صارت «الحزب الدستوري الحر».



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».