الأمن و«لقمة العيش» يحددان اختيار التونسيين لرئيسهم المقبل

مستشار الرئيس التونسي: المال السياسي قد يقود إلى «ديمقراطية المافيا»

المرشح الرئاسي مصطفى بن جعفر بين مناصريه في تونس أمس (أ ف ب)
المرشح الرئاسي مصطفى بن جعفر بين مناصريه في تونس أمس (أ ف ب)
TT

الأمن و«لقمة العيش» يحددان اختيار التونسيين لرئيسهم المقبل

المرشح الرئاسي مصطفى بن جعفر بين مناصريه في تونس أمس (أ ف ب)
المرشح الرئاسي مصطفى بن جعفر بين مناصريه في تونس أمس (أ ف ب)

«الباجي سينتصر.. صحيح؟».
هكذا خاطبت ليلى مبتسمة، سيدات جالسات معها، كن يتحدثن في السياسة بكل ارتياح، وأضافت ليلى، وهي صاحبة محل ملابس نسائية: «هل شاهدتن خطابه الأخير.. ما شاء الله وكأن عمره 25 سنة».
وتدخلت الأخريات لتأكيد قولها، لكن صديقتهن سميرة، وهي ربة بيت، قالت: «أنا بصراحة سأصوت للمرزوقي (الرئيس التونسي الحالي المنصف المرزوقي، وهو أيضا مرشح للرئاسة)»، فردت الأخريات بين ضاحكة وغاضبة في استنكار: «المرزوقي؟.. ماذا فعل لتونس؟ لقد أخذ فرصته وأثبت فشله».
أجابت سميرة «ولكنه رجل مثقف ورجل قانون، وهو على الأقل يراقب ويحاسب جماعة النداء (حركة نداء تونس) التي تعج بالتجمعيين، سيعودون جميعا، وسترون ليلى وبن علي».
وهنا تدخلت صاحبة المحل قائلة: «والله لا مانع لدي من عودة النظام القديم، ماذا ربحنا من الثورة غير المشاكل التي لم نكن نعرفها والخوف؟ والأهم من كل ذلك هو أنني أحب جدا الباجي، لقد قال في خطابه الأخير إنه مستعد لخلع ملابسه أمام جماهيره لإثبات أنه بصحة جيدة». وأثار كلامها ضحكات المستمعات لها.
رضا القابسي، وهو ميكانيكي على أبواب الستين، أكد أنه لا يهتم بمن سيفوز، وقال: «ما يهمني هو عودة الأمن، وعودة العمل. الثورة قامت وانتهت ولم نر منها شيئا غير الكلام». وأضاف بحماس «التونسي اليوم تهمه قفته (في إشارة إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية)، وسلامته من الاعتداءات، وسلامة بيته من السرقة، وبصراحة لم تكن لدينا هذه المخاوف قبل الثورة». وتابع: «الإرهاب الذي يتحدثون عنه، لا نرى أنه يشكل خطرا.. نحن لا نراه بل نسمع عنه فقط في نشرات الأخبار».
من جهته، قال فيصل بن مختار، وهو صاحب محل دواجن في الـ30 من العمر: «أنا مع بجبوج (الاسم الذي اشتهر به السبسي بين أوساط الشباب)، رجل حكيم رصين و(بعقله)، لقد سئمنا.. فـ3 سنوات من الكلام والبلاد تعج بالمشاكل»، في إشارة إلى تدهور الأوضاع بالبلاد.
وأضاف موضحا «ما يهمني بالدرجة الأولى هو تحسن القدرة الشرائية لينعكس ذلك على زبائني، كما يهمني الأمن لتعود الحياة للمدينة، فمنذ 3 سنوات وكل المحلات التجارية تغلق مع حلول الظلام لهواجس أمنية».
ويسود في مختلف مدن تونس هدوء حذر، وشعور يمتزج بين الخوف، وعدم الرضا، واللامبالاة. أما الحديث العام بين الناس فيتركز حول من سيفوز وحول خيارين: إما الباجي قائد السبسي رئيس الوزراء الأسبق، وزعيم حركة «نداء تونس» أو المنصف المرزوقي. أما بقية الأسماء فلا حديث عنها أو معها إلا في وسائل الإعلام التي أصبحت بدورها، وحسب بعض المراقبين: «مسيسة»، وشبه غائبة عن تجمعات المقاهي أو الأحاديث الثنائية.
كما تتناول وسائل الإعلام والسياسيون 3 ظواهر طغت على هذه الانتخابات وهي: المال السياسي ووجوده بقوة، والاستقطاب الثنائي، وهي قضية يقصد بها حزب «النهضة» و«نداء تونس»، ومسألة التصويت المفيد والذي يصب بدوره في اتجاه الاستقطاب.
وكانت كلمة «التغول» المانشيت الرئيس لكل وسائل الإعلام الورقية في تونس، والمحور الأساس لنقاشات البرامج التلفزيونية خلال الحملة الانتخابية، والمقصود بها أساسا هو المخاوف حول إمكانية «التغول»، والعودة للاستبداد ونظام الحزب الواحد في حالة فوز الباجي قائد السبسي، لأنه بذلك سيتحكم في الرئاسة والحكومة على حد سواء.
من جهته، قال أحمد الورفلي، المستشار القانوني لرئيس الجمهورية، في حديث لـ«الشرق الأوسط» أمس إن «المهم في هذه الحملة هو أننا نرى غياب العنف، وقد لاحظنا بعض التجاوزات اللفظية فقط، وفي المرحلة الحالية يمكن أن نقيم الوضع عموما بالمقبول». وحول ظاهرة المال السياسي في هذه الانتخابات أضاف الورفلي أن «خطورة المال السياسي إن وجد، أنه سيقود بالتأكيد إلى ديمقراطية المافيا». ولفت إلى أن استخدام المال في الانتخابات التشريعية كان موجودا، لكنه لم يؤثر جوهريا في قناعات الناخبين.
وبخصوص أداء الإعلام قال الورفلي إنه بحسب الأرقام المتوفرة فإن «الإعلام لم يعط نفس الحظوظ لكل المترشحين، ولم يراع مبدأ المساواة».
أما بخصوص ارتفاع عدد المرشحين للرئاسة فقد قال مستشار الرئيس التونسي «عندما ننظر من دون عمق سنرى أن ذلك يعد أمرا سيئا لأنه يشتت تفكير الناخب، لكن على المدى المتوسط أو الطويل سنكتشف محاسن هذا الأمر باعتبار أنه سمح للناخبين بأن يتذوقوا طعم حرية الاختيار، ولأنه من المهم أن يتخلص الناخب من منطق الخيار الواحد أو حتى الخيارين الأوحدين، لكن تدريجيا ستمضي تونس نحو عقلنة عدد المترشحين، خاصة إذا أظهرت السلطات العمومية الحزم في استرجاع التمويل العمومي من المترشحين الذين يحصلون على نسب هزيلة».
من جانبها، عبرت حركة «النهضة» أمس عن عدم تحملها لموقف حمادي الجبالي الذي جاء في تصريحات، اعتبرها المتبعون تحذيرا من التصويت للباجي قائد السبسي، وقالت الحركة في مؤتمر عقدته أمس إنها لا تتحمل مسؤولية هذه التصريحات، وإنها «تعبر عن موقفه الشخصي، وليس عن موقف الحركة». كما عدتها «تشويشا» على الحزب «في هذه المرحلة»، وأكدت «النهضة» موقفها بأنها لا تدعم أي مرشح رئاسي في هذه الحركة وتترك حرية الخيار للشعب. من جهتها، أعلنت الهيئة العليا للانتخابات أنها ستعلن اليوم الجمعة عن النتائج النهائية والتفصيلية للانتخابات التشريعية التونسية التي جرت في الـ24 من الشهر الماضي.



انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
TT

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)

ارتكبت جماعة الحوثيين في اليمن موجةً من الانتهاكات بحق قطاع التعليم ومنتسبيه شملت إطلاق حملات تجنيد إجبارية وإرغام المدارس على تخصيص أوقات لإحياء فعاليات تعبوية، وتنفيذ زيارات لمقابر القتلى، إلى جانب الاستيلاء على أموال صندوق دعم المعلمين.

وبالتوازي مع احتفال الجماعة بما تسميه الذكرى السنوية لقتلاها، أقرَّت قيادات حوثية تتحكم في العملية التعليمية بدء تنفيذ برنامج لإخضاع مئات الطلبة والعاملين التربويين في مدارس صنعاء ومدن أخرى للتعبئة الفكرية والعسكرية، بحسب ما ذكرته مصادر يمنية تربوية لـ«الشرق الأوسط».

طلبة خلال طابور الصباح في مدرسة بصنعاء (إ.ب.أ)

ومن بين الانتهاكات، إلزام المدارس في صنعاء وريفها ومدن أخرى بإحياء ما لا يقل عن 3 فعاليات تعبوية خلال الأسبوعين المقبلين، ضمن احتفالاتها الحالية بما يسمى «أسبوع الشهيد»، وهي مناسبة عادةً ما يحوّلها الحوثيون كل عام موسماً جبائياً لابتزاز وقمع اليمنيين ونهب أموالهم.

وطالبت جماعة الحوثيين المدارس المستهدفة بإلغاء الإذاعة الصباحية والحصة الدراسية الأولى وإقامة أنشطة وفقرات تحتفي بالمناسبة ذاتها.

وللأسبوع الثاني على التوالي استمرت الجماعة في تحشيد الكوادر التعليمية وطلبة المدارس لزيارة مقابر قتلاها، وإرغام الموظفين وطلبة الجامعات والمعاهد وسكان الأحياء على تنفيذ زيارات مماثلة إلى قبر رئيس مجلس حكمها السابق صالح الصماد بميدان السبعين بصنعاء.

وأفادت المصادر التربوية لـ«الشرق الأوسط»، بوجود ضغوط حوثية مُورِست منذ أسابيع بحق مديري المدارس لإرغامهم على تنظيم زيارات جماعية إلى مقابر القتلى.

وليست هذه المرة الأولى التي تحشد فيها الجماعة بالقوة المعلمين وطلبة المدارس وبقية الفئات لتنفيذ زيارات إلى مقابر قتلاها، فقد سبق أن نفَّذت خلال الأعياد الدينية ومناسباتها الطائفية عمليات تحشيد كبيرة إلى مقابر القتلى من قادتها ومسلحيها.

حلول جذرية

دعا المركز الأميركي للعدالة، وهو منظمة حقوقية يمنية، إلى سرعة إيجاد حلول جذرية لمعاناة المعلمين بمناطق سيطرة جماعة الحوثي، وذلك بالتزامن مع دعوات للإضراب.

وأبدى المركز، في بيان حديث، قلقه إزاء التدهور المستمر في أوضاع المعلمين في هذه المناطق، نتيجة توقف صرف رواتبهم منذ سنوات. لافتاً إلى أن الجماعة أوقفت منذ عام 2016 رواتب موظفي الدولة، بمن في ذلك المعلمون.

طفل يمني يزور مقبرة لقتلى الحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

واستحدث الحوثيون ما يسمى «صندوق دعم المعلم» بزعم تقديم حوافز للمعلمين، بينما تواصل الجماعة - بحسب البيان - جني مزيد من المليارات شهرياً من الرسوم المفروضة على الطلبة تصل إلى 4 آلاف ريال يمني (نحو 7 دولارات)، إلى جانب ما تحصده من عائدات الجمارك، دون أن ينعكس ذلك بشكل إيجابي على المعلم.

واتهم البيان الحقوقي الحوثيين بتجاهل مطالب المعلمين المشروعة، بينما يخصصون تباعاً مبالغ ضخمة للموالين وقادتهم البارزين، وفقاً لتقارير حقوقية وإعلامية.

وأكد المركز الحقوقي أن الإضراب الحالي للمعلمين ليس الأول من نوعه، حيث شهدت العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء إضرابات سابقة عدة قوبلت بحملات قمع واتهامات بالخيانة من قِبل الجماعة.

من جهته، أكد نادي المعلمين اليمنيين أن الأموال التي تجبيها جماعة الحوثي من المواطنين والمؤسسات الخدمية باسم صندوق دعم المعلم، لا يستفيد منها المعلمون المنقطعة رواتبهم منذ نحو 8 سنوات.

وطالب النادي خلال بيان له، الجهات المحلية بعدم دفع أي مبالغ تحت مسمى دعم صندوق المعلم؛ كون المستفيد الوحيد منها هم أتباع الجماعة الحوثية.