بعد 54 يوماً من الحجر الصحي الذي فرض على الأراضي الفرنسية كافة، تبدأ يوم الاثنين المقبل العودة التدريجية إلى الحياة العادية مع بعض التفاوت بين الشطرين اللذين يقسمان فرنسا: واحد باللون الأخضر والآخر بالأحمر. وفي حين يطغى اللون الأول على غالبية المناطق الفرنسية، إلا أن اللون الأحمر يضم أربع مناطق، أهمّها منطقة إيل دو فرانس (أي باريس ومنطقتها) ذات كثافة سكانية عالية (12.1 مليون نسمة)، والتي تتركز فيها غالبية الأنشطة الإدارية والمالية واقتصادية. والمناطق الثلاث الأخرى، هي أعالي فرنسا (شمال البلاد)، وفرانش كونتيه (جنوب شرق)، ومنطقة الشرق الكبير (المحاذية لألمانيا). وهذا التصنيف للمناطق الأربع حمراء اللون يعود إلى استمرار سريان وباء «كوفيد - 19» بمستويات عالية رغم تراجعه، وبالتالي فإن رئيس الحكومة أعلن أمس في مؤتمر صحافي شارك فيه ستة وزراء أن رفع الحظر سيشمل جميع المناطق، مع الإبقاء على عدد من القيود على المناطق الأربع المعنية.
والفرق الأساسي بين اللونين سرعة الخروج من حالة الحظر، حيث إن خضراء اللون يمكن أن يسمح فيها بإعادة فتح المطاعم والمقاهي والمدارس الثانوية بعد مدة قريبة، وهو ما لن يكون متاحاً للمناطق الأخرى. وعلى المستوى العام، أعلن وزير الداخلية أن الحدود سوف تبقى مغلقة حتى منتصف الشهر المقبل على الأقل باستثناء عدد محدد من الحالات، في حين طالب الرئيس الفرنسي ببقاء الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي مغلقة حتى شهر سبتمبر (أيلول) المقبل. وأكد كريستوف كاستانير، أن فرنسا لن تفرض الحجر الصحي على الوافدين إليها من الفضاء الأوروبي الذي يشمل فضاء شنغن.
من جانبه، أعلن وزير الصحة أوليفيه فيران، أن الأجهزة الصحية باتت جاهزة للقيام باختبارات الإصابة بفيروس «كوفيد - 19» على كل الأراضي الفرنسية، وتأمل بأن توفر ما لا يقل عن 700 ألف اختبار في الأسبوع. كذلك، تعدل الخطاب الحكومي بالنسبة لتوافر الكمامات بعد الجدل الذي عرفته البلاد في الأسابيع الماضية والاتهامات التي وجهت للحكومة بالتقصير.
وتنطلق الخطة الحكومية، وفق إدوار فيليب، من الحرص الأساسي على «التوازن بين ضرورة العودة إلى الحياة العادية تدريجياً، والاحترام الصارم لتدابير الوقاية كافة التي تمنع عودة الوباء وتحمي الفرنسيين». ويجمع المراقبون في فرنسا على أن إنجاح العودة إلى الدورة الحياتية العادية اقتصادياً واجتماعياً وتربوياً، يعدّ التحدي الرئيسي لرئيس الجمهورية والحكومة، بل إنه سيكون له بالغ الأثر على مستقبلهما السياسي. وحتى اليوم، تعد فرنسا نحو 26 ألف وفاة في حين يقبع في المستشفيات ما لا يقل قليلاً عن 25 ألف شخص، إضافة إلى 3430 حالة في أقسام الرعاية المركزة.
واقتصادياً، تبدو الآفة الكبرى خسارة 453 ألف فرصة عمل؛ ما يعني الارتفاع الحاد لأرقام البطالة بالتوازي مع تراجع النمو بنسبة 8 في المائة للعام الحالي وارتفاع المديونية العامة إلى 115 المائة من الناتج القومي الخام، ووصول الدين العام إلى 2740 مليار يورو. وحذّر فيليب من أن الحكومة مستعدة للعودة لفرض القيود من جديد إذا لم يتم احترام القواعد الدقيقة التي تربط بها الخروج من حالة الحظر، والتي فصلها الوزراء الحاضرون «صحة، نقل، عمل، تربية، داخلية واقتصاد». وما شدد عليه رئيس الحكومة وكان موضع تجاذب في الأيام الماضية يتناول الأشخاص الأكثر هشاشة «كبار السن، المرضى...» الذين لن يفرض عليهم البقاء في منازلهم، بل يفضل أن يفعلوا ذلك على أساس فردي واختياري. وفي أي حال، فإن فيليب ووزراءه شددوا جميعاً على أهمية التحلي بـ«روح المسؤولية» و«الحس المدني» لمواجهة الوباء وتجنب قدوم «موجة جديدة» بانتظار أن يتم العثور على اللقاح المناسب أو الأدوية الناجعة.
ثمة مصدران لمخاوف الحكومة الفرنسية: الأول عنوانه العودة إلى المدرسة، والثاني استخدام وسائل النقل العام. وبالنسبة للملف الأول، كشف وزير التربية جان ميشال بلانكيه عن خطة مفصلة قوامها التدرج في استقدام الأطفال والتلامذة واقتصار العودة المدرسية عليهم في المرحلة الأولى، على أن يليهم تلامذة المرحلة التكميلية وأخيراً الثانوية. وأصدرت الوزارة بروتوكولاً مفصلاً حول الإجراءات الواجب اتخاذها لتنقل التلامذة واستقبالهم والأعداد في الصفوف، مشدداً على التنسيق بين مديرون المدارس والسلطات المحلية في إشارة إلى الممتنعة التي صدرت عن الكثير من رؤساء البلديات، خصوصاً في منطقة إيل دو فرانس الذين دعوا إلى تأخير العودة المدرسية إلى الخريف المقبل. ويتخوف هؤلاء من المسؤولية القانونية التي قد ترمى عليهم في حال وفاة أساتذة أو تلامذة أو إصابتهم بالوباء داخل المدارس. لكن بلانكيه أكد أن ما بين 80 و85 في المائة من مدارس الصغار ستفتح الاثنين المقبل، وأن عودة التلامذة ستتم في اليوم التالي. كذلك، أفاد بأن فتح الثانويات في المنطق الخضراء يمكن أن تتم بعد ثلاثة أسابيع.
يعي الجميع أن ملف المواصلات يطرح بالدرجة الأولى في باريس منطقتها. من هنا إصرار رئيس الحكومة ووزرائه على ضرورة تفضيل العمل عن بعد، كما حصل منذ 17 مارس (آذار) الماضي لتجنب الاحتشاد في وسائل النقل العام مثل المترو وقطارات الضواحي، وبين المدن والقطارات السريعة. والجديد، أن على مستخدم هذه الوسائل، في ساعات الازدحام، أن يحوز شهادة من رب العمل، أو أن يكون بجعبته سبب وجيه، لركوب المترو أو قطارات الضواحي في ساعات الازدحام، وإلا فإنه يتعرض لغرامة من 135 يورو. كذلك يفرض ارتداء الكمامة والالتزام بمبدأ التباعد الاجتماعي داخل الحافلات وفي المحطات تحت طائلة التعرض لغرامة مشابهة. وقالت وزيرة النقل، إن الوسائل العمومية لن تعمل بإمكاناتها كافة منذ يوم الاثنين المقبل، بل سترتفع نسبة التشغيل تدريجيا فيما أفاد وزير الداخلية أن 20 ألف رجل شرطة ودرك ستناط بهم مهمة الالتزام بهذه القواعد ومنها منع التنقل بالسيارة من مقر الإقامة إلى المكان المقصود لمسافة تزيد على مائة كلم. كذلك، سيقوم رجال الأمن بفرض الانتظام على مداخل المحطات وعلى أرصفة القطارات منعاً لحصول مشاكل بين المسافرين أو للازدحام. وكشف كاستانير، عن أن التجمعات التي تزيد على عشرة أشخاص ستبقى ممنوعة حتى 2 يونيو (حزيران) المقبل، وستبقى ممنوعة كذلك الأنشطة الرياضية الجماعية «مباريات وخلافها» وستبقى الملاعب المغلقة وصالات الرياضة مقفلة.
في الأيام الأخيرة حصل جدل حول إعادة فتح أماكن العبادة أمام المصلين. وبعد أن أعلن رئيس الحكومة أن ذلك قد يكون ممكناً قبل نهاية الشهر الحالي ثارت ثائرة رئيس معهد مسجد باريس الذي اعترض على التاريخ المذكور، معتبراً أنه حدد بهذا الشكل ليستجيب لمطالب المسيحيين واليهود، لكنه أهمل مطالب المسلمين. ودعا شمس الدين حفيظ إلى تقديم الموعد حتى يتاح للمسلمين الاحتفال بعيد الفطر بعد انتهاء شهر رمضان المبارك، مهدداً باللجوء إلى القضاء. إلا أن كاستانير لم يشر إلى وجود تغير ما في موقف الحكومة.
هكذا تكون باريس سلكت درب الخروج من الحجر وهي تعي، كغيرها من البلدان الأوروبية، وجود مخاطر كبيرة. إلا أن الوضع الاقتصادي لا يسمح للمسؤولين بالإبقاء على العجلة الاقتصادية متوقفة، وقد حذر رئيس الحكومة، بداية الأسبوع الحالي، في خطاب له أمام مجلس الشيوخ، من «الانهيار الاقتصادي» إذا بقيت البلاد مغلقة. من هنا، الحذر الشديد والتهديد بالعودة إلى تدابير أقسى، وفي الوقت عينه التأكيد على أهمية قلب الصفحة والعودة إلى العمل. وأفاد وزير الاقتصاد برونو لومير، بأن 400 ألف شركة ومؤسسة ومحل ستفتح يوم الاثنين المقبل في حين مصير المطاعم والمقاهي والمسارح وصالات السينما وخلافها سيتم النظر به بداية الشهر المقبل.
الحكومة الفرنسية تكشف تفاصيل العودة التدريجية إلى الحياة العادية
دعوة إلى تحمّل المسؤولية وتهديد بالغرامات في حال المخالفة
الحكومة الفرنسية تكشف تفاصيل العودة التدريجية إلى الحياة العادية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة