مراكز تجارية في صنعاء تسقط في أيدي الميليشيات

ضمن مساعي الجماعة لتجريد المناهضين لها من أملاكهم

TT

مراكز تجارية في صنعاء تسقط في أيدي الميليشيات

شنت الجماعة الحوثية أخيرا حملات نهب وابتزاز ومصادرة واسعة بحق عدد جديد من الشركات والمؤسسات التجارية الخاصة في العاصمة صنعاء فيما عينت حراسا قضائيين تابعين لها، بذريعة ملكية هذه المؤسسات لشخصيات مناهضة للجماعة.
واعتادت الجماعة على مدى سنوات انقلابها على استخدام سلاحها نفسه المسمى بـ«الحارس القضائي» لتفتك من خلاله بمن تبقى من منتسبي القطاع الخاص في المناطق ألقابعة تحت سيطرتها.
وخلال هذا الأسبوع أفادت مصادر مطلعة في صنعاء بأن الميليشيات صادرت عددا من الشركات والمؤسسات التجارية في العاصمة إلى جانب مراكز تجارية في مناطق متفرقة من المدينة.
وعينت الجماعة - بحسب المصادر - حراسا قضائيين على تلك المراكز بينما صادرت حسابات أول وأكبر مركز تجاري للملابس بصنعاء (سيتي ماكس) الموجودة في البنوك التجارية، كما استحوذت على عمليات البيع والشراء وعينت محاسبين جددا وإدارة مالية، وأمناء للمخازن والمستودعات.
وأكد عاملون في مراكز عدة بصنعاء طالتها يد البطش والمصادرة الحوثية، لـ«الشرق الأوسط»، أن الاعتداءات الحوثية الأخيرة على تلك المراكز التي يعملون بها ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، حيث اعتاد عناصر الجماعة التهجم والاعتداء على تلك المراكز وإجبار مالكيها على دفع إتاوات مالية غير قانونية.
وقال محاسب مالي سابق بمركز «سيتي ماكس» لـ«الشرق الأوسط»، إن إجمالي الاعتداءات الحوثية على المركز بلغت خلال العامين الماضيين نحو 23 اعتداء.
وأشار المحاسب الذي طلب عدم ذكر اسمه إلى أن الميليشيات تتخذ في كل مرة تعتدي فيها على المركز ذريعة جديدة من ذرائعها المتعددة وغير القانونية للحصول على إتاوات جديدة بقوة السلاح، مقدرا ما تم جبايته بأكثر من 350 مليون ريال (الدولار حوالي 600 ريال).
وغالبا ما تسخر الجماعة الحوثية ما تجنيه من أموال غير مشروعة لمصلحة تمويل المجهود الحربي وإثراء كبار قادتها والإنفاق على الدعاية الإعلامية والاحتفالات المتعددة طيلة العام.
وفي الوقت الذي تواصل فيه الجماعة الانقلابية، المدعومة من إيران، حملات النهب والمصادرة والإغلاق بحق ما تبقى القطاعات الاقتصادية بمناطق سيطرتها، يؤكد اقتصاديون في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن تلك السلسلة الجديدة من الاستهدافات تندرج في إطار النهج الحوثي المنظم والواسع لمصادرة الشركات وكل القطاعات الاقتصادية والحيوية.
وسبق للميليشيات الحوثية أن شنت المئات من حملات الاستهداف وصادرت العشرات من الشركات أهمها على سبيل المثال، مستشفى «سيبلاس» وجامعة العلوم والتكنولوجيا والمستشفى التابع لها، وشركة «سبأ فون» للهاتف النقال، وغيرها الكثير من تلك المنشآت الاقتصادية الحيوية في صنعاء.
ويشير الاقتصاديون إلى أن القطاع الخاص بمناطق سيطرة الحوثيين بات يلفظ أنفاسه الأخيرة، بعدما أعلنت العشرات من الشركات والمؤسسات التجارية الخاصة إفلاسها التام نتيجة جرائم وممارسات وتعسفات الجماعة.
وكانت الجماعة ابتكرت منصب «الحارس القضائي» وعينت فيه قياديا مقربا من زعيمها الحوثي وأطلقت يده للاستيلاء على العشرات من المؤسسات والشركات فضلا عن عقارات المناهضين للانقلاب.
وتعود ملكية أغلب الشركات والمؤسسات والعقارات التي استولت عليها الجماعة عبر حارسها القضائي المدعو صالح الشاعر والذي يرتبط مباشرة بمكتب رئيس مجلس حكم الجماعة الانقلابي، لشخصيات سياسية وتجار ورجال أعمال موالين للحكومة الشرعية.
وعلى وقع هذه الإجراءات الحوثية بحق القطاعين العام والخاص، تواجه الكثير من الشركات ما يمكن أن يوصف بأنه أكبر عملية ممنهجة للنهب تقوم بها الجماعة المسلحة منذ سيطرتها على العاصمة صنعاء، في سبتمبر (أيلول) 2014. وهو ما يهدد تلك الشركات بالإفلاس والتوقف عن العمل، بحسب ما يقوله مراقبون اقتصاديون.
وفي أغسطس (آب) من العام الماضي، كانت الجماعة في صنعاء أصدرت أمرا بمصادرة ممتلكات ثماني شركات خاصة لمعارضيها ووضعتها تحت يد القيادي صالح الشاعر الذي كان تقرير الخبراء الأمميين التابعين لمجلس الأمن الدولي أشار إلى مسؤوليته عن الكثير من الانتهاكات.
ومن تلك الشركات التي صادرتها الجماعة شركات «لينك إن تايم، وإيدسيمو، وأجرايسيس، وفلكس تراك، ومينار فاز، وإن توكاست، وألما، وإذاعة إرم إف إم».
كما أقدمت الجماعة قبل أشهر وفي إطار برنامجها التدميري الممنهج، على إحكام سيطرتها كليا على أولى شركات الهاتف المحمول في اليمن (سبأفون) ووضعتها ضمن الأملاك المصادرة وعينت في مفاصلها الإدارية والمالية عناصر موالين لها أغلبهم يدعي انتسابه لسلالة زعيم الجماعة.
وبعدها بفترة وجيزة وفي سياق الاستهداف الحوثي، اعتدت الجماعة عبر مسلحين تابعين لها على جامعة العلوم والتكنولوجيا والمستشفى التابع لها والذي يعد أحد أكبر المستشفيات الأهلية في اليمن وقامت بتعيين حراس قضائيين وعدد من الموالين لها في إدارة الجامعة والمستشفى.
وفي مطلع فبراير (شباط) من العام الماضي، ضمت جماعة الحوثي مستشفيات: «سيبلاس للتجميل وأطفال الأنابيب»، و«الأمومة والطفولة»، و«مغربي» التابعة لأحد رجال الأعمال إلى أملاكها الخاصة، وعينت عليها حراسا قضائيين ومحاسبين من عناصرها يقومون بنهب الإيرادات يوميا.
وكانت تقارير اقتصادية عدة تحدثت عن أن 65 في المائة من شركات ومؤسسات ومنشآت القطاع الخاص غادرت خارج اليمن، بسبب التضييق والابتزاز الممارس ضد رؤوس الأموال من قبل عصابات الحوثي.
ويستغرب مراقبون يمنيون من الصمت المحلي والدولي إزاء ما تقوم به الجماعة الحوثية من عملية تدمير ممنهجة للاقتصاد اليمني في القطاعين العام والخاص.
ويقول المراقبون إن الغرف الصناعية والتجارية واتحاداتها ونقابات العمال ومنظمة العمل الدولية والتجارة العالمية والبنك الدولي وكل مؤسسات الأمم المتحدة والمؤسسات المعنية بالعمل والمال لم تحرك ساكناً حيال تلك السلسلة من الجرائم الحوثية.
يشار إلى أن الجماعة الحوثية كانت أصدرت منذ انقلابها على الشرعية أحكاما عبر القضاء التابع لها تقضي بمصادرة أموال وعقارات المئات من اليمنيين بمن فيهم سياسيون وعسكريون وبرلمانيون وصولا إلى الرئيس عبدربه منصور هادي ونائبه علي محسن الأحمر.


مقالات ذات صلة

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

المشرق العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح خلال الاجتماع (سبأ)

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

دعا عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح إلى ما أسماه «وحدة المعركة»، والجاهزية الكاملة والاستعداد لتحرير العاصمة اليمنية صنعاء من قبضة الميليشيات الحوثية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
المشرق العربي جانب من اجتماع سابق في عمّان بين ممثلي الحكومة اليمنية والحوثيين خاص بملف الأسرى والمحتجزين (مكتب المبعوث الأممي)

واشنطن تفرض عقوبات على عبد القادر المرتضى واللجنة الحوثية لشؤون السجناء

تعهَّدت واشنطن بمواصلة تعزيز جهود مساءلة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في اليمن، بمَن فيهم «مسؤولو الحوثيين».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي من عرض عسكري ألزم الحوثيون طلبة جامعيين على المشاركة فيه (إعلام حوثي)

حملة حوثية لتطييف التعليم في الجامعات الخاصة

بدأت الجماعة الحوثية فرض نفوذها العقائدي على التعليم الجامعي الخاص بإلزامه بمقررات طائفية، وإجبار أكاديمييه على المشاركة في فعاليات مذهبية، وتجنيد طلابه للتجسس.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني (سبأ)

​وزير الإعلام اليمني: الأيام المقبلة مليئة بالمفاجآت

عقب التطورات السورية يرى وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة تحمل الأمل والحرية

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي خلال عام أُجريت أكثر من 200 ألف عملية جراحية في المستشفيات اليمنية (الأمم المتحدة)

شراكة البنك الدولي و«الصحة العالمية» تمنع انهيار خدمات 100 مستشفى يمني

يدعم البنك الدولي مبادرة لمنظمة الصحة العالمية، بالتعاون مع الحكومة اليمنية، لمنع المستشفيات اليمنية من الانهيار بتأثيرات الحرب.

محمد ناصر (تعز)

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».