تركيا تعتقل رؤساء خمس بلديات كردية

القبض على مسؤولين في حزب معارض بعد هجوم لـ«الكردستاني»

TT

تركيا تعتقل رؤساء خمس بلديات كردية

اعتقلت السلطات التركية 5 رؤساء بلديات ينتمون إلى حزب الشعوب الديمقراطي (مؤيد للأكراد) في شرق وجنوب شرقي البلاد، أمس، في إطار حملة تتصاعد بين وقت وآخر شملت نحو 50 رئيس بلدية منتخباً في الانتخابات المحلية التي شهدتها البلاد في 31 مارس (آذار) 2019. وتم اعتقال رؤساء يلديات أغدير (شرق) ياسر أككوش، ورئيس بلدية سيرت (جنوب شرق) بريوان هيلين إشيك، ونائب رئيس البلدية بيماندارا تورهان، ورئيس بلدية كورتالان باران أكجول، ورئيس بلدية منطقة بايكان رمضان صاري صايلماظ، كجزء من تحقيق في جرائم إرهاب بدأه كبير مدعي العموم في ولاية سيرت.
وتتهم الحكومة التركية حزب الشعوب الديمقراطي المعارض، ثالث أكبر أحزاب البرلمان التركي، بأن له صلة بـ«حزب العمال الكردستاني» المصنف من جانب سلطات أنقرة كمنظمة إرهابية. وعلى الفور تم تعيين مسؤولين من جانب الحكومة لإدارة البلديات التي أُلقي القبض على رؤسائها. وسبق أن عزلت واعتقلت الحكومة التركية 41 رئيس بلدية من المنتخبين من حزب الشعوب الديمقراطي في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وفي 24 مارس الماضي عزلت السلطات واعتقلت 8 رؤساء بلديات آخرين.
ودرجت السلطات التركية منذ عام 2016 على عزل رؤساء البلديات في المناطق ذات الأغلبية الكردية بعد انتخابهم بتهم تتعلق بالإرهاب. وقبل الانتخابات المحلية في نهاية مارس من العام الماضي تعهد الرئيس رجب طيب إردوغان، بعزل رؤساء البلديات الذين قد يفوزون في الانتخابات من حزب الشعوب الديمقراطي.
وتعيِّن الحكومة أوصياء على البلديات، بعد عزل أو اعتقال رؤسائها، ينتمون إلى حزب العدالة والتنمية الحاكم.
وعقب محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في تركيا في 15 يوليو (تموز) 2016 التي نسبتها السلطات إلى حركة الخدمة التابعة للداعية فتح الله غولن، أغلقت الحكومة غالبية المنافذ الإعلامية الكردية، وبينها قناة كردية موجّهة إلى الأطفال، وجميع منظمات المجتمع المدني الكردية بتهمة دعم تنظيمات إرهابية. وسرّحت آلافاً من المدرّسين والأطباء الأكراد من أعمالهم في المنطقة. واعتُقل ما يزيد على 10 آلاف شخص، منهم برلمانيون، ورئيسا حزب الشعوب الديمقراطي الكردي المشاركان صلاح الدين دميرطاش وفيجان يوكسكداغ.
وأغلقت الحكومة التركية مراكز نسائية، وثقافية، وبنوكاً للطعام ومراكز فنية كردية، وجمعيات لتعليم اللغة الكردية وعدداً آخر من المؤسسات، وصولاً إلى أندية كردية لكرة القدم، ولم يعد بالتالي هناك وجود لمؤسسة قوية أو زعيم قادر على مخاطبة الجالية الكردية في وقت الأزمات مثل وباء فيروس «كورونا».
وشنت الحكومة التركية، في السنوات الخمس الماضية، حرباً ضد اللغة الكردية، وأغلقت دورات تعليمية، وأُلغيت أقسام خاصة باللغة الكردية، وأُزيلت أسماء كردية من الحدائق العامة والشوارع في المدن ذات الأغلبية الكردية. ودمرت رموزاً ثقافية ولغوية كردية، وحوّلت جميع الكتابات على اللوحات العامة إلى اللغة التركية.
وفي سياق متصل، اتهمت وزارة الدفاع التركية مسلحين من «حزب العمال الكردستاني» بقتل مدنيين يعملان في جمعية تساعد المتضررين من فيروس «كورونا» في ولاية وان شرق البلاد، ليل أول من أمس.
وقالت، في بيان، إن مقاتلي حزب العمال الكردستاني شنّوا هجوماً مسلحاً على سيارة تنقل أفراداً من جمعية إنسانية للدعم الاجتماعي، ما أدى إلى مقتل اثنين من أفراد الجمعية، وإن «هذا الهجوم المشين لن يمر من دون رد».
وأعلنت ولاية وان (شرق) أمس (الجمعة)، القبض على 38 شخصاً على خلفية الهجوم، بينهم رئيس فرع حزب الشعوب الديمقراطي (المعارض) في قضاء «أوز ألب» الذي وقع فيه الهجوم، و5 إداريين آخرين بالحزب.
وندد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، بالهجوم، أمس، قائلاً إن «العمال» الكردستاني كشف عن «وجهه البشع» مرة أخرى بهذا الهجوم في شهر رمضان.
وتصنّف أنقرة وحلفاؤها في الغرب «حزب العمال الكردستاني» على أنه «إرهابي». ويشن «الحزب» منذ 1984 تمرّداً دامياً في تركيا خلّف أكثر من 40 ألف قتيل.
وأدان حزب الشعوب الديمقراطي الهجوم، قائلاً في بيان: «نُدين بأشد العبارات الهجوم الذي وقع في قضاء أوز ألب في محافظة وان»، وأضاف أن «هذا الهجوم الذي يأتي في توقيت نحن بأمسّ الحاجة فيه للتضامن في مواجهة فيروس (كورونا)، غير مقبول على الإطلاق».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟