ثقافة وفكر الفوضوية

بيوتر كروبوتكين
بيوتر كروبوتكين
TT

ثقافة وفكر الفوضوية

بيوتر كروبوتكين
بيوتر كروبوتكين

مع استفحال جائحة الكورونا، يتكرر استخدامنا للفظ «الفوضى»، سواء لوصف الأوضاع الداخلية في كثير من المجتمعات أو حتى النظام الدولي، وعدم قدرتهما على مواجهة هذا الفيروس المستشري، فاللفظ في حد ذاته إهانة أو تهمة خاصة على المستوى الفردي، غالبًا ما يكون مرادفًا لنوع من الإهمال المشوب بعدم المسئولية أو الاكتراث بالنظام، ولكن الأمر في عالم الفكر والفلسفة يختلف بعض الشيء عنه في التطبيق، فالفوضى (أو Anarchy) مشتقة من لفظ يوناني يعني «من دون حكم»، ولكنه اليوم صار تعبيرًا عن تيار فكري على مدار القرون الثلاثة الماضية، صاغه بعض المفكرين، وعلى رأسهم الإنجليزي جودوين، والروسي كروبوتكين، والفرنسي براودهون، وغيرهم. وقد ارتبط بزوغ هذا التيار بشكل كبير بالموجات الفكرية والسياسة التي سادت أوروبا من القرن الثامن عشر، وفشل الأنظمة السياسية المتتالية والآيديولوجيات المرتبطة بها، وهو ما يمكن عده ثورة على المفاهيم التقليدية للمسيرة الفكرية والسياسية للإنسانية.
وعلى الرغم من وجود تيارات مختلفة داخل المنظومة الآيديولوجية للفوضوية، شأنها في ذلك شأن كل الآيديولوجيات، فإن العنصر الفكري الأساسي المشترك كان رفضها الكامل لمفهوم السلطة السياسية والقوانين الوضعية التي تكبح الحريات العامة للفرد والجماعة والمجتمع على حد سواء، فترى أن الدولة شر في حد ذاتها لأنها تمثل أداة لشرعنة سلوك الفئة الحاكمة أو المستفيدة بحكم الثروة أو السلم الاجتماعي وتيسر وسائل السيطرة لقمع باقي الفئات داخل الدولة تحت ستار التبعية التي تولدها بالتلويح بمخاطر لا أساس لها، وبالتالي رفض هذا التيار كل أدوات الدولة، بداية من فرض الضرائب إلى الدخول في الحروب، مرورًا بالقوانين القسرية السالبة للحريات، بل والحياة.
ويستند هذا الفكر لأساس مهم للغاية، وهو رفض أي نوع من السلطات، وعلى رأسها الدين بطبيعة الحال، لأنهم يعدونه مُسير لإخضاع المجتمع برؤى ووسائل مختلفة. ونتيجة لهذه الفرضية الفكرية، فهم يرفضون كل أنواع الربط مع المفاهيم السائدة التي بُنيت عليها أغلبية الأنظمة السياسية، وعلى رأسها مفهوم العقد الاجتماعي الذي يعدون دخول الفرد فيه طواعية مع الحاكم نوعًا من الخنوع الناتج عن الوعيد، ولا خلاف على أن خلفية التجربة الدينية التاريخية الأوروبية كان لها دورها الحاسم في تطور مثل هذا الفكر، إذ إن هذا التيار بزغ بقوة في الدول الأوروبية التي مارست فيها الكنيسة الكاثوليكية قدرًا كبيرًا من السلوك القسري، مثل فرنسا وإسبانيا وبعض دول أمريكا اللاتينية.
وحقيقة الأمر أن هذا التيار يرى في الإنسان كائناً عاقلاً بطبيعته، قادراً على إدارة أموره بشكل منطقي سليم، يمكن له أن يحيا بنظام أخلاقي عالٍ، ولكن أُفسدت هذه الطبيعة الإنسانية من خلال مؤسسات الدولة والمجتمع منذ تكوينه بوسائل مختلفة من القمع الفكري. ومن ثم، فالدولة أو الحكومة ليست الحل، ولكنها بالنسبة لهم سبب المشكلة من الأساس، بينما ذهب آخرون، مثل «كربوتيكين»، إلى وجود وسائل إفساد فردية غير مرتبطة بالدولة، ولكن يمكن السيطرة عليها.
وعلى الرغم من اتفاق الأغلبية على ما تقدم، فإن هناك اختلافات داخلية في المنظومة الآيديولوجية لهذا التيار الفكري مرتبطة بتأثرهم بالتيارات السياسية المعاصرة للتطور الفكري، مثل الاشتراكية والليبرالية... إلخ. ففي حين اتفق فريق من الفوضويين مع الاشتراكية، رافضين الملكية الفردية بصفتها شراً يجب تفاديه والاتجاه نحو «الجماعية»، فإن فريقًا آخر رأى أن الملكية الخاصة جزء لا يتجزأ من الحقوق المرتبطة بالحريات الأساسية للمرء. ومع ذلك، فهم يرفضون مفاهيم الأنظمة الاقتصادية مثل الرأسمالية. وذلك في حين يتفق الفريقان على رفض الإدارة الرأسمالية أو الاشتراكية للمجتمع. كذلك يتفقون على أن مفهوم «ديكتاتورية البروليتاريت» ما هو إلا استبدال لقمع الدولة تحت شعار آخر، ويختلفون مع التيار الاشتراكي في أن الدولة الرأسمالية لا يجب تركها تندثر، ولكن يجب إسقاطها.
واقع الأمر أن ممارسات الفوضويين على مر القرون الثلاثة الماضية اختلفت بطبيعة الحال بين المقاومة السلمية والمقاومة المسلحة، ولكنها بالتأكيد لم تحظَ في أي وقت بشعبية جماهيرية واسعة، بل إنها ظلت محدودة الأثر والانتشار، وقد يرجع ذلك إلى أنها آيديولوجية مبنية في الأساس على رفض القائم، دون إيجاد بديل عملي تطبيقي لما يدعون له، إضافة إلى تشرذمها الفكري عندما يتعلق الأمر بمستقبل ما بعد إسقاط الدولة والكيانات الاجتماعية القائمة، ولعل هذا ما قد يبرر -على عكس أغلبية الآيديولوجيات السياسية- أنها لم تقم لها قائمة سياسية تطبيقية، مثل الرأسمالية والاشتراكية، بل والفاشية، فلم تتجسد الدولة الفوضوية على الإطلاق، ولا يُتوقع لها أن تتجسد، لأنها تضرب في أساس وسبل إدارة المجتمعات التي لا يمكن أن تترك للأهواء الفردية، دون كبح جماح للفرد وأطماعه الطبيعية. ومع ذلك، فبعض عناصر فكرها السياسي تظل عالقة في الأذهان، وتدخل بصفتها مدخلاً في صياغة أفكار أو تطبيقات فكرية أخرى دون الاستقلالية الآيديولوجية.
ومع توضيح الأصول الفكرية لنظرية «الفوضوية»، فإننا نأمل بأن يبقى استخدام اللفظ قاصراً على نعت السلوك المرفوض، ولا يتطور إلى ما هو أخطر وغير مطلوب في متن هذه النظرية شبه المندثرة، استغلالاً للظروف المحلية والدولية الصعبة التي تمر بها البشرية، فتكون نواة لدعوة جديدة نحو الغوغائية والتفكك، في زمن نحتاج فيه إلى التلاحم والفكر الجماعي لنخرج من براثن هذه الكارثة الوبائية.



الجزائري الأصل كمال داود يفوز بجائزة «غونكور» الفرنسية عن «حوريات»

كمال داود محتفلا بفوز روايته "حوريات"
كمال داود محتفلا بفوز روايته "حوريات"
TT

الجزائري الأصل كمال داود يفوز بجائزة «غونكور» الفرنسية عن «حوريات»

كمال داود محتفلا بفوز روايته "حوريات"
كمال داود محتفلا بفوز روايته "حوريات"

مُنح الكاتب الفرنسي من أصل جزائري كمال داود، اليوم (الاثنين)، جائزة «غونكور» التي تُعدّ أبرز المكافآت الأدبية الفرنكوفونية عن روايته «حوريات» الصادرة عن دار «غاليمار»، وتتناول الحرب الأهلية في الجزائر بين 1992 و2002 المعروفة بـ«العشرية السوداء».

وحسبما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية، فإن داود قد حصل على ستة من أصوات أعضاء أكاديمية «غونكور» العشرة، في مقابل اثنين للفرنسية إيلين غودي، وواحد لكلٍّ من مواطنتها ساندرين كوليت، والفرنسي من أصل رواندي غاييل فاي الذي حصل على جائزة رونودو، كما أعلن رئيس أكاديمية «غونكور» الكاتب فيليب كلوديل.وأوضح كلوديل أن «أكاديمية غونكور توّجت كتاباً تتنافس فيه القصائد الغنائية مع التراجيديا، ويعبّر عن العذابات المرتبطة بفترة مظلمة من تاريخ الجزائر، خصوصاً ما عانته النساء».

وأضاف: «تُظهر هذه الرواية إلى أي مدى يستطيع الأدب، في حريته العالية في معاينة الواقع، وكثافته العاطفية، أن يرسم إلى جانب القصة التاريخية لشعب ما، سبيلاً آخر للذاكرة».وتُعدُّ «حوريات»، (Houris)، رواية سوداوية بطلتها الشابة «أوب» التي فقدت قدرتها على الكلام بعدما طعنها أحد الإسلاميين في 31 ديسمبر (كانون الأول) 1999.

وحرص داود على أن تكون شخصية امرأة هي الراوية للحبكة، واختار لبداية القصة مدينة وهران التي كان يعمل فيها صحافياً خلال «العشرية السوداء»، ثم تجري الأحدث في الصحراء الجزائرية التي تنتقل إليها «أوب» لتعود إلى قريتها.وهذه الرواية هي الثالثة لكمال داود والأولى التي تصدر عن دار «غاليمار».

وسبق له أن فاز بجائزة «لاندرنو» للقراء في أكتوبر (تشرين الأول). ولا يمكن نشر «حوريات» في الجزائر، إذ يحظر القانون أي مؤلَّف يستحضر الحرب الأهلية التي امتدت من 1992 إلى 2002.