سيوران... صانع العزلة

كان يرى أن جميع الطرق تؤدي إلى ذواتنا

إيميل سيوران
إيميل سيوران
TT

سيوران... صانع العزلة

إيميل سيوران
إيميل سيوران

لعل أبرز هؤلاء الكتّاب والفلاسفة الذين لم يعيشوا العزلة فحسب، بل نظروا لها، الفيلسوف الروماني الأصل، الفرنسي الجنسية، إيميل سيوران. ولو جرّبنا أن نقرأ هذا الفيلسوف بعناية، نجد أن جل أعماله تدور حول عزلة الإنسان. جان بول سارتر قال بعبارة شعبية: «الآخرون هم الجحيم». ولكن حالة سيوران تختلف، فهو يعطي العزلة تقديساً من نوع آخر، بل إنه تحدث كثيراً عن كون الإنسان في نهاية المطاف كائناً منعزلاً. والعزلة التي يقصدها سيوران هي صُنع العزلة من خلال الإبداع الخلاّق.
اكتشف سيوران الفراغ في الحياة اليومية وغرف الفنادق في باريس منذ عام 1937، مما دفع الفيلسوف في صيف عام 1946 إلى اتخاذ قرار حاسم، وهو: عدم الكتابة إلا باللغة الفرنسية، والتخلي عن أعماله التي كتبها بلغته الأصلية الرومانية. إلا أن مكتبة جاك دوسيه الأدبية في باريس قررت الاحتفاظ بها، لتكون أرشيفاً توثيقياً، في عام 1949. وقام نيكولاس كافيليس، محرر أعمال سيوران الكاملة في سلسلة «غاليمار» الشهيرة «لابلياد»، بترجمتها ونشرها في عملين، هما: «نافذة على العدم» و«المتناقضات»، في أواخر 2019. وهما يمثلان سيوران الشاب، حيثُ نرى فيهما احتفاءً بما نطلق عليه التجربة والخطأ. ولم يكتمل البحث الفلسفي العميق عند سيوران في هذين الكتابين. وقد أكّد فيهما على حقيقة أن «كل واحد منا يمكن أن يغرق في هاجسه الذاتي من الفجر حتى منتصف الليل، حتى يتجاوز نفسه ووعيه، وهو في مواجهة السعي لحّل الألغاز والأسرار التي تكتنف الشمس والأرض والسماء، إنها تأخذنا إلى عزلة النجوم أو عزلة الخرف أو اضطراب الذاكرة. ومهما يكن الاتجاه الفكري أو الفلسفي الذي يتبناه المرء، فإن جميع الطرق تؤدي إلى ذواتنا، كما لو أن هذه الذات هي روما في التاريخ».
ومن خلال الأمثال والاستطرادات التي يوردها الفيلسوف سيوران في كتابيه، نتعرف على الفيلسوف الذي يجنح نحو الغنائية المتخيلة، معتبراً أن الالتزام بالذات الفردية شكل من أشكال مركز الجاذبية، التي تفضي إلى الذاتية الموضوعية في نهاية المطاف. ويبرر سيوران كتابته هذه بأنها عفوية صادقة بعيدة عن النمطية الجاهزة؛ إنها نوع من أنواع القناع والهروب، وزعزعة الاستقرار على تفكير أحادي. ويقول سيوران في كتابه «المتناقضات»: «عندما أنظر إلى العيون والسماء والأزهار، فإنني أرى أن انسجام الكون مثل سوناته شعرية لا يمكن فك ألغازها وأسرارها وشيفرتها». ويضيف في لحظة تساؤل: «إن العالم المتقدم لم يتعرض للانهيار حتى الآن، ونحن فقدنا حساسيتنا إزاء السخرية». ومن خلال كتابه الثاني «نافذة على العدم»، يظهر سيوران المحب العاشق: «لقد عرفت النساء اللواتي لا يملكن الفخامة بالضرورة». وعند قراءة سيوران الشاب، يظهر التجلي الحاد للذات التي تكشفها رسائله. وفي الحقيقة، إن القارئ ليشعر في أثناء قراءة هذين الكتابين بأنه أقل عزلة مع سيوران.
وتتجلى عزلة الكتابة عند سيوران بطريقة فريدة من نوعها، وهي تنفتح على عناصر الشعور، والإحساس، والهوس، والصورة، والرمز، والفكرة، والمفهوم... إنها نوع من الاستبصار عبر الوجود والوعي. العزلة مع الذات، والإحساس بها إزاء الآخرين والأشياء. وتتجلى قوة الاستقلالية بأسمى صورها، ساعية إلى معالجة المحن التي يواجهها الإنسان المعاصر. وهذا الشعور بالعزلة غير قابل للذوبان أو الزوال، بل ينفتح على ذروة داخلية مأساوية ذات أبعاد كونية، وهي فلسفة الانفصال عن الآخرين، والصفاء مع الذات. ويتفق سيوران مع بيكيت في أن مارسيل بروست هو أول كاتب جعل «الفن يقدّس العزلة». ولعل هذه العزلة تجعل سيوران يبحث في تصوره عن الصداقة والآخرين، ومواجهة العزلة بأفكار أخرى، مثل استجواب كل من كيركغارد وشوبنهاور ونيتشه وسارتر وهايدغر، وإلقاء الضوء على أفكارهم في العزلة.
كيف نفهم عزلة الكاتب وأفعاله؟ وهل يتجاوز الكاتب هذه العزلة ليبحر في عزلة أكثر حدة؟ لا تزال جملة سيوران الشاب حاضرة: «على الإنسان أن يتعوّد على أن يكون بمفرده أكثر مما يتعوّد على الاختلاط بالآخرين»، وهذا هو جوهر فكرة سيوران عن العزلة. إنها بالأحرى التأملات التي تثيرها العزلة، وتلقي بظلالها على فضاءات فلسفية، وأدبية، وشعرية، ولغوية، ونفسية، وتاريخية. وتُجبرنا هذه العزلة على إدراك حدودنا، وماهية الموت الذي ينتظرنا، لأن الموت يحوّل الحياة إلى سؤال، وقلق، ومعنى. والروح تختنق في الجسد لأنه صغير جداً، ولا يقدر على استيعابها، كما يؤكد سيوران. ومن هنا يفرض القيد الزماني والمكاني شروطه على جوهر دراما الإنسان.
يكتب سيوران أن الإنسان لا يمكن أن يوجد إلا في الأنا، من خلال تأمل الفراغ الذي يقوده إلى أن يعيش كبرياء العزلة حتى النهاية، إذ لا يوجد أمام الإنسان سوى التفكير فيما يتعلق بذاته، فالحياة تجربة مؤلمة، لكنها الوحيدة التي تضع الكائن الإنساني في مواجه الإله. الهواجس هي شياطين عالم بلا إيمان، ولا يمكن إخفاء معاناة الإنسان إلا من خلال السخرية فقط. عندما تكون بمفردك، فإنك غير محدود، بل مُطلق. وبمجرد أن يدخل إنسان آخر في حياتك، فأنت تواجه حدوداً، وسرعان ما يحل العدم. لذا يجب الاتكاء على الذات، وليس على الآخرين. عندما أفكر بالعزلة، كما يقول سيوران، ترتسم صورة الصحراء في ذهني تلقائياً، فقد ظل القديس أنطونيوس منفصلاً عن العالم طيلة عشرين عاماً لكي يتأمل ويكتب. هل يمكن أن نتحمل هذه العزلة من دون مساعدة الإيمان؟ سؤال يطرحه سيوران: ليس أمام الإنسان سوى الشك أو الصحراء، ولا يمكن له أن يعيشهما معاً وفي آن واحد.
ما معنى المنفى في نظره؟ إنها لحظات العزلة القصوى. وسيوران لم يبدع أعماله الفلسفية المتميّزة إلا في صلب العزلة، حتى تحوّل إلى ناسك باريس. والمكان المناسب لتجربة العزلة في نظره هو «الجزيرة» و«الصحراء». فالعودة إلى الذات، تجعل الإنسان يخلقُ عزلة الذاتية لنفسه. وهو لا يعني أن يبقى محبوساً، لأنه يحب الشارع والحوار مع يوجين يونيسكو وهنري ميشو وصموئيل بيكيت، ولا يغفل حضور المؤتمرات والحفلات الموسيقية والمسارح، وهو يقول بهذا الصدد: «إنا مؤنس - ضد نفسي، عن طريق العقاب الذاتي»، والليل يثير في نفسه «روح التناقض»، حساسيته شبيهة بروحية الرومانسيين، روح قلقة تنجذب إلى «العزلة المطلقة». يقول سيوران أيضاً إنه «رومانسي متخلّف أنقذته السخرية». وهو مع بودلير، يعدُ نفسه «الغريب» بين البشر، وهو يعيش هوس الوقت: «الزمن يحفظني»، ويقول: «الشيخوخة هي اندحاري الوحيد». ويفترض سيوران أن ثمن المعاناة هي وجود الآخر، لكن فعل الكتابة يخفف من هذه الوطأة. لذا ثمة علاقة بين العزلة الفردية والعزلة الكونية، وهما يؤديان إلى العزلة الإبداعية، والتجربة الجمالية، وعظمة الروح.
اختفى سيوران في يونيو (حزيران) 1995، وتوّج القول المأثور، حيث ولد فقيراً وتوفي فقيراً، وكان يزدري المجد والشهرة. على أي حال، اشتهر سيوران بمديح العزلة، وتأثر بنيتشه والموسيقى. ونصوصه في عام 1931 كانت أكثر تشاؤمية، وامتدت إلى أعماله اللاحقة. وكان سيوران في العشرين من عمره، عندما نشر مقالاته في الصحف الرومانية، وكان مغرماً كبيراً بالفلاسفة الألمان، وهو القائل: «لا يمكنني الحديث عن الرأسمالية دون ذكر الموت». وجمل سيوران وعباراته مؤثرة، تشبه إلى حد ما قصائد الهايكو، في تكثيفها واختزالها للمشاعر والأحاسيس. وقد قال في عام 1934: «إننا لا يمكن أن نحقق السعادة لو استأثرنا بأنفسنا، فالتعاسة خطيئة ضد الحياة، لكنها تعبّر عن أعماقنا، إذ لا مصير إلا في إدراك مصيبتنا». وقد ثار سيوران ضد الذين قاموا بطرد زميله ومواطنه الفيلسوف ميرسيا إلياد من الجامعة عام 1937، لكنه لا يحمل الكراهية في أعماقه، وظل يحتفل بالمناظر البافارية وموسيقى موزارت وأحاديث عن غريتا غاربو. ونصوصه في العزلة ثمينة للغاية لأنها تجسّد وجوه سيوران المتنوعة؛ ذوقه للمفارقة، ورومانسيته الكئيبة، وكراهته للآيديولوجيات والأفكار الجاهزة وطائفته، ويقف بكل سخرية فولتيرية وجهاً لوجه ضد الأبدية، ويتساءل: كيف يمكن أن يعيش بعض الناس غير مبالين في هذا العالم؟ وكيف يمكن أن توجد قلوب لا تحترق بالألم والمعاناة؟



نصائح للحفاظ على رطوبة جسمك في رمضان

مفتاح ترطيب الجسم خلال أشهر الصيف الحارة شرب كثير من الماء (رويترز)
مفتاح ترطيب الجسم خلال أشهر الصيف الحارة شرب كثير من الماء (رويترز)
TT

نصائح للحفاظ على رطوبة جسمك في رمضان

مفتاح ترطيب الجسم خلال أشهر الصيف الحارة شرب كثير من الماء (رويترز)
مفتاح ترطيب الجسم خلال أشهر الصيف الحارة شرب كثير من الماء (رويترز)

قد يغفل كثير من الأشخاص الأهمية الكبيرة للحفاظ على رطوبة الجسم خلال ساعات الإفطار في شهر رمضان، لدعم صحة الجسم وتعزيز مستويات الطاقة به خلال الصيام.

ونقلت شبكة «سي إن إن» عن نظيمة قريشي، اختصاصية التغذية المسجلة في تورونتو، والمؤلفة المشاركة لكتاب «دليل رمضان الصحي»، قولها: «إن الخطأ الذي يرتكبه كثير من الناس في شهر رمضان هو عدم شرب كمية كافية من الماء، مما قد يؤدي إلى مشكلات في الجهاز الهضمي والجفاف وعدم الشعور بالراحة».

ومن جهته، قال الدكتور مايكل بيرسكين، طبيب أمراض الشيخوخة والطب الباطني في جامعة «نيويورك لانغون هيلث»، إن الجفاف إذا استمر لفترة طويلة يمكن أن يسبب ضرراً حقيقياً.

وأشار إلى أن «الجفاف قد يسبب شعوراً بالدوار والتهيج والتعب والصداع والخمول. وإذا كنت تعاني مرضاً قلبياً خفيفاً، فقد يؤدي الجفاف إلى زيادة معدل ضربات قلبك، وقد يؤدي ذلك إلى نوبة قلبية حادة أو سكتة دماغية».

ومن ناحيتها، أكدت الدكتورة لمى نزال، اختصاصية أمراض الكلى والأستاذة المساعدة في كلية «غروسمان» للطب بجامعة نيويورك، أن صحة الكلى أيضاً ترتبط ارتباطاً وثيقاً باستهلاك المياه، مشيرة إلى أن نقص المياه الكافية بمرور الوقت يمكن أن يؤدي إلى انخفاض وظائف الكلى.

تصل نسبة الماء في الخيار إلى 96 % (رويترز)

الإكثار من شرب الماء في فترة الإفطار

ينصح الخبراء بشرب أكبر كمية ممكنة من الماء قبل الصيام. وتقول لمى نزال إنه «بمجرد أن يكسر الناس صيامهم بعد غروب الشمس، يجب عليهم الاستمرار في شرب الماء طوال الليل».

وأضافت: «لا ينبغي لهم الشرب فقط عندما يشعرون بالعطش. يجب عليهم شرب السوائل بشكل عام طوال وقت الإفطار». وتنصح قريشي الناس بشرب كمية الماء نفسها في أيام الصيام كما يفعلون في يوم عادي.

وقال بيرسكين إن كبار السن عموماً لا يشربون كمية كافية من الماء، وبعضهم لا يفعل ذلك لأنهم قد يفقدون شعورهم بالعطش قليلاً. لذا، من المهم أكثر أن يشربوا مزيداً من الماء خلال شهر رمضان.

كن مبدعًا في تناول السوائل

ينصح الخبراء بالتنوع في تناول السوائل خلال ساعات الإفطار، وعدم الحصول عليها من الماء فقط.

وقالت قريشي: «يمكنك تناول الفواكه والخضراوات التي تحتوي على نسبة عالية من الماء، مثل البطيخ والخيار والحمضيات». لكنها أكدت أن هذا لا يعني أن يستبدل الأشخاص بالماء هذه الأطعمة؛ بل أن يتناولوها جنباً إلى جنب مع الماء. كما اقترحت قريشي بعض التعديلات على الماء لكسر الملل، مثل عصر القليل من الليمون عليه، أو إضافة شرائح الليمون أو النعناع إليه.

قلل من الكافيين

قد يؤدي شرب كثير من الكافيين إلى الإصابة بالجفاف. فالكافيين مدر للبول، مما يعني أنه يتسبب في إخراج الكلى مزيداً من الصوديوم والماء من الجسم عن طريق البول. وإذا لم يشرب الشخص كثيراً من الماء والسوائل لتعويض ذلك، فقد يصاب بالجفاف.