مخلوف يحذر الأسد من «أيام صعبة»... ويؤكد استعداده لها

خروج خلافهما إلى العلن يدفع الليرة السورية إلى انخفاض جديد

فرع شبكة «سيرياتل» في درعا وقد أقفل بعد اندلاع الاحتجاجات في مارس 2011 (رويترز)
فرع شبكة «سيرياتل» في درعا وقد أقفل بعد اندلاع الاحتجاجات في مارس 2011 (رويترز)
TT

مخلوف يحذر الأسد من «أيام صعبة»... ويؤكد استعداده لها

فرع شبكة «سيرياتل» في درعا وقد أقفل بعد اندلاع الاحتجاجات في مارس 2011 (رويترز)
فرع شبكة «سيرياتل» في درعا وقد أقفل بعد اندلاع الاحتجاجات في مارس 2011 (رويترز)

في تصعيد سريع، حذّر رجل الأعمال رامي مخلوف، ابن خال الرئيس بشار الأسد من مغبة التجاوزات والتهديدات التي يتعرض لها من قبل الأجهزة الأمنية، وقال في ظهور ثانٍ له خلال أقل من يومين، عبر تسجيل مصور نشره على حسابه في «فيسبوك» ومدته 10 دقائق، إنه تلقى تهديدات «إما أن تتنازل وإما أن نسجن كل جماعتك»، محذراً من «أيام قادمة صعبة».
واتهم مخلوف الأجهزة الأمنية باعتقال موظفي شركاته، وبالضغط عليه للتخلي عنها، بعد يومين من مناشدته في شريط فيديو نادر الرئيس بشار الأسد التدخل لإنقاذ شركة الاتصالات التي يملكها.
وأفادت مصادر بين ناشطين سوريين على مواقع التواصل الاجتماعي، باعتقال عدد من موظفي شركات رامي مخلوف، بينهم اثنان من كبار المديرين في «سيرياتل»، وهما بشر مهنا وسهيل صهيون، كما تحدثت عن اعتقالات تمت لبعض المقربين من رامي مخلوف، منذ مطلع فبراير (شباط) الماضي.
وقالت مصادر مطلعة في دمشق، إن قوات تابعة للقصر الجمهوري قامت بمداهمة فيلا رامي مخلوف في منطقة يعفور بريف دمشق، صباح أمس (الأحد)، قبل ساعات من بثّ الفيديو الذي ظهر فيه رامي مخلوف للمرة الثانية خلال يومين، ليحذر ابن عمته الرئيس الأسد أنه «في حال استمر الأمر على هذا النحو سيكون الأمر خطيراً»، معلناً عدم رضوخه للضغوط وعدم تنازله عما يملكه، والذي هو حسب تعبيره «جني العمر»، وأن الأموال ليست له، بل هو «مؤتمن عليها في ابتلاء إلهي»!!
وأضاف مصعداً نبرته: «نحن أمام تفاصيل لن نكون قادرين على السيطرة عليها إذا ما استمرت الضغوط علينا «والتي أصبحت غير مقبولة ولا إنسانية»، متوعداً بأيام قادمة «ستكون صعبة وأنا جاهز لها».
وكشف مخلوف عن أن سبب ظهوره مجدداً هو «استمرار التجاوزات والتهديدات» من قبل الأجهزة الأمنية، وتعرضه للضغوط، وبدء حملة اعتقالات لموظفيه، من بينهم مديرون في شركاته. وفي رسالة غير مباشرة لحاضنة النظام الشعبية من الموالين وأبناء الطائفة الداعمين للنظام، عبّر مخلوف عن استغرابه من تصرفات الأجهزة الأمنية، متسائلاً؛ كيف يتم اعتقال من دافع عن النظام وعن الرئيس خلال الحرب، وكيف يتم التعامل بهذه الطريقة مع شركات ومؤسسات كانت أكبر داعم وأكبر خادم لهذه الأجهزة الأمنية؟ ثم توجه للأسد، بالقول: «اليوم بلشت الضغوطات بطريقة غير مقبولة بشكل لا إنساني، وبلشت تعتقل موظفينا».

ويعد ذلك هجوماً غير مسبوق على قوات الأمن من أحد أكثر الشخصيات النافذة في سوريا. وتابع مخلوف: «يا سيادة الرئيس، الأجهزة الأمنية بلشت تعتدي على حريات الناس... هدول ناسك... هدول موالين... هدول كانوا معك. الوضع صعب وخطير، والله إذا استمر بينا بها الحال، وضع البلد كتير صعب». وتابع أن «هذا ظلم واستخدام للسلطة في غير محلها». وبحسب «رويترز»، فإن قوات الأمن لم تستجب لطلب التعقيب الذي طلبته الوكالة.
وكانت مصادر سورية تحدثت في أوقات سابقة عن وجود توتر في العلاقة بين رامي مخلوف والرئيس الأسد، لم تتضح تفاصيله، إذ تمت مصادرة وسائل إعلام محلية كان يديرها مخلوف ومقرات جمعية خيرية تابعة له. وأعلنت الحكومة سلسلة من قرارات الحجز على أموال مخلوف في الأيام الماضية. ورجّحت المصادر أن يكون سبب الخلاف وجود مخاوف حول مصير أموال عائلة الأسد، المؤتمن عليها الخال محمد مخلوف منذ عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد، والذي تولى إدارتها ابن الخال رامي مخلوف، بعد وصول بشار الأسد إلى الرئاسة صيف عام 2000. في ظل تقدم الخال محمد مخلوف في السن، وتراجع حالته الصحية، في وقت يمارس فيه الجانب الروسي ضغوطاً على الأسد لسداد ديونه من عائدات الشركات التي يديرها مخلوف.
يشار إلى أن الحملة على مخلوف رافقها تصريح للأسد في مقابلة مع التلفزيون السوري الرسمي نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عن مكافحة الفساد في المؤسسات الرسمية والقطاع الخاص. عندما قال: «في القطاع الخاص، طلب من كل من أهدر أموال الدولة أن يعيد الأموال (...) نريد أموال الدولة أولاً قبل أن نلاحق ونحوّل إلى القضاء».
وأصدرت السلطات السورية، في ديسمبر (كانون الأول)، سلسلة قرارات بالحجز الاحتياطي على الأموال المنقولة وغير المنقولة لعدد من كبار رجال الأعمال في سوريا، بينهم مخلوف وزوجته وشركاته. ووجّهت إلى رجال الأعمال تهم التهرّب الضريبي والحصول على أرباح غير قانونية خلال سنوات الحرب.
وكان رامي مخلوف قد تلقى إنذاراً بتسديد أكثر من 150 مليار ليرة، قبل حلول مايو (أيار) الحالي، أو نقل حصته من شركة الاتصالات «سيرياتل» لصالح مؤسسة الاتصالات الحكومية. ومع حلول الموعد ظهر رامي مخلوف في فيديو مدته 15 دقيقة بثّه بصفحته على «فيسبوك» ليل الخميس - الجمعة، في أول إطلالة له منذ عام 2011 يناشد الأسد بالتدخل لإنقاذ شركته (سيرياتل) للاتصال من الانهيار، معتبراً المبلغ الكبير المطلوب سداده مجحفاً.
وقدّر مخلوف قيمة المبلغ المُطالب بتسديده بين 125 مليار (178.5 مليون دولار) و130 مليار ليرة. وقال: «لا نتهرّب من الضريبة ولا نتلاعب على البلد (...) ندفع ضرائبنا وندفع تقاسم العائدات للحكومة». إلا أن قريب الرئيس السوري، الذي اعتبر أن «مطالب الدولة غير محقة»، ناشد الأسد تجنيب الشركة الانهيار وجدولة المبالغ المستحقة، وعاد وكرر المناشدة في بيان الثاني أمس: «لا تصدق من حولك... لا تسمح لهم بخرق الدستور والتعدي على القانون... أنا لن أتنازل، وأطلب منك يا سيادة الرئيس أن تنصفنا وتسمعنا، وإذا لم تفعل فليس لنا سوى الله ليحمي البلد من الخطر القادم».
ومع خروج خلاف الأسد - مخلوف إلى العلن سجلت الليرة السورية انخفاضاً جديداً في قيمتها مقابل الدولار الأميركي من 1270 ليرة إلى 1340 ليرة للدولار الواحد.
ويرأس رامي مخلوف مجموعة شركات، أبرزها شركة «سيرياتل» التي تملك نحو 70 في المائة من سوق الاتصالات في سوريا. كما كثير من شركات البناء والنفط، وعقارات في العاصمة الروسية موسكو تقدر بـ40 مليون دولار، وفق منظمة «غلوبال ويتنس».
الحكومة السورية رداً على بيان رامي مخلوف الأول، تحدثت عن تمسّكها بمطالبته بسداد مستحقات مالية على مؤسسة الاتصالات من شركة «سيرياتل»، وذلك بهدف «تحصيل المال العام». وفي بيان لـ«هيئة الاتصالات» طالبت الشركتين المشغّلتين للهاتف الجوال في سوريا (سيرياتل وإم تي إن) بدفع «مبالغ مستحقة لخزينة الدولة تبلغ 233.8 مليار ليرة سورية» (334 مليون دولار)، استناداً إلى قرار صدر عن رئاسة الوزراء، مبينة أن المبالغ المطلوب سدادها هي «مبالغ مستحقة للدولة» وفقاً لوثائق واضحة وموجودة، ويجب سدادها قبل الخامس من الشهر الحالي (الثلاثاء). وقالت «الهيئة الناظمة للاتصالات» في بيان لها، أمس (الأحد)، إنها تبلغت من شركة «تيلي أنفست»، أحد الشركاء الرئيسيين في شركة «إم تي إن سوريا»، استعدادها لتسديد ما يترتب عليها من مبالغ تبعاً لحصتها القانونية في الشركة، ووفقاً لمضمون قرار الهيئة.



نصف سكان اليمن يواجهون تهديدات زائدة بسبب تغير المناخ

الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)
الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)
TT

نصف سكان اليمن يواجهون تهديدات زائدة بسبب تغير المناخ

الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)
الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)

نبّه البنك الدولي إلى المخاطر الزائدة التي يواجهها اليمن نتيجة لتغير المناخ، في وقت يعاني فيه من نزاع طويل الأمد نتيجة انقلاب الحوثيين على السلطة الشرعية. وأكد أن سكاناً كثيرين يواجهون تهديدات نتيجة تغير المناخ، مثل الحرارة الشديدة، والجفاف، والفيضانات.

وذكر ستيفان غيمبيرت، المدير القطري للبنك الدولي في مصر واليمن وجيبوتي، أن «اليمن يواجه تقاطعاً غير مسبوق للأزمات: النزاع، وتغير المناخ، والفقر». وطالب باتخاذ إجراءات فورية وحاسمة «لتعزيز المرونة المناخية لأن ذلك مرتبط بحياة الملايين من اليمنيين». وقال إنه من خلال الاستثمار في الأمن المائي، والزراعة الذكية مناخياً، والطاقة المتجددة، يمكن لليمن أن يحمي رأس المال البشري، ويعزز المرونة، ويضع الأسس «لمسار نحو التعافي المستدام».

الجفاف والفيضانات والحرارة الشديدة تهدد ملايين اليمنيين (الأمم المتحدة)

وفي تقرير لمجموعة البنك الدولي الذي حمل عنوان «المناخ والتنمية لليمن»، أكد أن البلاد تواجه تهديدات بيئية حادة، مثل ارتفاع درجات الحرارة، والتغيرات المفاجئة في أنماط الأمطار، والزيادة في الأحداث الجوية المتطرفة، والتي تؤثر بشكل كبير على أمن المياه والغذاء، بالإضافة إلى التدهور الاقتصادي.

ووفق ما جاء في التقرير الحديث، فإن نصف اليمنيين يواجهون بالفعل تهديدات من تغير المناخ مثل الحرارة الشديدة، والجفاف، والفيضانات. ‏وتوقع أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي السنوي لليمن بنسبة 3.9 في المائة بحلول عام 2040 إذا استمرت السيناريوهات المناخية السلبية، مما يفاقم أزمة الفقر وانعدام الأمن الغذائي.

تحديات متنوعة

في حال تم تطبيق سيناريوهات مناخية متفائلة في اليمن، تحدث تقرير البنك الدولي عن «فرص استراتيجية» يمكن أن تسهم في تعزيز المرونة، وتحسين الأمن الغذائي والمائي. وقال إن التوقعات أظهرت أن الاستثمارات في تخزين المياه وإدارة المياه الجوفية، مع استخدام تقنيات الزراعة التكيفية، قد تزيد الإنتاجية الزراعية بنسبة تصل إلى 13.5 في المائة بين عامي 2041 و2050.

وامتدت تحذيرات البنك الدولي إلى قطاع الصيد، الذي يُعد أحد المصادر الأساسية للعيش في اليمن، وتوقع أن تتسبب زيادة درجات حرارة البحر في خسائر تصل إلى 23 في المائة في قطاع الصيد بحلول منتصف القرن، مما يعمق الأزمة الاقتصادية، ويسهم في زيادة معاناة المجتمعات الساحلية.

التغيرات المناخية ستسهم في زيادة الفقر وانعدام الأمن الغذائي (إعلام محلي)

واستعرض البنك في تقريره التحديات الصحية الناجمة عن تغير المناخ، وقال إنه من المتوقع أن يكلف ذلك اليمن أكثر من 5 مليارات دولار بحلول عام 2050، وتتضمن هذه التكاليف الرعاية الصحية الزائدة نتيجة للأمراض المرتبطة بالطقس مثل الملاريا والكوليرا، وهو ما يضع ضغطاً إضافياً على النظام الصحي الذي يعاني بالفعل من ضعف شديد.

ولهذا، نبّه التقرير إلى أهمية دمج المرونة المناخية في تخطيط الصحة العامة، مع التركيز على الفئات الضعيفة، مثل النساء والأطفال. وفيما يتعلق بالبنية التحتية، أشار التقرير إلى أن المناطق الحضرية ستكون الأكثر تأثراً بازدياد الفيضانات المفاجئة، مع تحذير من أن التدابير غير الكافية لمواجهة هذه المخاطر ستؤدي إلى صدمات اقتصادية كبيرة تؤثر على المجتمعات الهشة.

وفيما يخص القطاع الخاص، أكد التقرير على أن دوره في معالجة التحديات التنموية العاجلة لا غنى عنه. وقال خواجة أفتاب أحمد، المدير الإقليمي للبنك الدولي لـ«الشرق الأوسط»، إن «القطاع الخاص له دور حيوي في مواجهة التحديات التنموية العاجلة في اليمن. من خلال آليات التمويل المبتكرة، يمكن تحفيز الاستثمارات اللازمة لبناء مستقبل أكثر خضرة ومرونة».

وتناول التقرير إمكانات اليمن «الكبيرة» في مجال الطاقة المتجددة، وقال إنها يمكن أن تكون ركيزة أساسية لاستجابته لتغير المناخ، لأن الاستثمار في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح سيسهم في تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، وتوفير بنية تحتية مرنة لدعم الخدمات الحيوية، مثل الصحة والمياه.

تنسيق دولي

أكد البنك الدولي على «أهمية التنسيق الدولي» لدعم اليمن في بناء مرونة مناخية مستدامة، مع ضرورة ضمان السلام المستدام كون ذلك شرطاً أساسياً لتوفير التمويل اللازم لتنفيذ هذه الاستراتيجيات.

ورأى أن اتخاذ قرارات مرنة، وتكييف الإجراءات المناخية مع الواقع السياسي في اليمن، من العوامل الحاسمة في مواجهة التحديات، وقال إن التركيز على «السلام والازدهار» يمكن أن يحقق فوائد اقتصادية واجتماعية أكبر في المستقبل.

وزير المياه والبيئة اليمني مشاركاً في فعاليات تغير المناخ (إعلام حكومي)

من جهته، أكد وزير المياه والبيئة توفيق الشرجبي في الجلسة الخاصة بمناقشة هذا التقرير، التي نظمها البنك الدولي على هامش مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، أهمية دمج العمل المناخي في استراتيجية التنمية، والتكيف مع تقلبات المناخ، ومناقشة العلاقة بين المناخ والنزاع والتنمية.

وأشار وزير المياه والبيئة اليمني إلى أن تقرير المناخ والتنمية يشكل مساهمة جيدة لليمن في مواجهة تغير المناخ، وسيعمل على تسهيل الوصول لعدد من التمويلات المناخية في ظل الهشاشة الهيكلية والتقنية التي تعيشها المؤسسات جراء الحرب.

وقال الشرجبي إن التقرير يتماشى بشكل كبير مع الأولويات العاجلة لليمن، خصوصاً في مجال الأمن المائي والغذائي، وتعزيز سبل العيش، وتشجيع نهج التكيف المناخي القائم على المناطق، لافتاً إلى أهمية دور الشركاء التنمويين لليمن في تقديم المساعدة التكنولوجية والتقنية، وبناء القدرات.