الغنوشي يحل المكتب التنفيذي لـ«النهضة» التونسية

تساؤلات حول مستقبل الزعيم التاريخي للحزب

TT

الغنوشي يحل المكتب التنفيذي لـ«النهضة» التونسية

فاجأ قرار راشد الغنوشي، رئيس «النهضة» التونسية (إسلامية)، بحل المكتب التنفيذي للحركة ليلة أول من أمس الساحة السياسية برمتها، وخلف تساؤلات كثيرة حول خفايا هذا القرار وأسبابه، ومدى ارتباطه بالتحضير للمؤتمر الـ11 لـ«حركة النهضة» المؤجل، وأيضاً مدى ارتباطه بالظروف السياسية المتوترة في تونس، وبخلافات «النهضة» المتعددة مع أكثر من طرف سياسي، سواء داخل الائتلاف الحكومي، وفي علاقتها مع الأحزاب المعارضة، وعلى رأسها الحزب الدستوري الحر. علاوة على الخلافات الداخلية القائمة بين القيادات المخضرمة والشابة حول طريقة إدارة الهياكل، وتجميع السلطات بين يدي رئيس الحركة الغنوشي، مما أدى إلى استقالات لقيادات وازنة في الحركة، قبل عقد مؤتمرها الحادي عشر في وقت لاحق من هذا العام، والذي تتصدر عناوينه مستقبل الغنوشي، الزعيم التاريخي للحزب على رأس الحركة.
ومن المنتظر إعادة تشكيل مكتب تنفيذي جديد مطلع شهر يونيو (حزيران) المقبل، في خطوة عُدّت «محاولة من رئيس الحركة لتجاوز عدد من الخلافات والصراعات الداخلية، التي حالت دون تواصل العمل بين أعضاء المكتب التنفيذي الحالي». وبعد صدور هذا القرار، دعا الغنوشي جميع أعضاء المكتب إلى مواصلة أعمالهم، إلى حين إنجاز التغييرات الضرورية ودخولها حيز التنفيذ.
ويمكّن النظام الداخلي لـ«حركة النهضة» رئيس الحزب من إعفاء، أو قبول استقالة، أي عضو من أعضاء المكتب التنفيذي من مهامه، شريطة إعلام «مجلس الشورى» بذلك. ويعدّ المكتب التنفيذي للحركة، الذي يضم 28 عضواً و4 مستشارين و4 مكلفين مهام ومقرراً واحداً، مركز صنع القرارات السياسية للحركة، وهو يعدّ إلى جانب «مجلس الشورى» أهم مصادر قرارات الحزب الإسلامي.
وقال عدد من المحللين السياسيين إن قرار حل المكتب التنفيذي اتخذ منذ يوم الأربعاء الماضي، لكن لم يتم الإعلان عنه إلا مساء أول من أمس، وأرجعوا ذلك إلى نقطة خلافية تتعلق بـ«خليفة» الغنوشي، بحسبان أن القانون الداخلي للحركة يمنع ترشحه لدورة جديدة، بعد أن ترأس الحزب لدورتين متتاليتين. وبهذا الخصوص، قال محمد خليل البرعومي، المكلف الإعلام بالمكتب التنفيذي لـ«حركة النهضة»، إن رئيس الحركة أعلن أن المكتب التنفيذي الحالي سيتولى تصريف الأعمال، مبرزاً أن الغنوشي «بصدد النظر في تركيبة المكتب المقبل، وسيتولى عرضها على مجلس شورى الحركة، وفقاً لمقتضيات القانون الأساسي للحزب». علماً بأن تزكية أعضاء المكتب التنفيذي تتم بشكل فردي، وحسب المهام المقترحة لهم، وبأغلبية أعضاء مجلس الشورى (يضم 150 عضواً)، فيما يقترح رئيس الحزب على مجلس الشورى أعضاء المكتب التنفيذي، بمن فيهم الأمين العام، ونائب أو نواب له.
ويؤكد مراقبون لمسار الحركة الإسلامية وجود خطين سياسيين متصارعين داخل «النهضة»، الأول يمثله راشد الغنوشي الشيخ المؤسس. أما الخط الثاني فيمثله أبناء التنظيم وقاعدته الانتخابية، ممن أعلنوا معارضتهم توجهات الغنوشي وفريقه في محطات عدة سابقة، من بينها التحالف مع «حركة نداء تونس»، والتوافق على تقاسم السلطة، ومغادرة الحكم نهاية 2013 تحت ضغط الشارع، رغم شرعية وجودها على رأس السلطة، بفضل فوزها بالمركز الأول في انتخابات المجلس التأسيسي التي جرت سنة 2011.
على صعيد آخر، قدمت الكتلة الديمقراطية (تملك 41 مقعداً برلمانياً)، ممثلة في حزبي «التيار الديمقراطي» و«حركة الشعب»، المنضمين إلى الائتلاف الحاكم، وعدد من المستقلين، شكوى للمحكمة الإدارية ضد تفويض رئيس البرلمان راشد الغنوشي رئيس ديوانه الحبيب خذر التوقيع على جميع الوثائق التي تدخل في حدود مسؤولياته، باستثناء القرارات ذات الصبغة الترتيبية.
وأوضحت الكتلة أن هذا التفويض يتعلق بالترخيص للوزراء وكتاب الدولة بتفويض حق التوقيع، عادةً أن رئيس البرلمان ليس وزيراً ولا كاتب دولة حتى يمنح لنفسه تفويض حق التوقيع لغيره من المساعدين. وأكدت أن الغنوشي خالف بذلك النظام الداخلي للبرلمان، بحسبان أن تفويض جزء من الصلاحيات لا يمنح سوى لنائبي رئيس البرلمان.
يذكر أن رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ فوض جزءاً من صلاحياته إلى محمد عبو، وزير الوظيفة العمومية والإصلاح الإداري، وهو ما خلف جدلاً كبيراً حول خفاياه، ومن ذلك حسبانه «ضمن اتفاق سابق لتقاسم السلطة».



​تأثيرات كارثية للصقيع في اليمن على السكان والزراعة

مزارعان يمنيان يتحسران على تلف مزروعاتهما بسبب شدة الصقيع (إكس)
مزارعان يمنيان يتحسران على تلف مزروعاتهما بسبب شدة الصقيع (إكس)
TT

​تأثيرات كارثية للصقيع في اليمن على السكان والزراعة

مزارعان يمنيان يتحسران على تلف مزروعاتهما بسبب شدة الصقيع (إكس)
مزارعان يمنيان يتحسران على تلف مزروعاتهما بسبب شدة الصقيع (إكس)

يتكبد المزارعون اليمنيون خسائر كبيرة بسبب موجة الصقيع التي تشهدها البلاد بفعل الموجة الباردة التي تمر بها منطقة شبه الجزيرة العربية تزامناً مع عبور منخفض جوي قطبي، فيما يحذر خبراء الأرصاد من اشتدادها خلال الأيام المقبلة، ومضاعفة تأثيراتها على السكان والمحاصيل الزراعية.

واشتكى مئات المزارعين اليمنيين في مختلف المحافظات، خصوصاً في المرتفعات الغربية والوسطى من تضرر محاصيلهم بسبب الصقيع، وتلف المزروعات والثمار، ما تسبب في خسائر كبيرة لحقت بهم، في ظل شحة الموارد وانعدام وسائل مواجهة الموجة، مع اتباعهم طرقاً متعددة لمحاولة تدفئة مزارعهم خلال الليالي التي يُتوقع فيها زيادة تأثيرات البرد.

وشهد عدد من المحافظات تشكّل طبقات رقيقة من الثلج الناتجة عن تجمد قطرات الندى، خصوصاً فوق المزروعات والثمار، وقال مزارعون إن ذلك الثلج، رغم هشاشته وسرعة ذوبانه، فإنه أسهم في إتلاف أجزاء وكميات من محاصيلهم.

وذكر مزارعون في محافظة البيضاء (270 كيلومتراً جنوب شرقي صنعاء) أن موجة الصقيع فاجأتهم في عدد من الليالي وأتلفت مزروعاتهم من الخضراوات، ما دفعهم إلى محاولات بيع ما تبقى منها قبل اكتمال نضوجها، أو تقديمها علفاً للمواشي.

خضراوات في محافظة عمران أصابها التلف قبل اكتمال نضجها (فيسبوك)

وفي مديرية السدة التابعة لمحافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء)، اشتكى مزارعو البطاطس من تلف الثمار خلال الأيام الماضية، بينما كانوا ينتظرون اكتمال نضوجها للبدء في تسويقها ونقلها إلى منافذ البيع.

ويعتزم غالبية المزارعين التوقف عن الزراعة خلال الأسابيع المقبلة حتى تنتهي موجة الصقيع، مشيرين إلى أن تأثير الموجة يكون أشد على المزروعات في بداية نموها، بينما يمكن للمزروعات التي نمت بشكل كافٍ أن تنجو وتكمل نموها، إلا أنها لن تصل إلى مستوى عالٍ من الجودة.

أسبوع من الخطر

في غضون ذلك حذّر مركز الإنذار المبكر في محافظة حضرموت السكان من موجة برد شديدة، وتشكّل الصقيع على مناطق الداخل، خلال الأيام المقبلة، داعياً إلى اتخاذ أقصى التدابير، واتباع الإرشادات الصحية للوقاية من ضربات البرد القارس، واستخدام وسائل التدفئة الآمنة مع رعاية كبار السن والأطفال من تأثيراتها.

طفلة يمنية بمحافظة تعز تساعد عائلتها في أعمال الزراعة (فيسبوك)

ونبّه المركز المزارعين لضرورة اتباع إرشادات السلامة لحماية محاصيلهم من آثار تشكل الصقيع المتوقع تحديداً على المرتفعات والأرياف الجبلية في مختلف المحافظات.

وخصّ بتحذيراته الصيادين والمسافرين بحراً من اضطراب الأمواج، واشتداد الرياح في مجرى المياه الإقليمية وخليج عدن وحول أرخبيل سقطرى في المحيط الهندي، وسائقي المركبات في الطرق الطويلة من الغبار وانتشار العوالق الترابية نتيجة هبوب رياح نشطة السرعة، وانخفاض مستوى الرؤية الأفقية.

وطالب المركز باتخاذ الاحتياطات لتجنيب مرضى الصدر والجهاز التنفسي مخاطر التعرض للغبار خاصة في المناطق المفتوحة والصحراوية.

وتتضاعف خسائر المزارعين في شمال اليمن بسبب الجبايات التي تفرضها الجماعة الحوثية عليهم، فعلى الرغم من تلف محاصيلهم بسبب الصقيع، فإن الجماعة لم تعفهم من دفع المبالغ المقررة عليهم، خصوصاً أنها - كما يقولون - لجأت إلى فرض إتاوات على محاصيلهم قبل تسويقها وبيعها.

طبقة من الثلج تغطي خيمة نصبها مزارع يمني لحماية مزروعاته من الصقيع (إكس)

ومن جهتهم، حذّر عدد من خبراء الأرصاد من خلال حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي من موجة برد شديدة تستمر حتى مطلع الأسبوع المقبل، على مختلف المناطق والمحافظات، بما فيها الصحارى، وتصل فيها درجة الحرارة إلى ما دون الصفر، مع احتمالات كبيرة لإتلاف مختلف المزروعات والمحاصيل.

صقيع وجراد

وتؤثر موجات الصقيع على أسعار الخضراوات والفواكه بسبب تراجع الإنتاج وارتفاع تكلفته، وإلى جانب ذلك تقل جودة عدد من المنتجات.

وأوضح خبير أرصاد في مركز الأرصاد الخاضع لسيطرة الجماعة الحوثية أن كتلة هوائية قطبية بدأت، أخيراً، التقدم باتجاه المناطق الشمالية والصحراوية، مع هبوب الرياح الشمالية الجافة، متوقعاً أن تسهم في إثارة ونقل كميات كبيرة من الغبار يمتد تأثيرها إلى خارج البلاد.

يمني في محافظة ذمار يتجول على دراجته ملتحفاً بطانية (فيسبوك)

ووفق الخبير الذي طلب التحفظ على بياناته، بسبب مخاوفه من أي عقوبات توقعها الجماعة الحوثية عليه بسبب حديثه لوسائل إعلام غير تابعة لها، فمن المحتمل أن تكون هذه الكتلة الهوائية القطبية هي الأشد على البلاد منذ سنوات طويلة، وأن تمتد حتى السبت، مع وصول تأثيراتها إلى كامل المحافظات.

وبيّن أن التعرض للهواء خلال هذه الفترة قد يتسبب في كثير من المخاطر على الأفراد خصوصاً الأطفال وكبار السن، في حين سيتعرض كثير من المزروعات للتلف، خصوصاً في المرتفعات والسهول المفتوحة، مع احتمالية أن تنخفض هذه المخاطر على المزارع في الأودية والمناطق المحاطة بالمرتفعات.

ووفقاً للخبراء الزراعيين، فإن الصقيع يتسبب في تجمد العصارة النباتية في أوراق النباتات وسيقانها الطرية، وبمجرد شروق الشمس، وتغيّر درجات الحرارة، تتشقق مواضع التجمد أو تذبل، تبعاً لعوامل أخرى.

تحذيرات أممية من عودة الجراد إلى اليمن خلال الأسابيع المقبلة (الأمم المتحدة)

وطبقاً لعدد من الخبراء استطلعت «الشرق الأوسط» آراءهم، فإن تأثيرات الصقيع تختلف بحسب تعرض المزارع للرياح الباردة، إلا أن تعرض المزروعات للرياح الباردة في المرتفعات لا يختلف كثيراً عن وقوع نظيرتها في الأودية والسهول تحت تأثير الهواء الساكن شديد البرودة.

وفي سياق آخر، أطلقت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) تحذيراً من غزو الجراد في اليمن، بعد انتشار مجموعات قليلة منه على سواحل عدة دول مطلة على البحر الأحمر، بما فيها السواحل اليمنية.

وتوقعت المنظمة في تقرير لها أن تزداد أعداد الجراد وتتكاثر في اليمن خلال فصل الشتاء، وأن تتجه الأسراب إلى سواحل البحر الأحمر للتكاثر، ما سيؤدي إلى زيادة كبيرة في أعداد الجراد في المنطقة، بما يشمل اليمن.

ويعدّ الجراد من أكثر التهديدات التي تواجهها الزراعة في اليمن، ويخشى أن يؤثر وصول أسرابه إلى البلاد على الأمن الغذائي.