أجهزة المنزل الذكية تثير مخاوف من خرق الخصوصية

«أمازون رينغ» يصوّر لقطات خاصّة للجيران ويتحكّم بالبيانات

أجهزة المنزل الذكية تثير مخاوف من خرق الخصوصية
TT

أجهزة المنزل الذكية تثير مخاوف من خرق الخصوصية

أجهزة المنزل الذكية تثير مخاوف من خرق الخصوصية

في رحلة عمل كان يقضيها في كاليفورنيا، وقف رجل أميركي من مدينة «ويست بوكا» في فلوريدا، يراقب بخوف رجلاً يحمل بندقية صيد يترصّد باب منزله وهو يعلم أنّ عائلته موجودة في الداخل. وقد ظهر هذا الدخيل على هاتف ربّ المنزل الذي يبعد عن منزله مسافة 4828 كلم، بواسطة تطبيق مرافق لجرس المراقبة الذكي من علامة «رينغ» التجارية. وفي ذلك اليوم، اتصلت عائلة الرجل بالشرطة وتمّ اعتقال المسلّح.
-مراقبة ذكية
كانت هذه إحدى الحوادث التي تعتمد عليها شركة «رينغ» في الترويج لفاعلية أجهزتها في مجال مكافحة الجرائم. ولكن وفي الوقت نفسه، تواجه «رينغ» المملوكة من «أمازون» انتقادات حادّة من ناشطين في مجال الخصوصية حذّروا من أنّ واحدة من أكبر الشركات وأغناها في العالم أسست شبكة مراقبة على امتداد الولايات المتحدة تتعدّى على حقوق الناس وتعزّز التنميط العرقي.
يقول النقّاد إنّ «رينغ» تملك حيّزاً كبيراً من السيطرة على الفيديوهات المخزّنة في أرشيفها، وتستخدم أقسام الشرطة لنشر نفوذها، حتّى أنّها تدير نقاشات الشرطة المتعلّقة باستخدام هذه التقنية. وفي العام الماضي، نشرت الشركة مدوّنة تباهت فيها بشراكاتها مع 405 من أجهزة إنفاذ القانون في أرجاء البلاد. وفي مارس (آذار) الحالي، سجّل هذا الرقم ارتفاعاً إلى 950 ليشمل جميع أقسام قوات الشرطة في جنوب فلوريدا.
يُستخدم منتج «رينغ» الذي يعتبر الأشهر في فئته، كجرس منزل عادي، أو يمكن ضبطه لتزويد صاحب المنزل بتصوير فيديو حيّ. كما أنّه يضمّ ميزة للتواصل تتيح للمستخدم التحدّث مع الشخص الذي يقف أمام باب منزله. ولكنّ التدبير الذي يعزّز مخاوف الخصوصية يتيح لمالك المنزل تسجيل وتخزين مقاطع الفيديو في أيّ وقت من اليوم مقابل بضعة دولارات شهرياً.
تعتبر حادثة الرجل المسلّح في مدينة ويست بوكا مثالاً نادراً على استخدامات «رينغ» في التعامل مع الأوضاع الخطيرة المحتملة، إلا أن معظم الحالات، تكون الجرائم التي تلتقطها كاميرا الجرس تافهة وبسيطة. يعتبر عددٌ متزايد من المنظّمات أنّ هذه الجرائم لا تبرّر المراقبة التي تعتّم على الخطّ الفاصل بين مراقبة الشركات التجارية والمراقبة الحكومية، وتكشف معلومات شخصية حول حياة الناس لا سيّما أولئك الذين لا يملكون هذه الأجهزة أو الذين لا يوافقون على تسجيل تحرّكاتهم من قبل الجيران.
- خرق الخصوصية
يقول غاي ستانلي، المحلّل الرئيسي لمشروع الخطاب، والخصوصية، والتقنية التابع للاتحاد الأميركي للحريات المدنية: «في هذه الحالات، يختلف خوف الناس من جار مريب يراقبهم من خلف الستائر، عن خوفهم من جار آخر يسجّل جميع تحرّكاتهم ويعرّضهم للتبليغ. وتزيد خطورة هذا الأمر لدى الأشخاص الذين ينتمون إلى أعراق مختلفة يُنظر إليهم غالباً على أنّهم مثيرون للشكّ بسبب التحيّز أو التعصّب».
من جهتها، تقول سايرة حسين، محامية من «مؤسسة الجبهة الإلكترونية» الناشطة في مجال الدفاع عن الحقوق الرقمية والخصوصية: «ننصح الأشخاص بالانتباه إلى مشاعر جيرانهم. كشركة تجارية، قد تظهر (رينغ) تجاوباً تاماً مع زبائنها، ولكنّها في المقابل تتجاهل مسألة مهمّة وهي تحديد هوية أشخاص لا يفعلون شيئاً إلا السير في الشارع، وأداء أعمالهم بشكل طبيعي، عبر التقاطهم بكاميراتها دون سبب».
يوفّر هذا المحتوى المسجّل كمية هائلة من المعلومات حول برنامج عمل الأشخاص الذين يصوّرهم، ووقت عطلهم، وغيرها من المعلومات الشخصية. ويتابع ستانلي من الاتحاد الأميركي للحريات المدنية قائلاً: «إذا رصدتُ جهازاً كهذا مصوّباً على منزلي، لن أكون راضياً، وسأشعر وكأنّ جيراني يتلصّصون عليّ».
- أجهزة شعبية
لم تنشر «رينغ» أرقام مبيعاتها السنوية بعد، ولكنّ شركة «جامبشوت» المتخصصة بالتحليل البياني قدّرت أنّ مبيعات الشركة تراوحت بين 100 ألف و400 ألف شهرياً خلال العام الماضي، وبلغت ذروتها في يوم «الجمعة السوداء» وموسم عيد الميلاد.
في المقابل، يقول دايفيد موراي، الذي بدأ باستخدام جرس «رينغ» في منزله في منطقة «بوينتون بيتش» في فبراير (شباط) 2018: «يشعرني منتج رينغ هذا بأمان أكبر عندما أكون خارج المنزل، وكذلك لفكرة أنّ الطرود التي توضع أمام باب منزلي لن تُسرق». ويضيف: «لم أقع ضحية لأيّ جريمة. ولكن في الأسبوع الأول من تركيبي للكاميرا، حضر في وقت غيابي عن المنزل ثلاثة رجال لإيصال قطع من الأثاث. ومن خلال التطبيق المرافق للجرس، رصدتهم يراقبون ما في داخل منزلي من النافذة. بعدها، تحدّثتُ معهم عبر (رينغ) وطلبتُ منهم أن يتركوا الأثاث في الفناء الخارجي، فتوقفوا فوراً عمّا كانوا يفعلونه وغادروا. كما أن الجرس ينفع كأداة فعّالة للتعقّب».
من جهتها، تقول ميغان غروس، من منطقة «بومبانو بيتش» إنّ استخدام جرس «رينغ» منحها شعورا بمزيد من الأمان بعد بعض المناوشات مع جار كان يرقبها. ولكنّها في الوقت نفسه تعي أنّ بعض الأشخاص المختلفين عنها بالشكل قد يصنفون كمجرمين أو مشتبه بهم حتّى ولو كانوا لا يتدخّلون بأمور غيرهم.
وكشف متحدّث باسم شركة «رينغ» في رسالة إلكترونية أنّ الشركة تأخذ هذه المخاوف بعين الاعتبار وتحثّ زبائنها على مراعاتها أيضاً. وأضاف «مع اختلاف الصلاحيات التي تمنحها قوانين المراقبة المرتبطة بالخصوصية والفيديوهات، نشجّع جميع زبائننا على احترام خصوصية جيرانهم والتقيّد بالقوانين عند تركيب جهازهم من رينغ».
- التحكم بالبيانات
تقول الاتفاقات الموقّعة بين مراكز الشرطة وشركة «رينغ» إنّ الأخيرة تملك حقّ الموافقة على التصاريح التي تنشرها المراكز حول تقنية «رينغ». وعلى سبيل المثال، ينصّ الاتفاق الموقّع بين الشركة وقسم شرطة «فورت لاودردال» على أنّ «على جميع الأطراف الموافقة على أي بيان صحافي مرتبط بالمنتج». تظهر هذه اللغة نفسها في الاتفاقات الموقّعة بين الشركة ومكتب مأمور شرطة مقاطعة برووارد، ومكتب مأمور مدينة بالم بيتش، وقسم شرطة «بوينتون بيتش»، وغيرها. أمّا الاتفاق بين «رينغ» وقسم شرطة «بوكا رايتون» فينص على التالي: «لا يحقّ لأي طرف إصدار بيان صحافي متعلّق بمشاركة المدينة في هذا البرنامج دون موافقة مسبقة من الطرف الآخر».
يحقّ لعناصر الشرطة أيضاً طلب الحصول على مقاطع معيّنة، على أن يسمح مالك الكاميرا للضابط المسؤول بالاطلاع على محتوى الكاميرا، ومشاهدته أو تحميله. وفي حال رفض مالك الجهاز، يحقّ لمسؤولي الشرطة الحصول على المقاطع من الشركة مباشرة بموجب مذكرة جلب أو استدعاء للمحكمة. يرى مارك إيكونومو، المتحدّث باسم قسم شرطة «بوكا رايتون» أنّ هذا الإجراء هو وسيلة أكثر فاعلية للتدقيق في تحركات حيّ كامل أثناء البحث عن أدلّة. وأكمل إيكونومو في رسالة إلكترونية قائلاً: «بشكل عام، لا تختلف الإجراءات مع كاميرات رينغ عن التنقل من باب إلى آخر لطلب مقاطع الفيديو المسجّلة في كاميرات المراقبة في إطار زمني محدّد. ولكنّ أجهزة رينغ تسهّل علينا الحصول على الفيديوهات المطلوبة دون الاضطرار إلى قرع الأبواب وانتظار الناس للعودة إلى منازلها».
- «سان سانتينل»
- خدمات «تريبيون ميديا»


مقالات ذات صلة

«تعفن الدماغ»... ما علاقته باستخدام الإنترنت ومواقع التواصل؟

صحتك قضاء ساعات طويلة في تصفح الإنترنت قد يصيبك بـ«تعفن الدماغ» (رويترز)

«تعفن الدماغ»... ما علاقته باستخدام الإنترنت ومواقع التواصل؟

تُعرف «أكسفورد» تعفن الدماغ بأنه «التدهور المفترض للحالة العقلية أو الفكرية للشخص»

ماري وجدي (القاهرة)
يوميات الشرق التدهور المفترض للحالة العقلية أو الفكرية للشخص في العصر الحديث يحدث نتيجة الإفراط في استهلاك الإنترنت وفقاً لـ«أكسفورد» (أ.ب)

«تعفن الدماغ»... كلمة عام 2024 من جامعة أكسفورد

اختيرت كلمة «تعفن الدماغ» لتكون كلمة عام 2024 في «أكسفورد».

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا كابل الاتصالات البحري «سي ليون 1» أثناء وضعه في قاع بحر البلطيق عام 2015 (أ.ف.ب)

بدء إصلاح كابل بيانات متضرر في بحر البلطيق

 بدأ إصلاح كابل اتصالات بحري متضرر بين هلسنكي وميناء روستوك الألماني في بحر البلطيق، الاثنين.  

«الشرق الأوسط» (كوبنهاغن)
المشرق العربي أطفال انفصلوا عن شقيقهم بعد فراره من شمال غزة ينظرون إلى صورته على هاتف جوال (رويترز)

انقطاع كامل للإنترنت في شمال غزة

أعلنت شركة الاتصالات الفلسطينية (بالتل)، اليوم (السبت)، عن انقطاع كامل لخدمات الإنترنت في محافظة شمال قطاع غزة، بسبب «عدوان الاحتلال المتواصل».

«الشرق الأوسط» (غزة)
يوميات الشرق حبُّ براد بيت سهَّل الوقوع في الفخ (رويترز)

«براد بيت زائف» يحتال بـ325 ألف يورو على امرأتين «مكتئبتين»

أوقفت الشرطة الإسبانية 5 أشخاص لاستحصالهم على 325 ألف يورو من امرأتين «ضعيفتين ومكتئبتين»... إليكم التفاصيل.

«الشرق الأوسط» (مدريد)

الذكاء الاصطناعي يزدهر بمجال التعليم وسط شكوك في منافعه

بعد ازدهار التعلّم عبر الإنترنت يحاول قطاع التكنولوجيا إدخال الذكاء الاصطناعي في التعليم (رويترز)
بعد ازدهار التعلّم عبر الإنترنت يحاول قطاع التكنولوجيا إدخال الذكاء الاصطناعي في التعليم (رويترز)
TT

الذكاء الاصطناعي يزدهر بمجال التعليم وسط شكوك في منافعه

بعد ازدهار التعلّم عبر الإنترنت يحاول قطاع التكنولوجيا إدخال الذكاء الاصطناعي في التعليم (رويترز)
بعد ازدهار التعلّم عبر الإنترنت يحاول قطاع التكنولوجيا إدخال الذكاء الاصطناعي في التعليم (رويترز)

بعد ازدهار التعلّم عبر الإنترنت الذي فرضته جائحة «كوفيد»، يحاول قطاع التكنولوجيا إدخال الذكاء الاصطناعي في التعليم، رغم الشكوك في منافعه.

وبدأت بلدان عدة توفير أدوات مساعَدة رقمية معززة بالذكاء الاصطناعي للمعلّمين في الفصول الدراسية. ففي المملكة المتحدة، بات الأطفال وأولياء الأمور معتادين على تطبيق «سباركس ماث» (Sparx Maths) الذي أُنشئ لمواكبة تقدُّم التلاميذ بواسطة خوارزميات، وفق ما ذكرته «وكالة الصحافة الفرنسية». لكنّ الحكومة تريد الذهاب إلى أبعد من ذلك. وفي أغسطس (آب)، أعلنت استثمار أربعة ملايين جنيه إسترليني (نحو خمسة ملايين دولار) لتطوير أدوات الذكاء الاصطناعي للمعلمين، لمساعدتهم في إعداد المحتوى الذي يدرّسونه.

وهذا التوجّه آخذ في الانتشار من ولاية كارولاينا الشمالية الأميركية إلى كوريا الجنوبية. ففي فرنسا، كان من المفترض اعتماد تطبيق «ميا سوكوند» (Mia Seconde) المعزز بالذكاء الاصطناعي، مطلع العام الدراسي 2024، لإتاحة تمارين خاصة بكل تلميذ في اللغة الفرنسية والرياضيات، لكنّ التغييرات الحكومية أدت إلى استبعاد هذه الخطة راهناً.

وتوسعت أعمال الشركة الفرنسية الناشئة «إيفيدانس بي» التي فازت بالعقد مع وزارة التعليم الوطني لتشمل أيضاً إسبانيا وإيطاليا. ويشكّل هذا التوسع نموذجاً يعكس التحوّل الذي تشهده «تكنولوجيا التعليم» المعروفة بـ«إدتِك» (edtech).

«حصان طروادة»

يبدو أن شركات التكنولوجيا العملاقة التي تستثمر بكثافة في الأدوات القائمة على الذكاء الاصطناعي، ترى أيضاً في التعليم قطاعاً واعداً. وتعمل شركات «مايكروسوفت» و«ميتا» و«أوبن إيه آي» الأميركية على الترويج لأدواتها لدى المؤسسات التعليمية، وتعقد شراكات مع شركات ناشئة.

وقال مدير تقرير الرصد العالمي للتعليم في «اليونيسكو»، مانوس أنتونينيس، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أعتقد أن المؤسف هو أن التعليم يُستخدم كنوع من حصان طروادة للوصول إلى المستهلكين في المستقبل».

وأعرب كذلك عن قلقه من كون الشركات تستخدم لأغراض تجارية البيانات التي تستحصل عليها، وتنشر خوارزميات متحيزة، وتبدي عموماً اهتماماً بنتائجها المالية أكثر مما تكترث للنتائج التعليمية. إلاّ أن انتقادات المشككين في فاعلية الابتكارات التكنولوجية تعليمياً بدأت قبل ازدهار الذكاء الاصطناعي. ففي المملكة المتحدة، خيّب تطبيق «سباركس ماث» آمال كثير من أولياء أمور التلاميذ.

وكتب أحد المشاركين في منتدى «مامِز نِت» على الإنترنت تعليقاً جاء فيه: «لا أعرف طفلاً واحداً يحب» هذا التطبيق، في حين لاحظ مستخدم آخر أن التطبيق «يدمر أي اهتمام بالموضوع». ولا تبدو الابتكارات الجديدة أكثر إقناعاً.

«أشبه بالعزلة»

وفقاً للنتائج التي نشرها مركز «بيو ريسيرتش سنتر» للأبحاث في مايو (أيار) الماضي، يعتقد 6 في المائة فقط من معلمي المدارس الثانوية الأميركية أن استخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم يعود بنتائج إيجابية تَفوق العواقب السلبية. وثمة شكوك أيضاً لدى بعض الخبراء.

وتَعِد غالبية حلول «تكنولوجيا التعليم» بالتعلّم «الشخصي»، وخصوصاً بفضل المتابعة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي. وهذه الحجة تحظى بقبول من المسؤولين السياسيين في المملكة المتحدة والصين. ولكن وفقاً لمانوس أنتونينيس، فإن هذه الحجة لا تأخذ في الاعتبار أن «التعلّم في جانب كبير منه هو مسألة اجتماعية، وأن الأطفال يتعلمون من خلال تفاعل بعضهم مع بعض».

وثمة قلق أيضاً لدى ليون فورز، المدرّس السابق المقيم في أستراليا، وهو راهناً مستشار متخصص في الذكاء الاصطناعي التوليدي المطبّق على التعليم. وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «يُروَّج للذكاء الاصطناعي كحل يوفّر التعلّم الشخصي، لكنه (...) يبدو لي أشبه بالعزلة».

ومع أن التكنولوجيا يمكن أن تكون في رأيه مفيدة في حالات محددة، فإنها لا تستطيع محو العمل البشري الضروري.

وشدّد فورز على أن «الحلول التكنولوجية لن تحل التحديات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية الكبرى التي تواجه المعلمين والطلاب».