80 ألف مخطوطة في مكتبة الملك فهد الوطنية بالعربية والعبرية والفارسية على ورق البردي والرِق

حضور لأئمة وملوك وأمراء السعودية... ومشاركة لافتة للمرأة في التأليف والوقف والإعارة

المكتبة تستقبل الزوار والباحثين من مختلف الجنسيات
المكتبة تستقبل الزوار والباحثين من مختلف الجنسيات
TT

80 ألف مخطوطة في مكتبة الملك فهد الوطنية بالعربية والعبرية والفارسية على ورق البردي والرِق

المكتبة تستقبل الزوار والباحثين من مختلف الجنسيات
المكتبة تستقبل الزوار والباحثين من مختلف الجنسيات

شكلت المخطوطات ثروة فكرية ومعرفية، رصدت حياة البشر في المجتمعات المختلفة منذ أن عرف الإنسان الكتابة، كما تعد سجلاً صادقاً لتراث الشعوب وعاداتهم ونشاطاتهم وثقافاتهم ومراحل تطورهم والمتغيرات التي طرأت على حياتها. وتسابقت الدول في تسجيل وحفظ المخطوطات التي تضمها المكتبات الرسمية والخاصة، وأقرت مشاريع لحماية التراث الثقافي الإنساني المخطوط.
وفي هذا الصدد، تعد مكتبة الملك فهد الوطنية بالرياض من المكتبات التي حرصت على اقتناء المخطوطات، معطية الأولوية للنادرة والثمينة منها، حيث تقتني المكتبة نحو 80 ألف مخطوطة، منها 6 آلاف أصلية، و74 ألف مخطوطة مصورة. وأنشأت المكتبة إدارة للمخطوطات والنوادر مبتدئة باستقبال المخطوطات المعروضة للبيع، إضافة إلى الكثير من الإهداءات المتميزة من المكتبات الخاصة والأفراد، وتنوعت محتويات هذه المخطوطات بين موضوعات دينية وسياسية واقتصادية وغيرها. كما اقتنت المكتبة الكثير من المخطوطات غير العربية، وأبرزها الفارسية والعبرية، وجلّ هذه المخطوطات كُتب على الورق المعتاد، والقليل والنادر منها كُتب على ورق البردي والرِق والجلود. وحصلت المكتبة على مخطوطات فيلمية ومصورة ومايكروفيلمية، كما تقتني المكتبة مصورات المخطوطات في المكتبات العالمية، وخصوصاً تلك التي لها علاقة بالشأن المحلي.
وفي حديث مع «الشرق الأوسط»، قال محمد بن عبد العزيز الراشد، أمين عام مكتبة الملك فهد الوطنية، بأن المكتبة أصبحت صرحاً معرفياً وثقافياً ووعاءً لاقتناء الإنتاج الفكري وتنظيمه وضبطه وتوثيقه والتعريف به ونشره في السعودية. وقد أولى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، رعاية خاصة لهذه المكتبة منذ ولادتها كمكتبة عامة في عام 1983 إلى أن تحولت إلى مكتبة وطنية تضاهي المكتبات العالمية.
وأوضح الراشد، أن مكتبة الملك فهد الوطنية تمتلك الكثير من مصادر المعلومات المختلفة والمهمة من تراث المملكة، بحكم أنها مسؤولة عن حفظ التراث الوطني السعودي، ومن هذه المصادر الكتب السعودية والرسائل الجامعية، والدوريات ومركز معلومات المملكة العربية السعودية الذي يحتوي على أكثر من 70 ألف صورة تترجم تاريخ المملكة وتراثها. ومن أهم محتويات المكتبة أيضاً كنوزها من التراث المخطوط، حيث صدر نظام حماية التراث المخطوط في السعودية قبل أكثر من 30 عاماً، وأنيط للمكتبة تطبيقه، وبدأت معه المكتبة بتصوير أكثر 73 ألف مخطوطة من المكتبات ومراكز الأبحاث بغرض حفظها.
تمتلك المكتبة أكثر من 6 آلاف مخطوطة أصلية نادرة، ومنها وعلى سبيل المثال مخطوطة «زاد المعاد» لابن القيم بخط سليمان بن عبد الله ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، كتبت سنة 1220هـ بخط النسخ ومجموعات من المخطوطات المحلية تحتوي على رسائل وفتاوى أئمة الدعوة في نجد. وقد أسهم أسلوب الشراء في تنمية مجموعة المخطوطات المعروضة، ومن بينها مصحف كوفي كتب على الرّق، يعود إلى القرن الثالث الهجري، ومصحف صفوي تام، ومصحف مملوكي وآخر أندلسي. ومن المخطوطات النادرة، تمتلك المكتبة أجزاء من صحيح البخاري كتبت على الرّق سنة 570هـ في الأندلس، كما تحتفظ المكتبة بثلاث مخطوطات كتبت على ورق البردي، إحداها تعود إلى القرن الثالث الهجري.
وقد حصلت المكتبة في جانب المخطوطات المصورة على مصورات ميكروفيلمية لأحد أهم المجموعات العربية المخطوطة في المكتبات الأميركية، وهي مكتبة جامعة بيرنستون، كما تقتني المكتبة مصورات المخطوطات المحفوظة في مكتبة الجامعة اليهودية، وجاءت على شرائح فيلمية ويبلغ عدد مخطوطات هذه المكتبة 1140 مخطوطاً. كما انتقلت مخطوطات مكتبة الرياض السعودية «دار الإفتاء» إلى مكتبة الملك فهد بناءً على توجيهات الملك سلمان بن عبد العزيز، عندما كان أميراً لمنطقة الرياض ومشرفاً عاماً على المكتبة، ويبلغ عددها 792 مخطوطاً.
ولفت أمين عام مكتبة الملك فهد الوطنية إلى أن جزءاً كبيراً من هذه المخطوطات اتسم بالصبغة المحلية سواء بالتمليكات المختلفة أو الوقفيات، أو بنساخها المحليين، أو بالتعليقات التي يكتبها علماء محليون على هوامشها، ومثل هذه السمات تعطي صورة صادقة وواضحة عن الحركة العلمية والفكرية النشطة خلال القرون الماضية. ومنها تبرز نسخ نفيسة من كتاب «الأسماء والصفات» للبيهقي كتبت سنة 585هـ، ونسخ من كتاب «التحقيق في أحاديث التعليق» لابن الجوزي تعود للقرن السابع الهجري، وكتاب الأحكام السلطانية للمارودي كتب سنة 682هـ، ونسخة من «الموطأ» لمحمد بن الحسن. ومن المخطوطات المتميزة جزء من «كتاب الإنصاف» بخط المصنف المرداوي، ومن «الكوكب الساري» مقدمة فتحي الباري لابن حجر. وأشار إلى بعض من المخطوطات التي كتبت عن طريق النساخ المحليين، منها ما يتعلق بإعارة الكتب التي لم تكن مقتصرة بين الرجال منها.
وذكر الراشد بأن هناك جانباً آخر مهماً في مجموعة المخطوطات التي تقتنيها المكتبة، وهي وقفيات أمراء آل سعود وغيرهم على الكتب، ذاكراً في هذا الصدد وقفيات للأئمة: تركي بن عبد الله، وفيصل بن تركي، وعبد الله بن فيصل، ومحمد بن فيصل، وعبد الرحمن بن فيصل، كما وجدت وقفيات كثيرة للملك عبد العزيز، وشاركت النساء في هذه الوقفيات مثل وقفيات للجوهرة بنت تركي بن عبد الله، ولسارة بنت تركي بن عبد الله، ولمنيرة بنت مشاري، ولنورة بنت الإمام فيصل، وللجوهرة بنت الإمام فيصل، وغيرهن. ولفت الأمين العام لمكتبة الملك فهد الوطنية إلى نموذج متميز في هذه المخطوطات يتعلق بحركة تداول الكتب وإعارتها بين العلماء.
كما تملك المكتبة مخطوطات لمصاحف كتبت بخط قديم، ونوادر من نسخ متميزة، مثل ديوان الأحنف العكبري، ونسخة من «أحكام الأحكام» لابن دقيق العيد كتبت 797هـ، و«يتيمة الدهر» للثعالبي نسخة جميلة كتب بخط أندلسي تعود للقرن العاشر، ونسخة من «الاستقصاء والإبرام في علاج الجراحات والأورام» لمحمد بن علي بن فرج الفهري المتوفى عام 722هـ.
وأشار الراشد إلى أنه تم تخصيص قاعة خاصة بالمخطوطات، خاضعة لنظام يحافظ على سلامة المخطوطات من الآفات. كما يوجد لدى المكتبة مركز للترميم والتعقيم يعد واحداً من أفضل مراكز الترميم في المنطقة. وبحسب نظام حماية التراث المخطوط لا يحق لأي مواطن إخراج أي مخطوطة يمتلكها خارج المملكة بغرض بيعها أو لأي سبب آخر إلا بعد عرضها على المكتبة لتصويرها وتسجيلها، حيث تقوم المكتبة بتقييمها وعرضها على المهتمين باقتنائها من المكتبات ومراكز البحوث في المملكة، وفي حال عدم رغبتهم في اقتنائها يعطى الإذن لإخراجها.
وفي مجال إتاحة المخطوطات للدارسين والباحثين، أشار الراشد إلى أن المكتبة وضعت فهارس أولية للمخطوطات تمكن المستفيدين من الاطلاع على عناوين المخطوطات الموجودة في المكتبة، كما أعدت أماكن خاصة مزودة بأجهزة المايكروفيلم والمايكروفيش، وتوفير خدمة تصوير المخطوطات للباحثين.
- حاضنة الإنتاج المعرفي والفكري السعودي
> تعد مكتبة الملك فهد الوطنية الوعاء الحاضن لكل إنتاج معرفي وفكري وثقافي سعودي. وهي التي تقوم على تطبيق نظام الإيداع الوطني لأي إنتاج فكري سعودي.
والمكتبة تعمل بشكل مستمر على خدمة الباحثين والباحثات، وتسهيل الحصول على المعلومة والوعاء المعرفي المطلوب وتوفر خدماتها على مدار 24 ساعة. فقد قامت بتوفير مجموعة من الخدمات الإلكترونية التي وصل عددها إلى ما يقارب 14 خدمة مكتبية إلكترونية، جميعها متاحة للمستفيدين والمستفيدات عبر بوابتها الإلكترونية. وأولت المكتبة اهتماماً خاصاً بالمخطوطات التي تقتنيها وعملت على تيسير اطلاع الباحثين والباحثات عليها عبر إنشاء خدمة «طلب مخطوطة» الإلكترونية التي تتيح للباحثين إمكانية طلب مخطوطة محددة أو كتاب نادر للقراءة، أو التصوير لأغراض بحثية. والخدمة متاحة لجميع أفراد المجتمع من داخل السعودية وخارجها. ويتطلب من الباحث للاستفادة من الخدمة تسجيل الدخول للبوابة الإلكترونية وتعبئة النموذج الإلكتروني، ومن ثم تقوم إدارة المخطوطات بتسلم الطلب ومعالجته وإرسال المخطوطة المطلوبة عبر البريد الإلكتروني الخاص بالمستفيد.
كما قامت المكتبة بتوفير عدد من الخدمات المعلوماتية التي من خلالها يستطيع الباحث أو الباحثة الحصول على معلومات عن المخطوطات المتوفرة في المكتبة، وذلك من خلال الخدمات التي يوفرها مشروع «المكتبة الرقمية لمكتبة الملك فهد الوطنية»، وهو أحد المشاريع التي أطلقتها المكتبة مؤخراً، ويهدف إلى إتاحة خدمة تصفح محتويات أوعية معلومات المكتبة المختلفة التي تم رقمنتها، ويقوم المستفيد بذلك من خلال أجهزة الحاسب الآلي الشخصية. وضمن المشروع تتيح المكتبة الرقمية حصول المستفيد على المعلومات الوصفية الشاملة للمخطوطة. وتعمل المكتبة حالياً على استكمال الرقمنة الوصفية لكامل المخطوطات التي تقتنيها.


مقالات ذات صلة

معرض أثري مصري مؤقت في السعودية

يوميات الشرق متحف الفن الإسلامي في القاهرة (وزارة السياحة والآثار)

معرض أثري مصري مؤقت في السعودية

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية عن المشاركة بعدد من القطع الأثرية من مقتنيات متحف الفن الإسلامي بالقاهرة في معرض بعنوان «وما بينهما».

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق جولات «تمشية» توفر معلومات دقيقة وحكايات تاريخية موثقة بأسلوب سرد مشوق (صفحة المعز لدين الله على الفيسبوك)

جولات ميدانية شبابية تعيد اكتشاف دروب القاهرة التاريخية

عرفت القاهرة أخيراً تنظيم جولات سياحية جماعية ومنتظمة سيراً على الأقدام إلى شوارعها التاريخية ومواقعها العتيقة عبر جولات شبابية.

نادية عبد الحليم (القاهرة)
المشرق العربي الجيش الإسرائيلي تَعَمَّدَ استهداف المواقع التراثية والأثرية في لبنان

الجيش الإسرائيلي تَعَمَّدَ استهداف المواقع التراثية والأثرية في لبنان

تتعمّد إسرائيل في حربها على لبنان تدمير وهدم مواقع تراثية وأثرية في الجنوب والنبطية والبقاع؛ لمحو جزء من ذاكرة اللبنانيين التاريخية والثقافية والحضارية.

يوميات الشرق الاحتفال بمرور 70 عاماً على تأسيس معهد الدراسات القبطية (وزارة السياحة والآثار)

مصر تحتفي باللغة القبطية وتوثيق الحضارة الفرعونية 

احتفت مصر باللغة القبطية التي يجري تدريسها في المعهد العالي للدراسات القبطية التابع للكنيسة الأرثوذكسية المصري، وذلك بمناسبة مرور 70 عاماً على إنشاء المعهد.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق المتحف المصري الكبير يضم آلافاً من القطع الأثرية (الشرق الأوسط)

المتحف المصري الكبير يحتفي بالفنون التراثية والحِرف اليدوية

في إطار التشغيل التجريبي للمتحف المصري الكبير بالجيزة (غرب القاهرة) أقيمت فعالية «تأثير الإبداع» التي تضمنت احتفاءً بالفنون التراثية والحِرف اليدوية.

محمد الكفراوي (القاهرة)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».