هل هناك مستقبل فعلي للسينما العربية؟

لا معونات شرقية وغربية ولا مهرجانات

من الفيلم التونسي- الدنماركي «أراب بلوز»
من الفيلم التونسي- الدنماركي «أراب بلوز»
TT

هل هناك مستقبل فعلي للسينما العربية؟

من الفيلم التونسي- الدنماركي «أراب بلوز»
من الفيلم التونسي- الدنماركي «أراب بلوز»

قبل أسابيع قليلة أتاحت بعض مؤسسات السينما في الدول العربية مشاهدة بعض الإنتاجات العربية الحديثة ومن دون مقابل عبر شاشات التلفزيون، الدافع لذلك مزدوج. واحد ظاهر والآخر مستتر. الأول تشجيع الناس البقاء في منازلهم بسبب «كورونا» (ولو أن عدد المهتمين بمشاهدة الأفلام محصور بنسبة محدودة عموماً)، والثاني الإدراك بأن العروض التجارية المتأخرة لأي من هذه الأفلام لن تؤتي ثمارها تجارياً على أي حال.
-- مشكلة رباعية الدفع
على أن البادرة بحد ذاتها تفتح مجال الحديث عما هو أكبر منها في عالمنا العربي، لأنه إذا ما كان الوباء الشائع قد دفع بالناس التزام المنازل وبصالات السينما إغلاق أبوابها، فما هو المستقبل المنتظر للسينما العربية؟
السؤال ذاته يمكن له أن يُطرح على نحو آخر: هل هناك مستقبل للسينما العربية بعد «كورونا»؟ هل ستعود إلى ما كانت عليه؟ إلى أقل أو أكثر مما كانت عليه؟ أو لن تعود مطلقاً؟
الداعي لهذا الطرح وجود محاولات جارية لاستبدال بعض المهرجانات العربية التي عادة ما تُقام في صالات السينما في المدن المكتظة بعروض منزلية تعفي المنظّمين من مسؤولية التسبب في انتشار الوباء وتمكنهم من مواصلة العمل على مهرجاناتهم.
وهذا يتم بعدما اندفعت مهرجانات غربية كثيرة للفعل نفسه، متيحة عروض أفلامها المشاركة في المنازل لقاء أجر ما. بذلك وضعت مصالحها الصغيرة أمام مصالحها الكبيرة ومقوّماتها الأساسية، فما يعرض على شاشات الكومبيوتر (وأجهزة الهاتف) بالكاد يمكن تسميته تظاهرة فما البال بتسميته مهرجاناً؟ ونحن كالعادة توجهنا بعيون مغمّضة للتقليد كما لو أن عدم إقامة المهرجان السينمائي في شكله المعتاد أمر مشين أو دلالة تأخر عن مواكبة العصر.
والمشكلة هي أكبر من ذلك بالفعل، وهي التي تبرر طرح الأسئلة حول مستقبل السينما العربية بحد ذاتها.
حتى الآن، تكوّنت السينما العربية في السنوات العشرين الأخيرة من أربعة روافد:
- إنتاجات عربية التمويل تقع في نطاق كل بلد عربي على حدة.
- أفلام عربية الإخراج والموضوع يتم إنتاجها مع شركات أجنبية.
- أفلام عربية تعتمد على صناديق الدعم التي وفّرتها بعض المؤسسات والمهرجانات السينمائية العربية.
- أفلام عربية تتوجه صوب مهرجانات عربية وغربية طلباً للجوائز وتأسيس مكانة ما لمخرجيها.
كل واحد من هذه الروافد مضروب اليوم ليس فقط بسبب «كورونا» كون هذا الوباء سيتوقف عاجلاً أو آجلاً، بل أيضاً لأن هذه الروافد كانت بمثابة دعائم غير صلبة في أساسها.
-- دعم محدود
بالنسبة للإنتاجات ذات التمويل الكامل أو المشارك بين دولة عربية ودولة أجنبية، تم إحصاء 11 فيلماً من بين 24 إنتاجاً تم رصده سنة 2011. هذا ليس كل ما تم إنتاجه من أفلام عربية لكن العيّنة المؤلفة من 24 فيلم تشي بنسبة أعلى من الإنتاجات العربية - الغربية.
في رصد آخر لأفلام أنتجت سنة 2016 هناك 25 فيلماً من بين 47 فيلماً تم إحصاؤها. وعلى مدار السنوات العشرين الأخيرة يمكن إضافة كل أفلام الجزائري مرزاق علواش وأفلام اللبنانية دانيال عربيد وأفلام المغربي نبيل عيوش على سبيل المثال، وكل ما أنتج حول الحرب السورية من وجهة نظر المعارضة كذلك.
ما يتبلور أمام الحكومات الغربية اليوم هو أن مساعداتها لقطاع الإنتاج الخاص كتعويض عما لحق بها من أضرار، سوف يحدد على نحو ملزم الاعتناء بالإنتاجات الأوروبية المحلية أساساً مع يعني تقليص عدد المساهمات التمويلية للسينمات غير الأوروبية. وهذا المد كان قد بدأ فعلياً من قبل انتشار الوباء بعدما أخفقت العديد من الأفلام المنتجة ما بين الشرق والغرب في استحواذ إيرادات توازي تكاليفها.
بالتزامن مع هذا لم تعد هناك صناديق دعم عربية فعالة. وكان الفيلم المغربي «القدّيس المجهول» لعلاء الدين النجم أحد آخر الأمثلة على ذلك ما حدا بصاحبه للاعتماد على مزيج من التمويل المغربي والفرنسي.
وفي تونس التفتت المخرجة منال العبيدي إلى الدنمارك لتمويل فيلمها الحديث «أراب بلوز» في العام الماضي.
وقياساً على ذلك غالبية ما شوهد من أفلام عربية حديثة مثل «آدم» و«أرواح صغيرة» لدينا ناصر (أردني، فرنسي) و«خرطوم أوفسايد» لمروا زين (سودان، نرويج، دنمارك) على سبيل المثال فقط.
الحال هكذا، فإن السينما العربية في كل بلد لديه خياران فقط: اعتماد التمويل المحلي أو اعتماد الإنتاجات العربية المشتركة.
كل من هذين الطريقين يواجه مصاعب كبيرة. ففي الخيار الأول لا يوجد دعم فعلي من مؤسسة خاصة أو حكومية للأفلام النوعية التي لها فرص الظهور في المهرجانات والمحافل الدولية.
وفي الخيار الثاني تكمن الصعوبة في الحواجز السياسية التي تتقدم خيارات ميادين العمل من ناحية وضيق الأسواق العربية على إنتاجات الدول العربية فيما بينها باستثناء المصرية وبحدود.
وفي الوقت الذي جرى فيه تفعيل هذه الإنتاجات العربية المشتركة بالنسبة للمسلسلات الرمضانية، فإن تطبيق ذلك على الأعمال السينمائية ليس سهلاً لا من حيث ما تقدّم من أسباب فقط، بل أيضاً لكون العروض التلفزيونية أسهل توزيعاً وتسويقاً من سواها و- للأسف - تتمتع بنسبة جمهور أعلى.
كيفما نظرنا لمستقبل السينما العربية بـ«كورونا» أو من دونه نجد واقعاً يشبه السحاب الأسود عند الأفق. قد يمضي، لكن احتمالات ذلك، من دون إعادة تأسيس شامل للسينمات العربية، لا يبدو محتملاً.


مقالات ذات صلة

محمد سامي: السينما تحتاج إلى إبهار بصري يُنافس التلفزيون

يوميات الشرق المخرج محمد سامي في جلسة حوارية خلال خامس أيام «البحر الأحمر» (غيتي)

محمد سامي: السينما تحتاج إلى إبهار بصري يُنافس التلفزيون

تعلَّم محمد سامي من الأخطاء وعمل بوعي على تطوير جميع عناصر الإنتاج، من الصورة إلى الكتابة، ما أسهم في تقديم تجربة درامية تلفزيونية قريبة من الشكل السينمائي.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين رئيس في مشهد من فيلم «الفستان الأبيض» (الشركة المنتجة)

لماذا لا تصمد «أفلام المهرجانات» المصرية في دور العرض؟

رغم تباين ردود الفعل النقدية حول عدد من الأفلام التي تشارك في المهرجانات السينمائية، التي تُعلي الجانب الفني على التجاري، فإن غالبيتها لا تصمد في دور العرض.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق الفنانة الأردنية ركين سعد (الشرق الأوسط)

الفنانة الأردنية ركين سعد: السينما السعودية تكشف عن مواهب واعدة

أكدت الفنانة الأردنية ركين سعد أن سيناريو فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو»، الذي عُرض بمهرجان البحر الأحمر السينمائي، استحوذ عليها بمجرد قراءته.

انتصار دردير (جدة )
يوميات الشرق إيني إيدو ترى أنّ السينما توحّد الشعوب (البحر الأحمر)

نجمة «نوليوود» إيني إيدو لـ«الشرق الأوسط»: السينما توحّدنا وفخورة بالانفتاح السعودي

إيني إيدو التي تستعدّ حالياً لتصوير فيلمها الجديد مع طاقم نيجيري بالكامل، تبدو متفائلة حيال مستقبل السينما في بلادها، وهي صناعة تكاد تبلغ الأعوام الـ40.

إيمان الخطاف (جدة)
سينما بدء تصوير فيلم «ساري وأميرة» (كتارا)

إعلان أول فيلم روائي قطري بمهرجان «البحر الأحمر»

يأتي فيلم «سعود وينه؟» بمشاركة طاقم تمثيل قطري بالكامل؛ مما يمزج بين المواهب المحلية وقصة ذات بُعد عالمي.

«الشرق الأوسط» (جدة)

شاشة الناقد: جود سعيد يواصل سعيه لتقديم البيئة الرّيفية في سوريا

عبد اللطيف عبد الحميد وسُلاف فواخرجي في «سلمى» (المؤسسة العامة للسينما)
عبد اللطيف عبد الحميد وسُلاف فواخرجي في «سلمى» (المؤسسة العامة للسينما)
TT

شاشة الناقد: جود سعيد يواصل سعيه لتقديم البيئة الرّيفية في سوريا

عبد اللطيف عبد الحميد وسُلاف فواخرجي في «سلمى» (المؤسسة العامة للسينما)
عبد اللطيف عبد الحميد وسُلاف فواخرجي في «سلمى» (المؤسسة العامة للسينما)

سلمى التي تحارب وحدها

(جيد)

يواصل المخرج السوري جود سعيد سعيه لتقديم البيئة الرّيفية في سوريا من خلال أحداث معاصرة يختار فيها مواقف يمتزج فيها الرسم الجاد للموضوع مع نبرة كوميدية، بالإضافة إلى ما يطرحه من شخصيات ومواقف لافتة.

وهذا المزيج الذي سبق له أن تعامل معه في فيلمي «مسافرو الحرب» (2018)، و«نجمة الصباح» (2019) من بين أفلام أخرى تداولت أوضاع الحرب وما بعدها. في «سلمى» يترك ما حدث خلال تلك الفترة جانباً متناولاً مصائر شخصيات تعيش الحاضر، حيث التيار الكهربائي مقطوع، والفساد الإداري منتشرٌ، والناس تحاول سبر غور حياتها بأقلّ قدرٍ ممكن من التنازل عن قيمها وكرامتها.

هذا هو حال سلمى (سُلاف فواخرجي) التي نجت من الزلزال قبل سنوات وأنقذت حياة بعض أفراد عائلتها وعائلة شقيقتها وتعيش مع والد زوجها أبو ناصيف (عبد اللطيف عبد الحميد الذي رحل بعد الانتهاء من تصوير الفيلم). أما زوجها ناصيف فما زال سجيناً بتهمٍ سياسية.

هذه انتقادات لا تمرّ مخفّفة ولا ينتهي الفيلم بابتسامات رِضى وخطب عصماء. قيمة ذلك هي أن المخرج اختار معالجة مجمل أوضاعٍ تصبّ كلها في، كيف يعيش الناس من الطبقة الدنيا في أسرٍ واقعٍ تفرضه عليها طبقة أعلى. وكما الحال في معظم أفلام سعيد، يحمل هذا الفيلم شخصيات عدة يجول بينها بسهولة. سلمى تبقى المحور فهي امرأة عاملة ومحرومة من زوجها وعندما تشتكي أن المدرسة التي تُعلّم فيها بعيدة يجد لها زميل عملاً في منزل رجل من الأعيان ذوي النفوذ اسمه أبو عامر (باسم ياخور) مدرّسة لابنته. لاحقاً سيطلب هذا منها أن تظهر في فيديو ترويجي لأخيه المرّشح لانتخابات مجلس الشعب. سترفض وعليه ستزداد حدّة الأحداث الواردة مع نفحة نقدية لم تظهر بهذه الحدّة والإجادة في أي فيلمٍ أخرجه سعيد.

«سلمى» هو نشيدٌ لامرأة وعزفٌ حزين لوضع بلد. النبرة المستخدمة تراجي - كوميدية. التمثيل ناضج من الجميع، خصوصاً من فواخرجي وياخور. وكعادته يعني المخرج كثيراً بتأطير مشاهده وبالتصوير عموماً. كاميرا يحيى عز الدين بارعة في نقلاتها وكل ذلك يكتمل بتصاميم إنتاج وديكورٍ يُثري الفيلم من مطلعه حتى لقطاته الأخيرة. هذا أنضج فيلم حققه سعيد لليوم، وأكثر أفلامه طموحاً في تصوير الواقع والبيئة وحال البلد. ثمة ثغرات (بعض المشاهد ممطوطة لحساب شخصيات ثانوية تتكرّر أكثر مما ينبغي) لكنها ثغراتٌ محدودة التأثير.

لقطة من «غلادياتير 2» (باراماونت بيكتشرز)

Gladiator II

(جيد)

ريدلي سكوت: العودة إلى الحلبة

السبب الوحيد لعودة المخرج ريدلي سكوت إلى صراع العبيد ضد الرومان هو أن «غلاديايتر» الأول (سنة 2000) حقّق نجاحاً نقدياً وتجارياً و5 أوسكارات (بينها أفضل فيلم). الرغبة في تكرار النجاح ليس عيباً. الجميع يفعل ذلك، لكن المشكلة هنا هي أن السيناريو على زخم أحداثه لا يحمل التبرير الفعلي لما نراه وإخراج سكوت، على مكانته التنفيذية، يسرد الأحداث بلا غموض أو مفاجآت.

الواقع هو أن سكوت شهِد إخفاقات تجارية متعدّدة في السنوات العشر الماضية، لا على صعيد أفلام تاريخية فقط، بل في أفلام خيال علمي (مثل Alien ‪:‬ Covenant في 2017)، ودرامية (All the Money in the World في العام نفسه) وتاريخية (The Last Duel في 2021)؛ آخر تلك الإخفاقات كان «نابليون» (2023) الذي تعثّر على حسناته.

يتقدم الفيلم الجديد لوشيوس (بول ميسكال) الذي يقود الدفاع عن القلعة حيث تحصّن ضد الجيش الروماني بقيادة الجنرال ماركوس (بيدرو باسكال). لوشيوس هو الأحق بحكم الإمبراطورية الرومانية كونه ابن ماكسيموس (الذي أدّى دوره راسل كراو في الفيلم السابق)، وهو ابن سلالة حكمت سابقاً. يُؤسر لوشيوس ويُساق عبداً ليدافع عن حياته في ملاعب القتال الرومانية. يفعل ذلك ويفوز بثقة سيّده مكرينوس (دنزل واشنطن) الذي لديه خطط لاستخدام لوشيوس ومهارته القتالية لقلب نظام الحكم الذي يتولاه شقيقان ضعيفان وفاسدان.

هذا كلّه يرد في الساعة الأولى من أصل ساعتين ونصف الساعة، تزدحم بالشخصيات وبالمواقف البطولية والخادعة، خصوصاً، بالمعارك الكبيرة التي يستثمر فيها المخرج خبرته على أفضل وجه.

فيلم ريدلي سكوت الجديد لا يصل إلى كل ما حقّقه «غلاديايتر» الأول درامياً. هناك تساؤل يتسلّل في مشاهِد دون أخرى فيما إذا كان هناك سبب وجيه لهذا الفيلم. «غلاديايتر» السابق كان مفاجئاً. جسّد موضوعاً لافتاً ومثيراً. أفلام سكوت التاريخية الأخرى (مثل «مملكة السماء» و«روبِن هود») حملت ذلك السبب في مضامينها ومفاداتها المتعددة.

لكن قبضة المخرج مشدودة هنا طوال الوقت. مشاهدُ القتال رائعة، والدرامية متمكّنة من أداءات ممثليها (كوني نيلسن وبيدرو باسكال تحديداً). في ذلك، سكوت ما زال الوريث الشّرعي لسينما الملاحم التاريخية التي تمزج التاريخ بالخيال وكلاهما بسمات الإنتاجات الكبيرة.

عروض تجارية.