حراك الجزائر يبحث عن «عودة جديدة» بعد هدنة

مظاهرات في الجزائر في فبراير (إ.ب.أ)
مظاهرات في الجزائر في فبراير (إ.ب.أ)
TT

حراك الجزائر يبحث عن «عودة جديدة» بعد هدنة

مظاهرات في الجزائر في فبراير (إ.ب.أ)
مظاهرات في الجزائر في فبراير (إ.ب.أ)

في بداية مارس (آذار) الماضي، أعلن نشطاء الحراك الشعبي بالجزائر عن تعليق المظاهرتين الأسبوعيتين، يومي الثلاثاء المخصص لطلاب الجامعات والجمعة الذي يشمل الاحتجاجات في كامل أنحاء البلاد، خوفاً من انتشار عدوى «كورونا»، مع بداية إحصاء أولى الحالات.
وحققت الأزمة الصحية للسلطة الجديدة، المنبثقة من انتخابات 12 ديسمبر (كانون الأول) 2019، ما لم تتمكن من تنفيذه منذ أشهر باعتقال المتظاهرين وسجنهم، والضغط على وسائل الإعلام التي رافقت الحراك، بغرض وقفه نهائياً على أساس أنه «يجب ألا يستمر بعدما جسد ما كان يطمح إليه»، وهو إزاحة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عن الحكم، ومحاربة أبرز مساعديه في القضاء. فاستماتة المحتجين لأكثر من عام، وحرصهم على «بناء دولة مدنية بدل الحكم العسكري»، كان أمراً مزعجاً للرئيس الجديد عبد المجيد تبَون، والجيش الذي وجد نفسه من جديد في قلب السياسة، رغم إعلان قادته في عدة مناسبات أنهم طلَقوها بعد دخول البلاد عهد التعددية السياسية قبل 31 عاماً.
ورغم توقف الحراك «مؤقتاً»، كما يحرص على التأكيد نشطاؤه، استمرت الاعتقالات والمحاكمات والاستجوابات في مخافر الشرطة. وشكلت «الهدنة» فرصة للسلطة لـ«تصفية حسابها مع الحراك»، بحسب وليد سغوان الناشط من حي باش جراح الشعبي، بالضاحية الجنوبية للعاصمة، الذي أكد أن «حملة الاعتقالات التي نعيشها منذ شهر تعكس اضطراب نظام الحكم، وخوفه من عودة الحراك أكثر قوة، بعد القضاء على الوباء، ويعكس أيضاً عجز الحكومة عن تسيير الأزمة الصحية، بدليل أن الإصابات والوفيات عندنا جراء الفيروس هي الأكبر في كل أفريقيا والعالم العربي».
وفي ظل استمرار الأزمة الصحية، وعدم وضوح آفاق نهايتها، يطرح السؤال حول مدى قدرة الحراك على بعث الروح في جسده بسبب توقفه طويلاً. ويقول المحلل السياسي زين الدين غبولي: «كانت قدرة الحراك على تعليق احتجاجاته مثيرة للاهتمام، لكن قدرته على العودة إلى الاحتجاجات، واللجوء إلى أدوات ملحة أخرى للنضال السلمي، هي أكثر طرحاً للأسئلة خلال الأسابيع المقبلة. من الواضح اليوم أن احتجاجات يومي الجمعة والثلاثاء غير كافية، خاصة بعد تنصيب تبون رئيساً. ولهذا السبب تم تنظيم بعض الاحتجاجات التصعيدية يوم السبت، وتعرضت لقمع غير عادي. اليوم، ليس السؤال فقط ما إذا كان الحراك سيعود، لكن بأي أشكال سيعود؟».
وبحسب غبولي «لا يمكن للحراك أن يعود إلى ما كان عليه قبل الأزمة. يمكنه فقط أن يتصاعد، ويضع مزيداً من الضغط على السلطة، أو يهدأ ويتلاشى ببطء. ويعتمد ذلك على مدى قدرة الحراك على التنظيم الذاتي، والعمل كبديل لاستجابة السلطة غير المرضية. لذلك أعتقد أن حظوظ الحراك في العودة أكثر قوة متوقف أساساً على ما سيفعله خلال أسبوعي التوّقف المؤقّت».
ويرى المحلل السياسي أن المتظاهرين «واعون لكونهم لم يتمكنّوا من الحصول إلّا على استقالة بوتفليقة، في 02 أبريل (نيسان) 2019، التي كانت في الواقع تحصيل حاصل بمجرد مرور الأسبوع الثاني من الاحتجاجات، وانهيار قاعدة مساندة بوتفليقة. فالجزائريون رغم سقوط بوتفليقة ما زالوا يعانون من قيود على حرّياتهم الفردية والجماعية بشكل أكبر من زمن بوتفليقة، وهم مدركون أن عودتهم لمنازلهم تعني عقوداً من الديكتاتورية، وتفريطاً في المساحات العامة».
وفيما تضجَ حسابات المتظاهرين بالمنصات الرقمية الاجتماعية بالدعوة إلى «الحفاظ على وهج الحراك»، عن طريق التكثيف من نشر الفيديوهات الخاصة بالمظاهرات لما كانت في أوجَها، في انتظار العودة إلى الشارع، تسعى الحكومة إلى «كسب ود الجزائريين»، لتدارك «نقص الشرعية» الناجمة عن معدل تصويت ضعيف في الانتخابات الرئاسية، وذلك بإطلاق أعمال للسيطرة على الوباء، تتمثل في استيراد كميات كبيرة من وسائل الوقاية من الصين، وتجريب بروتوكول العلاج بـ«كلوروكين» على المصابين «نزولاً عند رغبة الجماهير»، زيادة على وعود بصرف منح وعلاوات، ومراجعة أجور الأطباء والممرضين والعاملين بالمستشفيات والمصحات الحكومية. كما أعلنت عن تأجيل دفع الضرائب بالنسبة للمؤسسات، وتدابير أخرى لفائدة مئات الآلاف من الأشخاص الذين يشتغلون بالأجرة اليومية الذين اضطرتهم الأزمة للتوقف عن العمل.
وتواجه الحكومة انتقادات شديدة بسبب «تسامحها الكبير مع المواطنين طمعاً في إرضائهم»، بعد أن قررت التخفيف من إجراءات الحجر الصحي في أول يوم من شهر رمضان. فمشاهد الاكتظاظ، وانعدام وسائل الوقاية، خاصة الكمامات، في الأسواق والفضاءات التجارية، يرعب كثيرين ممن يخشون «مصيراً شبيهاً بإيطاليا» التي استهانت حكومتها بانتشار الوباء في بدايته، فكانت النتيجة مكلفة جداً.


مقالات ذات صلة

لماذا ارتدت إمبراطورة اليابان قناعاً للوجه أثناء جلوسها بجوار الملكة كاميلا؟

يوميات الشرق الإمبراطورة اليابانية ماساكو مع الملكة كاميلا (رويترز)

لماذا ارتدت إمبراطورة اليابان قناعاً للوجه أثناء جلوسها بجوار الملكة كاميلا؟

فاجأت الإمبراطورة اليابانية، ماساكو، المواطنين ووسائل الإعلام البريطانية عندما استقلّت عربة تجرها الخيول مع الملكة كاميلا وهي ترتدي قناعاً للوجه.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الولايات المتحدة​ شخصان يرتديان الكمامات الطبية في متجر بمدينة فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا الأميركية 15 أبريل 2024 (أ.ف.ب)

​بسبب دعم فلسطين... كيف تحولت الأقنعة من «إلزامية» إلى «إجرامية» بولايات أميركية؟

يعمل المشرّعون في أميركا ومسؤولو إنفاذ القانون على إحياء القوانين التي تجرّم ارتداء الأقنعة لمعاقبة المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين الذين يخفون وجوههم.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك رجل يمر أمام نموذج مضيء لفيروس «كورونا» (رويترز)

لماذا لا يصاب البعض بفيروس كورونا؟

اكتشف باحثون اختلافات في ردود فعل الجهاز المناعي تجاه فيروس كوفيد - 19 قد تفسر لماذا لم يصب بعض الأشخاص بالفيروس.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الولايات المتحدة​ قوارير تحتوي على لقاح «فايزر/بيونتيك» ضد مرض فيروس كورونا (كوفيد-19) معروضة قبل استخدامها في عيادة لقاح متنقلة في فالبارايسو، تشيلي، 3 يناير 2022 (رويترز)

ولاية أميركية ترفع دعوى قضائية ضد شركة «فايزر» بتهمة إخفاء مخاطر لقاح كوفيد-19

رفعت ولاية كانساس الأميركية، أمس الاثنين، دعوى قضائية ضد شركة «فايزر»، متهمة الشركة بتضليل الجمهور بشأن لقاح كوفيد-19 من خلال إخفاء المخاطر.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك رجل يمر أمام نموذج مضيء لفيروس «كورونا» (رويترز)

الإصابة السابقة بـ«كورونا» قد تحمي من نزلات البرد

أفادت دراسة أميركية، بأن الإصابات السابقة بفيروس «كورونا» يمكن أن توفر بعض الحماية للأشخاص ضد أنواع معينة من نزلات البرد التي تسببها فيروسات كورونا الأقل حدة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

شراء التذكرة من مناطق الحوثيين شرطهم للسفر عبر مطار صنعاء

الحكومة اليمنية أمرت بنقل ما تبقّى من أنشطة شركة الطيران إلى عدن (إعلام حكومي)
الحكومة اليمنية أمرت بنقل ما تبقّى من أنشطة شركة الطيران إلى عدن (إعلام حكومي)
TT

شراء التذكرة من مناطق الحوثيين شرطهم للسفر عبر مطار صنعاء

الحكومة اليمنية أمرت بنقل ما تبقّى من أنشطة شركة الطيران إلى عدن (إعلام حكومي)
الحكومة اليمنية أمرت بنقل ما تبقّى من أنشطة شركة الطيران إلى عدن (إعلام حكومي)

دخلت المواجهة الاقتصادية بين الحكومة اليمنية والجماعة الحوثية منعطفاً آخر مع قيام الأخيرة بمنع سفر الركاب عبر مطار صنعاء إذا لم يكونوا قد دفعوا قيمة التذاكر في مناطق سيطرتها، وذلك رداً على قرار الخطوط الجوية اليمنية بقطع التذاكر من المناطق الخاضعة للحكومة أو من مكاتبها خارج اليمن.

وكان قرار الخطوط الجوية اليمنية بإغلاق إصدار التذاكر من مناطق سيطرة الحوثيين قد جاء بعد قيامهم بتجميد 100 مليون دولار من أرصدة الشركة، وعدم السماح للشركة باستخدام هذه الأموال في أمور الصيانة.

جانب من مطار صنعاء الدولي الخاضع للحوثيين (رويترز)

وقال محمد سعيد باوزير، مساعد مدير إدارة المردود التجاري في الخطوط الجوية اليمنية، إنهم فوجئوا بقرار سلطة الحوثيين في صنعاء بمنع الركاب من الحصول على تذاكر السفر من خارج مناطق سيطرتها من السفر عبر مطار صنعاء، مؤكداً أن الجماعة قامت بتجميد أرصدة الشركة، وتقييد السحب من حساباتها في البنوك التجارية العاملة في نطاق سيطرة الجماعة.

وأوضح باوزير أنه حتى الآن، بلغ رصيد الخطوط الجوية اليمنية المحتجزة في بنوك مناطق سيطرة الحوثيين أكثر من 100 مليون دولار؛ ما أدى إلى عجز الشركة عن الوفاء بالتزاماتها الخارجية من صيانة ومصاريف التشغيل ووقود الطائرات.

وذكر المسؤول اليمني أن أكبر طائرة في أسطول الشركة من طراز «إيرباص 330» متوقفة في مطار صنعاء الدولي لقرابة الشهر نتيجة رفض سلطة الحوثيين السماح بسحب قيمة محرك جديد للطائرة، بالإضافة إلى مصاريف الصيانة لإعادة تشغيلها، وأكد أن كل دولار يجري دفعه في مناطق سيطرة الحوثيين يجري تجميده، ولا تستطيع الخطوط الجوية اليمنية الاستفادة منه.

توجيهات الحوثيين بمنع السفر عبر مطار صنعاء إلا بتذاكر من مناطقهم (إعلام حوثي)

من جهته، دعا هاني القرشي رئيس نقابة العاملين في الخطوط الجوية اليمنية كل الأطراف السياسية دون استثناء إلى ترك الناقل الوطني ليعمل بكل حيادية ومهنية، ويؤدي دوره في نقل المواطنين من وإلى اليمن، مؤكداً أن للشركة بروتوكولاً خاصاً ولوائح تنظم عملها، ولا يسمح بالتدخل فيها.

وقال القرشي إن القرارات الأخيرة من الجانبين تضر بالمواطن والمسافر اليمني، وتضاعف من معاناته الحالية في السفر والتنقل، وقال إنه إذا لزم الأمر ووُجدت أمور أو قضايا محل خلاف فينبغي حلها عبر القنوات الرسمية بكل مرونة، وترك الشركة تقوم بدورها دون تعقيدات.

توجيهات حكومية

كانت وزارة النقل اليمنية في عدن قد أمرت الخطوط الجوية اليمنية باتخاذ خطوات عاجلة لحماية أصول وأموال الشركة من سيطرة الحوثيين، وطلبت نقل كل الأنشطة وإيراداتها إلى عدن، أو إلى حسابات الشركة في الخارج. ‏وأكدت الوزارة ضرورة تحويل إيرادات مبيعات الشركة إلى تلك الحسابات بشكل عاجل، تماشياً مع قرار البنك المركزي اليمني الذي أوقف التعامل مع البنوك والمصارف في مناطق سيطرة الحوثيين، والتي تودع فيها أموال الشركة حالياً. وشددت الوزارة في الحكومة اليمنية الشرعية على أهمية استكمال الترتيبات الفنية والتجارية لنقل ما تبقَّى من أنشطة شركة الخطوط الجوية اليمنية من صنعاء إلى عدن، وتوريد حصيلة مبيعات التذاكر إلى الحسابات المحددة ضمن السياسات الحكومية العاجلة التي أقرّها مجلس الوزراء، والتي تشمل تحويل كل الحسابات والأرصدة المالية للوحدات الاقتصادية إلى البنك المركزي في عدن، ومنع انتقال أموال الشركات العامة إلى مناطق سيطرة الحوثيين.

الخطوط الجوية اليمنية تكافح في استمرارية عملها رغم الصراع بين الحكومة والحوثيين (إعلام حكومي)

كما دعت وزارة النقل اليمنية جميع وكالات السفر المعتمدة التي تقع تحت سيطرة الحوثيين، للانتقال إلى العاصمة المؤقتة عدن وجميع المحافظات المحررة، أو إلى خارج اليمن؛ لمزاولة نشاطها. وأكدت أنها وجهت شركة الخطوط الجوية اليمنية، بالتنسيق مع الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد، بتقديم كل التسهيلات التي تحظى بها وكالات السفر في المحافظات المحررة دون تمييز أو استثناء، انطلاقاً من حرصها الشديد على مصالح جميع وكالات السفر في جميع أنحاء البلاد.