أكدت السعودية وروسيا - كبيرا إنتاج النفط عالميا - أمس الالتزام الكامل نحو تحقيق استقرار لأسواق النفط وتسريع إعادة التوازن إليها، في خطوة ستشكل زخما تحتاجه الأسواق العالمية في الوقت الراهن لتقليل حدة القلق بشأن الإشكاليات المتوالية من تداعيات «كورونا» وقيود التخزين.
وأجرى الأمير عبد العزيز بن سلمان بن عبد العزيز وزير الطاقة، ونظيره الروسي ألكسندر نوفاك، محادثة هاتفية أمس في إطار مشاوراتهما المستمرة بشأن تطورات السوق النفطية العالمية، ملخصها التالي: «لا يزال بلدانا ملتزمين، التزاما كاملا، ببلوغ الهدف المتمثل في تحقيق استقرار الأسواق البترولية العالمية، وتسريع إعادة التوازن إليها».
ووسط هذه التطورات الإيجابية التي بادرت بها السعودية لا سيما ما يخص تقليص الإنتاج الطوعي بمليون برميل إضافي مؤخرا عما هو محدد لها في اجتماع (أوبك بلس)، أكد خبراء مختصون بالشأن النفطي لـ«الشرق الأوسط» أن المملكة بهذا الدور قدمت مبادرة منطقية لمعالجة الظروف الراهنة بسياسة الخفض الطوعي لتكون سباقة ومحفزة لجميع الدول المنتجة إذا ما أرادت إعادة أسواق النفط والطاقة إلى التعافي. تفاصيل أكثر في هذا التقرير:
شركاء {أوبك بلس}
أكد البيان الصادر أمس على دور (أوبك بلس) في تصحيح مسار الأسواق وإعادة التوازن المنطقي إليها، حيث قال الوزيران: «نحن على ثقة تامة بأن شركاءنا في اتفاق (أوبك بلس)، متوافقون تماماً مع هذه الأهداف، وبأنهم سيواصلون التزامهم باتفاق (أوبك بلس)».
وأشاد الوزيران بشكلٍ خاص، بالجهود التي يبذلها المنتجون من أنحاء العالم، الذين بادروا، بشكل طوعيّ، إلى تعديل كميات إنتاجهم، انطلاقاً من إحساسهم بالمسؤولية المشتركة، معربين عن الارتياح لبوادر التحسُّن التي ظهرت، مؤخراً، على المؤشرات الاقتصادية ومؤشرات السوق، وخصوصاً ما يتعلق منها بنمو الطلب على النفط، وتراجع حدّة القلق بشأن قيود التخزين، في الوقت الذي بدأت العديد من الدول، حول العالم، في تخفيف إجراءات الإغلاق الصارمة فيها.
ترحيب روسي
وكان لدور الخفض الطوعي السعودي لإنتاجها وقع لدى الجانب الروسي، حيث رحب وزير الطاقة الروسي بتخفيضات الإنتاج الإضافية الكبيرة التي بادرت المملكة إلى تبنيها بشكل طوعي، وكذلك بالخطوات التي اتخذتها كل من الإمارات والكويت، والتي تدعم جهود المملكة، مشيرا إلى أن تلك الخطوات تعد نموذجا مثاليا للإجراءات الفاعلة الجديرة بالترحيب، والضرورية، كذلك، للتعجيل بإعادة التوازن للسوق البترولية العالمية.
اللاعب المؤثر
وما إن سجلت أسعار تداول النفط تراجعاً قوياً في الأسواق العالمية، اتجهت أنظار الدول المصدرة للنفط للسعودية، التي تؤكد الظروف بأنها اللاعب الإيجابي المؤثر، وما ستقوم به من إجراءات لحماية الأسعار كونها اللاعب الرئيسي في عملية التوازنات الدولية في محوريه الاقتصادي والسياسي، وهو ما أثبتته الأيام التي سبقت الاتفاق على تخفيض إنتاج الدول المصدرة للنفط (أوبك بلس) إلى قرابة 10 ملايين برميل يومياً.
على الفور قدمت السعودية جملة من المبادرات لتصحيح مسار أسعار النفط ودعم الاقتصاد الدولي، والتي كان آخرها ما أعلنه مجلس الوزراء، أول من أمس أن السعودية من الالتزام بما جرى الاتفاق عليه (أوبك بلس) الأخير بشأن تخفيض الإنتاج والعمل على دعم استقرار الأسواق النفطية العالمية، إضافة لتقديمها مبادرة بتخفيض إنتاجها في يونيو (حزيران) المقبل، بكمية إضافية طوعية تبلغ مليون برميل يومياً، وكذلك سعيها بالتوافق مع العملاء لخفض إنتاجها في شهر مايو (أيار) الجاري عن المستوى المستهدف.
مواجهة الواقع
ويرى المختصون، أن السعودية سارعت بثقلها كأكبر مصدري النفط في العالم لتنفيذ مبادرات لتحفيز الدول المصدرة، وهذه الإجراءات التي اتخذتها وإن كانت في مضمونها قاسية إلا أنها تنظر بشكل عام لحال السوق ومدى التبعات من استمرار نزيف الأسعار على الاقتصاد العالمي الذي يعاني جراء جائحة فيروس «كورونا» الذي أصاب اقتصاد دول العالم بضربة موجعة وشلل في العديد من القطاعات الحيوية.
وسيكون الاستهلاك الداخلي من النفط بعد هذه المبادرات، وفقا للمختصين، أكثر مما كان عليه في شهري أبريل (نيسان) ومايو ليصل إجمالي ما خصصته السعودية للتصدير قرابة 6 ملايين برميل، بانخفاض نحو مليون برميل لما سجل في عام 2019 الذي بلغ فيه متوسط التصدير اليومي نحو 7 ملايين برميل.
تجاوز المتفق عليه
وقال الدكتور راشد أبانمي، الخبير في مجال النفط لـ«الشرق الأوسط» إن السعودية قامت بالتخفيض الطوعي بهدف تحفيز الدول المشاركة في (أوبك بلس) وكذلك الدول المنتجة بالالتزام بتخفيض إنتاجها المتفق عليه وتشجيعها للعمل على تخفيض أكثر، والذي يصب في صالح الدول المنتجة، التي شاهدت حجم الخسائر المسجلة مع تسجيل الانهيارات الأخيرة في الأسواق العالمية.
وأضاف أبانمي، أن الإنتاج في شهر أبريل خفض إلى 8.5 مليون برميل، إضافة إلى شهر يونيو بنحو 7.5 مليون برميل يومياً، لذلك سيكون الاستهلاك الداخلي أكثر مما كان عليه في شهري «أبريل، مايو» وسيسجل شهر يونيو ارتفاعاً كبيراً في حجم الاستهلاك الداخلي، الأمر الذي يشير إلى حجم التصدير الخارجي سيكون قرابة 6 ملايين برميل، وهذا تخفيض كاف لاستقرار الأسواق.
دعم الأسعار
وشدد الخبير النفطي، على أهمية أن تقوم الدول المصدرة بذات الدور لعودة الأسواق إلى طبيعتها، والهدف من تخفيض الإنتاج بين الدول المنتجة هو دعم أسعار النفط العالمية التي منذ قرابة شهر تسجل انهيارات انعكست على أكبر الاقتصادات الدولية، خاصة وأن كافة الدول تعمل على إنعاش اقتصادها وتحسين الموارد في ظل جائحة فيروس «كورونا».
من جانبه، قال الدكتور فيصل الفاضل، رئيس لجنة الاقتصاد والطاقة في مجلس الشورى السعودي، إن السعودية لها مواقف كبيرة لدعم سوق النفط من الانهيار، وملتزمة بما يجري الاتفاق عليه بين الدول المصدرة لضمان سلامة السوق واستقرارها على أن تقوم الدول المصدرة بواجباتها للحفاظ على السوق من التدهور.
الحماية من الانهيار
ويلفت الفاضل إلى أن السعودية منذ أكثر من شهر، كانت تتنبأ بمآلات كارثية لو استمر حال الأسواق النفطية على ما هي عليه في هذه الظروف الراهنة، إذ طالبت في افتتاح الاجتماع الوزاري لدول مجموعة العشرين اتخاذ إجراءات استثنائية لتحقيق الاستقرار في أسواق الطاقة، لتنجح تلك الجهود في تقليص إنتاج النفط لمجموعة (أوبك بلس) إلى 10 ملايين برميل يومياً لتحقيق الاستقرار في السوق.
وتأتي هذه المساعي، كما يقول الفاضل، للحفاظ على سلامة السوق النفطية من الانهيار التام والذي قد يصل فيه سعر النفط إلى أدنى مستوياته، خاصة وأن أوبك قبل شهر قلصت توقعها نمو الطلب العالمي على النفط بسبب تفشي «كورونا»، في وقت كانت قدرت ارتفاع الطلب العالمي 60 ألف برميل يوميا فقط في 2020، بانخفاض 920 ألف برميل يومياً عن توقعها السابق، الأمر الذي سينعكس سلباً على الاقتصاد العالمي، وهو ما تم رصده أخيراً من تهاوي أسعار النفط الأميركي الذي سجل في نهاية أبريل الماضي تراجعات مريعة في سعر البرميل، الأمر الذي دفع بالسعودية كدولة فاعلة أن تمسك بزمام الأمور لإعادة الوضع إلى طبيعته من خلال تقديم المزيد من الخفض في الإنتاج للإسهام في إعادة التوازن.