جدل حاد في الجزائر حول «إفلاس» صحف عهد «الانفتاح السياسي»

مسيّروها يشتكون من «المساومة على الخط التحريري بالإعلانات»

TT

جدل حاد في الجزائر حول «إفلاس» صحف عهد «الانفتاح السياسي»

يحتدم في الجزائر حالياً جدل حاد حول مصير صحف كبيرة باتت مهددة الإفلاس، بسبب انقطاع مداخليها من الإعلانات الخاصة، التي كانت تعتمد عليها بشكل كبير قبل الأزمة الاقتصادية، التي ضربت العديد من المؤسسات، والتي زادتها أزمة «كورونا» الصحية تعقيداً أكثر.
وارتبطت عناوين إعلامية بارزة مثل جريدة «الوطن» و«الخبر» و«الشروق»، و«لوسوار دالجيري» و«ليبرتيه» بالانفتاح السياسي الذي كرسه دستور 1989، الذي ألغى نظام الحزب الواحد، وهي اليوم تواجه ضائقة مالية خانقة، باستثناء صحيفة «ليبرتيه»، إلى حد ما، بحكم أن مالكها هو رجل الأعمال يسعد ربراب، أحد أكبر أغنياء البلد، والذي سُجن منذ أشهر بتهمة الغش في فوترة أجهزة مستوردة. ويملك ربراب وأبناؤه 27 شركة تنشط في قطاعات عديدة.
وعاشت هذه المؤسسات الإعلامية الكبيرة، التي يشتغل بها مئات الصحافيين المشهود لهم بالكفاءة، سنوات طويلة بفضل إعلانات المجموعات الاقتصادية والشركات الخاصة، في ظل حرمانها من إعلانات الشركات والأجهزة الحكومية التي تحتكرها السلطة التنفيذية، وتوزعها على التلفزيون والإذاعة والصحف المملوكة للدولة، وعدد من الصحف الخاصة المصنفة «موالية للسلطة»، لكنها ضعيفة من حيث السحب.
ومنذ سُجن كبار رجال الأعمال بعد تنحية الرئيس عبد العزيز بوتفليقة العام الماضي، دخلت مؤسساتهم الاقتصادية في مشكلات مالية كبيرة، انعكست سلباً على الصحف الخاصة الكبيرة، التي كانت تعتمد بشكل كبير على إعلانات هذه المؤسسات لضمان أجور صحافييها وعمالها، والإنفاق على الطباعة والتوزيع، وخصوصاً مؤسسات تركيب وبيع السيارات (يوجد مالكا أكبر شركتين في السجن)، ومؤسسات الصناعة الغذائية والأشغال العمومية.
وتعتمد مداخيل هذه الصحف حالياً على إعلانات مؤسسات الهاتف الجوال، إحداها مملوكة للدولة، وثانية رأس مالها مشترك، حكومي وخاص، إضافة إلى إعلانات شركة الهاتف الثابت الحكومية الوحيدة. وتمر هذه الإعلانات على «الوكالة الوطنية للنشر والإشهار»، التي توزعها بناءً على معايير تظل محل انتقاد شديد من طرف مسؤولي الصحف الخاصة، إذ غالباً ما اشتكوا من «المساومة بالإعلانات بغرض تغيير الخط التحريري»، على أساس أن السلطة تعدّها معارضة لها. كما تتعرض عدة صحف لضغط سياسي شديد من طرف الحكومة، بسبب انخراطها في الحراك الشعبي وتبني مطالبه بالتغيير. ووعد مدير «وكالة الإشهار» الجديد، الصحافي العربي ونوغي، بمراجعة طريقة توزيع «الإشهار»، وانتقد نظام بوتفليقة الذي حمّله مسؤولية «فوضى الإشهار».
وأعلنت صحيفة «النهار» الأسبوع الماضي عن احتجابها بعد أن قررت السلطة الجديدة بقيادة الرئيس عبد المجيد تبون، قطع الإعلانات الحكومية عنها، التي كانت مصدر مدخولها الوحيد منذ تأسيسها عام 2007. وعارضت الصحيفة بشدة ترشح تبون للرئاسة. كما توقفت صحيفة «الوقت» بعد سجن مالكها رجل الأعمال علي حداد، وأيضاً قناته التلفزيونية «دزاير تي في» عن البث. وقال أستاذ علوم الإعلام بالجامعة رضوان بوجمعة، الذي اشتغل في عدة صحف، بهذا الخصوص: «لا توجد مؤسسات إعلامية حرة، لأنها هشة اقتصادياً، ولكن يوجد صحافيون، وهم على قلتهم يحاولون ممارسة المهنة بعيداً عن الدعاية والتضليل، في مواجهة أرباب مؤسسات إعلامية لا يهمهم إلا الاستفادة من ريع المنظومة الإعلامية».
ويرى بوجمعة أن الساحة الإعلامية الجزائرية «تعرف عددية إعلامية وليست تعددية إعلامية، بمعنى أن هناك الكثير من الأجهزة الإعلامية، ولكن هذه العددية لا تعكس وجود تعددية في المحتوى الإعلامي (في النقاش والخطاب والتوجهات والرؤى)»، موضحاً أن «هذه العددية ترتبط بتعدد شبكات وجماعات المصالح، التي تدور في فلك منظومة الحكم، ولا تعكس التعددية والتنوع السياسي والفكري والاجتماعي وغيره الموجود في المجتمع».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.