«بن لادن الصحراء» سيرة لشاب مغمور أصبح أبرز قادة «القاعدة» بالساحل

مراسل سابق لـ«بي بي سي» عايش يوميات التنظيم.. وواجه الاتهام بالتجسس

مؤلف الكتاب الأمين محمد سالم مع أحد قيادات القاعدة
مؤلف الكتاب الأمين محمد سالم مع أحد قيادات القاعدة
TT

«بن لادن الصحراء» سيرة لشاب مغمور أصبح أبرز قادة «القاعدة» بالساحل

مؤلف الكتاب الأمين محمد سالم مع أحد قيادات القاعدة
مؤلف الكتاب الأمين محمد سالم مع أحد قيادات القاعدة

لم يكن الصحافي العربي محمد الأمين الذي خبر منطقة الساحل والصحراء يخطط عندما زار مالي أول مرة، أن يقدم للعالم شخصية تعتبر الأكثر تأثيرا في التنظيمات المتشددة في المنطقة. لكن مهماته الصحافية قادته إلى نقاط مظلمة وغير معروفة من تاريخ تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» من خلال تتبع سيرة أهم قادته.
اختار المراسل السابق للخدمة الفرنسية في «بي بي سي» أن يسلط الضوء على التنظيم المتشدد عبر زاوية من يعتبر أبرز قادته ورجله القوي والفاعل في منطقة الساحل والصحراء، الجزائري مختار بلمختار (المعروف بخالد أبو العباس و«الأعور»)، القائد الحالي لكتيبة «الموقعين بالدماء»، والتي عرفت أيضا بـ«المرابطين» و«الملثمين»، ومن أعنف عملياتها هجوم «عين أميناس» في الجزائر، العام الماضي.
«بن لادن الصحراء» كتاب هو الأول من نوعه، يقدم في 208 صفحات؛ صورة مقربة لتنظيم شهد توسعا كبيرا خلال العقدين الأخيرين، وكان وراء ذلك بلمختار الذي انتقل من شاب مغمور عائد من القتال في أفغانستان (ذهب إليها 1991 وعمره 19 عاما)، إلى القيادي الأبرز في المجموعات المتشددة في المنطقة.
الكتاب الصادر باللغة الفرنسية، عن منشورات «لا مارتنيير» في فرنسا أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، يعتبر «تحقيقا غير مسبوق حول شخصية مشهورة، لكنها غير معروفة»، بحسب الناشر.
يضم الكتاب 10 فصول أساسية، و4 أخرى تمهيدية وختامية، ويحمل الفصل العاشر عنوان «على خطى بن لادن الصحراء»، بينما تروي الفصول الأولى يوميات التنظيم وتاريخه.
ويقول مؤلف الكتاب الصحافي الموريتاني المقيم في فرنسا الأمين ولد محمد سالم إنه يقدم «بروفايل» عن أقدم قائد سلفي متشدد في منطقة الصحراء الكبرى، والعقل المدبر لأكثر العمليات، وصاحب الخبرة والتأثير والنفوذ، على الرغم من أنه لم يكن معروفا خلال السنوات الأخيرة، حيث صبت الصحافة اهتمامها باتجاه قائد تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» عبد المالك درودكال، والقيادي الآخر عبد الحميد أبوزيد؛ وتغاضت عن بلمختار.
ويقول الأمين، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إنه اعتمد على عمل ميداني خلال أشهر من الإقامة المتقطعة في تمبكتو وغاو وكيدال شمال مالي بين 2010 و2013 قبل سيطرة الجماعات المتشددة عليها وأثناء سيطرتها وبعد طردها.
الصحافي المغامر، والذي يعمل حاليا مراسلا لصحيفتي «لا تربين دو جنيف» السويسرية و«سيد إست» الفرنسية، يقول إنه حاول قدر المستطاع ألا يعتمد على المصادر الرسمية (المخابرات ورجال الأمن)، مع أنه لجأ مرات لمسؤولين سياسيين وأمنيين، لكنه ركز في تحقيقه الاستقصائي، على عناصر من مقربي بلمختار في مقدمتهم الحسن ولد الخليل (المعروف بجليبيب) الناطق باسمه وساعده الأيمن. وكذلك عمر ولد حماها القائد العسكري للتنظيم وصهر بلمختار، وحمادة محمد خيرو مؤسس «جماعة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا» ورئيس «مجلس القضاء» في غاو، إضافة إلى تجار ومهربين ووجهاء قبليين تعايشوا وعملوا مع بلمختار ويعرفونه عن قرب.
تعود البدايات الأولى لظهور قوة بلمختار حين باغت نقطة عسكرية للجيش الموريتاني على الحدود مع الجزائر وقت صلاة الفجر، يوم 4 يونيو (حزيران)، فقتل 15 جنديا وقائدهم وأصيب 17 بجروح، من أصل 53 عسكريا، بينما قتل 6 متشددين من أصل أكثر من 150 شنوا الهجوم.
تحولت «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» في الجزائر إلى «القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي» فكان لبلمختار دور محوري في الفصل الجديد، وبدأ عملية توغل داخل الأراضي المالية ولم تعد الجزائر هي القاعدة الارتكازية الوحيدة. ويوم 24 ديسمبر (كانون الأول) 2007، كان عناصر من أتباع بلمختار ينفذون أول هجوم ضد الفرنسيين في المنطقة، حيث قتلوا 4 سياح قرب مدينة آلاك الموريتانية (نحو 260 كلم جنوب شرقي نواكشوط)، وبعدها بيومين نفذ مسلحون آخرون هجوما قتلوا خلاله جنديا موريتانيا في منطقة «الغلاوية» في ولاية آدرار شمال البلاد. فكان الهجومان المتتاليان سببا مباشرا في إلغاء سباق باريس - داكار الشهير وتحويله إلى أميركا الجنوبية، بعد 28 سنة في أفريقيا.
يروي الكتاب، كيف كان بلمختار غامضا في بدايته، لكنه تمكن من توطيد قدميه في منطقة كانت عصية، وتمكن من «اختراق» الصحراء، وقيادة أكثر العمليات الإرهابية إثارة.
يقول المؤلف في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إن الجزائري بلمختار (المولود 1972 بغرداية جنوب الجزائر) مقتنع أنه «على حق» ويطمح في تجسيد حلم أن يكون بن لادن آخر في عمق الصحراء. ويصفه بأنه «إنسان جهادي متشدد ومتعصب، لكنه مؤمن جدا بكل ما يقوم به».

* البداية.. زواج مصلحة

* عرف الجزائري المتشدد كيف يعزز وجوده في منطقة أغلب سكانها من العرب والطوارق المحافظين. فاختار الزواج من فتاة تنتمي لإحدى الأسر النبيلة من «أولاد إدريس» وهم من قبيلة البرابيش العربية، في منطقة «لرنب» شمال مالي، والتي يغلب عليها الطابع البدوي. وتعيش على الأسواق الأسبوعية المتنقلة في المنطقة الحدودية بين موريتانيا ومالي.
ويشير الكتاب إلى أن هذا الزواج شكل نقطة تحول كبرى لبلمختار، ولكن عقد القران لم يمر مرور الكرام، فقد اعتاد السكان المحليون أن يكون الزواج داخليا فقط، ورغم أن بلمختار ينتمي لقبيلة «الشعانبة» العربية بالجزائر وأحد فروع «بني سليم»، فإنه بالنسبة للبرابيش هو رجل من بيئة مختلفة. «فكانت هذه المرة الأولى في التاريخ التي تتزوج فيها فتاة نبيلة من البرابيش مع رجل ليس من مقامها»، يقول محمد محمود أحد الشهود على الزواج.
كانت تلك البداية الفعلية ليصبح «بن لادن الصحراء» نافذا، معتمدا على تحالف قائم على «زواج مصلحة»، فبات يعرف المنطقة وتفاصيلها أكثر من أهلها. ومن ثم استطاع تجنيد المئات من مختلف البلدان المحيطة من العرب والطوارق والزنوج، ولم يعد يركز على العناصر الجزائرية فقط.
ويروي الكتاب عن مصدر حكومي مالي، كيف أن هذا الزواج شكل «صفقة جيدة» لكلا الطرفيين، فبلمختار أصبح في حماية واحدة من أقوى القبائل بشمال مالي، كما أن أسرة زوجته غنية. وبالتالي أصبح هناك «تبادل للأعمال»، حيث كان هو وتنظيمه يجدون سوقا جيدة للتبييض، وبيع السيارات المسروقة من الجزائر، كما أنه اشترك في أعمال تجارية مع أصهاره.
ويتقصى الكتاب أسطور «السيد مالبورو» التي كان يوصف بها بلمختار في إشارة لبيعه السجائر المهربة؛ قائلا إن كل التحقيقات والمقابلات تؤكد أنه لا يعمل في تهريب المخدرات والسجائر، وإنما يعتمد على الأموال التي يجنيها من الفديات التي تقدمها الدول الغربية لإطلاق سراح مواطنيها المختطفين. بحسب عمر ولد حماها القائد العسكري لجماعة بلمختار، وعم زوجته. والذي أجرى معه المؤلف مقابلة مطولة.
ويؤكد أحد كبار المسؤولين في منطقة الساحل هذه المعلومات. لكنه يضيف أن بلمختار عمل طويلا في تهريب المحروقات من الجزائر، حيث اللتر الواحد يباع بـ10 سنتيمات من اليورو داخل الجزائر، ويباع بضعف هذا المبلغ 10 مرات في دول المنطقة.
الصحافي مؤلف الكتاب، والذي عمل لسنوات مع مؤسسات إعلامية عريقة من بينها صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية، يؤكد أنه في نهاية 2010 زار موريتانيا وشمال مالي لإنجاز تقرير استقصائي لقناة «فرانس 2» بعنوان «على خطى القاعدة في الساحل» ضمن برنامج «مبعوث خاص»؛ حينها لم يفكر في تأليف كتاب، بل في سلسلة مقالات.
لكن في أبريل (نيسان) 2012 بعد دخول الحركة الوطنية والجماعات الإسلامية المتشددة إلى تمبكتو وغاو. ذهب إلى غاو، لإنجاز عمل تلفزيوني عن الحركة الوطنية لتحرير أزواد، وقضية الطوارق. «وبعد وصولنا اكتشفت أن المدينة تسيطر عليها جماعة التوحيد والجهاد وجماعة بلمختار، ومن هذه النقطة بدأ الاهتمام، حيث كان الكل يتحدث حول بلمختار»، يقول ولد محمد سالم. وترسخت فكرة الكتاب عندما عاد الصحافي - المؤلف في أغسطس (آب) من العام نفسه عن طريق تمبكتو، حيث «أنصار الدين» و«القاعدة». واستمر في البحث والتنقل بين المدن التي تسيطر عليها الجماعات المتشددة، وبعد طرد القوات الفرنسية لها عاد إلى المنطقة، وسافر إلى النيجر وبوركينا فاسو، ثم إلى موريتانيا عبر الجزائر والسنغال.
وبدأ العمل على الكتاب يناير (كانون الثاني) من العام الحالي، وعاد إلى المنطقة في فبراير (شباط) الموالي. ليبدأ فعليا الكتابة في مايو (أيار) الماضي، «وفرضت على نفسي نمطا صعبا من العمل. فكنت أمضي 15 ساعة يوميا متواصلة في الكتابة، حتى نهاية يوليو (تموز)»، يقول المؤلف.

* صحافي أم جاسوس؟

* يقول مؤلف «بن لادن الصحراء»، إنه لم يواجه «مخاطر» مباشرة، وإنما عاش «هواجس ومخاوف». ففي سفره الأول إلى شمال مالي في 2010، رتب كل شيء مع الطوارق (الحركة الوطنية)، ولكن صادف يوم خروجهم من كيدال إلى غاو اختطاف شابين فرنسيين في نيامي عاصمة النيجر، قتلا لاحقا في اشتباك بين قوات فرنسية خاصة، وجماعة بلمختار.
وفي المرة الثانية ربيع 2012، كان برفقته مصور فرنسي، وكان يخشى عليه من الاختطاف رغم أن الطوارق وفروا لهما الحراسة بـ40 مسلحا.
وفي صيف 2012 خلال زيارته الثالثة، كان يواجه نظرات الاتهام بـ«التجسس» التي تلاحقه، بما أنه صحافي موريتاني يعمل في فرنسا، وهما بلدان في حرب مع هذه التنظيمات. وقد قبل الأمين ولد محمد سالم الالتزام بـ15 شرطا مكتوبا قدمتها «أنصار الدين» في تمبكتو. وأكد لهم أنه لا يريد أن يرى الأشياء «الحساسة»، وإنما يسعى لمتابعة الحياة اليومية في ظل سيطرتهم. ويقول: «في الأيام الأولى كانت نظرات الريبة تلاحقني، وكنت تحت المراقبة. وكان بعضهم (خصوصا من الموريتانيين) ينظر إلى على أنني جاسوس. ولكن تبين لهم أنني مجرد صحافي يقوم بعمله».
يقول ولد محمد سالم، إن كتابه ليس فقط حول بلمختار وسيرته الشخصية، وإنما أخذه ليكون مفتاحا للمنطقة والأحداث التي وقعت خلال 20 سنة الأخيرة. من عمليات الاختطاف والعنف والتمرد.
ويعرب عن أمله الكبير في أن يترجم بأسرع وقت إلى اللغة العربية، وقد تواصل معه أشخاص من مختلف الدول العربية يتساءلون عن الترجمة العربية، حتى قبل صدور الكتاب. ويقول إنه يبحث الآن عن آلية لذلك. وقد أبلغ الناشر بأن الطلب كبير على الترجمة العربية. ويشير إلى أنه تواصل قبل أيام مع دار نشر عربية بهذا الخصوص، لكن لا نتائج حتى الآن.
ويضيف: «إنها خسارة إن لم يترجم إلى العربية. أنا لا أكتب للفرنسيين فقط، وإنما لضرورات تتعلق بالعمل. فأنا عندما أكتب أفكر بكل من قد يقرأ. وهذا الكتاب موجه للجميع».



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».