منظمة التجارة العالمية «تندفع نحو المجهول»

باتت أمامها مخاطر لم تواجهها منذ الحرب الباردة

رئيس منظمة التجارة روبرتو أزفيدو قرر الاستقالة قبل عام من اكتمال ولايته الثانية (أ.ف.ب)
رئيس منظمة التجارة روبرتو أزفيدو قرر الاستقالة قبل عام من اكتمال ولايته الثانية (أ.ف.ب)
TT

منظمة التجارة العالمية «تندفع نحو المجهول»

رئيس منظمة التجارة روبرتو أزفيدو قرر الاستقالة قبل عام من اكتمال ولايته الثانية (أ.ف.ب)
رئيس منظمة التجارة روبرتو أزفيدو قرر الاستقالة قبل عام من اكتمال ولايته الثانية (أ.ف.ب)

عمْر المؤسسات الدولية المعنية بتنظيم العلاقات التجارية بين دول العالم لا يدوم طويلاً، حسب الكاتب والمحلل الأميركي ديفيد فيكلنغ، الذي يرى في تحليل نشرته وكالة «بلومبرغ» أنه بعد 25 عاماً من تأسيس منظمة التجارة العالمية، يبدو أنها تندفع نحو المجهول وباتت قريبة من مصير سابقاتها.
فالكثير من المنظمات الدولية في العالم بعمر يماثل عمر الدول القومية. فالاتحاد الدولي للاتصالات أقدم من دولة ألمانيا، ومنظمة الملكية الفكرية العالمية تنحدر من مؤسسة أسهم في إنشائها الأديب والشاعر الفرنسي فيكتور هوغو، في القرن التاسع عشر.
رئيس منظمة التجارة روبرتو أزفيدو الذي تولى المنصب منذ سبع سنوات قرر الاستقالة بحلول أغسطس (آب) المقبل، أي قبل عام من اكتمال ولايته الثانية، حسب بيان رسمي صدر أول من أمس (الخميس).
هذا القرار الذي أعلنه البرازيلي أزفيدو ليس مفاجأة على الإطلاق. فالمملكة التي يجلس على عرشها تنهار بالفعل. وتحرير التجارة العالمية بوصفه الهدف الرئيسي لمنظمة التجارة العالمية وللمنظمة السابقة عليها التي كانت تحمل اسم «الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة» (جات) وصل إلى طريق مسدود منذ أكثر من 10 سنوات عندما فشلت جولة الدوحة لتحرير التجارة العالمية بسبب الخلاف بين الدول الأعضاء حول تجارة الخدمات والمنتجات الزراعية.
ويمكن القول إن اتفاقيات التجارة الحرة التي تم توقيعها منذ ذلك الوقت ليست أكثر من اتفاقيات للمعاملة التفضيلية التي تؤدي إلى تقييد حرية التجارة أكثر مما تؤدي إلى زيادة انفتاحها. ويتم التعامل مع كبرى الاتفاقيات الإقليمية للتجارة الحرة والتي جرى التفاوض بشأنها خلال السنوات العشر الماضية، وهي اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ ثم الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، بوصفها جبهات لصراع القوى الناعمة بين الصين والولايات المتحدة أكثر من كونها أداة للمساهمة في تحرير التجارة. هذا التنافس بين الولايات المتحدة والصين ألقى بظلاله الكثيفة في العام الماضي على «هيئة الاستئناف» التابعة لمنظمة التجارة العالمية والتي تقوم بأهم وظائف المنظمة المتبقية بعد انهيار جولة الدوحة. فهذه الهيئة ذات التشكيل القضائي والتي تتولى الفصل في النزاعات التجارية بين الدول الأعضاء، حلّت إحدى أهم المشكلات التي واجهت منظمة «جات» السابقة وهي العجز عن إلزام القوى الاقتصادية الكبرى بقراراتها. ولكن مع ظهور الصين كقوة تصدير عالمية، ومع تعيين المناهض لمنظمة التجارة العالمية روبرت لايتزر، ممثلاً تجارياً للولايات المتحدة، كان تفكيك هيئة الاستئناف في العام الماضي أمراً محتوماً، وهو ما حدث بالفعل حيث أصيبت الهيئة بالشلل نتيجة رفض الولايات المتحدة تعيين قضاة جدد فيها يحلون محل القضاة الذين انتهت ولايتهم.
والآن تواجه التجارة العالمية مخاطر لم تواجهها منذ سنوات الحرب الباردة في القرن العشرين.
على المدى القصير، أصابت جائحة فيروس «كورونا» حركة التجارة العالمية بالشلل تقريباً. وتتوقع منظمة التجارة العالمية، تراجع حركة التجارة خلال العام الحالي بما يصل إلى 32%. وفي حين كان حجم تجارة السلع بين دول العالم تزداد بشكل مطّرد عند التغاضي عن التقلبات من شهر إلى آخر، فإنه شهد تراجعاً على مدى نحو عام متصل حتى قبل تفشي الجائحة. والاتفاق التجاري بين الولايات المتحدة والصين والذي تم الإعلان عنه بكثير من الضجيج في يناير (كانون الثاني) الماضي لا يساوي الحبر الذي كُتب به، حسب فيكلنغ. ومؤخراً هدد الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بالتراجع عن هذا الاتفاق، في الوقت الذي يتهم فيه الصين بالمسؤولية عن تفشي فيروس «كورونا» في العالم. ورغم أن المشهد الراهن يبدو قاتماً للغاية، فإن مسار تحرير التجارة لم يكن سهلاً أبداً. فقد وُلدت منظمة «جات» على أطلال منظمة التجارة الدولية والتي بلورها جون مينارد كينيز، كمنظمة عالمية تستهدف القضاء على العجز والفائض التجاري في العلاقات بين الدول. ثم جاءت منظمة التجارة العالمية نفسها لعلاج انحرافات «جات» والتي أصبحت غير ذات جدوى في الثمانينات، عندما ساعد محامٍ أميركي شاب يُدعى روبرت لايتزر، في جولة سابقة من الدبلوماسية التجارية القوية بين الولايات المتحدة واليابان. وتَشكُّك البعض عندما شهدت اجتماعات منظمة التجارة العالمية في مدينة سياتل الأميركية عام 1999 موجة احتجاجات قوية من جانب مناهضي العولمة، هو تَشكُّك في أن يؤدي انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية في أواخر القرن الماضي إلى أغنى فترات التجارة العالمية. ورغم ذلك ما زال هناك ما يدعو للأمل في أن تجد التجارة العالمية طريقاً لتجاوز مشكلاتها الحالية، رغم الظلام الشديد الذي يحيط بها حالياً. فالفكرة السائدة بأن تحرير التجارة يساعد فقط الأغنياء فكرة مبررة. ولكنّ هذا لا يعود إلى قصور من جانب منظمة التجارة، بقدر ما يعود إلى فشل حكومات الدول في الاستفادة من مزايا التجارة الحرة لتحسين أوضاع الطبقات العاملة فيها. وربما يحتاج الأمر إلى سقوط النظام الحالي للتجارة العالمية وإقامة نظام جديد يناسب القرن الحادي والعشرين.


مقالات ذات صلة

شي وبوتين يدعوان في أستانا إلى عالم «متعدّد الأقطاب»

آسيا الرئيس البيلاروسي ونظيره الصيني (يمين ويسار الصورة من الخلف) (رويترز)

شي وبوتين يدعوان في أستانا إلى عالم «متعدّد الأقطاب»

تدخل قمة أستانا في إطار تحرّكات دبلوماسية مستمرّة في آسيا الوسطى، التي يجتمع قادة دولها بانتظام مع بوتين وشي.

«الشرق الأوسط» (استانا (كازاخستان))
الاقتصاد تخوف عالمي من انعكاس الأحداث الجيوسياسية الأخيرة في المنطقة على منظومة سلاسل الإمداد العالمية (الشرق الأوسط)

التوترات الجيوسياسية تضغط على سلاسل الإمداد العالمية

زيادة المخاوف إزاء التداعيات العالمية للتصعيد الإيراني - الإسرائيلي عالمياً بدأت تطرح تساؤلات حول مدى انعكاس هذا التطور على التجارة العالمية وسلاسل الإمداد

بندر مسلم (الرياض)
الاقتصاد شعار منظمة التجارة العالمية في جنيف (إ.ب.أ)

منظمة: التجارة العالمية ستتعافى باطراد بعد تراجع نادر في 2023

توقعت منظمة التجارة العالمية أن تتعافى تجارة السلع العالمية هذا العام، لكن بشكل أبطأ مما كان متوقعاً في السابق، بعد تراجعها في 2023 للمرة الثالثة في 30 عاما.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
الاقتصاد سيارات صينية معدّة للتصدير في ميناء ليانيونقانغ شرق البلاد (أ.ف.ب)

شكوى صينية أمام «التجارة العالمية» ضد خطط أميركية للسيارات الكهربائية

قدمت الصين شكوى إلى منظمة التجارة العالمية ضد الولايات المتحدة، يوم الثلاثاء، بشأن ما تقول إنها متطلبات تمييزية لدعم السيارات الكهربائية.

«الشرق الأوسط» (بكين)
الاقتصاد مبنى منظمة التجارة العالمية في سويسرا (الشرق الأوسط)

السعودية ترأس جهاز تسوية المنازعات في منظمة التجارة العالمية

وافق المجلس العمومي لمنظمة التجارة العالمية في اجتماعه مؤخراً بالإجماع على ترؤس مندوب المملكة الدائم لدى منظمة التجارة العالمية صقر بن عبد الله المقبل.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

جزر المحيط الهادئ تعزز أمنها بعد اجتماع القادة... وترفض قطع العلاقة بتايوان

زعماء دول المحيط الهادئ خلال الاجتماع الثالث والخمسين لزعماء منتدى جزر المحيط الهادئ في نوكو ألوفا، تونغا 29 أغسطس 2024 (إ.ب.أ)
زعماء دول المحيط الهادئ خلال الاجتماع الثالث والخمسين لزعماء منتدى جزر المحيط الهادئ في نوكو ألوفا، تونغا 29 أغسطس 2024 (إ.ب.أ)
TT

جزر المحيط الهادئ تعزز أمنها بعد اجتماع القادة... وترفض قطع العلاقة بتايوان

زعماء دول المحيط الهادئ خلال الاجتماع الثالث والخمسين لزعماء منتدى جزر المحيط الهادئ في نوكو ألوفا، تونغا 29 أغسطس 2024 (إ.ب.أ)
زعماء دول المحيط الهادئ خلال الاجتماع الثالث والخمسين لزعماء منتدى جزر المحيط الهادئ في نوكو ألوفا، تونغا 29 أغسطس 2024 (إ.ب.أ)

أقر منتدى جزر المحيط الهادئ خطة لتعزيز أعداد الشرطة بين أعضائه، مما يقلل الحاجة إلى الاعتماد على القوى الخارجية في الأزمات، حيث أيدت جزر سليمان حليفة الصين الأمنية المبادرة التي تمولها أستراليا، اليوم (الجمعة)، وفق ما نقلته وكالة «رويترز» للأنباء.

وقال رئيس وزراء جزر كوك مارك براون، رئيس المنتدى، في اليوم الأخير من اجتماع سنوي لزعماء دول جزر المحيط الهادئ، إن الكتلة المكونة من 18 دولة لديها القدرة على الاضطلاع بدور قوي ونشط في الأمن الإقليمي.

وأضاف في مؤتمر صحافي في تونغا، إن جزر المحيط الهادئ «منطقة تعاون ودعم وعمل مشترك، وليس منطقة تنافس ومنطقة حيث تسعى الدول الأخرى إلى محاولة اكتساب ميزة علينا».

ورفض زعماء دول المحيط الهادئ دعوات تدعمها بكين إلى قطع العلاقات مع تايوان، قائلين إن التحالف الإقليمي سيبقي سياساته المستمرة منذ عقود. وفي البيان الختامي أعاد زعماء الكتلة تأكيد اتفاق وُقّع عام 1992 سمح بإجراء محادثات مع تايبيه.

وكانت جزر سليمان، الشريك الرئيسي للصين في جنوب المحيط الهادئ، مارست ضغوطا لتجريد تايوان من وضعها كشريك في منتدى جزر المحيط الهادئ، ما أثار غضب بعض حلفاء تايبيه.

وهذا المنتدى منقسم بين دول تقيم علاقات دبلوماسية مع بكين وأخرى، مثل جزر مارشال وبالاو وتوفالو، حليفة لتايوان التي أرسلت نائب وزير خارجيتها تيان تشونغ-كوانغ إلى تونغا سعيا لتعزيز العلاقات مع حلفائها في جزر المحيط الهادئ، الذين يتناقص عددهم.

وفي السنوات الخمس الماضية، قطعت جزر سليمان وكيريباتي وناورو علاقاتها الدبلوماسية مع تايوان لصالح الصين.

ومن المقرر تنظيم الانتخابات في بالاو هذا العام، وستكون علاقاتها مع تايوان، وتحول محتمل لصالح الصين، من أبرز قضايا الحملة الانتخابية.

ويرى بعض المحللين أن الخطة لإنشاء وحدة شرطة إقليمية لجزر المحيط الهادئ، يتم نشرها للتعامل مع الحوادث الكبرى هي خطوة من جانب أستراليا لمنع الوجود الأمني المتزايد للصين في المنطقة، وسط تنافس استراتيجي بين بكين وواشنطن.

وقالت جزر سليمان خلال المنتدى الجمعة، وهي دولة تربطها علاقات أمنية بأستراليا، أكبر عضو في المنتدى، وكذلك الصين، التي ليست عضواً في المنتدى، إنها وافقت على مبادرة الشرطة في المحيط الهادئ.

وصرّح رئيس وزراء جزر سليمان جيريميا مانيلي: «نحن نؤيد أيضاً، كجزء من تطوير هذه المبادرة، أهمية التشاور الوطني... لذلك نحن نقدّر حقاً المبادرة».

وقال رئيس وزراء تونغا سياوسي سوفاليني، إن ذلك من شأنه أن يعزز بنية الأمن الإقليمي الحالية. وأضاف أن الزعماء وافقوا أيضاً على شروط مهمة تقصّي الحقائق إلى كاليدونيا الجديدة، التي مزقتها أشهر من أعمال الشغب، لإجراء محادثات مع الأطراف المعنية لمحاولة حل الأزمة.

وأظهر البيان الختامي أن المنتدى قَبِل الإقليمين الأميركيين غوام وساموا الأميركية كعضوين مشاركين.

وأكد سوفاليني رئيس وزراء تونغا، الحاجة إلى المزيد من الموارد لمنطقة المحيط الهادئ للتخفيف من آثار تغير المناخ، وحض الدول المانحة على المساهمة للوصول إلى هدف تمويل أعلى يبلغ 1.5 مليار دولار.