جولات ميدانية شبابية تعيد اكتشاف دروب القاهرة التاريخية

مبادرات مستقلة تستهدف جذب المواطنين إلى الأحياء العتيقة

جولات «تمشية» توفر معلومات دقيقة وحكايات تاريخية موثقة بأسلوب سرد مشوق (صفحة المعز لدين الله على الفيسبوك)
جولات «تمشية» توفر معلومات دقيقة وحكايات تاريخية موثقة بأسلوب سرد مشوق (صفحة المعز لدين الله على الفيسبوك)
TT

جولات ميدانية شبابية تعيد اكتشاف دروب القاهرة التاريخية

جولات «تمشية» توفر معلومات دقيقة وحكايات تاريخية موثقة بأسلوب سرد مشوق (صفحة المعز لدين الله على الفيسبوك)
جولات «تمشية» توفر معلومات دقيقة وحكايات تاريخية موثقة بأسلوب سرد مشوق (صفحة المعز لدين الله على الفيسبوك)

لا تدور أحداث التاريخ في الكتب فقط، ولا ترويها مقتنيات المتاحف وحدها، ولا يقتصر استكشافها على الزيارات الروتينية التقليدية لأمكنة بعينها؛ فثمة شوارع وأزقة تجسد جواهر مخفية، يفوح منها أريج الزمن، وتحمل بين جنباتها ملامح الحضارات القديمة.

وانطلاقاً من هذه الرؤية عرفت القاهرة أخيراً تنظيم جولات سياحية جماعية ومنتظمة سيراً على الأقدام إلى شوارعها التاريخية ومواقعها العتيقة؛ حيث أسست مجموعة من شباب الآثاريين والباحثين المصريين صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، تدعو أبناء المدينة إلى هذه الجولات بعنوان «تمشية»، ليتنقلوا بشغف بين ممرات الماضي سيراً على الأقدام مسترشدين بمصاحبة المتخصصين.

جواهر معمارية ومبانٍ تاريخية وسط صخب المدينة (صفحة سراديب على فيسبوك)

ولاقت هذه المبادرات الشبابية المستقلة إقبالاً لافتاً من جانب المصريين إلى حد أن حصدت عبر مواقع التواصل مئات الآلاف من المتابعين الشغوفين بمعرفة تاريخ بلادهم، وفق الأثري حسام زيدان مؤسس صفحة «سراديب»: «قمت بالتعاون مع اثنين من المؤرخين، وهما إبراهيم محمد ومصطفى حزين، بإطلاق هذه المبادرة بهدف رفع الوعي الأثري وإعادة اكتشاف بعض أحياء القاهرة وشوارعها الخلفية ذات العبق التاريخي، والزاخرة بالمعالم الأثرية».

وتساهم «سراديب» وغيرها من الصفحات والـ«جروبات» الإلكترونية في تنمية الحس السياحي عند المواطنين، وربطهم بتاريخ بلادهم بحسب زيدان: «كثير من المصريين لا يعرفون القدر الكافي عن حضاراتهم، ولم يسبق لهم زيارة أماكن ووجهات سياحية مهمة يأتي إليها السياح من مختلف دول العالم؛ فأردنا أن نحقق لهم ذلك وننشر الثقافة الأثرية بينهم».

تكونت صداقات بين أعضاء الجولات (صفحة المعز لدين الله الفاطمي على فيسبوك)

ويضيف زيدان لـ«الشرق الأوسط»: «تتميز هذه الجولات بأنها تعتمد في الأساس على السير على الأقدام، ما يتيح فرصة أكبر لتأمل كل التفاصيل، والاستمتاع بالملامح الإنسانية والمعمارية المتفردة في هذه الأماكن، وتختلف عن الزيارات الفردية بأنها توفر معلومات دقيقة وحكايات تاريخية موثقة من متخصصين يقدمونها عبر أسلوب سرد علمي مشوق؛ حيث ينغمس الجميع بشغف في قلب الحضارات القديمة التي شهدتها مصر، في جولات مُنظمة بعناية».

الجولات تجتذب العشرات (صفحة المعز لدين الله الفاطمي على فيسبوك)

وفيما «يرتبط اهتمام الكثير من المصريين بالمناطق الأثرية الشهيرة مثل الأهرامات، وقلعة صلاح الدين، فإنها تأخذهم إلى مناطق أخرى مهمة للغاية بالقاهرة العتيقة على غرار (باب الوزير)، و(الدرب الأحمر)، و(أسوار قلعة صلاح الدين)، و(صحراء المماليك)، و(سفح المقطم) و(الإمام الشافعي)». وفق زيدان.

ويشير مؤسس صفحة «سراديب» إلى أن «هذه المبادرات تسهم في إجادة التعامل مع السياح الأجانب، وتنشيط السياحة من خلال الحسابات الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ يقوم الزوار بنشر صورهم في الأماكن التاريخية، مع شرح لتفاصيل المكان بلغات مختلفة، وفوجئنا بأشخاص من دول أجنبية مختلفة يراسلوننا ويطلبون تنظيم (تمشية) مماثلة في شوارع القاهرة عند زيارتها».

جولة في قلب القاهرة يصاحبها شرح علمي مبسط (صفحة سراديب على فيسبوك)

وتعد صفحة «شارع المعز» على «فيسبوك» واحدة من الصفحات الأكثر نشاطاً في تنظيم جولات «التمشية»، يقول أحمد صابر مؤسس الصفحة لـ«الشرق الأوسط»: «التاريخ لا يُحكى فقط في الأماكن البعيدة، المعزولة، لكنه يعيش أيضاً بين الناس في أماكن صاخبة وحيوية، وعلينا أن نقدرها جيداً، ونستمع لحكاياتها، لذلك ننظم جولات على الأقدام في شوارع القاهرة، المليئة بالمساجد والأسبلة والبيوت والمقابر الأثرية وغير ذلك».

ويلفت إلى أن «الكثير من الأشخاص يمرون على هذه المباني يومياً، لكنهم لا يعرفون حجم عظمتها وندرتها، ومنها (شارع المعز) الذي اتخذناه رمزاً للصفحة لكننا نتجول في مختلف أنحاء المدينة».

وأضاف صابر: «تتيح الصفحة - التي تضم عدداً كبيراً من خبراء الآثار والباحثين - للمنضمين للتمشية الاستكشاف الغامر الذي يتجاوز المألوف للمناطق التاريخية، ويحكي عن عالم لم ير معظم الناس مثله في الدول المختلفة، ففي مصر حضارات أضافت الكثير للإنسانية».

الجولات الميدانية تربط المصريين بتاريخ بلادهم (صفحة المعز لدين الله الفاطمي على فيسبوك)

وتحت عنوان «تعالوا نعرف مصر» أسست خبيرة ترميم الآثار دكتورة ندى زين الدين جروباً آخر للتمشية، يحتفي بزيارة الأماكن غير المعروفة والأحياء المصرية العتيقة، التي تعدها موطن الأصالة المصرية، وتقول زين الدين لـ«الشرق الأوسط»: «نزور أحياء مثل المنيرة، والناصرية، والضاهر، وشبرا، والزمالك، ومن خلال التمشية فيها نسرد تاريخ الحي وكل ما له علاقة بالآثار والفلكلور والفن والعمارة».

الأحفاد يتطلعون إلى استكشاف حضارة الأجداد (صفحة المعز لدين الله الفاطمي على فيسبوك)

وتتابع: «كما نحتفي بالسياحة البيئية؛ حيث تتجه بعض جولاتنا إلى مناطق بعينها تشتهر بأنشطة معينة، وهو ما أعتبره كنزاً آخر من كنوز مصر».

وتعتبر زين الدين استكشاف هذه المناطق عبر السير على الأقدام «فرصة لاستنشاق عبق التاريخ، مع ممارسة الرياضة المفضلة للكثيرين، خصوصاً في الشتاء؛ حيث نخرج في التاسعة صباحاً في العطلة الأسبوعية، وتكون القاهرة في ذلك الوقت غير مزدحمة».


مقالات ذات صلة

مصر لإعادة إحياء «القاهرة الخديوية» واستثمارها سياحياً

يوميات الشرق ميدان التحرير بعد تطويره ضمن  القاهرة الخديوية (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر لإعادة إحياء «القاهرة الخديوية» واستثمارها سياحياً

ضمن توجه لإعادة إحياء «القاهرة الخديوية» واستثمارها سياحياً، تدرس مصر مقترحات بإنشاء كيان مستقل لإدارة المنطقة بوصفها أحد معالم السياحة الثقافية في العاصمة

عصام فضل (القاهرة )
يوميات الشرق الرأس المكتشف في الإسكندرية من العصر البطلمي (وزارة السياحة والآثار)

اكتشاف رأس تمثال لأحد كبار الشخصيات بالعصر البطلمي في الإسكندرية

يصل ارتفاع الرأس المكتشف إلى 38 سنتيمتراً، وهو أكبر من الحجم الطبيعي لرأس الإنسان، ما يشير إلى أنه كان جزءاً من تمثال ضخم قائم في مبني ضخم ذي أهمية سياسية عامة.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق قصر البارون إمبان بمصر الجديدة (وزارة السياحة والآثار)

قصور مصر التاريخية لاستعادة طابعها الحضاري

تسعى مصر لترميم وإعادة تأهيل القصور التاريخية لتستعيد تلك «التحف المعمارية» طابعها الحضاري وتدخل ضمن خطط السياحة الثقافية بالقاهرة التاريخية ذات السمات المميزة.

محمد الكفراوي (القاهرة)
يوميات الشرق الدكتور محمد الكحلاوي يتسلم نجمة الاستحقاق الفلسطينية من السفير دياب اللوح (اتحاد الآثاريين العرب)

«وسام فلسطين» لرئيس «الآثاريين العرب»

منح الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الثلاثاء، نجمة الاستحقاق ووسام دولة فلسطين للدكتور محمد الكحلاوي، رئيس المجلس العربي للآثاريين العرب.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق جانب من الكشف الأثري في جبَّانة أسوان بجوار ضريح الأغاخان (وزارة السياحة والآثار)

جبَّانة أسوان ضمن أهم 10 اكتشافات أثرية عالمياً في 2024

جاءت جبَّانة أسوان الأثرية المكتشفة بمحيط ضريح الأغاخان في مدينة أسوان (جنوب مصر) ضمن أهم 10 اكتشافات أثرية على مستوى العالم خلال عام 2024.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

صُناع مسلسل «سراب» يحتفلون بعرض حلقته الأخيرة

عدد من أبطال المسلسل على السجادة الحمراء (الشرق الأوسط)
عدد من أبطال المسلسل على السجادة الحمراء (الشرق الأوسط)
TT

صُناع مسلسل «سراب» يحتفلون بعرض حلقته الأخيرة

عدد من أبطال المسلسل على السجادة الحمراء (الشرق الأوسط)
عدد من أبطال المسلسل على السجادة الحمراء (الشرق الأوسط)

قبل ساعات قليلة من عرض الحلقة الأخيرة للمسلسل المصري «سراب» عبر منصة «TOD»، احتفل صناع العمل بإذاعتها في إحدى الصالات السينمائية وسط حضور فريق العمل، لمعرفة ردود الفعل على الأحداث التي دارت في «10 حلقات» وعرض بواقع حلقتين أسبوعياً.

«سراب» من بطولة خالد النبوي، ويسرا اللوزي، ونجلاء بدر، وديامان بوعبود، وهاني عادل، وإنجي المقدم وأحمد وفيق. وهو مأخوذ من رواية «سبعة أنواع من الغموض» للكاتب الأسترالي إليوت بيرلمان، التي قدمت درامياً من قبل، فيما أشرف على ورشة الكتابة للسيناريو والحوار هشام هلال، وتولى إخراجه أحمد خالد.

وحرص غالبية أبطال المسلسل على الحضور والاحتفاء على السجادة الحمراء والتقاط الصور التذكارية، مستذكرين الصعوبات التي مروا بها أثناء التصوير وكواليسه، في أجواء من البهجة سادت قبل الدخول لقاعة العرض ومشاهدة العرض وسط حضور عدد من أصدقاء الأبطال وزملائهم.

يسرا اللوزي في كواليس «سراب» (حسابها على فيسبوك)

وشهدت الحلقة الأخيرة من المسلسل مفاجآت عديدة بقاعة المحكمة في واقعة اختطاف الطفل «زين» الذي يقوم بدور والده «طارق حسيب»، الممثل خالد النبوي، وتلعب دور والدته الطبيبة «ملك»، الممثلة يسرا اللوزي، بعد تفاقم الأحداث عقب عودته من واقعة الاختطاف التي كشفت تفاصيلها جوانب عديدة في حياة العائلة والمحيطين بها.

وتحدثت يسرا اللوزي لـ«الشرق الأوسط» عن ترددها بالبداية للموافقة على العمل بسبب ظروف مرت بها، لكن حماس المحيطين بها وطبيعة الدور البعيدة عن الكوميديا جعلتها تنخرط في العمل وتتحمس لتقديمه مع دعم المقربين منها لكي تعود للبلاتوهات.

وأضافت أن «كون العمل مأخوذاً من فورمات أجنبية أمر لم يقلقني على الإطلاق في ظل معالجة العمل بشكل مختلف ومناسب لطبيعة المجتمع المصري والعربي»، لافتة إلى أن «السيناريو من أكثر الأمور التي حمستني للدور والتعامل معه بالرغم من صعوبته».

وتطرقت إلى كواليس التصوير التي شهدت سخرية بينها وبين زميلها خالد النبوي على طبيعة شخصية «طارق حسيب» التي يجسدها باعتبارها من الشخصيات «السخيفة»، حسب وصفها، مشيدة بالكواليس التي جمعتها مع زملائها خلف الكاميرا.

ويبدي الممثل أحمد وفيق سعادته بكواليس التصوير مع إعجابه بالسيناريو والمعالجة المكتوبة؛ بسبب اهتمام المؤلف هشام هلال بالتفاصيل الدقيقة للشخصية، وقدرة المخرج أحمد خالد الذي تعاون معه للمرة الأولى في تقديم العمل بشكل جيد، مشيراً لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «شخصية دكتور عاصم الطبيب النفسي التي قدمتها في الأحداث جاءت من منظور إنساني وليس بشكل تقليدي».

يسرا اللوزي مع خالد النبوي وهاني عادل في كواليس التصوير (الشركة المنتجة)

وأضاف أن «غالبية الأطباء النفسيين الذين تحدثوا معي أبدوا إعجابهم بفكرة تقديمهم كبشر لديهم مشاكل وحياة يعيشونها»، لافتاً إلى أن «هناك نماذج تتسم بالطيبة الشديدة على غرار ما شاهدناه في المسلسل».

وهو رأي يدعمه الممثل أحمد مجدي الذي وصف طبيعة العمل بـ«الجادة» منذ البداية، الأمر الذي انعكس على أجواء التصوير والتحضير، لافتاً إلى أن شخصية «نور» التي قدمها في الأحداث حملت تحديات عديدة في التحضير والتعامل معها قبل خروجها للنور.

وأشاد الناقد المصري محمد عبد الرحمن بـ«جودة العمل»، مشيراً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى «اهتمام صناعه بالتفاصيل، بداية من الكتابة الدرامية التي قدمت ما أعتبره نموذجاً لكيفية تحويل عمل غير عربي لنسخة يمكن أن تكون أصلية، مع تغيير الخطوط الدرامية وإضافة العديد من الشخصيات في الأحداث».

وأكد على «نجاح المخرج أحمد خالد في اختيار الأبطال المناسبين في مختلف الأدوار وإبقائهم بحالة ذهنية مرتفعة في مختلف الحالات بالأحداث، مع إبراز فكرة العمل التي توضح التناقض البشري ولحظات الضعف بإيقاع يجعل المشاهد مشدوداً لمتابعة العمل بتركيز».